16.4.13

البحث عن الوضوح 74


بمناسبة :لماذا المصالحة مناطحة وليست مناصحة؟ ولماذا عند البحث عن الصالح يتحول الحديث عن المصالح، ندّعي أن الأشياء واضحة لنفاجأ أن النتائج طالحة: اقرأ هذه المقالة......


السؤال: ما الذي يمنعني من رؤية الأشياء الواضحة؟، احتاج الوضوح للذي أريد أن اعمله وللذي يجب أن لا أعمله؟


اوشو: يوجد رغبة جامحة لدى الجميع بعدم رؤية الواضح، وأجزم أن الواضح غير مرغوب، ومفهوم "الرؤية بوضوح" أو البحث عن الوضوح هو مفهوم ومُدّع خاطئ. لان الواضح كائن وموجود ومتوفر أينما حللت، وفي اللحظة التي تدّعي الرغبة فيه يختفي ويصبح بعيدا.

كلما بحثت عنه يصبح غير واضح، وإذا كنت تفهم الوضوح فانه يصبح خارج البحث.

تأمّل ما يلي: العادي هو الواضح، والمتواضع والمتوفر والقريب هو الرائع، وفي أعمالك وحياتك اليومية أنت تبحث دائما عن الأغلى الأصعب والأبعد،  مع انك في كل لحظة تقابل الواضح......  وتعرِض عنه.


البحث عن الوضوح ملهاة الأنا. أرجوك أن تفهم قصدي.


 أناك لا تهتم بالواضح، لأنها لا تستطيع العيش فيه او معه. الأنا تهتم بالغموض والإثارة بالبعيد، تنظر الى القمم وتفقد القريب البسيط المهم الرائع. أناك تشعر بالنشوة كلما كان المشوار اتعب اخسر اشقّ لإثبات وجوده والمفاخرة والاستعراض وتحقيق ما تسميه الانجاز. ولتفهم اقرأ هذه القصة الرمزية:


 يُحكى ان الله كان يعش في الزمن الأغبر على الأرض مع الإنسان، لكنه واجه صعوبات هائلة من أهواء البشر وازعاجا ما بعده ازعاج، يأتيه هذا يريد مطرا وذاك شمسا وثالثا بردا ورابعا حَرّا وفلوسا وولدا وبنتا ومركزا...........


قرر الله ان ينتقل الى مكان آخر للعيش، فجمع مستشاريه واقترحوا عليه راس جبل ، فقال: سرعان ما يبلغوني لان الإنسان فضولي، اخر اقترح القمر وثالث اقترح المريخ والمشتري فرفض الله لأنه كان يعرف انهم سيلحقونه. جاء الحاجب يوما وأسرّ في أذن الله أن يختفي داخل الإنسان وبذلك لن يفتش الإنسان عنه في القريب بل سيبحث في البعيد ..وهكذا كان وهكذا تم. الله خلق الأكوان واختفى في صدر الإنسان.


 أهناك أوضح من هذا التواضع واقرب من هذه المسافة...وما زال البحّاثة يبحثون عنه.

ادعوك للتنازل عن أناك والتحلّي ببعض التواضع لتسقط الغشاوة عن بصرك ..هذا ان كنت ترى في الله مثلا، واذكّرك انّ الذات الوحيدة الموجودة هي الله فكل المظاهر تعبر عنه وتدلل إليه.


وهل هناك أعظم من عملية الخلق، أنت من تراب والى تراب وهل أوفر من التراب؟. التراب رخيص ومتوافر في كل مكان قريب وبعيد وتمشي عليه، أرجوكم بعض التواضع.


ومن عجائبه انك تُخلق بين المثانة والمستقيم، فهل هناك أوضح من ذلك.؟!

12.4.13

الأنا و الكفر و الشرك ب الله 73

سألني احدهم: أليس الأنا إحدى تجليات الله، أليست الذاتية لعبة الوجود، لماذا أنت ضد الأنا "Ego؟

اوشو: إذا كان ما قلته مفهوما جيدا لديك، وإذا كان هذا هو إدراكك الحقيقي للانا، فليس لديك أي مشكلة معها، لان هذا المفهوم هو المفهوم الصحيح للانا في اعتقادي.

