29.6.10

أين اللاعنف...35

الحلقة الخامسة والثلاثون
ترجمة د خالد السيفي

من قال لكَ إنني ضدّ الحضارة!، أنا كليا مع الحضارة، لكن عن أيّ حضارة نتكلم؟.

أنا، أحب الإنسان المتحضر حقيقيا، المتمدن حقيقة. لكن هذا التحضّر يجب ان ينبع من الداخل. فالحضارة تبدأ من الداخل ومن ثم تنتشر الى الخارج.

أولا من المركز، من مركزك انت، وبعدها تنتشر خارجا لتنشر الحب والوئام، لا يمكن فرضها من الخارج.

هذه الحضارة المزعومة تتعامل معك بالضبط بعكس ما يجب أن يكون. إنها تفرض الأشياء من الخارج.

هناك حديث عن اللاعنف في كل مكان، لكن ....العنف يزداد في كل مكان.
ماهاڤيرا وبوذا والمسيح علَّموا التسامح واللاعنف والمحبة، علَّموا السلم لأنهم كانوا يعيشونه يستمتعون به.
لكنَّ التابعين والمؤيدين لهم لم يحظوْا ولم يستمتعوا بلحظة سلام، ولم يعيشوا بتسامح. ولغاية الآن لا ارى اية نية لديهم لذلك.

التابعون، هؤلاء لا يعرفون إلا العنف. لإنهم تابعون....!! يتصرفون بعنف في كل خطوة يخطونها، ويتظاهرون بعكسه.

إنهم يفرضون اللاعنف على أنفسهم فرضا. هم يَلبسونه من الخارج كديباجة فقط. لقد اصبح بمثابة درع يمنع السلام من التغلغل إلى أعماقهم. لاعنفهم هذا...صيَّروه مظهرا، والمظهر يبقى خارجا. انه طلاء من الابتسامات الباردة البلاستيكية.

في الحقيقة، هم في داخلهم كالبركان، يغلون ويهدرون ومستعدون للانفجار في أية لحظة.
هذه ليست حضارة، إنها ظاهرة مقيتة وبغيضة. اللاعنف لا يتم زرعه أو تعليمه من الخارج ، أنا أود أن أرى اللاعنف ينتشر من الداخل الى الخارج ، أريد أن نساعد فطريّته في النمو من العمق الى السطح.

أريد للناس ان يتعلَّموا اللاعنف الحقيقي!
وليصلك ما اقصد ارجوك ان تتأمل معنى التَّعليم وتتفهمه جيدا.
أصل كلمة التعلُّم هو أن تُبرِز ما هو خافت أو أن تخطَّ وتعلِّم فوق ما هو باهت او تُظَهِّر ما هو خافي، وان تؤكد ما هو موجود أصلا لدى الآخر. التَّعليم كالغرْف أو النشْل من البئر الممتلئ.

أما التعليم الذي تعتمده هذه الحضارة فهو العكس تماما، انه حشو وغزو، انه انتهاك واجبار، اعتداء واغتصاب، انه إدخال لا إخراج، وهو تدجين لا تمكين.

وما زال التعليم يحشو الرؤوس دون ان ينتبه الى ما يحصل للطفل. الطفل بالنسبة لهم قربة يجب ملؤها، يجب إغراقها بالمعلومات، هذا هو التعليم البشع.

لا يجوز سكب الطفل في قالب أعددناه على هوانا، ولا يجوز المساس بحريته، بل يجب تنمية وعيه وتطويره. ما يجب أن يكون عليه التعليم هو مخاطبة روح الطفل، وهذا يعني تشجيع ما في مكنونه ليبان.

المعلومات الأكثر لا تعني تعليما أكثر او أحسن، لا.........، بل الوعي الأكثر هو الذي يراكم تعليما أكثر وأحسن. والحب الأغزر هو الذي يفيض ويثمر نموا أفضل، وهذا النوع من التعليم هو الذي ينتج الحضارة المنشودة.
التعلُّم تبرعم وإزهار وتفتّح وإشراق.

هذه "الحضارة" التي نحن فيها تلفيق في تلفيق، وتعليمها تشويه وتحريف. لهذا أنا ضدها، وأنا ضدها لأنها ليست حضارة حقيقية.
OSHO – The Royal Songs od Saraha

21.6.10

هذه ليست حضارة...34

الحلقة الرابعة والثلاثون
ترجمة د خالد السيفي

السؤال الثالث:
ما رأيك بالحضارة المعاصرة،هل أنت ضدها بالمطلق؟

اوشو: ليس هناك أي حضارة في أي مكان.........فكيف أكون ضدها. ببساطة إنها غير موجودة، ما تسميه حضارة...ما هو إلا خداعا واضحا. نعم، لقد تخلص الإنسان من بدائيته ومن براءته الساذجة، لكنه لم يتحضّر بعد، لان مساره هذا لم يكن ولا مرّة هو طريق المدنية.

