26.1.10

المركز والمحيط؟!... 14

المقالة الرابعة عشرة
ترجمة د خالد السيفي
كل شيء يتغيّر... كان هيراقليطس[1] محقا حين قال:" لا تستطيع قطع النهر نفسه مرتين". النهر متغيّر. كل شيء متحرك, الوجود فيض سيّال وجار, وكل شيء زائل ومؤقت. يكون الشيء موجودا للحظة فقط، وبعد ذلك يختفي... ولن تصادفه مرة ثانية. ولا توجد طريقة لاسترجاعه,و إذا اختفى فلن يعود أبدا.

لا شيئا يتغيّر... كان بارامندس
[2] محقا ايضا عندما قال: " لا شيئا جديدا تحت الشمس". لا شي يتغير على الإطلاق. كل شيء يبقى كما هو سرمدي، وكيف يكون هناك جديدا؟ فالشمس أقدم ما يكون؟ وهي ما زالت هي كما هي، كانت وستبقى. وكذلك الأشياء كلها،لم تتغير ولن تتغير، لأنها تحت الشمس.

تستطيع أن تقطع أي نهر تريد...ولكنك ستقطع النهر نفسه بغض النظر إن كان التايمز او النيل، فلا فرق. الماء هو نفسه، وكله H2O. ولا فرق، ولا يهم إن قطعته اليوم او غدا او بعد مليون سنة، سيبقى النهر نفسه النهر.

هذا عن الثابت والمتغيّر في الطبيعة.

أما الآن، فماذا بالنسبة لك؟، هل تغيّرت؟!!.
لا بد انك تتغير باستمرار، لكن فيك شيء لا يتغيّر. لقد كنت طفلا وتتذكّر ذلك، ثم أصبحت شابا وتتذكر هذا أيضا. ومن ثم رجلا، وستصبح عجوزا وما زلت تتذكر ذلك كله.

والسؤال: من هو الذي يتذكّر؟! من الذي يقوم بعملية التذكّر؟؟؟!
تأتي الطفولة وتذهب، يأتي الشباب وينقضي، والهرم كذلك...أنت تتغير كل الوقت.. لكن شيئا خالدا يبقى فيك لا يتغيّر. هذا الذي لا يتغيّر هو الذي يتذكّر، انه ثابت، ومطلق الثبات.

الآن، دعني اقول لك، هيراقليطس وبارامندس كلاهما على حق إذا اخذتهما معا، وهما على خطأ إن فرّقت بينهما. لو كان هيراقليطس محقا، لكان رأيه نصف الحقيقة فقط. وإذا كان بارامندس محقا، فهو يمثل نصف الحقيقة أيضا. لكن نصف الحقيقة ليست الحقيقة كلها. كل واحد منهم يقول نصف الحقيقة.

العجلة تدور حول محورها الثابت.
يتكلم بارامندس عن مركز (محور) العجلة الثابت دائما، ويركّز هيراقليطس على محيط العجلة المتحركِ ابداً حول المركز. والعجلة كالدائرة لا توجد بدون مركزها، وما فائدة محور بلا عجلة. تأمل عيْن الإعصار الساكنة.

إذاً، ما يبدو تناقضا في قولهما ، ليس الا حقيقة كاملة. يكمل كل منهما الاخر وان ظهر انهما مختلفان. هم اصدقاء وان يبدوا انهم أعداء. لا يصح قول احدهما الا بحضور قول الآخر، وإلا فلا.

أي تصريح، ومهما يكن صحيحا، فانه لا يمكن أن يحتوي كل الحقيقة. لا يوجد أي قول يغطي ويشمل الحقيقة كلها. لان أي خطاب يحاول أن يشمل الحقيقة يجب، بالضرورة، أن يكون متناقضا، وبذلك يكون غير منطقيا. هنا سيبدو الخطاب جنونيا.

مهافيرا احد الحكماء الذين حاولوا قول الحقيقة، ولن يقول شيءً غير الحقيقة الكاملة. لذلك بدا انه أجنّ الناس قاطبة. بحديثه يمكن أن يقودك إلى الجنون، لأنه كان يُتْبِع كل جملة يقولها بجملة أخرى تخالف وتنقض ما قبلها.

