28.2.09

فيتاغورس وساسة من الوزن الثقيل

فيتاغورس وساسة من الوزن الثقيل
بقلم د خالد السيفي
شباط 2009
عامة الناس يعرفون فيتاغورس بمعادلته المشهورة للمثلث القائم الزاوية "الوتر تربيع يساوي مجموع تربيع الضلعين المقابلين". لكنهم يجهلون الأبعاد الفلكية والموسيقية والسياسية والاجتماعية لهذا الفيلسوف الفذ. ولا يعرفون شيئا عن مدرسته الفيتاغورية التي اشتغلت تحت إشرافه على هذه المواضيع الروحانية والدنيوية، فهم من قدّس العدد و1حد والعدد سبعة وهم من حاول تفسير الفلك رياضيا بالأرقام فتوصلوا الى مركزية الشمس، وهم من وضعوا نوتة السلم الموسيقي بعد مراقبة مطارق الحدادين وهم من مهد لأفلاطون وما بعده من الفلاسفة المعروفين.

الأكثر إثارة في تاريخ هذه المدرسة أنها كانت تشترط الصمت من طلابها كعتبة أولى لقبولهم فيها. فلكي يتمكن الطالب من بدأ التعلّم الجدي عليه أن يمتنع عن الكلام، والإنصات فقط لمدة 5 أعوام لأساتذته في دروس عامة عن الحياة، فلا يُسمح له بالمناقشة أو السؤال أو التحدث إلى المعلم. وإذا اجتاز هذا التحدي القاسي سُمح له بتلقي العلوم الأساسية في الرياضيات أولا، الأخلاق والروحانيات ثانيا، علم الاجتماع والسياسة أخيرا.

قد يكون من المفيد تذكّر أن فيتاغورس درس على يد هوميروس صاحب الإلياذة، وقضى 22 عاما في مدرسة الإسكندرية، و12 عاما في بابل حيث قابل زرادشت، وتشير الأخبار أن فيتاغورس نفسه قضى 10 سنوات خارج سور مدرسة الإسكندرية قبل ان يُقبل فيها للتعلّم، حيث طُلب منه تنقية نفسه من ذاته بالصمت والصوم كعتبة للدخول إلى المدرسة.

هذا كله أثار لدي أسئلة عن قادتنا السياسيين وعن معارفهم ووعيهم لذاتهم أمام أنفسهم، فمتى وكيف وأين وماذا تعلموا قبل أن يصبحوا مفاوضين وفضائيين وأمناء عامين، فوددت أن امنعهم من الكلام قبل أن يجتاز الواحد منهم امتحانا في 3 مواضيع:

أولا - في العلوم الطبيعية: وهي الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء. هنا ليس المقصود أن تكون بارعا في حل المسائل، بل المهم تفهّم روح القوانين وجوهر العلاقات لاكتساب مهارات الاستنباط والاستدلال والاستقراء والمقاربة بين المادة والمجتمع، فمثلا لماذا على السطح عند هدير الأمواج لا تصادف سمكة واحدة، بينما في العمق ترى آلاف الأسماك، أما في صمت الأعماق ستشاهد ملايين الأنواع العجيبة وأسرار الحياة وكنوزها، المقصود من المثال هذا، انه لا يكفي، وليس مهما جدا ملاحقة على الأحداث ومتابعة الساخن من الأخبار على الفضائيات، بل الأهم هو التعمق فيما وراء الحدث لصناعته لكي لا نكون رد فعل له، نصخب وننتهي مع كل موجة عابرة على السطح، هذا إن كنا نتكلم عن السياسة.

ثانيا- في العلوم النفسية: ونعني هنا حقيقة الإنسان الذي نتعامل معه، أنه أكثر من مجرد جسد مادي يتغذى ليتحرك ويخدم، واعقد من عقل دماغي ينتج أفكارا، وانه أعظم من شهوة يجب تلبيتها أو غضب يجب تنفيسه، ولا هو عاطفة يجب التجاوب معها، ولا حاجات يجب التسلّع لها. هو كل هذا، والاهم من هذا كله، انه في حقيقته إنسان معنوي ، بل هو أيضا معنوي، أي يجاهد من أن يرى معنى لكل ما يدور حوله أو يعمله ، وإذا فُقد هذا المعنى تتلاشى الإبعاد المهمة الأخرى. ومثال على ذلك ؛ لماذا تخرج عشرات الآلاف لتشييع شهيدا بينما لا يخرج بضعة أشخاص في مسيرة تدعوا إليها 10 فصائل وطنية، أو لماذا يُقال أن الجيوش تُهزم في معنوياتها وليس من دمار في آلياتها .

