30.3.10

من هم الوحوش...23

المقالة الثالثة وعشرون
ترجمة د خالد السيفي

الوحوش (العبيد) لا تفهم العالم (الحياة)
بالنسبة لهم اصبح المكان معاناة، انها لا تفهم
الذي يشرب اكسير الخلود - يفهم
بينما الوحوش تطارد الملذات

كلمة "وحش""beast"هي ترجمة حرفية لكلمة سنسكريتية "Pasho". هذه الكلمة تحمل مغزا خاصا بها.
"Pashu" تعني الحيوان او الوحش ولكنها استعارة لكلمة أصلية "Pash" التي تعني العبودية. "Pashu" في الأساس تعني الشخص المستعبد.

الحيوان هو الشخص المستعبَد، بغض النظر عن المعبود. قد يكون هذا الإله؛ جسدا، او فكرا، او عقيدة، او مالا، او سلطة أو لذة.
والحيوان ايضا؛ هو المستعبَد من قبل المجتمع والمحكوم لعاداته وتقاليده المتكلسة ولقوانينه وعقليته البالية، ولطقوسه وشعائره المهترئة.

الحيوان هو المتعلق بكل ما هو غريزي بهيمي، المتمسك بكل ما هو شهواني، المأسور لكل ما هو إيديولوجي وعقائدي او اسطوري او كهنوتي.

الوحوش "العبيد" لا تفهم العالم (الحياة)
البهائم لا تفهم، وكيف ستفهم؟ وهي لا تسمع، ولا ترى، ولا تشم، ولا تحس، انها في عبودية وغيبوبة. كل حواسها معطلة ومقيدة.

كيف تسمع وآذانها مطيّنة، وكيف ترى وعيونها مشمعة، او تشم وانوفها محشوة، أو تلمس وأياديها مغلولة، او تبصر وقلوبها مغشية، او تفهم وعقولها مسلوبة، او تحس واجسادها مخدرة.


الوحوش (العبيد) لا تفهم العالم (الحياة)
كيف ستفهم الحياة؟ والحياة لا يمكن فهمها الا ضمن الحرية فقط. تستطيع فهم الحياة عندما تكون متحررا من أي كتاب، وطليق اليدين من أي دين، وغير مرتبط بفلسفة وغير محبوس بفكر، وخالي من أي شهوة ورغبة.

أنت تُصبح حرا، فقط عندما تُسقِط كل هذا. والفهم يحصل لمن لم يُدجَّن عقله.

الوحوش (العبيد) لا تفهم العالم (الحياة)
بالنسبة لهم اصبح المكان معاناة، إنها لا تفهم
الوحوش لا تفهم أن العالم أصبح معاناة بسبب سيطرة أجسادهم وعقولهم على وعيهم ومداركهم.

وبكلمة العالم، لا أنا ولا سراها نقصد الجبال والأشجار والصخور والانهار والسماء والبحر والعصافير والجنان والجمال والموسيقى والابداع، لا...لا ، لا تفهمنا خطأ.

بالعالم نقصد ما اخترعْتَه أنت بواسطة جسدك وعقلك. نقصدُ السراب الذي يُهيئُ لك نفسه انه جميل وانه حقيقي ويصورُ نفسه كأنه هو المفروض والمطلوب.

أحذرك، انه لا يتعدى كونه هلوسة وتخيّل وأحلام. انه يبدو حقيقيا لكنه ليس كذلك.

عالَمَك، سراب كقوس قزح، كلما اقتربت منه ابتعد واختفى، وإذا أردت القبض عليه لا تنال سوى فراغا في اليد. لأنك غير واع وغير مدرك للحقيقة.

بالوعي فقط يمكننا استيعاب أن العالم سراب، وانه لا يمكن القبض عليه، وبالادراك والفهم فقط يمكنك استيعاب ان أي سعادة يكون مصدرها حدث خارجي هي سراب ايضا ولن ينوبك منها الا الشقاء.
أي ان هذا العالم او هذا النوع من السعادة هو غش وخداع لأنفسنا.

