22.2.10

التلقائية...18

المقالة الثامنة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

"من التلقائية الفريدة"
في هذا المقطع يوجد شيء آخر، تقوله التنترا، يجب فهمه بدقة.
تتمظهر التلقائية بشكلين. الأول: تلقائية متهورة وشهوانية غير فريدة وغير مميَّزة. والشكل الثاني: هو ما تدعو اليه البوذية (الحكمة والتعاطف).

يعتقد الذين استمعوا لي أنهم أصبحوا انسيابيين، لكنهم لا يدركون وقوعهم في فخ الشهوانية. إذاً ما الفرق بين ان تكون انسيابيا او شهوانيا؟

ولكي تستطيع رؤية الاختلاف بين الانسيابية العفوية والشهوانية البهيمية عليك ان تفهم انك ذو طبيعتين: جسد وعقل.

العقل محكوم للمجتمع، من خلاله يستطيع المجتمع ان يُدخِلَ اليك ما يريده من افكار للتحكم بك. اما الجسد فواقع تحت تأثير البيولوجيا، وتشكل عبر ملايين السنين، وهو محكوم لغرائزه .

كِلا الجسد والعقل غير واعيين. لذا يجب على روحك ان تتجاوزهما الاثنين.

قلت: بعض الذين يسمعون دعوتي للانسيابية يخفقون كليا في فهمي، فيطلقون العنان لغرائزهم الحيوانية كالجنس والكسل والخنوع والاستسلام والقتل. يدّعون ان اوشو قال "كن تلقائيا".

هذا لن يجعل حياتكم جميلة ومباركة، بل سيجعلكم على صدام مع الآخرين الذين يعيشون معكم وحولكم طوال الوقت. أردتم الهروب من التناقض الداخلي فوقعتم في الصراع الخارجي.

التنترا تقصد "بالتلقائية" ان تكون كامل الوعي والحذر. وهذا هو شرطها الأول - الوعي.

عندما يتحقق الوعي لن تقع في فخ الجسد (الشهوة والغريزة) او في فخ العقل (العبودية).
بعد الوعي تصبح روحك هي مصدر تلقائيتك...التي هي بمثابة البحر والسماء.

إن لم تكن روحك مصدر انسيابيتك فأسيادك هما الجسد والعقل، وكن حذرا من تناوبهما على استعبادك.

الجسد أسرع من العقل انزلاقا في مصيدة الرغبات، لانه اقدم واكثر بدائية، وفيه انسيابية غرائزية وشهوانية طاغية أكثر من العقل، وسرعان ما يصاب بالغشاوة، فيصبح أعمى، ويقود صاحبه الى اقرب حفرة ليسقط فيها متورطا متعثرا. لذلك حاذر من الحُفَر التي سيقودك إليها جسدك. إنها ليست انسيابية، بل غريزة حيوانية بدائية.

أنت تعيش بلا وعي، وسواء أكنت متورطا في الجسد ام متمسكا في العقل... النتيجة واحدة... تبقى غير واع، فلا فرق.

صُعِقَتْ زوجة الجراح المشهور بعد أن مزّق الصفحات الأخيرة من الكتاب، فسألَتْه مستنكرة ويائسة " لماذا فعلت ذلك"، أجابها الزوج مطَمْئِناً "عزيزتي، هذه الصفحات معنونة ب" زوائد"، وقد قطعتها جريا للعادة "

طبعا، قضى عمره يستأصل الزائدة من بطون المرضى، فأصبحت لديه عادة، هو يجريها دون وعي، ودون تفكير، حتى وان كانت زوائد كتاب. هكذا نحن، نتواجد كعادة خالية من أي مضمون او وعي، والتلقائية غير الواعية، ليست تلقائية.

خرج احدهم مخمورا من حانة. بدأ يمشي برجل على الرصيف وأخرى على الإسفلت. استوقفه شرطي مبادرا إياه "أنت سكران"، فقال المخمور "آه، الآن فهمت، وقد ظننتني أعرجا".