ثالثا- في العلوم التاريخية: في تاريخ الأخلاق والمعرفة،تاريخ الفكر والشعوب، وتاريخ الاقتصاد وأخيرا تاريخ المجتمع والسياسة. لا تكفي شجاعة المرء الميدانية، ولا تؤهلها عدد سنوات السجن، ولا تؤّلهه بضع آيات ليصبح الشخص سياسيا وقائدا. فليست صدفة أن تكون السياسة في آخر القائمة، ذلك لأنها أرقى وأدق واعقد واخطر العلوم. هي تعني خدمة وتنظيم وتقرير وتحديد وتحَكّم في مقدرات المجتمع الاقتصادية والثقافية والحياتية، ومادتها مصائر الناس من الرغيف حتى مقعد المدرسة مرورا بالتربية والحرب والسلم. ومن أراد أن ينصب نفسه حَكَما على رقاب الناس عليه أن يتميز بالحكمة والمعرفة والتجربة وهذا ما دعوناه دائما بالحقيقة.وإلا عانى الناس ويلات المصائب وعاشوا المهزلة تلو الأخرى.

اعتقد أن تفحص قوانين الطبيعة والنفس والتاريخ تضيء فضاءات وتعطي تبصرا ليكتشف هذا السياسي أو ذاك القائد المعني، ان ما ينطبق على المادة هو نفسه ما يجرى في العقل والذات وهو ما يفرض نفسه على المجتمع وتطوره.

قد يبدو هذا ضربا من المثالية، لكن هذه المثالية تبقى أفضل من المتاجرة بأرواح الناس، وهي (المثالية) حماية لهذا المجتمع من واقع لا يضاهيه مرارة إلا سياسيين من العيار الرخيص والوزن الخفيف.

19.2.09

سبب موت البحر الميت

سبب موت البحر الميت
آذار 2008
بقلم د خالد السيفي
لم أكن أعرف أن:

وراء موت البحر الميت سبب ومعنى أعمق من مجرد زيادة الملوحة. فالتركيز الملحي الشديد، وفقدان الحياة منه والانحسار التدريجي لمائه والتكهن باختفائه كليا ما هي إلا نتائج لمعان تحتاج لبعض التأمل والتفكّر.

أما السبب المباشر لهذه الظاهرة فهي عزلة هذا البحر عن البحار والمحيطات الحية الأخرى المليئة بالكائنات والنشاطات الحيوية وغير الحيوية من جزر ومد وأمواج وتيارات، وبذلك يكون هذا البحر فقد الاتصال مع الحركة والمتحرك مصدر الحياة.

والمعنى الخفي والأدق لهذه الظاهرة، هو انه لا يكفي لكي يعيش البحر أن ترفده الجداول والسيول والأنهار بالماء والكائنات، بل الأهم من ذلك هو أن البحر يجب أن يتبادل ويتشارك بمنتوجه مع البحار الأخرى، وكذلك يجب ان يتدبر أمر تصريف عوادمه. وهو ان لم يفعل يركد ويعفِّن ويصبح ماءه آسن يخنق ما فيه من حياة.

هذه الظاهرة، وان بدت معزولة للبعض وتخص البحر الميت فقط، هي ليست كذلك، فهي مطابقة تماما لما نعيشه كأفراد من حيث الأنانية والاستئثار، وهي ما نعيشه كأمة تجتر ما لديها من ماضٍ، وهي ما نعيشه كمجتمع عزف عن التواصل مع العلوم الحقيقية والإبداع العالمي.

16.2.09

أخلاق أم سياسة

اخلاق ام سياسة
أيلول 2007
بقلم د خالد السيفي

لم تعد اسباب الخلاف سياسية في عدم قدرة ما يسمى بفصائل اليسار الفلسطيني على التوافق ، بل اعتقد انها اصبحت اخلاقية. انت تراهم في اجتماعاتهم يتفقون في تحليلاتهم للاسباب المؤدية لتدهور الوضع السياسي، ويُجمعون بلا أدنى شك على خطورة المرحلة ( ومتى لم تكن حالتنا خطرة)، ويتحدثون بلغة مشتركة عن الثوابت الفلسطينية ويتشبثون بها، ويتفننون في وصفهم لمعاناة الشعب تحت الاحتلال. الا انهم قد يبتعدون او يقتربون ضمن انحراف معياري ضئيل في الموقف من السلطتين في الشطرين أي غزة والضفة، ولا يبخلون بوصف العلاجات المحلية والاقليمية سواء في اجتماعاتهم المحلية او الخارجية. لكنهم في النهاية يتوجون كل هذا باقرارهم ضرورة العمل المشترك لفصائلهم للنهوض بالمهمة الوطنية الكبرى الا وهي التخلص من الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية العتيدة ذات السيادة والتي اصلا وفصلا تاسسوا من اجلها ومنها يستمدون مبرر وجودهم.

اقول ان الخلاف بين هذه الفصائل أخلاقي في الأساس وان بدا فكريا أو سياسيا أحيانا. وأتجرأ بالتصريح هكذا، لأنه حسب المنطق، لو كان هناك ما يدعو لهذه الشرذمة الداخلية فان هناك من الاسباب الخارجية الضاغطة ما هو اقوى وادعى الى الاتفاق والتوافق .

