8.3.12

منهجية التفكير الغربي...69

د خالد السيفي
سألني احدهم "لقد تكلمت في لقاءاتك السابقة عن " اللامشكلة"، أي عن عدم وجود المشاكل. أنا تربيت في بيت كاثوليكي وكانت عائلتي محافظة وقمعية، وتم تدريسي اثنتي عشرة سنة في مدرسة مجنونة من نفس النظام. فهل تقول إن كل هذه المعاناة والكبت والاضطهاد الذي تعرضت له على جلدي غير موجود. وحسب قولك أنها ممكن أن تُنسى الآن وحالا. وماذا عن آثارها التي ما زالت تعشش في عقلي وجسمي ودمي؟"

هذا سؤال ممَيَّز ويبرِز طبيعيتي التفكير المختلفتين للإنسان(الغربي والشرقي).
الطريقة الغربية والسائدة الآن __ هي أن تفكر في المشكلة لتجد أسبابها عن طريق تحليل تاريخها للوصول إلى جذورها، لإعادة التكيّف أولا، ومن اجل اقتلاع آثارها من الدماغ والجسم ثانيا.

هذا يتم عن طريق التحليل السيكولوجي (العقلي)، الذي يغور في الذاكرة وينبش في الماضي حتى ما قبل الطفولة. انه يتحرك للخلف ذهابا وإيابا.
 حركته هذه هي التي تخلق المشكلة.؟؟!!...........هذا ما قلناه في السابق

الغرب دائما ينظر في المشكلة ليحلّها، وهو جدّي جدا بهذا الخصوص. لكنه يخدعك ويخدع نفسه؛ فعندما يقدم المعطيات المنتقاة والمنتخبة بطريقة منطقية، وحسب تسلسل معيّن تناسبه، فانه يوهمك بأن ما يجري يطابق الواقع والعلم.

كنت اقرأ هذه النكتة: كان احد العلماء الفلاسفة والرياضيين المشهورين والمرشحين لجائزة نوبل العالمية جالسا في طائرة ينتظر الإقلاع. ومنذ أن لوحظ هذا العالم وهو يبدو كمن يفكر في أعوص المسائل الرياضية، وموحيا لك انه على وشك التوصل لمعادلة السعادة لإنهاء الفقر والحروب على الأرض. فجأة جاء صوت الكابتن معتذرا ومُطَمْئنا بعض الشيء " أن هناك تأخيرا طارئا بسبب عطل في محرك الطائرة، لكن المحركات الثلاثة الأخرى سليمة". أبدى الجميع استياءهم، أما عالمنا فلم يعر اهتماما وبقي مشغولا بمعادلاته، إلى حين إعلان الكابتن مرة ثانية " أن عطلا قد أصاب المحركين الثاني والثالث وتأخيراً آخراً منتظرا". عندها استدار هذا العالم إلى جاره قائلا " يا الهي إذا تعطل الرابع فإننا سنقضي الليل هنا".

يظن انه بذلك تفوّه بكل الذكاء الذي في الكون، هكذا هم مفكرو الغرب.

هم يجعلونك تفكر بنمطية معينة بناء على إلزامات محددة. بذلك، انت ستختار فقط الظواهر والأحداث المشروطة بمتطلباتهم التي قدّموها لك مسبقا، انه نوع من أنواع الإيحاء. أمّا ما قد تلاحظه أنت ولا ينطبق مع شروطهم فيقع ضمن ما يسمى بالانحراف المعياري، أو في دائرة الغير متوقع أو يضمّنونه في المفاجئات المتوقعة.

انتبه، عندما يجعلونك تعتقد بجدية شيء ما، فانك تبني استعدادا للتفاعل والاشتباك مع كل ما يتناسب مع مخططهم، هنا تكون فكريا وذهنيا قد خطوت أول خطوة في الاتجاه الخطأ الذي حددوا مساره لك. بعدها تبدأ الورطة، فتغوص في الرمال المتحركة لهذا المسار الوهمي المبني على معطيات فرضية مخادعة، فتخلق ما طاب لك من المعتقدات والأوهام المنصوبة لك.

بهذه الطريقة أُلّفت مئات الكتب في هذا القرن عن الدماغ والتحليل النفسي (العقلي) والتخطيط والإدارة واللاهوت والتاريخ، وصُرفت ملايين الدولارات على الأبحاث ورسائل الدكتوراة الاكاديمية السابحة في فلكهم المرسوم .

كل ذلك حدث بعد سغموند فرويد. ففي اللحظة التي خطى فيها الخطوة الأولى بمعطياته وفرضياته الجديدة حسب تفكير وضعه هو بطريقة تبدو منطقية، سيطر منهجه على الباحثين لمدة قرن كامل من الزمن.

أما مجالات البحث الجديّة والحقيقية، فهي سرية وتبقى منبع قوة، ومغلقة دونك، لأنها ستستعمل ضدك إن أنت لم تنصاع في هذا الصراع.