عندما تكون تحت تأثير الجسد، تكون تحت تأثير الكيمياء أيضا. نعم أنت خارج مصيدة العقل، لكنك في مصيدة اخرى. وهكذا ستنهض من حفرة العقل لتقع في حفرة الجسد ما لم تستيقظ.

نعم يوجد بعض التلقائية في الغرائز، وفي الغريزة تلقائية أكثر مما في العقل. لكنها ليست هذه التلقائية التي تصبو إليها تنترا، لا في النوع ولا في الغزارة.

لذلك يقول سراها من "التلقائية الفريدة"، وهو أضاف كلمة "الفريدة" ليوضح ان ما يقصده ليس الاندفاع الشهواني بل الاندفاع الواعي للوعي. وأيضا أراد أن يقول أن لكل شخص عفويته المميزة له، الخاصة به، الأصيلة والنقية من التقليد والتشبّه. كلًّ فرد فريد، وكل شخص شخصي.

ولن تستيقظ إذا لم ترغب في التخلص من كل الحفر وكل السجون. هذه الرغبة يجب أن تكون خالصة وجامحة وحقيقية. عندها يمكن أن تصبح مراقبا مشاهدا متعاليا على جسدك وعقلك.

في هذه الحالة المتعالية تكون التلقائية هي التلقائية الفريدة المميزة.
OSHO – “Talks on Royal Songs of Saraha”

15.2.10

مصدر التشتت...17

المقالة السابعة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

من العفوية الفريدة
المفعمة بالبوذية المثالية
كل المخلوقات جاءت منها وسترجع اليها
لكنها ليست مادية او فكرية

اولا: في علوم التنترا تُعتبر العفوية (التلقائية) من اعلى القيم وهي من الاسس المبدئية فيها. وهي تعني ، أن تكون طبيعيا، منسجما مع سجيتك، وانسيابيا مع سليقتك ومتوافقا مع جوهرك، بدون تقعير او تحديب، بدون تصنّع او زيف. وتعني ان لا تقف حائلا أمام نماءك وتطورك الطبيعي، ايضا، وان لا تتبنى ما يعيق إبداعك وتحقيق ذاتك.

هذا يعني أن تحقق إنسانيتك بسلاسة، أن تجري كالنهر بلا سدود او معيقات او تحويلات هنا او هناك. الانسيابية بالنسبة للتنترا ترنيمة، وهي تسبح بإسم العفوية والثقة.

التلقائية تعني الانسيابية بدون تدخل خارجي لحرف مسار تطورك الطبيعي، وبدون دافع داخلي بسبب أنانية او مصلحة، او تكسّب او مخادعة او تثعلب او مراوغة. إذا سيطرت النفعية اختفت الانسيابية وتلاشى التناغم. لن تكون تلقائيا اذا شدَّتك طبيعتك باتجاه وأمرتك أطماعك بسلوك الاتجاه المعاكس. تصبح كالذي يُجَرُّ جرا باتجاه الوعود والمغانم.

هذه هي حال ملايين الناس. يجرجرون أنفسهم نحو مصالح متخيلة غير طبيعية، فيفقدون قوة المكنون الداخلي. وكان يجب ان يكون هذا المكنون هو الهدف، لتفعيله وإطلاق طاقته الخلاقة التي لا تنضب.

التشتت بين النداء الداخلي الإنساني والخارجي ألغنائمي يقود الى الانشطار في الذات والانفصام في الشخصية والتفتت في النفس. يتجسد كل هذا بدوره إحباطا ومهانة واذلالا. لو نظرت حولك لرأيت تعاسة في وجوه الناس، ومقتا في مزاجهم، وجحيما في معاشهم.