وهنا يسال ساءل اذا لم يكن الخلاف سياسيا فكيف يكون اخلاقيا؟ وللاجابة على هذا السؤال البسيط بطريقة ابسط نتخلى عن حقنا في سرد تفاصيل مظاهر الخلاف الواضحة للعيان، ونعتصم عن الدخول في سراديب انعكاسات هذه الصور على ارض الواقع النضالي سواء على المستوى السياسي النظري التحليلي او على مستوى المواقف من الحدث الفلسطيني او على مستوى النشاط الجماهيري في الشارع، فهي خصيبة بالامثلة الدالة على انها ليست سياسية بل اعمق من ذلك بكثير وكلها تصب في الاخلاق والفضيلة اكثر منها في السياسة. على اي حال لم يعد مفيدا وليس من وراء ذكرها اي طائل وحسبي ان يقوم القارئ بمراجعة ذهنية ونقدية تاريخية لتصور لحظة اين كنا واين صرنا اولا، وليقف برهة تامل للانحدار الذي نهوي فيه الى لاقاع، ثانيا.

ندّعي ان بديهيات العمل السياسي المشترك لفصائل تحت الاحتلال تتوخى النهوض بالوطن وتحقيق الامال هي بكل ماتعنيه الكلمه هي:
أولا- التواضع، والذي في حالتنا الفلسطينية يعني ان كل فصيل يجب عليه التخلي عن الاستعلاء بامتلاكه الماضي والحاضر والمستقبل، ونبذ المفاخرة بما يجب وبما لا يجب ووقف التفخيم من قدره وقدرته. وندعوه بان يمشي على الارض متساويا مع الاخرين ومعترفا بهم مكملين له وداعمين، والنصيحة هنا ان لا تكون ديناصورا فقد عاشت الثديات.

ثانيا- مبدا الشجاعة مع الجماعة،. الماضي والحاضر مليء بالدروس وحسبنا الاحزاب الاوروبية واللاتينية، اما في مجال الدول فالاتحادات السياسية والشركات فوق الدولية تعلمت ان الكل اكبر من المجموع الحسابي للاجزاء في هذا الصراع الاممي على الارض والطاقة والقوى العاملة. وفي هذه الرقعة الصغيرة من العالم لم يعد مقبولا لابناء هذا الشعب ان يدعي احد الفصائل بملكيته المطلقة لمفاتيح الحل، ولا يمكن لاي فصيل منفردا ان يقوم باعباء المرحلة منفردا. فليكن الشعار ان الشجاعة هي ان تكون مع الجماعة في مواجهة الاحتلال وتحقيق المشروع الوطني في الموقف والعمل لان الثور الابيض ندم بعد زوال الاسود.

ثالثا- المصداقية: والتي تعني ببساطة عمل القول. وفي هذا المجال ننصح بان يمتنع اي فصيل عن اخذ أي موقف قبل التدقيق بقدرته على التنفيذ والا فانه يجازف بثقة الناس فيه. فكم من لقاء كان هدفه التوافق انتهى فيه الاتفاق قبل انتهاء اللقاء ولم يبدا التنفيذ بعد، ومثلنا الايجابي في هذا ان اصحاب المبادئ الثابتة هم الاقدر على التغيير.

رابعا- الوسطية: لقد اثبت التاريخ والحاضر في مسيرة الحضارات والامم عقليا وفلسفيا ودينيا وسياسيا ان التطرف والمغالاة في المواقف لا يقود الا الى الدمار والتفسخ، فالمشي الى نقطة الوسط والانطلاق منها توصلنا الى ابعد نقطة في تحقيق الهدف، فقد ثبت ان الكبت اخو الانغماس وانهما الانتحار بذاته. فالشعارات الرنانة والمواقف العنترية والبطولات الصوتية لم تعد تنطلي على احد، واي توغل في اتجاه يكون تحضيرا لولوج الاتجاه المعاكس، واحسن المواقف هي ما خدمت المصلحة العامة وكانت تعبر عن طموح الناس لا عن مآرب حزبية ومصالح فئوية، وهنا لا ضير من التذكير أن الاعتدال مرادف الوسطية إذا عنينا التركيز على الوحدة الوطنية وحماية المشروع من التصفية وعدم التلهي شمالا ويمينا كمن يتعمق في السطحيات.

خامسا-الإرادة: والتي هي بكل بساطة تعني تحقيق الفكر على الواقع عن طريق العمل، والملاحظ أنها لا تخضع للمنطق ولا تبالي به لأنه لو كان عكس ذلك لسهل التوافق والتشارك. لذلك لا يكفي أن نفهم ما يدور وإنما التحدي أن نغيِّر وهذا يحتاج لطاقة وقوة ووضوح وتمييز وثقة بالنفس وقبول للنقاط الأربعة السابقة.

فهل هذا يا ترى اصبح من السذاجة المعقدة لدرجة ان الالتزام به اصبح من السهولة المستحيلة، لا ادري ولكن ما اعيه تماما ان قادتنا اليساريين مدعوون إلى مراجعة الذات والوقوف بامانة تاريخية عند هذا الحد وأرجو أن لا نتعجب بما يفعلونه بنا، بل لما نفعله بأنفسنا
.