يظن الشاب او الشابة ان قمة السعادة هي ان يتزوج او تتزوج. لكن ما لا يدركانه، وبأسرع مما يتوقعان سيكتشفان، ان مصدر السعادة ليست الزوج او الزوجة. سيدركان إنهما كانا واهمين حالمين بأحلام ما قبل الزواج.
تتبدد هذه الأحلام عندما تتكشف حقيقة كلٍ من الزوج والزوجة، ليجدا ان كليهما وحشان، يريدان ان يسيطرا على بعضهما البعض. كل واحد منهما يحاول ان يتملّك ويستعبد وان يُعجِّز ويستهلك الآخر.

لقد سمعت ان رجلا عاقلا ورصينا توجه للعريس المرتجف خوفا ليشد من أزره قائلا" تماسك يا رجل، انك تهتز خوفا كالورقة في مهب الريح" . فأجاب العريس " أكاد أن أُصاب بانهيار عصبي من الرهبة، وأرجو ان تعذرني فهي اول مرة".
فقال الرجل: "نعم أتفهم، انها اول مرة، انك لا تعرف ما ينتظرك، فلو عرفت لأغمي عليك".

ستلاحظ انك تكتسب حكمة كلما تمرست في الحياة، وكلما خبرت خداعها، ورقبت أحداثها ودققت معانيها،... وبالتدريج...، من الممكن ان تصحو وتدرك انك تحلم.

وستعرف انه لا يوجد غير السراب الذي يناديك ويحاول إغراؤك لتندفع وراءه في كل أنحاء الأرض متوهما أن السعادة هناك.

ربما إذا تنورت وتوعّيت وازددت حذرا، وربما بعد تقدم العمر، قد تخرجك تجاربك وتحررك من هذا العالم.

وأكرر أن العالم الذي نقصده هو العالم الكذاب والذي حاكته تصوراتك الذهنية، وشهواتك الجسدية، وتخيلاتك وجشعك ورغباتك وعلاقاتك المصلحية. ما نرمي إليه بالعالم السراب هو هلوساتك ومعتقداتك وأيديولوجياتك ودياناتك.

عندما تختفي الأفكار والرغبات والملذات ويبقى الوعي والانتباه والحذر الخالي من الغيوم – الأفكار العابرة وغير الأصيلة -- يظهر ويبان ويشرق العالم الحقيقي. العالم الحقيقي هو ما يُقصد به في الديانات الله او النرفانا في البوذية.
Oaho- Talks on The Royal Songs of Saraha

22.3.10

رائحتك مِسْك...22


المقالة الثانية وعشرون
ترجمة د خالد السيفي

الشّهد موجود ومتوفر قريبا جدا منهم
سيختفي ان لم يشربوه في الحال

العسل في فمك وأنت تذهب لتعثر عليه في الجبال البعيدة، اعتقد أنكم سمعتم قصص "العسل في جبال الهملايا"، إنها قصص رائعة تجسد معاناة الإنسان في بحثه عن السعادة.

ولطالما روى الروحانيون في الهند قصة المِسْك والغزال.

يحكى أن هناك نوع من الغزلان يطلق المسك من سُرّته. وفي موسم التزاوج يزداد إفراز المسك لغواية الظباء.

المسك أحد الخدع أو المصائد التي منحتها الطبيعة للحيوانات، إنها فخاخ بيولوجية وأهمها الرائحة. الرائحة هي بمثابة الإعلان او الإشهار عن الاستعداد والجهورية للتزاوج، وأداتها الأنف واختبارها الشم.

الرائحة والأنف والشم من مكونات العملية الجنسية الطبيعية لدى الحيوان والإنسان، على السواء. الرائحة اقرب الحواس إلى الجنس. الحيوانات تقع في الحب عن طريق الرائحة، الحيوانات تشم بعضها البعض وبعد ان تعثر على الرائحة المناسبة في الطرف الآخر تتزاوج.