لقد طور تقريرا يتكون من سبع جمل. كل جملة فيه تنقض سابقتها...فيبدأ بجملة وينقضها في الثانية، وينقض الثانية بالثالثة...، ويستمر في نقض ما يقوله سبع مرات إلى أن ينتهي قائلا "الآن قيلت الحقيقة كاملة". طبعا سيؤول الأمر بك إلى أن لا تفهم شيئا مما قاله.

فمثلا، عندما تسأله "هل الله موجود"، يجيب "نعم" ثم يقول "لا" ويتبعها لاحقا بقوله " نعم ولا" ثم يقول " كلهم نعم" ومن ثم "كلهم لا" وهكذا دواليك. في النهاية انت لا تحصل على نتيجة، لا تستطيع الجزم. ولا يعطيك هو أي فرصة لتجزم. يتركك معلّق في الهواء.

المثال الثاني، بوذا الذي اختار أن يصمت. لأنه كان يعتقد انك مهما قلت، فلن تقول إلا نصف الحقيقة. ونصف الحقيقة خَطِر. كان يمتنع عن التعليق على الأسئلة التي تخص الحقائق المطلقة. لا يقول أن العالم متغيّر (فيض)، ولا يقول انه ثابت. لا يجزم انك موجود، ولا ينفي وجودك. وفي اللحظة التي تسأله عن النواميس والحقائق المتعالية، كان يصمت.

كان يقول " رجاء لا تسأل، لانك تسبب لي حرجا بسؤالك هذا. لأنني اذا اجبت، فإما أناقض نفسي، وهذا حمق، وإما سأقول نصف الحقيقة وهذا غير صحيح وخطِر، او عليََّ أن أبقى صامتا". هذه هي الاحتمالات الثلاثة الممكنة للإجابة على السؤال. واختار بوذا أن يكون صامتا.
وهذا ما يجب فهمه اليوم، وبهذه الافكار نكمل شرح الأشعار الملكية لسراها:.....................
Osho- Talks on Royal songs of Saraha
___________________________

[1] هيراقليطس: فيلسوف يوناني، من مدينة افسوس، ازدهر في نهاية القرن السادس ق.م، من عائلة ارستقراطية. لُقِّب ب"الغامض"، عاش في عزلة ناذرا نفسه للتأمل وللنظر في التغير الكبير، وأفكاره يمكن إرجاعها الى الأيونيين وفيثاغورس. في أقواله نغمة الكلمات التنبؤية التي جاءت على شكل شذرات مقتضبة رشيقة. منها " الزمن طفل يلعب بالنرد"، و " من يبحثون عن الذهب يحفرون من التراب الكثير" و " أن الحمير يفضلون التبن على التبر"، و " ان الإنسان أمام الله وليد رضيع"، و " الأعين والآذان شهود مضللون للناس إن كانت لهم نفوس لا تفهم لغتها"، و " إن قوام العالم الحقيقي هو التآلف المتوازن بين الأضداد"، و " التناغم الخفي أفضل من الواضح"، " أننا ننزل في النهر نفسه ولا ننزل فيه ،أننا نكون ولا نكون"، و " الطريق الصاعد هو نفسه الطريق الهابط"، " الخير والشر واحد". {المترجم}.


[2] بارامندس: فيلسوف يوناني عاش في إيليا جنوب ايطاليا، أسس مدرسة سميت ب" الايلية"، نضج في النصف الأول من القرن الخامس ق.م، قابل سقراط هو وتلميذه زينون في أثينا سنة 450 ق.م . كان مشترع إيليا، وكان القضاة يحثون العامة أن يحفظوا القوانين التي استنها لهم بارامندس. قدّره افلاطون عالي التقدير "لعمق فكره النبيل والجليل"، وأهداه واحدة من اروع محاوراته وجعلها باسمه وسماه "الموقَّر". عرض نظرياته بصورة شعرية بعنوان " في الطبيعة" وقسمها لقسمين " طريق الحق" و "طريق الظن"، أفكاره فيثاغورية، إلا انه تخلى عنها ونقدها لاحقا. من نظرياته " التعقل والوجود شيء واحد، والوجود ساكن"، و " ولا يستطيع المرء ان يفكر في لا شيء، وان الذي لا يمكن التفكير فيه لا يوجد"، و " أن هذا الموجود غير مخلوق وهو أزلي"، و " العالم كرة مادية مصمتة، متناهية، متجانسة، بلا زمان ولا حركة ولا تغيير"، وأخيرا كان يعلّم أن الأرض كروية الشكل وأنها تدور حول الشمس، عندما قال إن نجمتي المساء والصباح واحدة، أي قبل كوبرنكوس بألفي عام. {المترجم}.ٍ