13.2.09

السياسة وغربة الزمان والمكان

السياسية وغربة الزمان والمكان
أيار 2007
بقلم د خالد السيفي

هذا زمان ضاع مكانه و مكان فقد زمانه، هكذا جذبت نفسي انتباهي. مَن مِنّا لا تحدثه نفسه؟
على عكس ما يعتقد الناس، فان الحديث مع الذات هو من الأمور المهمة والمريحة والمنفِّسة، وخاصة في هذه الأيام. ولحسن الحظ ان هذه المتعة ليست كالتعليم او اللعب او العمل او الصحة. ويُهيأ لي لو أن الفلسطيني مُنِع من هذه المتعة لجن جنونه، ولا ادري ما الخيارات الباقية في جعبة هذه السياسة البخيلة وهذه الحالة العليلة.

ومما حدثتني نفسي به انها، ادَّعت الاغتراب، فمرة على طريقة ابي ذر الغفاري، ومرة بمفهوم بن عربي، واخرى باسلوب ابي العلاء المعري او غسان كنفاني، حتى انها تطاولت لتعلن انها اشد غربة من عمال ماركس تحت قهر الالة والاستغلال، وأضافت النفس أن أنينها تحت جدار الفصل اعلى من آهات شعب جنوب افريقيا ايام الابرتهايد العنصري.

فقالت انها تشعر بالعجز أمام ما تشهد من تعطيل للحياة، وانها مستاءة من غياب المعنى في اللقاءات التنسيقية والندوات السياثقافية والخطابات الاعلامية وتوقيع مسودات الاتفاقات غير الملزمة، وانها تشعر بالعزلة وعدم الانتماء لكل ما يجري ضمن وتحت طوق الاحتلال وغاراته دون حسيب او رقيب ، وتستهجن عدم الحول والقوة "للقوى" الديمقراطية، وتتعجب توقف جريان "التيار" الثالث وعدم "استقلال" المستقلين، وتستنكر الاجماع على تفرّق "المجتمع" المدني.

وتساءلت النفس عن الأغلبية الصامتة، ومتى تستجيب لصراخ الغرقى في مستنقع المياه العادمة؟ ومتى ترفع الصوت قبل أن يعم صراخ الموت على ايقاع الجوع ونقرات الحرمان؟

اشارت النفس الى ذاتها، أنا لست ضد الصمت، فالصمت نوعان، احدهما ثقيل، رهيب، جبان وكريه يفوح أنانية وينمُّ عن عدم قدرة وانسحاب، وهذا صمت الأموات في المقابر. وآخر جميل تذوب فيه حدود الصامت فينفتح على الحياة والجمال والإبداع ليتوحد مع الوجود فينطلق المكنون من أعماق المخزون، وشتان ما بينهما فالأول تخلف ورثاء والثاني تطور ونماء. الأول فقير وبشِع والثاني غني ومُشِع.

واسترسلت النفس في محاضرتها لتصرّح: ان الناس متغربين اما بالمكان وإما بالزمان. واغتراب المكان نوعان: الاول عزلة وغربة في الوطن، والثاني هجرة ورغبة عنه (الوطن). واضافت، مع ملاحظة ان النوعين صفتين لثابت متغير، اي الحركة.

والعزلة تعني الاعتكاف أو السكون أو الانكماش، أي هو ارتداد داخلي رافض وقاطع للصلة والعلاقة مع الخارجي أو ما يمثله (الخارجي) من مظاهر ورموز الوطن والمواطنة (ان توفرت اصلا)، هدفه انكار الواقع والتنصل من المسؤولية، هذا وجه رخيص ماديا ومكلف معنويا. أما الوجه الآخر المكلف ماديا والفقير روحيا، فهو التعبير عن العزلة داخل الوطن بالتنقل بين الأماكن من جبال ووديان وبحار وغابات ورحلات هنا وهناك تفريغا للتوتر الدائم. هذا التنقل يكون مصحوبا بالقلق وبعدم الشعور بالاستقرار والاكتفاء او الامتلاء في أي مكان ولا تحت أي سقف، وهذا ما يسمى بالسياحة الاستغرابية.

والنوع الثاني: الهجرة وترك البلاد والعباد والوطن والمواطنين إلى ما يُهيّأ لهم انه الفردوس الأطهر والأرقى، وهو هجران من المعروف إلى اللامعروف، على أمل أن اللقاء مع الموعود يأتي بالمفقود. وظاهرها (الهجرة) تحرر وولادة وتجسد، وباطنها خواء روحي ومعنوي وفكري وحنين وانين وندم وضياع، ويكون الرقص لا انعتاقا بل اختناقا، ولا طربا بل اضطرابا، كرقص الطير المذبوح أو كصراخ الوليد ندما على الخروج من الرَّحم الرحيم.

والأكثر غرابة، غمزتني نفسي، انه في كلا الحالتين يحمل المستغرب في داخله كل أسباب الغربة اينما ذهب، ليستحضرها أرواحا وأحداثا، لتسويغ وتسويق ما هو عليه من التعاسة والشقاء.