يبدو الناس خاملين او مثقلين، انهم محسوبون على الأحياء لكنهم في عداد الأموات. حركتهم ثقيلة ومقيَّدة، ليست بها رشاقة. لا يمكن ان تكون رشيقة، لانهم في معركة، في قتال مستمر مع شهواتهم ونزواتهم ، يريدون أكل هذا وخداع ذاك، شراء هذا وتبديل ذاك، ملاحقون من الحرام والممنوع، خائفون من القال والقيل هنا، ومرتعبون من تقاليد المجتمع المتكلسة هناك.

انهم مأسورون بقيود الماضي بينما يُطحنون في الحاضر.

يأتي الإلهام أحيانا ليدلك على الطريق الصحيح، فيمطرك الآخرون مواعظ وإرشاد ونصائح، فتبدأ بالتفكير" أيجوز أن يكون كل هؤلاء على خطأ، وانا على صح، لا ....لا يمكن. لو لم يكونوا على حق لما كانوا بهذه الكثرة"، وتنتهي الى أن تتراجع.

الشرط الاجتماعي يستطيع ان يقضي على أي إبداع، وقادر على تشويه أي تطور، ومستعد لمقاومة أي شيء طبيعي، وهو ضد اي نماء او أي نداء.

هذا المجتمع المتخلف استطاع ان يخلق فيك شروطا داخلية. لم يكتفوا بحصارك من الخارج، بل تسللوا الى داخلك. وهذا هو الفن في قهر الإبداع والسيطرة عليك، ان تصبح عدو ذاتك. المجتمع ماهر ولديه الوسائل الكافية ليُدجِّنَك ويجعلك "سويا" ومقبولا فيه.

لقد زرعوا فيك جاسوسا واسموه "الضمير". إذا أردت ان تطلق سجيتك، يتصدى لك ليصرخ "لا تفعل". كان من الاولى ان يكون ضميرنا مرشدنا، لكنه اصبح البوق الذي يتكلم من خلاله السياسيون ومدَّعو الاصلاح وراكبو الدين ومتاجرو الوطنية.

انهم انتجوا فيك ضميرا مُشَوَّها خائفا كاذبا وخائنا، انه خادم لمصالحهم. بدؤوا هذه العملية منذ طفولتك، عندما لم تكن واعيا لما يحدث لك. لقد وضعوا فيك موظفهم "الضمير". لذا انت دائم الشعور بالذنب، هم ركبوا في بناءك وبنيتك عقدة الذنب. الذنب يعني انك فعلت ما لا يريد الاخرون ان تفعله .

كلما أردتّ أن تكون ذاتك، وكلما أظهرت خصوصيتك وإبداعك، وكلما حاولت ان تمارس فرَدانيّتك وتميزّك شعرت بالذنب. والنتيجة، تراك عندما لا تريد ان تكون مذنبا يجب ان تكون غير طبيعي، هذه ورطة. واذا تجاوبت مع حقيقتك وملكاتك الإنسانية تكون مذنبا، وهنا صلب المشكلة.

أصبحت تعيسا، ولأنك يجب ان تعيش وتتعايش، تبدأ بالتظاهر، وتلجأ الى القشور للتعريف بنفسك وتعزيزها، مُخفيا حقيقتك المهزوزة والمنهارة. تصبح كاللص في وضح النهار. وهذا يجعلك خائفا دائما، ومتوترا أبداً. تصبح مرعوبا مشوشا مضطربا وقلقا، فتكره الحياة وتمقتها، ومن ثم تنطفئ شعلة الرغبة في العيش والاستمرار. هذا هو الموت حيا.

انظر إلى حالك؛ عندما تفعل ما يريده الناس تشعر بالندم، وعندما تفعل ما تريده أنت تشعر بالذنب. وبين هذين الفكين تسعى، لا نشاطا، بل متلويا كالدجاج المذبوح.

تتوهم انك تمتلك حياة، وانك وضعت خطة لتعيشها، وتظن انك تُفَصِّل احداثها، ويتهيأ لك انك تنفّذ ما تصبوا اليه من احداثياتها. للحقيقة، انت مأمور ومُقاد ومجبور.