واجاوبك مباشرة: السبب وراء انتقادي للانا ومحاولتي لتحطيمها هو... نفيك؟!............ ليبقى الله وحده......، لأنك إن مارست لعبة الأنا ستنافس الله، وستتسبب في تعبك وإحباطك  وستُقهر وتتبدّد حياتك.

وإذا وصلت لأعماق هذا التحليل ستكتشف أن الأنا هي ملهاة الله وحده ومتعته الأولى والأخيرة التي يجب أن لا يشاركه فيها احد، ولا هو يحب أن يشارك فيها احدا، وان تجرأت وجربت فأنت تتحداه، وفي تحدّيه خسارة ما بعدها خسارة.

كل شيء لله وكل شيء ..الله...ولا موجود غير الله....هذا هو مفهوم المتحرر من الذات. والمطلوب منك أن تكون الشاهد على هذا وعلى هذه الوحدة....وان أقحمت نفسك بين الأنا والله ستقع في المشاكل....فابتعد أحسن لك. الشرك الحقيقي بالله لا أن تعبد إلاها آخرا فقط، بل أن تؤله ذاتك وتعبدها.

 إذا كنت تفهم تماما ما قلت، فأنت متحرر من مشاكل الأنا، عندها لا داعي لإسقاطها لأنه ليس لديك ما تسقطه.
لكن انتبه....قد توهِم نفسك انك تخلّيت عن أناك...كما يدّعي معظم السياسيين والمجتمعيين والمتدينين والكهنة والشيوخ باسم الدعوة لله ووحدته او للوطن ولحمته، عندها يكون عقلك قد خدعك، وهو خبير في الخديعة.

فالعقل له ألاعيبه الكثيرة، والتي ابسطها أن تعتقد انك متحرر من الأنانية تحت ستار الدفاع عن الله.
لا أستطيع أن افهم كيف أنت تريد الدفاع عن الله؟!، وهل هو بحاجة إلى من يدافع عنه؟ حتى وإن احتاج فانه لن يمنحك هذا الشرف، لأنك اعجز من أن تتحكم في ما يخصك فكيف الدفاع عنه.

جرت العادة ان يستعين الضعيف بالقوي ..... فمن أنت لتدافع عنه أو لتعينه لو احتاج المساعدة، فأنت أحقر من أن تتحكم بطاقة الحياة في حبة قمح، أو أن تتحكم في يوم ميلادك أو ساعة رحيلك، ثم ما هو عِلْمك وعَمَلك.... ناهيك عن الأكوان والخلق والفراغ والدقيق والواسع.....فأرجوك أن تتحلى ببعض التواضع.

اكرر....إذا فهمت أن كل شيء لله....فأنت غير موجود.
الأنا أحمق، وكلمة أحمق جميلة، لأنها ترمز للخصوصية وفيها بعض التميّز.

ماذا نعني بالأنا؟ هي تعني أنني شيء خاص ومتميّز، وكل متميز مختلف، وكل مختلف يحاول الانفصال، وفي الانفصال تضع  نفسك في خصومة مع الباقي، وتعتمد كل الوسائل للابتعاد، ولكن معركة الانفصال هي معركة خاسرة من بدايتها، لأنك إلى أين ستنفصل، يجب أن تجد لك شيئا خارج حدود الكون والوجود...لأن كل ما حولك من أملاك الله، والخروج  ليس من ضمن قدراتك.

كل حكماء العصور وروحانييهم كانوا يقولون " اسقط أناك" لإدراكهم أن لا مفر من الوجود تحت جناحيه، ولا قدرة للانفصالية عن ملكوته-لا معناً آخر لكلامهم- ، وانك ستتعب وتتحطم إن ركبت عنادك وإن لم تسقطها تتوتر وتقلق...وهذا معناه أنَّ عقلك خدعك.