اما الاستغراب الزماني فهو إما الارتحال في الماضي عبر التاريخ والتراث واستحضار أبطاله وأمجاده والتغني بما كان، انتقاء وتعويضا عما يضيع الان. بينما الارتحال في المستقبل يكون بالتقلب على صفحات التمنّي ومطاردة السراب بعد الغروب. هنا يصبح الحلم هلوسة, فالرغيف بدل بساط الريح وماء البحر اقرب من عوادم الحُفَر، وتغدو الامال أساطير، والقادة آلهة يُركن إليها تمنيا وتشفعا ودعاء، تخلصا من الشر المستطير ليكتشف المسكين انه بعد طول رقاد لن يفقس الحال الا عن رماد.

بلعت نفسي ريقها لتستانف، وهناك من يعبِّر عن اغترابه بالاستبطان والتماهي مع المصيبة، بتسمين الذاتية والعائلة النووية، قانعا بزيف الحاجات الضرورية اليومية، وبذلك يكون قد اختصر الكُل واقتصره على اللَّهم نفسي وليكن بعدي الطوفان. بينما فريق اخر يعتمد الشك المفرط (ليس ديكارتيا)، ويرفع شعار انعدام الثقة بكل ما يحدث ليصبح الكُل متَّهَم ومتَّهِم، متآمر وخائن، وحينها يتساوى الطيب والشرير والقبيح، وتختلط الأوراق فلا يدري من القاتل ومن المناضل.

أما الوجه الثالث فهو إعلان الحداد والتشاؤم ليتبدل المُهِم بالهَمْ ولتضيع اللحظة الثمينة لعدم القدرة على التمييز بين الفرصة والقرصة. وهناك رابع يقع تحت سيطرة الخوف والقلق ليغيب العقل والمنطق، فتضيع المعالم وتتحول الخارطة الى متاهة (ليست خارطة الطريق) والخطة الى احجية، فيغدو الارتجال القائد والرائد. وأخيرا يكشف الاغتراب عن جوهره بسيطرة الاستياء على الناس ليخسر كل شيء معناه، فتفقد الغايات حماسها والانجازات بريقها وتصبح العدمية الرسالة.

وبذلك يتآمر الجميع على رفض الحاضر المقيت بقتله ولفه بملاءة المستقبل ليدفنوه في جوف الماضي كشاهدا على القبر وباكيا عليه عجزا وتأزما واحتضارا.

أصبح الطابع الغالب لِلَّحظة الراهنة الذهول والخضوع والاستسلام والاستلاب باتجاه ما يحدث. وكأن الانسان فارق الفلسطيني الى غير رجعة، فنسي هذا (الفلسطيني) "ارادة القوة" (عذرا نيتشة)، وتعامى عن طبيعته العاقلة صاحبة الروح النشطة القادرة على النفاذ الى الواقع لتغييره تفاعلا ومواجهة.
قالت النفس متحمسة تشاؤما، وظني أن العقل أدار ظهره لهذه البقعة المقدسة ولهذا الشعب الطيب المناضل والمعطاء، فإلى متى يظل الجمود عنوان الوجود؟ والتقوقع وغياب القُدرْة قَدَرُه؟، ونعتذر من هيغل ليأوله القارئ في قوله "اذا لم يقبل العقل واقعه فيجب تغييره"؟!

سياسة...وفاء ورثاء، محبة وغربة

سياسة... وفاء ورثاء، محبة وغربة
شباط 2007
بقلم د خالد السيفي

الى الدكتور موسى البجالي عميد كلية طب الاسنان في جامعة القدس/ ابو ديس،
الى رفيقي وصديقي وحبيبي " ابو جمال"،
الى كل الشرفاء والطيبين،
والله فُجعنا بهذا الحدث الجلل، وقد ادمى قلوبنا وقطع انفاسنا واطار صوابنا، وادعو الله ان يمنحك انت واهالي الشهداء الصبر والثبات والعزيمة، وخير مقال في هذا المقام قول كرم الله وجهه علي بن ابي طالب " الصبر صبران، صبر على ما تكره، وصبر عما تحب". لا أعزيك بل اعزي نفسي والوطن والمواطن
يهرب الكلام ويعجز القلم، وكنت افضل السكون والسكوت لولا الشعور بالواجب والمسؤولية عما حدث. وأقل ما اقوله لك انهم قتلونا في عقر دارنا، فلم يكفهم المال والجاه والمركز بل لاحقونا في اولادنا ونساءنا واستحلوا ارواحنا في المدرسة والبقالة.
اليوم انت وانا، وغدا لا ادري من سيكون غيرنا، ليس بالضرورة في المحطة بل في الفرن او في مصنع للاحذية او مصنع الولاعات، وربما تحت انقاض عمارة او في حادث شارع او كما دفع أطفال غزة فاتورة تصفية الحسابات. ولكن الذي ادريه واعرفه تماما اننا اصبحنا غرباء في بيتنا وفي ارضنا.