تماما كالذي يجلس أمام مقود سيارته، لكنه ينفذ أوامر امرأته وحماته الجالستين في المقعد الخلفي، تستطيع ان تصرخ الف مرة لكي يكفّوا ، لكنهم لا يفعلون. وخياراتك كلها أمَرَّ من الأخرى. لا تستطيع أن تطردهم، فهم زوجتك وأمها، ولا تستطيع مغادرة المركبة فهي لك، والطريق يجب إخلاءها للآخرين.

في هذه الحياة، كثيرون يجلسون فوق كتفيك او تحملهم على ظهرك، الآباء والأجداد، الأستاذ ورجل الدين، السياسي وصاحب العمل، المصلح والقديس، يأمرونك "افعل هذا وابتعد عن ذاك. لا تأتي هنا واذهب هناك ". الكل يشرِّع ويشور. انهم يسبّبون لك الجنون. وهذا هو مطلبهم وتلك هي خطتهم.

انت من باب اللباقة والكياسة تعلّمت ان تُطيع، وخاصة انه عندما يكون العنوان "لمصلحتك". وحتى لو تمردت ولم تُطِع، سيتولد فيك خوف أن تكون على خطأ، هم الأغلبية وأنت الأقلية ويجب أن يكونوا على حق.

لكن تذكّر، ليست المسألة من على حق ومن على خطأ. المغزى والسؤال هو ان تكون تلقائيا شفافا نظيفا. الانسجام مع ذاتك هو الحق، وإلا أصبحت مقلدا. والتشبه لم يكن تحقيقا للذات أبداً ، ولا هو الإبداع ولا يستطيع تفعيل المكنون الإنساني.

قد تكون أردت ان تصبح رساما. وانبرت لك امّك وانضم لها ابوك لكي يقنعوك " انها ليست مهنة شريفة، لا تدرُّ ربحا ولا تحقق مكانة اجتماعية ولا احتراما. سيعتبرك الناس مشردا وشحاذا، يجب ان تتعلم محاميا". وهكذا غدوت قاضيا.

في المحكمة، يأتون بمذنب، ويبدأ المدعي العام بكيل الاتهامات، لكن ما زال الرسم ينبض في عروقك، ويتوقّد في داخلك، فتبدأ بتأمّل المتهم وتشرع باكتشاف خطوط وجهه، وتجاعيد جبهته، وبروزات فكّيه، ونتوءات جمجمته الحاملة للحواجب الكثيفة، فتقول في نفسك" انه سيكون لوحة رائعة".

الآن وقت المرافعة، لكنك في عالم آخر، ترى الشعر فتتذكر الألوان ورائحة الأصباغ، تسمع ما يتلى لكنك لست هناك. تشعر انك لست أنت، لست طبيعيا. ستشعر دائما بعدم الراحة، ستلاحقك الألوان في الشارع، في الحديقة والجبل والصحراء، حتى لو هربت بنظرك للسماء، الألوان حولك أينما ذهبت.

لكنك ستتعوّد، وتعوِّد الآخرين على احترامك، وتصبح محترما مقنَّعا متوترا. انت الآن مسخ، والانكى انك مسخ صناعي مستعبد.

سمعت، أن سيدة كانت تدخن بنهم وشراهة، أقلعت عن التدخين بسبب إصابة ببغاءها بالسعال. اعتقدَت انه مصاب بذات الرئة، فأخذته للبيطري لعلاجه. فحصه الطبيب فحصا شاملا فلم يجد فيه اية علة ، فأعلن لها ذلك. فتساءلت مستاءة عن سبب السعال. اجاب الطبيب " انه يسعل مقلدا إياك، وهذا ما في الأمر".