18.1.10

حقيقة التديّن...13

المقالة الثالثة عشرة
ترجمة د خالد السيفي
السؤال السادس : احد الحضور يسأل: هل هناك فرق بين طريقة شيڤا[1] وبين طريقة سراها (البوذية) لممارسة التنترا (التدين)؟
اوشو: لا ليس هناك فرق، اذا كان الجوهر هو المقصود.
أما إذا كان المقصود الأسلوب فنعم...هناك فرق (في الطريقة او الشكل فقط).
الاديان كلها واحدة في الجوهر وتختلف في الطريقة او الشكل او الباب الذي تدخل منه إلى الله.

هناك شكلان لِطرق الباب:
الطريقة الاولى، التعبد والصلاة والمحبة – وهي طريق الهندوسية
الطريقة الثانية، التأمل والوعي والتنور – وهي اسلوب البوذية

مهما اختلف الشكل يبقى الجوهر واحدا؛ الوصول الى الله. تُطلق السهام من زوايا مختلفة لتصل الى نفس الهدف، وحتى ان اختلفت انواع الاقواس والمادة المصنوعة منها فلا اهمية لذلك ما دمت اصبت الهدف. والطريقتان وسيلتان أو شكلان يتناسبان مع الطبيعة الانسانية، فنحن تعبير لعقل وقلب او لفكر وشعور.

البوذية تعتمد المنهاج الفكري الذكي، وحركة سراها كلها عن طريق العقل وفي العقل. أما هدف البوذية فهو الوصول إلى مرحلة اللاعقل "No-Mind" ، أي إسقاط الأفكار المتعلقة بالسلطة والمال والجنس والرغبة للتسامي بالتفكير بعيدا عن هذه البضاعة الزائفة. إذاً كل عمل البوذي هو الارتقاء والتسامق بالتفكير السليم الصحيح النقي المتوازن والمتحرر.

الهندوسية تعتمد المشاعر والأحاسيس التي في القلب، والتي يجب ان تتطهر، لتصبح محبة وصلاة. في الهندوسية يبقى المتعبد والإله كيانين منفصلين، ويسعي المؤمن إلى العروج والتسامي بواسطة حبه الخالص للاتحاد والاندغام بالإله في قمة النشوة، ليبقى في أحضان الاله لأطول مدة ممكنة.

بينما في التتنرا البوذية وعلى قمة النشوة يختفي المريد ويختفي الله، فلا يبقى إلا الفراغ، وهو أيضا نوع من أنواع الاتحاد، انه اتحاد الفراغين أو التحام الأصفار. فالجهد من وراء البوذية هو كيف تتخلص من الفكرة. وما دام الأنا فكرة، وما دام الله فكرة. فنفي الأنا ونفي الهوَ (الله) يقود إلى الفراغ الموحَّد. فبعد التخلص من الفكرة لا تستطيع دعوة نفسك ب"أنا" وكذلك مَن ستدعوه ب"الله". الله كما الأنا مفهومان من صناعة فكرية وبناء عقلي، وعند اختفاء هذه الصناعات يبقى الفراغ هو الظاهر.

في الهندوسية تتحرر من الشكل، فتصبح لا تحب الشخص لذاته، بل تحبه، لانك الحياة نفسها ويصبح الوجود هو عنوانك. هنا يسقط التملّك وتتراجع الغيرة وتغيب البغضاء. يختفي الشعور السلبي بحيث يبرز النقاء وعلى قمة اللحظة الاخيرة يتجسد الحب الصافي. هذه هي اللحظة التي تتوحد بها في الله.

في الحالتين أنت تختفي. في الهندوسية تذوب في الله، وفي البوذية انت والله صفران في فراغ، وما زال هذا اختلافا في الشكل. الشيء الجوهري في المعتقدين أنك تختفي بحيث لا يبقى منك شيء على الإطلاق، وهذا هو التنوّر.
لذلك عليكم ان تفهموا: اذا كنت من النوع المحب فشيڤا الهندوسية هي طريقك و"كتاب الاسرار" "Book of Secrets" هو التدين المقدس عندها.