وقبل النكوص الى غربتي التي فتحت عيني عليها، لا استطيع الا ان اكبر فيك انك وقت العزاء وحين تقدمت لمصافحتك، قلت لي انك لم تنس ان البارحة كانت مناسبة ميلاد ابنتي البكر، لقد بلغت الثامنة عشرة، وانك طلبت مني ان انقل تحياتك وتمنياتك لها بالسعادة والحياة الجميلة.

يا الهي، اي قلب هذا الذي يدق في صدرك، واي حب هذا الذي تعرف في نفسك، واي جمال هذا الذي تمتلك في روحك. في غمار حزنك انت تتذكر فرحي، وانت تدفن زوجتك وابنك تتمنى الحياة لابنتي، كنت تحترق وتضيئ الشمع في بيتي، وفي هول الحدث في بيتك انت معي حول الكعكة تبارك لي ابنتي، الله.. الله.. أكبر ما أكبرك، أدمعت عيني، وعصرت فؤادي، غيبت وعيي وشللت دماغي.

تساميت فوق الجراح فتعاليت على الموت وقهرته. هنا تجاوزت ابن عربي حين وحدت الوجود، بقوله:
لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة/ فمرعىً لغزلان ودير لرهبان
وبيت لاوثان، وكعبةُ طائف / وألواحُ توراة ومصحف وقرآن
أُدين بدين الحب أَنَّى توجهت/ ركائبه فالحب ديني وايماني

يا آخي أنت أبكيتني وعلمتني وأنا لك شاكر.

حادث انفجار محطة الوقود وضحاياها غطى على حدث مكة، على الاقل في مدينة رام الله وللناس المعنيين بالكارثة. بشاعة هذه الماساة، وقصة كل عزيز قضى فيها، استنفرت في الناس مشاعر الالم والتعاطف والحزن من جهة، والغيظ والاسى والخذلان من جهة اخرى، وافرزت مقاربات، اقلّها ان مافائدة مايجري من اتفاقات سياسية ان لم تنعكس على حياة الناس في امنهم وامانهم.

وما معنى ان لا تستطيع الأُم ان توصل ابناءها بعد المدرسة الى بيتها بسلام، وما معنى ان تفقد عائلة ابنها الاوحد لمجرد انه تواجد في وقت ليس بالغلط في مكان ليس غلط، اي في الطريق الى البيت، واي بلد هذه يشهد الاب ابنه وزوجته تحت الانقاض في بئر ملتهب لا يستطيع الوصول اليه او حتى لا يرى ان هناك من يستطيع اليهم سبيلا.

انا افهم ما يحصل في زلزال او اعصار او بركان او حرب، لكنني لا افهم ان نفقد احباءنا بسبب جشع احدهم او اهمال جهاز او عدم التزام بقانون ولوائح، ان وجد هذا القانون.
هذا بلد ليس في تاريخه سجل للكوارث الطبيعية، لكنه فاق كل البلدان بسجل التجاوزات الاخلاقية والانتهاكات لكل ما هو انساني، على قدسيته وقلة عدد سكانه.


لا اعتراض على القضاء والقدر، ولكن هناك ايضا ان نعقل ونتوكل، وناخذ بالاسباب والحيطة . ونحن كاطباء اكثر الناس فهما ومواجهة للموت، ونعرف انه حق، وما نحن الا ادوات لم نبلغ شأوا ولا مرتبة بعد في منعه ولا حتى في سبر اغواره، وندرك انه ومن سخرية القدر انه جعل كل شيئ من حولنا تحت سيطرتنا، الا اعز ما لدينا، لحظة ميلادنا وساعة لحدنا، ونعلم ان الموت شكل اخر للوجود، ولكن عن اي نوع من الموت نحن نتكلم.

في هذا الشتاء غُطيت شوارع قلنديا في الماء، اما الشارع التالي فامتلأ في الدماء، انا لم اشهد حركة حزن، واستنكار صامت، ولا انشغال بال، ولا تعاطف في عزاء، كالذي كان في مدينة رام الله في الايام القلية الماضية، ان كان بالتعبير المعنوي او بالحضور الشخصي او حتى بتبادل النظرات واطلاق الآهات.

هذه المشاعر لا يمكن ان تراها الا في جنازات الشهداء، لكن هؤلاء هم شهداء ايضا، ومن نوع اخر، انهم شهداء المحبة والتسامح والعيش الكريم، والكفاح من اجل التعليم، وكسب الرزق المشروع وتنشأة الخلف الصالح وبناء الأُسر المستورة.

هذا حدث لا نلوم الاحتلال فيه، بل نلوم انفسنا اولا لاستهتارنا بالحياة، ونلوم الجشع والطمع فينا ثانيا، ونلوم الفساد والفاسدين والساكتين عليهم ثالثا. ما نفع ان يتفق الجميع على ما يتفقون ان كنت سأفقد الزوجة والابن والاخ او الزميل او الوحيد او العائلة، فليذهبوا الى الجحيم.