إذاً، لم يكن الببغاء مريضا بل مقلدا. راقب نفسك لكي لا تكون حياتك كلها تقليدا ووهما، فتهدرها هباء. واحذر، ان كل ما تكسبه وتحصل عليه من القشور لن يعوضك عن حقيقة الحياة وجمالها وبهاءها. هكذا تجعل تنترا الانسيابية والسجية اول قيمة من قيم الحياة.
OSHO – Talks on The Royal Songs of Saraha

9.2.10

الجوهر الثابت...16

المقالة السادسة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

كالسماء يبقى البحر
دون زيادة او نقصان

سراها يذكّر الملك بشيء آخر: راقب البحر، الغيوم تتشكل من البحر، بفعل تبخر كميات هائلة من الماء. ومع ذلك لا يتناقص البحر. يسقط المطر على الارض، فتتكون الجداول لتصب في الأنهار ومن ثم تنتهي في البحر، ومع ذلك لا يزداد البحر.

كل الفيضانات ترجع للبحر، كل الأنهار العظيمة تصب فيه، ولا تزيد كميات مائه. مهما أخذت مِن البحر ، او أضفت اليه، فهذا لا يشكل فرقا بالنسبة لكمية الماء فيه. انه كامل ولا تستطيع التأثير فيه.

سراها يعني: انتبه، عندما تحقق الصفاء الداخلي وتصل الجوهر الحقيقي النقي، فان الاعمال الخارجية تصبح غير ذي صلة، أي لا تؤثر في الجوهر، لا الصالحة ولا الطالحة. انت تبقى كما أنت.

اوشو: هذا قول ثوري، وهي جملة عظيمة.

سراها يقول للملك: لا تستطيع ان تضيف أو تنقص من الإنسان شيئا، لان كمال حقيقته لا يمكن النيل منها. لا تستطيع تشويهه او تجميله. لست قادرا على اغناءه او افقاره. انه المحيط.

لبوذا بيت شعر تشبيهي -فايبولا- يفيد أن في المحيط جوهرتان، واحدة تعوض النقص من الماء، والثانية تمتص الزائد منه. هاتان الجوهرتان العظيمتان تصونانه من الزيادة او النقصان. يبقى كما هو لا أكثر ولا اقل.

لا يهم كمُّ الماء المتبخِّر في الغيوم، ولا يهم كمُّ الماء الآتي من الأنهار، المحيط هائل وعظيم لا تؤثر به هذه الكميات. هذا هو جوهر الانسان، هذا هو كنه الوجود!. الزيادة والنقصان مظاهر تخص التغييرات الطارئة على الأطراف، او في الهوامش، او في السطوح الخارجية او على الحدود، وليس في الجوهر.

أن تصبح متعلما او مثقفا او مشهورا او جاهلا...هذا فقط قشور على السطوح الخارجية. ليس هناك ما يمكن اضافته للجوهر، ولا توجد هناك معرفة تزيد مما عندك أصلا في جوهرك. لا يمكن إضافة لما هو موجود. هذا صفاء لامحدود، لا يوجد ما يمكن تحسينه. وللاسف، الكل واقف على الحدود، غارق في القشور ومتورط في المظهر.

رؤية التنترا وجوهر الموقف الذي تتبناه: أنها ضد الهوس والولع بالمظاهر او التصنّع او التظاهر او التحذلق واللف والدوران. ولا يمكن فهم وهضم ذلك إلا بتذكّر هذا الإنسان لسمائه وبحره، وخطوة خطوة، وبالتدريج، يتنامى الإدراك لديه وتنضج المفهومية عنده، ليعرف ما هو المقصود بالغيمة، وما المعنى وراء السماء، وما هو النهر وما هو البحر!.

عندما تصبح على انسجام مع بحرك، تختفي كل التوترات، تذوب كل الذنوب. تصبح بريئا كالاطفال تماما.