الطريق الوحيد للتحضّر هو أن تكون بسيطا وساذجا ونزيها، وأساس التحضّر والتطور يجب أن يكون البراءة الفطرية. هذا ما قصده السيد المسيح عندما قال "ما لم تولد مرة ثانية، وما لم تصبح طفلا مرة ثانية، فلن تعرف أبدا ما هي الحقيقة".

ما تُدعى ب"الحضارة" اليوم، ما هي إلا تلفيقا وزيفا وتصنعا. وإذا كنت أنا ضد هذه الحالة "الحضاري"ة، فهذا لا يعني إنني ضد الحضارة الحقيقية، لان هذه الحال بكل بساطة ليست الحضارة المنشودة. أنا ضدها لأنها احتيال وغش.

سمعت مرة: احدهم سأل الأمير السابق لمقاطعة ويلز البريطانية " ما رأيك في الحضارة؟"، فقال الأمير "هذه فكرة جيدة، لكن يجب أن يبدأ أحدهم بتنفيذها!".
لقد أحببت الجواب. نعم، يجب على احد ما أن يبدأ الحضارة.
الحضارة لم تبدأ بعد. الإنسان ما زال غير متمدن، هو فقط يتظاهر بالمدنية.

أنا ضد التمويه والزيف والادعاء، أنا ضد الاحتيال. يزعم الإنسان انه متمدن. ولو حككته قليلا لوجدته وحشا قاسيا مفترسا. اخدشه قليلا، سيُظهر كل ما يخفيه من شر، ويختفي كل ما يُظهره من خير. كل ما فيه من خير سطحي، وكل ما فيه من شر متجذّر.

تكون على ما يرام، وتوزع الابتسامات، ما أن يخطأ احد معك، او يَمسَّ احدهم حدودك، تصبح مجنونا وتنقلب وحشا وتكون مستعدا للقتل.

قبل لحظة كنت تتبسّم، والآن أنت مستعد للقتل، لقد ظهرت حقيقتك...، ما هذه الحضارة التي تتحدث عنها؟ عن أي مدنية أنت تسأل؟

يصبح الإنسان مدنيا فقط بالتأمل. التأمل هو الذي سيقود العالم الى الحضارة. المتنورون فقط هم المتحضرون. وهذا هو التناقض في الحديث. المتنورون ليسوا ضد البراءة والسذاجة والصدق، إنهم يعتمدون البساطة كقاعدة، إنهم يستخدمون براءة الطفولة كمقياس، وعلى هذه المبادئ يشيدون صروح معابدهم الحضارية.

هذه "الحضارة" تدمر براءة الأطفال وتنتج عملة مزيفة، إنها تنتج وحوشا. هذه الحضارة تدمر فيهم البساطة الفطرية، وتحارب فيهم الشرف الاصيل، ثم تجعلهم متذاكين وماكرين، وأخيرا تحولهم إلى أصحاب مصالح ومنافع، وهنا يقعون في الفخ المنصوب فيتولّى المجتمع تدجينهم أو "تحضيرهم!" أو "تمدينهم!".

هم أولا يجعلونك غريبا عن ذاتك الحقيقية، وما أن تغترب يباشرون بتغذيتك بالقيم الفارغة والكاذبة.

الحضارة الحقيقية لا تكون ضد طبيعتك النقية، ولن تكون ضد طفولتك البريئة. الحضارة الحقيقية يجب أن تكون مع الأصالة والنزاهة.

الحضارة يجب ان تكون بناء على ما لديك من فطرة الطهارة والبساطة، وان تكون مغذية لِما فيك من نقاء وصفاء واستقامة وصدق وأمانة، لتنمو وتزدهر وتُزهر إنسانية وسعادة. الحضارة يجب ان تكون مُجَذّرة على الفطرة البسيطة اللطيفة والجميلة.