أما إذا كنت من اصحاب التأمل فعليك ب "سراها" وما يمثله من التنترا البوذية. كلاهما صحيح وهما رحلة نحو الهدف، اما كيف تسافر فهذا خيارك. إن كنت من اصحاب العزلة والوحدة فسافر مع سراها، واذا كنت من الذين يحبون العلاقات فعليك بصحبة شيڤا.
OSHO - Talks on Royal Songs of Saraha
[1] شيڤا: الاهة الهندوس الكبرى

12.1.10

الخطاب الجيد ...12

المقالة الثانية عشرة
ترجمة د خالد السيفي
السؤال الخامس
اوشو، كيف تُعرّف الخطاب الجيد؟

صعب ان تحكم. انا لم أقدم خطابا واحدا في حياتي أبدا. أنت تسأل الرجل الخطأ، لكنني سمعت تعريفا للخطاب الجيد أعجبني، وأود ان اخبرك إياه:

بداية حسنة ونهاية جيدة، تجعل الخطاب موفقا، بشرط ان تكونا (البداية والنهاية) مترابطتين ومتسلسلتين. والخطاب الجيد هو الذي لا يحتوي على مَتن سردي في الوسط، والاجمل من ذلك كله هو الخطاب غير الملفوظ. وانا دائما كنت اقدم هذا النوع من الخطاب غير الملفوظ.

انا لم اقدم خطابا ابدا في حياتي، لانني اتعامل مع الصمت وليس مع الكلمات. وحتى عندما اتكلم، تكون الكلمات ليست هي المقصودة. انا استعمل الكلمات او الالفاظ كشرِ لا بد منه...فقط لأنني مضطر لذلك، لانه يجب ان افعل، لانك لا تفهم الصمت بَعْد.

انا لا اتكلم اليك، فانا ليس لدي ما أقوله.
ما عندي لا يمكن قوله، ويعجز البيان التعبير عنه، ولا تستطيع اللغة الإحاطة به واستيعابه ، ولا يمكن للمنطق فهمه. لكنك لا تفهم شيئا إلا الكلام، لذا أراني مجبرا على الكلم... . لاجئا لسرد كلمات ليس لها معنى...على أمل... وبالتدريج ان تبدأ النظر الى اعماقي، وبعدها ستبدأ بفهم الرسالة وليس الكلمات.

تذكّر. الوسيلة (الخطاب) ليست الرسالة، الكلمات ليست الرسالة. الرسالة ليست منطوقة.
انا احاول ايصال غير المسموع، رسالتي أرقى من الكلمات ومتجاوزة لها، لذا لا يفهمها الا اللذين انضموا اليّ وتوحدوا معي بقلوبهم.
OSHO- Talks on Royal Songs of Saraha

6.1.10

أهملنا القلب... 11

المقالة الحادية عشرة
ترجمة د خالد السيفي
السؤال الرابع
اوشو ، انا افهم كل ما تقوله، اقرأ كتبك واستمتع بها بشكل هائل، لكن أشعر أن هناك شيئا جوهريا مفقودا، ما الخطأ،... هل الخطأ فيّ أنا!

اوشو يجيب، ارجو ان تتأمل هذه الكلمات الجميلة:
الوجود معنا وقريب منا، كان وما زال
كسبنا وانفقنا، واضعنا طاقتنا
قليلا ما نتامل الطبيعة المتوفرة لنا
أهملنا القلب وبخّسْنا البركة
هذا البحر الذي يكشف جوفه للقمر
الرياح التي تهب في كل دقيقة
كلنا تجمّعنا كالازهار النائمة
لهذا، ولكل شيء، نحن لسنا في تناغم
اننا لا نهتز معها (الريح).

اننا لا نهتز مع الطبيعة ، نحن لسنا في تناغم مع الوجود، هذا هو المفقود ، فقدنا الانسجام معه. هذا "الوجود معنا وقريب منا، كان وما زال، كسبنا وانفقنا واضعنا طاقتنا، قليلا ما نتأمل الطبيعة المتوفرة لنا"... .

كيف ستعثر على الله، وكيف ستجد النعمة إذا لم تنظر وتبحث عنهما في الطبيعة؟. الله يتجلى في الطبيعة، الطبيعة هي تمظهر الله. هي شكل الله ومعبده، الطبيعة هي جسم الله.