الحيوانات ما زالت منسجمة مع طبيعتها، بعكس الإنسان الذي دمر انفه بعد ان ادرك خطورة هذا العضو في اثارة الغريزة الجنسية.

في الواقع أصبحت كلمة "رائحة" ملعونة. فعندما يتذوق احدهم الموسيقى نقول انه يسمع جيدا، وعندما يرى المرء مِن على بعد نقول إن له عينين حادتين، لكننا نتجنب أن نصف احدهم بأنه يشم جيدا.

السبب أننا ألصقنا كل ما هو سلبي بفعل الشم وكل ما هو مشين بكلمة رائحة. فاذا قلنا هناك رائحة، يتبادر الى ذهننا ما هو كريه ونِتن، واذا قلنا فلان يشم، يذهب مخيالنا للمخدرات. نحن لا نمدح من يمتلك حاسة شم جيدة بسبب لعن الإنسان لجنسانيته ومحاولته كبته إياها بكل الطرق.

الإنسان قضى على انفه وطمس رائحته الحقيقية، نحن نحاول تزييف رائحتنا الطبيعية بالعطور والمستحلبات والكريمات المختلفة، نشتري كل ما يوجد على رفوف السوبرماركت بدون تفكير أو مسائلة، نحن نتخلى عن طبيعتنا ونقضي على حواسنا.

قلنا ان الغزال يزيد من إفراز المسك لإغراء الأنثى، إلا انه بذلك يقع في مشكلة عويصة. فالغزال يشم المسك خاصته فيبدأ بالبحث عن مصدر الرائحة.

هو لا يعقل ان هذه الرائحة منه، فينطلق بحثا عن المصدر هنا وهناك، ولأنه سريع، فما تلبث ان تعبق الغابة برائحته ويمتلأ الفضاء بشذى مسكه، وهذا يزيده إثارة ونشاطا في الجد في أثرها هنا وهناك ليجن جنونه أكثر فأكثر، والنتيجة انك تراه لاهثا مزبدا منهكا مهموما مشغولا باحثا عما يحمله في سُرَّته.

ولأنه حيوان غير عاقل فنحن لا نلومه... انه لا يفكر، وكيف نلومه ونحن نرى أن من لديه ملكة التفكير يركض في كل بقاع الأرض باحثا ومطاردا لسعادته التي يحملها بداخله.

الإنسان لا يفهم من أين تأتي سعادته!، من أين يأتي الجمال او من أين يأتي المرح.

نلتمس العذر للغزال... انه مسكين لا يفهم. أما الإنسان فبأي عذر نفسر حماقته ولديه هذا الدماغ. لماذا ينطلق كالمسعور في بحثه عن المال والسلطة والاحترام ظانا أنها السعادة.

انه لا يفهم أن المسك فيه وان العسل في فمه.

انظر ما يقوله سراها للملك:
الشّهد موجود ومتوفر قريبا جدا منهم
سيختفي ان لم يشربوه في الحال

اشربه الآن، لا تهدر أي لحظة وإلا سيختفي هذا العسل. الآن وإلا فلا. يجب عدم إضاعة الوقت. لا حاجة للتحضيرات اشربه الآن، انه عسلك، إنها سعادتك وهي من صميمك.....هذا المسك مخبأ في سرَّتك، أحضرته معك يوم ولدت وللأسف ضيّعت عمرك باحثا عنه هنا وهناك.
OSHO-Talks on The Royal Songs of Saraha

17.3.10

المتاهات ......21

المقالة الحادية والعشرون
ترجمة د خالد السيفي

يسلكون دروبا مغايرة وينبذون طريق السعادة
يلهثون وراء المتع المصطنعة
الشّهد موجود ومتوفر قريبا جدا منهم
سيختفي ان لم يشربوه في الحال

اذا لم تتوحد مع السماء التي تنتمي اليها في جوهرك، فانك ستسلك طرقا تاخذك بعيدا عن كينونتك. هناك ملايين السبل، لكن الصحيح منها واحد، وهو طريق السماء.