الملك يعرف سراها؛ كان سراها من اكبر العلماء والحكماء، الآن هو يتصرف كالاطفال الجهال، توقفَ عن العمل بتعاليم الفيدا، وتجاوز الشريعة والشعائر والطقوس، وحتى التأمل لم يعد يمارسه. لا يقوم بأي عمل يمكن وصفه بالديني. ما يقوم به سراها هو الرقص كالمجنون والغناء كالطيور والعيش في مقبرة، اين ذهب تعليمه؟.

سراها يقول: تستطيع أن تجردني من كل معرفتي، بالنسبة لي هذا لا يعني شيئا، ولا ينقصني بشيء. ويمكن ان تصب كل الكتب الدينية فيّ، وهذا أيضا لا يعني شيئا، لا يزيدني بشيء.

هذا السراها كان أكثر الرجال احتراما، الآن هو الأكثر مَن في المملكة احتقارا.

ويستمر سراها: يمكن ان تغدق عليّ كل الشرف‘ او تسحب كل الأوسمة، او تدمر سمعتي..... هذا لن يغير فيّ أي شيء... لا شيء يحصل لي. كله سيان، وانا انا كما انا. انا الذي لا أزيد ولا انقص. الآن عرفت أنني لست غيمة........انا السماء.

لا اهتم لما يفكر به الآخرون ان كانت الغيمة سوداء او بيضاء، فانا لست غيمة، وانا لست جدولا، ولا نهرا...انا البحر. انا لست فنجان شاي لتحصل فيه العواصف بسهولة، ولا أفيض بزيادة ملعقة ماء، ولا انقص كثيرا بأخذها مني. انا البحر المهول، خذ الان ما تريد او اعطني ما شئت، كلتا الحالتان سيان، لا يهم... انا المحيط.

اوشو يقول: انظر لهذه الروعة، في اللحظة التي لا يهمّك فيها اي شيء، ترجع لبيتك. وإذا بقي فيك شيء من الخوف تبقى بعيدا عنه. بمعنى، إذا ما زلت تخشى ما يقوله فلان، او تهتم لإرضاء علان، او تحسب لما يجب ولما لا يجب....تبقى ما زلت بعيدا عن الجوهر. تبقى ما زلت تفكر بوجودك الزمني الآني، وليس بوجودك الأبدي الخالد.

وهكذا تكون لم تتذوق الإلوهية بعد.
OSHO-Talks on The Royal Songs of Saraha

2.2.10

الثابت والمتغيّر...15

المقالة الخامسة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

كالغيوم المنبثقة من البحر
مهما شربت الأرض من المطر
كالسماء يبقى البحر
دون زيادة او نقصان

يقول سراها للملك: انظر إلى السماء، هناك ظاهرتان... السماء والغيوم. تاتي الغيوم وتذهب، اما السماء فثابتة. قد تكون هناك غيوم ، وقد لا تكون، لكن السماء باقية ابدا. لذا فالغيوم ظاهرة زمنية، بمعنى انها مؤقتة. بينما السماء هي ظاهرة غير زمنية، بمعنى انها سرمدية لأنها باقية دائما.

الغيوم قد تحجب السماء، لكنها لا تعكّر وجود السماء، حتى السوداء منها. لن تأثِّر الغيوم بالسماء،. صفاء السماء شيء مطلق، ولا شيء يستطيع أن يعكره. انه صفاء عذري لا يمكن اغتصابه. جاءت الغيوم وذهبت على مرّ العصور، وما زالت السماء صافية كما كانت ابدا، حتى انك لا تصادف للعكر أثرا.

هناك شيئان في الانسان، ما هو كالسماء وما هو كالغيوم.
اعمالك تشبه الغيوم... تأتي وتختفي. أما انت (روحك) فمثل السماء: لم تأت ولم تختف. ولادتك ومماتك مثل الغيوم... مثل اعمالك. لكنك؟!.انت لست عملا (حدثا)، لقد كنت وستبقى دائما موجودا. الأشياء تحدث... انت لم تحدث ابدا.