"لقد أهملنا القلب" وأبعدناه...هذا هو المفقود. "لهذا ولاشياء اخرى فقدنا التناغم".

اذن، الاستماع لي وقراءة كتبي لن يساعدك كثيرا...أنصت لي، وابدأ بالإحساس بي. واشعر بي. أصغ بأذنيك و بقلبك ايضا. دع ما تسمعه يتغلغل ويغوص في أعماقك ليولّد الثقة.

ودعني أقول لك إن ما قصدَته جميع الاديان بالإيمان هو الثقة، ... وهي مفقودة.

الثقة تعني الإنصات بالقلب والمشاركة الوجدانية العميقة ... لا من خلال المنطق، او من خلال السببية والاستدلال الفكري.

لا تستمع لي كانني فيلسوف، ولا تسمع لي من خلال عقلك المنطقي، بل من خلال فؤادك، أنصت لي مثلما تنصت للموسيقى، كإنصاتك لعصفور. انصت لي كانك تنصت لشلال. انصت لي كما تنصت للصنوبر وهو يرقص للريح.. عندها ستشعر انك حصلت على شيء لطالما افتقدته.

لقد اعتمدنا على الدماغ كليا حتى اصبح محترفا، وقد تطرف هذا كثيرا.
نعم انه وسيلة جيدة، وكاداة مطيعة هو ممتاز... لكن اعتماده سيّدا يعرضنا للخطر. لقد تطرف العقل وامتص كل طاقتك. لقد اصبح دكتاتورا. طبعا هو خدوم وشغّيل ولكنك ركنت اليه كثيرا. الانسان تطرف والعقل كذلك. اصمت لهذه القصة:

كان الشاب ماهر طموحا جدا، وعندما تسلّم وظيفة مراسل في مكتب ما، قرر ان يتعلم كل شيء عن اعمال الشركة ليعطي انطباعا جيدا فيترقّى بسرعة. ويوما ما دعاه المدير آمرا "اخبر قسم العلاقات العامة بان يحجزوا لي على متن السفينة "الملكة ماري" في الثاني عشر من هذا الشهر". فقال الشاب " سيدي، ان ميعاد اقلاع السفينة هو الحادي عشر وليس الثاني عشر".
نظر إليه المدير نظرة اعجاب، ثم قال له " دع دائرة المشتريات تجهز طلبية مؤجَّلة لستة اشهر من الالمنيوم". فقال الشاب " هل من الممكن ان اقترح ان تكون الطلبية جاهزة غدا وفورا، لان الاسعار ستنخفض، بالاضافة الى ذلك اقترح ان تكون الطلبية لشهر واحد فقط لان اتجاه القيمة في البورصة سيهبط اكثر في المستقبل". فقال المدير " احسنت يا ولد، انت نبيه ويقظ، وارسِل لي الانسة سلمى لاخذ بعض الملاحظات" اجاب ماهر "سيدي، الانسة سلمى ليست موجودة"، فتساءل المدير متعجبا" اهي مريضة؟"، اجاب ماهر " لا، يا سيدي، لكنها لن تكون قبل العاشر من هذا الشهر".

هذا كثير، وقد ذهب الشاب بعيدا جدا، انه يعرف كل شيء. وهذا حال العقل البشري، لقد تنفّذ، لقد تجاوز حدوده، لقد امتص العقل كل الطاقة ولم يترك للقلب اي شيئ.

وأنت تجاوزت قلبك ولم تعد تستخدمه، لهذا السبب انت عالق، ولن تتقدم اكثر، لقد مات قلبك واصبح نسيا منسيا، وهذا ما تفتقده.

تستطيع ان تُنصِت لي من خلال عقلك وستسمع كل الكلمات... ومع ذلك تبقى غير مستوعبا للمعنى، حتى انك لن تفقه أي كلمة مما سمعته.
ما يُستوعب ويُعقل عن طريق القلب ليس هو نفسه ما يُستقبل بالعقل ، فِهم القلب هو اشبه بالحُب اكثر منه معلومة. اذا احببتني، اذا شعرت بي، اذا اصبح بيني وبينك علاقة، وكانت هذه العلاقة علاقة حب، عندها فقط.... .


OSHO - Talks on Royal Songs of Saraha