ولو كان بيدي لحرّمت على هؤلاء الاقتراب من زوجاتهم، ولمنعتهم من تقبيل ابناءهم ليذوقوا ما سببوه من مرارة وحزن وخسارة، ليتحقق قول الشاعر فيهم " اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر". ولو كان بيدي لشاركت الاحباب بما لا يحل وما لا يسمح به شرع وفقه ودين.


ويبقى السؤال عن، من هو المسؤول عن اعطاء التراخيص لهكذا خزانات لمواد متفجرة وسريعة الاشتعال في مناطق مكتظة بالسكان، لا بل قريبة من المدارس. ولن نسال عن مواصفات السلامة والوقاية لمنشآت بهذا الخطر. بل سنسال ما دور الجهات المعنية من دائرة ووزارة وحكومة في ملفات كهذه، ونتساءل ان لم يكن دورهم هنا والان فمتى واين يكون. الادهى من هذا وذاك ان هناك شعورا جمعيا بالقهر واليأس وانعدام الثقة بان هذه الاسئلة ستلقى آذنا ، او ستجد طريقا لجوابا ولا حتى لتحقيقا، ناهيك عن التنفيذ.

كثيرة هي المفاهيم المقلوبة في هذا الزمان وهذا المكان، وعديدة هي الاخلاق المعكوسة والمعايير الزائفة، ولكن ان يقلبوا سنة الحياة، فيدفن السلف الخلف، والاباء اولادهم وفلذات اكبادهم، فهذا فظيع وارهب مما تتحمله الانفس والاعصاب وصدق من قال "لقد طفح الكيل".

سيكولوجيا العلاقة بين الجمهور والقيادة

سيكولوجيا العلاقة بين الجمهور والقيادة
كانون ثاني 2007
بقلم د خالد ألسيفي

عندما تكون في الزحام، فانك لاشعوريا تُشَيّء حشد الناس الذي حولك ، أي اذا اصطدم بك احدهم او داس رجلك او التصق بك فانك لا تعيره اهتمام، وهم يبادلونك الشعور نفسه ، فالكُل يشيِّء الكُل وينزع عنه صفتة الإنسانية.

لكن تصوِّر انك تقف في مكان ما دون زحمة، واصطدم بك احدهم او اخترق مجالك الشخصي، فان الوضع يختلف، وهنا تُخضع هذا الشخص للمحاسبة، أي تخلع عليه انسانيته.

والنقطة الثانية، انك وانت في الزحام لا تشيء الاخرين فقط، بل تنكمش ايضا في ذاتك، فتقصر خطواتك وتسحب اطرافك الى مركزك لتشغل اقل حيزا ممكنا. ليس هذا فقط، بل تختصر وعيك وافكارك وتحاول دفعهما الى اعماقك قدر الامكان لتركز على مشكلة الزحام والخلاص منه، وهذا ايضا تشييء لنفسك لحماية ذاتك. هكذا الامور بطبيعتها. ان تنزع القيم المعنوية عن المواضيع او عن الاخر اوعن نفسك هي وسائل دفاعية ضد المهددات الخارجية ليست بحاجة الى تدريب، بل هي غريزية. الهدف هو البقاء والحماية منها (المهددات) والتعايش معها. واذا اعطيت نفسك فرصة التامل لاستنتجت ان للتكثيرية او الرقمية اثرها الخفي فيما نقول ونزعم، والا لماذا في السجون يحولون الانسان لرقم؟.

فهل هذا يا ترى ما حدث للشعب الفلسطيني في زحمة المصائب والمعاناة وتلاحق الاخفاقات؟، وهل خوفه على ما يحمله من حب وانتماء لهذا الوطن، وحرصا منه على ان لا يقع فريسة الشعور بعدمية النضال او بعبثية الامل، قام بتشيء هذه المعاني والقيم وكذلك شيء نفسه، لحمايتها والحفاظ عليها؟. اسئلة تحتاج بعض التبصر بالباطن لا الظاهر والوقوف عند الجذور لا فوق الاوراق والتعامل مع الجوهر لا العدد.

التعبير عن الكيفيات بالارقام (تكميم الكيف) خلق المشكلة التي نحن بصددها فالانتباه والتركيز على التعداد يُغيب المحتوى الابداعي والجمالي او القهري او الماساوي او الوطني ويفقد الماهيات خصوصيتها وتميُّزها، وهذا يقود الى التفكير فقط في الربح والخسارة، فتبدو المواضيع اما عبأ يجب التخلص منه بغض النظر عن قيمتها النضالية وعمقها المعنوي، واما تغدو مطلبا يجب تحقيقه باي ثمن بغض النظر عن الحاجات والكفاءات مثل الوزارات والسفارات والمدراء، والا ما الداعي لفشل الحوار؟

من المفروض في بلد مثل هذا البلد، ابرز صفاته انه تحت الاحتلال لاكثر من نصف قرن، ان يكون هناك وعي جمعي مقاوم يعمل على وحدة الناس ويمنحهم رؤيا العمل والكفاح. خلاصة هذا الوعي تتجسد في قيادة سياسية تلقط الامال والطموح وتكون قادرة على ارساء المركب في شواطئ آمنة لحين تحقيق الدولة المستقلة ذات السيادة. والا ما المعنى من تحمل فرَّامات اللحم على كل حاجز ، وكل معبر نسلكه اقسى من فكي مكبس، واينما نذهب نُعصر كالليمون؟ ناهيك عن الفقر والبطالة وانعدام الامن والامان.