على أي حال، والحقيقية ان طريق السماء ليست بطريق، لان السماء لا تبرح الى أي مكان... الغيم هو الذي يذهب غربا حينا وأحياناً شرقا وهو في تجوال دائم شمالا وجنوبا.

الغيوم جوالة، ولديها خرائط تسلكها... لكن السماء قائمة وببساطة ثابتة، هي الكل في الكل، لن تذهب السماء إلى أي مكان؟!!

الذين يتذكرون وجودهم السماوي موجودون في بيتهم ويستطيعون الاستراحة والاستمتاع.

الجميع يسيرون في متاهات السبل ما عدا المتنورين. الجميع تخلّى عن طريق السماء المباركة والرحيمة إلا المهتدين.

اوشو يقول: جرب ان تتفهم هذا، انه قول مفصلي.
السعادة هي طبعك وطبيعتك، لكن في اللحظة التي تصاب فيها بالضلال فانك تهيج كالمسعور وتندفع ورائها لتقبض عليها، فتغدو بعيدا عنها وتفقدها، وما أكثر المتاهات والدروب المغرية.

السعادة شيء فطري ليست بحاجة إلى صناعة لإنتاجها، او تكلّفٍ لانجازها، أو مهارة لبلوغها او سَفَرٍ لتحصيلها.

نحن نسلك طريقاً لنصل إلى مكان ما....لكن السعادة ليست هدفا لتصله....إنها موجودة أصلا، هنا فيك أنت....إنها الأصل ، فلا تذهب إلى أي مكان.

في اللحظة التي تشرع فيها البحث عن الهناء تبتعد عنه.

أي حركة هي ابتعاد عن السعادة. كل افعال الابتداء والشروع والمباشرة في سبيل السعادة هي أفعال تشرُّد وضياع وتأخذك بعيدا. عدم الذهاب هو الوصول. الامتناع عن الذهاب هو المسلك الصحيح، ابحث ستخطأ، صوّب تصب.

يلهثون وراء المتع المصطنعة
هناك نوعان من السعادة:
نوع مشروط: أي لا يحدث إلا بشروط. مثل أن تعثر على مقدار من المال فتصبح سعيدا، أو أن ترقص فرحا لحصولك على تقية او جائزة ، أو ترى حبيبتك فتظن انك اسعد ما في الكون.

هذه كلها من نوع السعادة المشروطة المتعلقة بوجوب حدث أو فعل يجب أن يتم قبل الشعور بها. للأسف كلها مؤقتة ولحظية ولفترة زمنية محدودة، ثم تختفي وتتبدّد تحت وطأة عواصف الأحداث اللاحقة، فتزيلها.

والسؤال: لماذا لا تدوم سعادات كهذه، ولماذا هي قصيرة هشة كإطلالة بُرهة؟
بعد أن تعثر على محفظة من المال...، لوهلة، تصبح سعيدا،.... ما تلبث أن تخاف، وهناك مئة سبب لتخاف، هل رآك احد؟، هل يجب ان تسلمها للشرطة؟، فتبدأ بالنظر حولك، او تسأل لمن هذه?، هل يجوز أن آخذها؟ ثم يبدأ الضمير " لا، هذا لا أخلاقي".

ولنفرض انك تجاوزت هذا كله، وستأخذ المحفظة الى البيت، فماذا ستقول لزوجتك؟.
لاحظ أنها لم تعد سعادة الآن، أصبحت توترا، وحسابا ومحاسبة وقلقا وحديثا بينك وبينك.

ولنفترض انك لم تُعِرْ هذا اهتماما، فماذا ستفعل بالنقود؟ مهما فعلت ستكون متعتك عابرة وسطحية وسريعة، هل ستشتري سيارة... ستفرح يوما... وفي اليوم الثاني ستختفي الإثارة ولن تنظر إليها... لقد أصبحت قديمة...اختفت المتعة.