هكذا أنا افهم الحضارة، هذه الحضارة ما هي إلاّ علاقات تدفعك إلى الجنون والسعار. ألا ترى أن الأرض أضحت بيتا للمجانين. الناس فقدت روحها الحقيقية، الناس لم تعد ناس...فقدوا ذواتهم، أضاعوا شخصياتهم، لقد فقدوا كل شيء، أصبحوا متظاهرين مدّعين، كلّهم مقنّعين....لقد فقدوا وجوههم، لهذا انا ضدها.
OSHO – The Royal Songs of Saraha

14.6.10

إياك والمثل العليا..33

الحلقة الثالثة والثلاثون
ترجمة د. خالد السيفي

الانسان الذي لا يرفع مُثُلا ونماذج عُليا لا يجعل الناس يشعرون بالذنب.
في احد الأيام تقدم مني شاب قائلا " انا اشعر بذنب شديد، واهانة لا توصف، واخجل من نفسي بسبب مثليّتي، اعرف أنها شيء غير طبيعي".

الآن، لو ذهب هذا الشاب الى المهاتما او الى بابا الفاتيكان او الى شانكاراكارا بوري، لكانوا حملوه كل ذنوب الدنيا وركّبوا فيه كل عقد العالم. وهو على حالته هذه، قد يقع في أيديهم بسهولة، لانه هو نفسه يعرض "شذوذه" ويطلب الملامة عليه ليعذب نفسه أكثر وأكثر.

هو نفسه يطلب من هؤلاء "الصالحين" و"الطاهرين" ان يحمّلوه الذنب ليعاني. وحده لا يستطيع الشعور بالذنب، لا بد من صاحب مُثُل عليا ان يقوم بهذا الدور، لذلك هو يسأل الخبراء مثلهم في تعذيب الناس وإحباطهم.

لكن في هذه المرّة وقع بين الأيدي الخطأ،.... لقد سألني!

فقلت له " وماذا بَعد، لماذا تقول انك غير طبيعي؟"
قال مصعوقا ومندهشا "تعني أن هذا ليس غير طبيعي"!
فقلت "وكيف يكون هذا غير طبيعي، فتعريفي للطبيعي: كل ما يحدث وكل ما يمكن ان يحدث، فكيف لشيء غير طبيعي ان يحدُث"!
وعلى أي حال انفرجت أساريره وكأن أحدا أخرجه من بئر عميق.
وقال "اذاً هذا طبيعي، وهذا ليس شذوذا"
فقلت "نعم انه طبيعي"
فقال "لكن...... الحيوانات...... لا تصبح مثلية"
قلت" نعم هذا صحيح، الحيوانات ليست إنسانا.... ، وهي لا تملك عقلا، وليس لديها هذا القدر من الذكاء الذي لدى الإنسان، لذا فهي حيوانات.

الحيوانات محصورة بنمطية عيش محدّدَة، إنها أسيرة بيولوجيتها. اذهب وراقب بقرة تأكل العشب، إنها تأكل نوعا محددا من العشب، لا شيئا آخرا. ضع أمامها ألذّ الطعام، ستعرض عنه، ستذهب وتأكل عشبها، لأنها بقرة.

ليس لديها بدائل أو خيارات أخرى. وعي البقرة محدود وقريب من الصفر. الإنسان يمتلك ذكاء، وهو يخترع ويجرب طرقا شتى لينسج علاقاته من اجل البقاء. الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتفنن بإيجاد وسائل جديدة للعيش.

بالنسبة لبقرة، أن تعيش في بيت يُعتبر غير طبيعي، لأنه لم يُقِم أي حيوان في بيت، بالنسبة للحيوان ان تقيم في بيت... شذوذا، وان تلبس سروالا جنونا، فالحيوان عريان، ولا يطبخ طعامه ويفضل ما هو فج، والطبخ بالنسبة له شططا وهرطقة.

هل رأيت أبدا كلبا يدعو أصحابه لتناول الغذاء في بيته؟ إذا حصل الكلب على قطعة لحم فإنه ينفرد بها في زاوية ويدير مؤخرته للآخرين ليستمتع بالأكل وحده، الكلب لا يدعو الآخرين للمشاركة. الحيوانات كلها تأكل بخصوصية عالية ومنفردة تماما.

هذا طبيعي بالنسبة للكلب، لكنك لست كلبا، أنت تطورت وارتقيت بعيدا عنه. لديك ذكاء وعندك خيارات أكثر. الإنسان يعمل بطريقة ميّزته عن الحيوان..... هذه طبيعته.

لقد ارتاح هذا المثلي، كنت أرى جبلا من الهمّ قد أزيح من على رأسه. لا ادري كم من الوقت سيبقى مرتاحا، متحررا من عقدة الذنب، ولكنني متأكدا من أن أول مهاتما يصادفه سيُلقي كل خطايا التاريخ على رأسه ويحطمه.... هؤلاء اصحاب المُثُل.