كن حذرا مِن أناك، فهو يستطيع أن يجد ألف طريقة لحماية نفسه، انه متخصص بالمنطق، لا بل عمله الوحيد هو المنطق، وبالأحرى هو أساس المنطق، وهو المنطقي الوحيد. الأنا هو من أسّس المنطق تحت ستار الدفاع عن الله والدين والعائلة والوطن والأخلاق ومليون شيء آخر..وهو الذي زرع التبرير في العقل................واليك هذه النكتة:

تصاحب قرد وضبع، فشكا الضبع للقرد أن في الغابة أسد ينغصّ عليه عيشه ويوسعه ضربا كلما صادفه. تعهّد القرد أن يحمي الضبع، وإذ هما كذلك ظهر الأسد ، فقفز القرد لأعلى شجرة...وانفرد الأسد بالضبع ....وأوسعه ركلا وضربا...ثم اختفى.
متهالكا ونصف ميتا عاتب الضبع صديقه القرد "لماذا لم تدافع عني". أجاب القرد " سمعتك تصرخ ضاحكا فظننت انك تلقّن الأسد درسا لن ينساه، فلم ارغب إفساد  متعتك عليك".

وهذا هو أناك وعقلك ومنطقك وتبريرك.

10.4.13

ثورة الوعي 72


هذا هو جمال الوعي: أنه حر وقادر على مقاومة أي توريط أو رشوة أو إغواء أو إحباط.، ولا يمكن محاصرته لان ليس له حدود. قد يبقى أسيرا لفترة، لكن لحظة التفهّم تطلقه فيحلق عاليا. مثلا تكون لسنين طويلة متعصبا لإسلامك او  لعذاباتك ... وبعد التّفكر والتفهّم لمساوئ وتفاهة هذا التعصب، بلحظة واحدة تصبح متسامحا ودودا منفرج الأسارير، إن فهمت طبعا.
 
لا نقول انك تخليت عن إسلامك.. لا ، بل انت فهمت وتغيّرت.  ستبقى مسلما او مسيحيا..لكنك ألآن لست مشروطا ولست مسجونا بهذا اللون من الاعتقاد، ولم تعد ضد الآخر، انت الآن ترى تفاهة التعصب، هذا ان فهمت، لان الوعي والفهم مترادفان. سيبقى إسلامك في ذاكرتك، لكن وعيك خرج من دائرة التعصب وتعالى، تماما كما تقف على تلّة عالية مشرفة على واد وتنظر من عل وترقب. الآن مات التعصب الديني في الوادي بعيدا دون ان يصيبك حزن او أذى لأنك تراقب.

ورجوعا الى طريقة الشرق في معالجة المشاكل، نستطيع تلخيصها بكلمة واحدة: المراقبة. وكل طرق الغرب نلخصها ايضا بكلمة : التحليل.

في التحليل أنت تدور حول الشيء، بينما في المراقبة انت تخرج كليا من المشكلة. التحليل هو الدوران في حلقة مقفلة وهذا ما يقودك للحيرة والاحباط. التحليل لا ينتهي، لأنه يقدم لك دائما نصف الوجبة المطلوبة ، فتركض للنصف الآخر الذي يفتح أنصاف تالية. مثلا متى بدأَت غريزتك الجنسية؟ هل في سن الرابعة عشر..لا؟، إنها منذ البداية في الجسد، ومن اين اتت؟ من الأم والأب، وقبل ذلك.....الى آدم وحواء، وقبلها..؟ وما زال امامنا الكثير من الاسئلة.

التحليل دلئما يزودك بنصف المعرفة، وهو لا يساعد احدا. فوائده انه يمكنّك فقط من التأقلم مع ما هو سائد في المجتمع. إنه يمنحك بعض الأمان ويكشف عن انصاف وبدايات الأشياء، السببية بدون حلول.

المراقبة: ثورة، إنها تغيير جذري وخلع للمشكلة من جذورها، وهي تولّد إنسانا جديدا، لأنها تخلِّص وعيك من كل الشروط والمسببات والمحددات. هذه الشروط مزروعة في الجسد والدماغ كالاضطهاد والخوف الغير معترف بهم من قِبَل الوعي. لأن الوعي دائما صافي ويبقى صافيا وعذريا ولا يمكن اغتصابه، إن فهمت.