الاشياء تحدث كما الغيم تحت السماء، أما أنت كالسماء موجود صامت ومراقِب لمسرحية الغيوم. فحينا تكون الغيوم بيضاء جميلة، واحيانا سوداء قبيحة. مرة فيها ماء ومرات خاوية. آناً تسبب خيرا واواناً شرا ودمارا. حيناً تحدث فيضانا واحيانا تجلب الحياة والخضرة والمحاصيل.

لكن السماء تبقى كما هي إلاهية صافية وغير ملوثة. الأعمال غيوما وأشكالا وألوانا،و الوجود سماء.

سراها يخاطب الملك: انظر الى سمائي. لا تنظر الى أفعالي. هذا يتطلب منك بعض التغيير، بعض الوعي، لا شيء مطلوب غير تغيّر في الوعي، تغيّر في الإدراك.

أنت نظرت الى الغيوم، ركّزت عليها ونسيت السماء. وفجأة، انت امامي، امام السماء فتذكّرت السماء. الآن تركّز على السماء. أصبحت الغيوم غير ذي صلة، الآن انت في بُعد اخر. انتبه، لحظة تغييرك لموضوع الاهتمام يصبح العالم مختلفا.

لا تركز على سلوكيات الشخص، انها كالغيوم، انظر في كينونته، في جوهره الصافي كصفاء السماء، تأمل السماء.

عندما تراقب الصفاء الداخلي للإنسان، لن تجد اي شر فيه، حينها يصبح الوجود كله مقدسا. لكن اذا اردت مراقبة الافعال سيصبح كل من عيسى وبوذا وكريشنا وماهافيرا مجرما لا قديسا.

أُلِّفت كتبا كثيرة في الغرب عن السيد المسيح، منها ما يظهره الاها ، ويستطيعون إثبات ذلك،وكتب أخرى تستطيع ان تثبت انه كان مجنونا وعُصابيا ليس الا. ولا تنس انهم لا يتكلمون عن شخصين، بل هم يتكلمون عن نفس الشخص. وكيف يمكنهم فعل ذلك؟!... إنهم يتدبرون أمرهم جيدا.

فريق اختار ان يركز على الغيوم السوداء، وفريق آخر ركَّز على البيضاء. وكلتاهما متوفرتان، لان لكل فعل وجهين، لا يكون الفعل إما ابيضا وإما اسودا. أن تكون موجودا، يعني أن تكون الاثنين معا (الابيض والاسود).

أي عمل، ومهما كان هذا العمل الذي تقوم به، يحضر للوجود ما هو خير وما هو شر. أي عمل تنجزه سيكون له نتائج ايجابية وأخرى سلبية. خذ مثلا، أنك أهديت ابنك دراجة، يسوقها في الشارع فيصدم ولدا او امرأة ويكسر يده. كانت نيتك أن تفرحه فإذا بك تكسِّره ومن بالشارع. تعالج احدهم في المستشفى ويخرج قويا ليقتل جاره.

فلو لم تدلل الابن لما تكسَّر، ولو لم تعالج مريضك لما ارتكب الجريمة. أنت في النهاية ساهمت في زيادة الحوادث والجرائم! كانت نواياك حسنة، لكن جاءت النتائج مدمرة. والآن هل نحكم على النتائج أم على النوايا؟ ومن الذي يحزر نواياك؟ لا احد. النوايا مخفية. ربما عالجته ليقتل.

أحيانا تكون نواياك سيئة وتأتي بنتائج طيبة. أنت تقذف حجرا بنية إيذاء احدهم، يشج الحجر رأسه، وبدلا من إيذاءه تفيده. فقد عانى هذا الشخص من صداع نصفي لأعوام طويلة، ومع الضربة يختفي الألم. الآن كيف نحكم على فعلك؟ أاخلاقي ام لا ؟ كنت تريد ايذاءه فقدمت له خدمة عظيمة.