كل مهاتما إما سادي او مازوخي.....تجنّبهم.
في أي لحظة وفي أي مكان تصادف فيه مهاتما..... اهرب..... اهرب بكل ما أوتيت من قوة، لأنه بطريقة او بأخرى سيزرع فيك ذنبا،وكذلك الحال مع السياسي والأيديولوجي والمتعصب.
OSHO- Talks on The Royal Songs of Saraha

3.6.10

صاحب الانا الكبيرة...32

الحلقة الثانية والثلاثون
ترجمة د. خالد السيفي

أناك تنتعش بوجود الهدف المستقبلي والنموذج المبتغى، لكن هناك الف مشكلة بالانا والمستقبل...... أي نعم صحيح، في احد الأوجه انت تشعر بالاهمية والاثارة لوجود هدف، ولكن في الوقت ذاته تجلب الأنا لك الإحباط والشعور بالذنب.


أنت لا تعلم ان النماذج والأهداف الكبيرة تولّد في صاحبها الشعور بالنقص والتقصير. إنها تجعلك مذنبا باتجاه ذاتك، وغير راض عن نفسك، لان المثل العليا مستحيلة التحقيق. لا يوجد طريقة لتحقيقها، لذلك ستشعر دائما انك مقصرا.

الشعور بالذنب هو ظل الأنا، وأصحاب الأنا الكبيرة دائمو الشعور بالذنب، حتى باتجاه الأمور التافهة والصغيرة.

هل لاحظت هذه الظاهرة: أن صاحب الأنا الكبيرة عندما يدخن سيجارة يشعر بالندم ولوم الذات. التدخين عمل بريء وأحمق، بريء جدا وأحمق جدا، لكن ليس لدرجة الشعور بالإثم.

الآن انظر لهذا التناقض في داخلهم: هم يحبون التدخين، ويجب ان لا يدخنوا إذا أرادوا بلوغ النموذج...، لكنهم يدخنون... فيخفقون في امتحان الإرادة، لذلك تراهم محبطين ومتوترين.

الأمر هو كذلك بالنسبة لعبيد "الأنا"، هم وخاصة المتدينين الجاهلين لأنهم يقارنون أنفسهم بالنموذج الأعلى.

من هنا، يُمْكِنك تفهّم تجنّبَ الآخرين لهم. فالأناني المحبَط يحاول أن يزرع في الآخرين عقدة الذنب. لأنه لا يستطيع وحده تحمّل أعباء نموذجه - النموذج الذي يريد ان يصله. يصيح دائما! صعب علي تحمل كل هذه المسؤولية، فلتأخذوا عني شيئا.

يخلق أصحاب النماذج الضخمة ذنوبا في الآخرين الذين حولهم حتى لأسباب ليست لها علاقة بنماذجهم، إنهم مهما حققوا يبقوْا متوترين لأنهم محبطون ومستعدون للانقضاض عليك لأتفه الأسباب.

ملابسك او شعرك أو حذاءك كلها خيارات شخصية، لكنها قد تكون سببا في توتره. أي شيء تعمله بخصوصية وبطريقة حرة، يتدخل فيه ليشعرك بالذنب. يجب ان يخلق لك أخطاء، لأنه هو نفسه يشعر بالذنب، وهو يتعزّى عندما يرى الآخرين مذنبين مثله شاعرين بالذنب، هنا يشعر انه ليس وحيدا.

شعاره، الكل كذلك، كلنا مذنبون وفي نفس القارب.

الخدعة وراء ان تجعل الاخرين يشعرون بالذنب هي ان تضع امامهم نماذج عُليا لم تحققها انت بعد.

هذا ما نفعله مع أطفالنا من غير وعي عندما نضرب لهم مِثالا نصبوا إليه ومُثُلا لم نصلها نحن أنفسنا.

هذه الطريقة ذو حدين؛ قد تخلق فيهم التحدي وقد تحبطهم. التحدي قد يكون ايجابيا ومحفزا، وقد يكن خطراً على شكل لا مبالاة، أي يصبحون معادين للنموذج ومتمردين عليه. هذا أسلوب ماكر يجب الحذر منه. بسببه يغدو الطفل دائم التوتر محبطا، وقد تتأثر شخصيته فيصبح خائفا وسلبيا وعديم الثقة بنفسه.

لهذا السبب، أنت تجد كثيرا من البؤس في هذا العالم، و90% منه بسبب النماذج التي فُرضت عليهم. إنهم لا يسمحون لك بالضحك أو التمتّع.

الانسان الذي لا يرفع مُثُلا ونماذج عُليا لا يجعل الناس يشعرون بالذنب.
OSHO- Talks on The Royal Songs of Saraha