وهذا ما يكرره سراها مرات ومرات للملك، الشرق يركز على السماء الصافية (الحقيقة)، الغرب يوجهك الى الغيوم ويثير زوبعة وغشاوة من الاسئلة والمسببات من نوع من أين اتت هذه الغيوم؟ ويدخل في التبخّر والتكثّف وتساقط المطر ويحشرك في دورة الماء من البر والبحر والجو فتخرج وكأنك فاهم ومقتنع، لكنك تعود بعد لحظة للانتكاس.

أما السماء فليس لها أسباب، هي موجودة وستبقى موجودة للابد. في الحقيقة هي خلفية لكل ما هو موجود وعظيم. اسأل احد علماء الدين عنها، سيقولون ان الله خلق العالم، وإن سألت هل خلق الله العالم قبل السماء او بعدها سيرتبك، لانه لو قال قبل العالم لما كان هناك فراغ للعالم ولما كان له مكان ليجلس فيه، وان كان الجواب بعد فعندها سيكون التعجّب أين كان الله قبل ذلك.

المقصود أن الغرب يناقش رتوش الظواهر بينما الشرق يدخل الى الجواهر فينهي المشكلة. الحياة مثل الإعصار وعليك ان تكون في مركزه (عينه) لتتجنب حركة الريح في المحيط، وهذا يحدث فقط عندما تراقب الحدث او المشكلة من فوقها. وهذا يكون بقناعة:  ما يحدث الآن هو حاصل للجسد أو للفكر ولا يخص الوعي الذي أنا فيه.

المراقبة لن تغيّر من واقع الريح ولا مما في الذاكرة او في العضلات، إنما يجعل وعيك بعيدا عن منال العذابات والمحددات مثل الطمع والغيرة او المعاناة المختلفة الموجودة حولنا. في هذه اللحظة من الارتقاء تصبح المشاكل غير موجودة وهي لا تخصك في وعيك، اجعل الوعي رقيبك.

بعد الآن ترجع الأمور لك، العضلات فيها الألم، والدماغ فيه الذكريات السيئة، اذا اشتقت لعذاباتك يمكنك الرجوع اليها والاستمتاع بها، وهذا متروك لك. انا اعرف أناس يلذّ لهم اجترار مآسي أجسادهم، ويتحيّنون الفرص للتغذية على الذاكرة الشقية، بل يبنون كل شخصيتهم على الألم الذي يصبح هويتهم وحتى أنّهم يضطهدون الآخرين تبريرا لمعاناتهم.

نحن لا نطلب التخلي عن الذاكرة، فالحكيم يستعمل ذاكرته، لكنه يستعملها كأداة كما اليد او القدم ولا يسمح بان تصبح ذاكرته هويته . ولا يسمح للذاكرة أن تقوده الى أعمال او مواقف، انها ليست شرط وجوده، فلا تُملي عليه تفسيراته، ولا تنتج انفعالاته ودهشته.
الكلام والدماغ والذاكرة..كلها أدوات، ويجب ان تتدرب على استدعائهم متى شئت وتركهم متى تريد، يجب ان تبقى انت المالك لهم فلا تدعهم يتحكمون بك، تماما كما تفعل مع يدك، فلا تجعلها طليقة تذهب الى حيث تريد هي، بل حيث تريد أنت.

نعم المشاكل ستبقى في الجسد والذاكرة ولكن التحدي هو استدعاءهم ام لا. هم كبذور ولك ان تغذيهم فيصبحوا اشجارا او تبقيهم كما هم. لا احد يستطيع ان يلغي 40 عاما من مسيحيتك او إسلامك، لكن تستطيعين الخروج منها دون حاجة لتدمير هذا التاريخ اذا كنت المالكة لهذا البيت من الجسد والدماغ والوعي.

المجتمع الإنساني عليه أن يقرر إما أن يبقى في التحليل او ينتقل للمراقبة، انا شخصيا استعمل الطريقتين في الحياة ومتى أريد.
الغرب نتاج فرويد وهو الذي اخترع هذه اللعبة -  لعبة التحليل، وعندما يأتونني أضعهم في مجموعة واحدة ليتواجهوا ثم أبدا بتنويرهم، فينتقلون من الغرب إلى الشرق.
انتهت الاجابة على هذا السؤال.