10.4.13

ثورة الوعي 72


هذا هو جمال الوعي: أنه حر وقادر على مقاومة أي توريط أو رشوة أو إغواء أو إحباط.، ولا يمكن محاصرته لان ليس له حدود. قد يبقى أسيرا لفترة، لكن لحظة التفهّم تطلقه فيحلق عاليا. مثلا تكون لسنين طويلة متعصبا لإسلامك او  لعذاباتك ... وبعد التّفكر والتفهّم لمساوئ وتفاهة هذا التعصب، بلحظة واحدة تصبح متسامحا ودودا منفرج الأسارير، إن فهمت طبعا.
 
لا نقول انك تخليت عن إسلامك.. لا ، بل انت فهمت وتغيّرت.  ستبقى مسلما او مسيحيا..لكنك ألآن لست مشروطا ولست مسجونا بهذا اللون من الاعتقاد، ولم تعد ضد الآخر، انت الآن ترى تفاهة التعصب، هذا ان فهمت، لان الوعي والفهم مترادفان. سيبقى إسلامك في ذاكرتك، لكن وعيك خرج من دائرة التعصب وتعالى، تماما كما تقف على تلّة عالية مشرفة على واد وتنظر من عل وترقب. الآن مات التعصب الديني في الوادي بعيدا دون ان يصيبك حزن او أذى لأنك تراقب.

ورجوعا الى طريقة الشرق في معالجة المشاكل، نستطيع تلخيصها بكلمة واحدة: المراقبة. وكل طرق الغرب نلخصها ايضا بكلمة : التحليل.

في التحليل أنت تدور حول الشيء، بينما في المراقبة انت تخرج كليا من المشكلة. التحليل هو الدوران في حلقة مقفلة وهذا ما يقودك للحيرة والاحباط. التحليل لا ينتهي، لأنه يقدم لك دائما نصف الوجبة المطلوبة ، فتركض للنصف الآخر الذي يفتح أنصاف تالية. مثلا متى بدأَت غريزتك الجنسية؟ هل في سن الرابعة عشر..لا؟، إنها منذ البداية في الجسد، ومن اين اتت؟ من الأم والأب، وقبل ذلك.....الى آدم وحواء، وقبلها..؟ وما زال امامنا الكثير من الاسئلة.

التحليل دلئما يزودك بنصف المعرفة، وهو لا يساعد احدا. فوائده انه يمكنّك فقط من التأقلم مع ما هو سائد في المجتمع. إنه يمنحك بعض الأمان ويكشف عن انصاف وبدايات الأشياء، السببية بدون حلول.

المراقبة: ثورة، إنها تغيير جذري وخلع للمشكلة من جذورها، وهي تولّد إنسانا جديدا، لأنها تخلِّص وعيك من كل الشروط والمسببات والمحددات. هذه الشروط مزروعة في الجسد والدماغ كالاضطهاد والخوف الغير معترف بهم من قِبَل الوعي. لأن الوعي دائما صافي ويبقى صافيا وعذريا ولا يمكن اغتصابه، إن فهمت.

وهذا ما يكرره سراها مرات ومرات للملك، الشرق يركز على السماء الصافية (الحقيقة)، الغرب يوجهك الى الغيوم ويثير زوبعة وغشاوة من الاسئلة والمسببات من نوع من أين اتت هذه الغيوم؟ ويدخل في التبخّر والتكثّف وتساقط المطر ويحشرك في دورة الماء من البر والبحر والجو فتخرج وكأنك فاهم ومقتنع، لكنك تعود بعد لحظة للانتكاس.

أما السماء فليس لها أسباب، هي موجودة وستبقى موجودة للابد. في الحقيقة هي خلفية لكل ما هو موجود وعظيم. اسأل احد علماء الدين عنها، سيقولون ان الله خلق العالم، وإن سألت هل خلق الله العالم قبل السماء او بعدها سيرتبك، لانه لو قال قبل العالم لما كان هناك فراغ للعالم ولما كان له مكان ليجلس فيه، وان كان الجواب بعد فعندها سيكون التعجّب أين كان الله قبل ذلك.

المقصود أن الغرب يناقش رتوش الظواهر بينما الشرق يدخل الى الجواهر فينهي المشكلة. الحياة مثل الإعصار وعليك ان تكون في مركزه (عينه) لتتجنب حركة الريح في المحيط، وهذا يحدث فقط عندما تراقب الحدث او المشكلة من فوقها. وهذا يكون بقناعة:  ما يحدث الآن هو حاصل للجسد أو للفكر ولا يخص الوعي الذي أنا فيه.

المراقبة لن تغيّر من واقع الريح ولا مما في الذاكرة او في العضلات، إنما يجعل وعيك بعيدا عن منال العذابات والمحددات مثل الطمع والغيرة او المعاناة المختلفة الموجودة حولنا. في هذه اللحظة من الارتقاء تصبح المشاكل غير موجودة وهي لا تخصك في وعيك، اجعل الوعي رقيبك.

بعد الآن ترجع الأمور لك، العضلات فيها الألم، والدماغ فيه الذكريات السيئة، اذا اشتقت لعذاباتك يمكنك الرجوع اليها والاستمتاع بها، وهذا متروك لك. انا اعرف أناس يلذّ لهم اجترار مآسي أجسادهم، ويتحيّنون الفرص للتغذية على الذاكرة الشقية، بل يبنون كل شخصيتهم على الألم الذي يصبح هويتهم وحتى أنّهم يضطهدون الآخرين تبريرا لمعاناتهم.

نحن لا نطلب التخلي عن الذاكرة، فالحكيم يستعمل ذاكرته، لكنه يستعملها كأداة كما اليد او القدم ولا يسمح بان تصبح ذاكرته هويته . ولا يسمح للذاكرة أن تقوده الى أعمال او مواقف، انها ليست شرط وجوده، فلا تُملي عليه تفسيراته، ولا تنتج انفعالاته ودهشته.
الكلام والدماغ والذاكرة..كلها أدوات، ويجب ان تتدرب على استدعائهم متى شئت وتركهم متى تريد، يجب ان تبقى انت المالك لهم فلا تدعهم يتحكمون بك، تماما كما تفعل مع يدك، فلا تجعلها طليقة تذهب الى حيث تريد هي، بل حيث تريد أنت.

نعم المشاكل ستبقى في الجسد والذاكرة ولكن التحدي هو استدعاءهم ام لا. هم كبذور ولك ان تغذيهم فيصبحوا اشجارا او تبقيهم كما هم. لا احد يستطيع ان يلغي 40 عاما من مسيحيتك او إسلامك، لكن تستطيعين الخروج منها دون حاجة لتدمير هذا التاريخ اذا كنت المالكة لهذا البيت من الجسد والدماغ والوعي.

المجتمع الإنساني عليه أن يقرر إما أن يبقى في التحليل او ينتقل للمراقبة، انا شخصيا استعمل الطريقتين في الحياة ومتى أريد.
الغرب نتاج فرويد وهو الذي اخترع هذه اللعبة -  لعبة التحليل، وعندما يأتونني أضعهم في مجموعة واحدة ليتواجهوا ثم أبدا بتنويرهم، فينتقلون من الغرب إلى الشرق.
انتهت الاجابة على هذا السؤال.

هناك تعليقان (2):

  1. Great Ideas Doctor

    ردحذف
  2. اعتقد اننا بحاجة لان نعيش ببساطة وان لا نضيع اعمارنا في فلسفات لا تغني ولا تسمن من جوع

    ردحذف