على اي حال، هكذا تم اكتشاف العلاج بالإبر الصينية. هذا العلم الذي قدم خدمة جليلة للإنسانية وانعم على الملايين بالصحة والراحة. القصة تقول ان احدهم وجّه سهما على عدوه بهدف قتله، فأصابه في رجله. سقط جريحا وتم إنقاذه من قبل طبيب القرية. إلا أن هناك ملاحظة استرعت انتباه الطبيب، لقد اختفى الم الراس المبرح الذي كان يعاني منه هذا الرجل قبل إصابته.

بعد التدقيق والتمحيص خَلُص الطبيب الى أن السهم أصاب الرجل في نقطة غيرت مجرى الطاقة في جسده. هذه النقطة اعترضت تدفق الطاقة في مساراتها الطبيعية وهذا كان سبب الصداع. كانت هذه النقطة مسدودة، وبفعل الوخز انطلقت الطاقة في مساربها ووصلت الى الرأس وزال الألم.

لهذا السبب، اذا شكوت للطبيب ألما في أذنك ، فقد يبدأ بالضغط على نقاط في الكف او في أخمص القدم او في الظهر، وانت تسأله ما لأذني وقدمي، فيخبرك ضاحكا انه يحاول ان يدفع الطاقة الى منطقة الوجع، لان الجسم متشابك ومتصل ببعضه البعض. هناك الآن اكثر من سبعمئة نقطة للطاقة مكتشفة في أنحاء الجسم. كل شيء في الداخل متصل.

هذا الرجل الذي اطلق السهم، أقديس هو ام شرير؟ صعب ان تقول، بل صعب جدا الحكم على الأعمال و هذا يعتمدعلى الزاوية التي تنظر منها الى الحدث. وتستطيع أن تصفه كما تشاء، وبغض النظر عن الصفة وعن ما تريده أنت، فان العمل يجلب الى الوجود النتائج السلبية والايجابية.

يقول اوشو: هذا ما افهمه وأرجو أن تتأمله. واكرر أن العمل يجلب الصالح والطالح من النتائج بنسب متساوية، خمسون بالمئة للرديء منها وخمسون بالمئة للحسن. والسبب، أن الحسن والسيئ وجهان لعملة واحدة. الجيد متصل بالسيء ويكون ملازما له.

عندما تلتقط طرفا فانك تلتقط الطرف الاخر، وإلا الى أين سيذهب الطرف الآخر؟. لا تكون العملة إلا بوجهين. انا لم أصادف عملة بوجه واحد. هكذا هي الأشياء بطبيعتها.

يكون الاشرار مفيدين حينا، بينما المصلحون مضرين احيانا. المصلحون والاشرار في نفس القارب. وبحال فهمك لهذا المعنى يحدث التغيير ولا تعود تنظر للأفعال.

لانه اذا كانت الاعمال مرهونة بالنتائج الحميدة والرديئة بنفس النسب، وهي مناصفة، فما الفائدة من اصدار الاحكام عليها. ومن هنا وجب نقل موضوع المراقبة والتحرك لبعد آخر...السماء (الجوهر).

يقول سراها للملك: ما أخبرك به المخبرون صحيحا، انا ارقص واغني وأعيش مع صانعة السهام. ولكن اذا ركزت على ما اعمله فلن تفهمني. اطلب منك ان تنظر الى سمائي الداخلية، الى مضموني، راقب أولوياتي، راقب جوهري، وهذه هي الطريقة الوحيدة لرؤية الحقيقة.

نعم أعيش مع هذه المرأة.... والعيش مع المرأة يعني ما يعنيه في العادة.
ما يقوله سراها مهما جدا انتبه: هذه ليست حياة عادية، ليست هناك علاقة رجل بامرأة على الإطلاق. ليس هناك أي اهتمام جنسي. نحن نعيش معا كقاربين خاليين. ولكي تفهم هذا يجب ان تنظر للسماء لا للغيوم.
OSHO-Talks on Royal Songs of Saraha