السعادة اللحظية تأتي وتختفي مثل الغيوم. أو مثل الجدول التافه، يفيض من المطرة الواحدة، ويجف بسرعة بانقطاع الزخّة، ويختفي تماما وكأنه لم يكن. الجدول ليس البحر الذي لا يزيد ولا ينقص.

هناك سعادة من نوع آخر والتي يدعوها سراها بالسعادة الحقيقية.
وهي السعادة غير المشروطة، والتي لا تحتاج الى توفر حدث لتحقيقها. إنها هنا ما عليك إلا النظر في داخلك لتجدها. ليس لها علاقة بالزوج أو الزوجة، ولا بالسيارة الفارهة أو البيت الكبير، ولا بالمنصب الرفيع او السلطة...ليس لها علاقة بالآخر....لالا، إنها تتعلق بك وحدك. إذا أغلقت عينيك وغصت في داخلك ستجدها هناك تنتظرك.

هذه السعادة؛ هي السعادة الحقيقية، والوحيدة الثابتة، وغير المتغيرة، انها الباقية والأبدية. إنها لا تتبدد.

ابحث، فتّش ستجد كل ما هو لحظي، راقب... راقب تأمل.... ستجد كل ما هو أبدي.

OSHO- Talks on The Royal Songs of Saraha

8.3.10

نحن من الله...20

المقالة العشرون
ترجمة الدكتور خالد ألسيفي

كل المخلوقات جاءت منها وسترجع إليها
إنها ليست بمادية او فكرية

من هذه العفوية المثالية والمميزة... نحن جئنا، من تلك العفوية الإلهية خُلقنا، واليها مرجعنا، فنحن منها واليها.

في الوقت الحاضر نحن عالقون بين النهايتين بسبب ولَعنا وتلهّينا بالغيوم ( التوافه والأحوال). طوق النجاة الاوحد والوحيد يكون بعدم التعلق والارتباط أو التمسك بهذه الغيوم لأنها مؤقتة وآنية وفانية.

لقد أتينا من المصدر البريء النقي الصافي الطاهر وسوف نرجع لنقيم فيه، لكن في الطريق سنصادف كثيرا من المغريات والمستهلكات والممتلكات. لا تتعلق ولا تولع ولا ترتبط، فتُحبس في شباكها، وتُلحق في صفوف عبيدها.

يجب أن تتذكر انك لست غيما زائلا بل سماء قائمة لتتمكن من المراقبة وتجنُّب الأفخاخ.

نحن من الله، وسنرجع الى الله، لاننا جزء منه، فنحن الله. نحن الآن في حلم ونصادف ما يصادف النائم من احداث وأحوال....

في هذه الحياة تمر أمامنا كل المظاهر والظواهر .. فلا تتعلق ولا تتمسك بها.

إنها خِدَع وهلوسات انتشرت وعمَّت وطغت واندفعت وتقدمت، فغطّت وأخفت الحقيقية المطلقة ..... الله.
الله هو المصدر وهو الأول والآخِر.

نحن من الله، وسنرجع الى الله، لاننا جزء منه، فنحن الله، وعندما تنظر إليّ... فالله هو الذي ينظر، لا احدا سواه.

الله ينظر الى الجذور لا الى القشور، لذا حول اهتمامك من الغيوم الى السماء.. من المظهر الى الجوهر... من الفاني الى الخالد.

وعندما تفعل .....فجأة، تصبح خاشعا وتحل عليك الرحمة والبركة وتحاط بالسلام والطمأنينة والسكون.

انها ليست بمادية او فكرية
لم يكن هذا ولا مرة واحدة بواسطة العقل او الجسد.... هذه إلوهيّة.
العقل تجريدي والجسم تفصيلي، العقل خفي والجسم ظاهر، الجسم مادة والعقل فكرة، أما الإلوهيّة الداخلية فلا هذا ولا ذاك.

الالوهية ليست بالبيان او بالبرهان ، انها بالعرفان.
انها تعالي وولوج وارتقاء.
تنترا هي (التدين)، هي التسامي.

إذا اعتقدتَ انك جسم فأنت محجوب عنك، وستبني هويتك من الماديات، وتنحتها من الغيوم او المظاهر. وإذا ظننت انك عقل فأنت غائب ومحلّق في عالم صناعة الأفكار والايديولوجيات والمعتقدات.

أي اتجاه او مسلك يقودك الى الاصطباغ بالعقل او الجسد يجعلك مخطئا وضالا وعبدا. والفرق هائل بين العبد والعابد .

أما إذا سنحت لك الفرصة لتشاهد وتراقب كلا من عقلك وجسدك، فستصبح سراها، أي مطلق السهم... مطلق الوعي.

الانتقال لحالة الوعي لا يتطلب الكثير، انه تغيير بسيط في صندوق غيارات المركبة... لقد اندفعت المركبة، لقد وصلت. في الحقيقة أنت لم تغادر أبدا، فقط كنت حالما ومتلهيّا ومغشيا عليك (كحالة النائم او فاقد الوعي).
OSHO _ Talks on the Royal Songs of Saraha

1.3.10

الانسيابية...19

المقالة التاسعة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

من التلقائية الفريدة
المشبعة بالمثل البوذية

يقول سراها: الانسيابية الحقيقية هي تلك الفريدة المفعمة بالمثل البوذية. وما هي المثل البوذية؟؟
تقوم البوذية على مبدأين: الحكمة والتعاطف (الرحمة).

الحكمة لا تعني المعرفة المعلوماتية. الحكمة تعني الوعي، التأمل، الصمت، الانتباه والمراقبة. ومن صلب الوعي والصمت والانتباه والمراقبة يفيض التعاطف مع كل ما هو موجود على الوجود.

في اللحظة التي تبدأ فيها الاستمتاع بالنعم المعطاة لك ستشرع بالشعور والإحساس بآلام الآخرين من حولك.

جميع الناس، أيضا يستطيعون التمتع بنعمهم، لكن معظمهم، للأسف، ما زالوا يقفون على البوابة الخارجية للوعي، ومستعجلون للهرب منه.

لديهم نفس الخزائن والتي فيها نفس الكنوز، يحملونها معهم أينما ذهبوا، لكنهم لا يصلونها لأنهم غير واعين لها، لذا......... الناس كلهم في معاناة.

عندما يتنور الشخص يمتلأ كيانه رحمة لتعمَّ كل الوجود. يفيض هذا التعاطف انهارا ليصل كل الناس، رجالا ونساء، طيورا وحيوانا، اشجارا وجبالا، حتى الصخور والنجوم. الوجود كله يشارك المتنور بهاءه وحبوره وجماله وتعاطفه ورحمته.

هاتان الصفتان – الحكمة والتعاطف – هما الشميلتان اللتان يطورهما الشخص البوذا (المتنور).

عندما تكون انسيابيتك نتيجة للوعي الحقيقي، لا شيء يمكن ان يقف في وجه الرحمة، لا غريزة القتال او الحسد او التكاسل، ولا حتى غريزة الجشع او الطمع. التعاطف ملازم للوعي ويتناسب معه طرديا.

بوذا يقول " اذا افتقر التعاطف وعيا يصبح خطرا، واذا افتقر الوعي تعاطفا يصبح انانيا".

الشق الاول من المقولة ينطبق على معظم فاعلي الخير الذين يكثرون من أعمال البِرّ الغير واعية. يحسنون على الآخرين قبل ان يحسنوا الى ذواتهم (توعية انفسهم). يساعدون الاخرين، في الوقت الذي هم فيه أحوج من غيرهم للمساعدة. إنهم معتلّون ومن الأولى ان يعالجوا أنفسهم قبل ان يصفوا لغيرهم العلاج، الطبيب لا يمكن أن يعالج غيره قبل ذاته.

مرة ثانية: إذا توفر التعاطف دون الوعي كان ضرره اكثر من فائدته. المحسنون هم اكثر الناس الذين يعذبون انفسهم، لكنهم مواظبون على فعل الخير.

حضر شخص قضى خمسين سنة من عمره في عمل الخير. غاندي هو المؤسس لحركة فعل الخير في الهند. والهند ما زالت تعاني من هؤلاء المحسنين ومن الصعب التخلص منهم لغاية الان. هذا الرجل وفي سن العشرين، وبتاثير غاندي، ذهب الى منطقة نائية وبدائية لتعليم قبيلة في "باستر"، ولمدة خمسين عاما.

فتح العديد من المدارس الابتدائية والثانوية، والآن يريد ان يبني معهدا. جاء إليّ طالبا الدعم والمشورة. فسألته " اخبرني شيئا واحدا، خمسون عاما وأنت معهم، هل انت واثق من أن تعليمهم حسّن من حياتهم؟، هل يعيشون الآن أفضل مما كانوا عليه قبل تعليمهم؟، هل أنت واثق أن تعليمك لهم جعلهم أكثر إنسانية وأطيب قلبا وأجمل هيئة".

ارتبك الرجل وتعرّق قليلا قائلا" لم افكر ابدا بهذه الطريقة، لكن قد تكون محقا. لا، انهم ليسوا بافضل حال الان، لقد اصبحوا مخادعين اكثر، لقد اصبحوا كالاخرين. وقت وصولي اليهم قبل خمسين عاما كانوا شرفاء، نعم غير متعلمين... لكنهم كانوا عزيزي النفس.

قبل خمسين عاما لم تحدث أي جريمة عندهم، واذا صدف وحدثت كان القاتل يسلم نفسه لرئيس القبيلة. وحين حدوث سرقة ما، كان الرجل يعترف انه سرق بغية اطعام اولاده معلنا انه مستعد للعقاب. لم يكن في القرية اقفال على البيوت. عاشوا آمنين بصمت وبسلام. كان ذلك الوقت جميلا.

فقلت " اذا لم يساعدهم تعليمك فلِمَ لا تفكر في الأمر ثانية. لقد ساعدتهم دون ان تعي عواقب ما تقوم به، انت اعتقدت ان التعليم وحده، فقط، كاف لتحقيق انسانيتهم وتحسين حياتهم".

في هذا الصدد، قال لورنس
David Herbert Richards Lawrence
1885-1930 .
الكاتب والمسرحي الانجليزي والناقد للتصنيع الاستغلالي: إذا أراد الإنسان أن يحافظ على نوعه، فليغلق الجامعات لمئة عام. يجب ان لا يتعلم احد لمدة مئة عام. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمنع الانسان من استغلال الانسان وتحد من هلاك الطبيعة.

العلم والتعليم يُستخدم الآن لا لتحسين نوعية الحياة والارتقاء بها، بل لاستعمار البلدان، وإفقار الامم وتجويعهم وخلق أمراض جديدة مستعصية. لذلك أصبح التعليم لااخلاقيا، وفقد المتعلمون انسانيتهم.

إذا لم تع ماذا تفعل فقد تعتقد انك محسنا، لكن الحَسَن بالجهل ينقلب فتنة.

قلنا إن الرحمة الفاقدة للوعي خطرة، أما الوعي الفاقد للتعاطف فأنانية. إذا المتنور تنويرا حقيقيا هو الممتلك للوعي والتعاطف معا. أي وعي لا يلازمه اهتمام بالآخرين يغدو أنانية.

بعد بلوغك الوعي لا يمكنك أن تغمض عينيك قائلا " أنا الآن مسرور ولا داعي للاكتراث بالآخرين"،.... لا وألف لا، يجب أن تهتم بالآخرين وان توقظ الإدراك لديهم، وإلا أمسيت أنانيا ممتلئً بالأنا.

الوعي يقتل نصف الأنا، والتعاطف يقتل نصفه الاخر. بين هاتين الصفتين تُدمَّر الأنا الأنانية، وحين يقضي الإنسان على أنانيته يصبح متنورا حقيقيا.

OSHO – Talks on The Royal Songs of Saraha