ما يدور الان بين القيادات من خلاف وعدم توافق واقتتال وتراشق ونزاع على السلطة ادى الى تولُّد شقة وغربة ولامبالاة عند الجماهير، وانتقلت شرذمة القيادة الى الشارع، فقُسمت الاجهزة، وتمزقت المؤسسة، وانشطرت الدائرة ، والحي والعائلة، حتى الجغرافية المعنوية للوطن لم تَسلَم، فغزة ليست الضفة وداخل الجدار همومه ليست كالذي خارجه. في علوم الادارة يقولون اذا واجهتك في الفريق مشكلات فابحث عن السبب في القيادات.

بدأت الناس تتساءل عن النضال والصمود ووحدة المصير والوطن والارض ، اهي مسالة بناء ام دماء، أمعارضة ام استعراض، ابرنامج حزبي ام مشروع وطني؟.اين القيم والمفاهيم المشتركة والموحدة،وهل تحول الشهيد والسجين والجريح الى حبر، الى رقم؟؟ لم يعد الشهيد رمز الفداء ولا السجين عنوان التضحية.

ما يغص في النفس ويسحق الفؤاد ان اللغة السائدة والأخبار المسيطرة من اعلى الهرم لعمق القاعدة هي لغة الكم، كم مليون دخل من العبر، وكم مليون محجوز، وكم مليون هرب، وكم مليون في الشنطة، وكاننا في سوق. أضف الى ذلك كم وزارة، وكم وزير وحقيبة، وكم عنصر وكم صوت وكم بلدية .
الرقم لا روح له ولا معنوية فيه، لكن الرقمية اساسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فلم نجد لها تطبيق الا بترجمة قِيَمنا الى اعداد؟، افهم اهمية الرقم واعرف منه العربي والهندي ، واعرف اننا اخترعنا الصفر والمنزلة العشرية واعرف اهمية المؤشرات الرقمية في تقييم النجاحات واعرف المنهجية البحثية الكمية والكيفية، وان شئت فاننا نناظر في الفيثاغورية والرواقية ونعرف اعمال اخوان الصفاء في هذا المضمار، حتى في الزمن الخطي والرقمي لدينا ما نقوله، لكننا لم نعد قادرين على التمييز ، اهي مسالة معاناة شعب ام مشروع مساعدات اهي تحقيق امال ام جمع اموال ، اهي علاقة منتظمة بين رئاسة وحكومة ام منظمة غير حكومية، فهل تشيئت القضية؟.

نفهم التنوع والصراع الداخلي ونعطي فضاءات للخلافات، ونمنح مساحات زمنية للاخذ والعطاء والمحاورة والمداورة والمداراة، ونوافق انه لم يعد النظام السياسي الفلسطيني نظام الحزب الواحد وان الممارسة الديموقراطية تتطلب المشاركة والتوافق، ونعي ان منعطفا تاريخيا كهذا لا يُحسم بايام واسابيع. لكن هناك احتلال وشعب يقاوم الانحلال.

لن أبالغ ان قلت ان التشييئية الرقمية للمعاني اصبحت تشكل سمة الوضع الفلسطيني السياسي. وهي تطبيق عولمي، لكن من دون حداثة. يبدو اننا تجاوزنا الحداثة وطبقنا العولمة في ادنى معانيها، الانانية بدل حرية الفرد، العداوة مكان المنافسة والتبعية محل السيادة، والعصبية ازاحت الانفتاح على الاخر وانا ضد هو.

حتى العمل الوطني لم ينج فتشيّء، كان الناس يفاخرون بالانتماء للتنظيم وبسنين السجن، وكانت صولات النضال توصف بلذة، وتنام الاجيال بعد ليالي السمر على سِيَر القادة والابطال. الان يتسابق الناس للاعلان ان ليس لهم علاقة بالاحزاب ولا بالنضال ولا بالعمل السياسي. ان تكون مستقلا او مستقيلا اضمن للمستقبل. اما وزن الزعيم فيقاس بعدد الملايين المجموعة او المُرَصَّدة لا بالمواقف. اصبح اكثر الناس لا يؤيدون قادتهم لبطولة، ولا لابداع حلول، ولا لسياسة حكيمة او لاعمار، ولا لاستراتيجية نضال، بل لمن يدفع اكثر.

وماذا حدث للوقت، لقد تشيّء. "الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك"، دعوة حكيمة لاحسان استنفاذه. لاحظ الناس ان احوالهم تنحدر بمؤشر الزمن، ناهيك عن التسويف والمماطلة بالارزاق التي لم تصب عندهم (الناس) الا قنوطا وذهانا واحباطا وضياعا للطاقات، لذلك لم تعد مواعيد التوافق تثير فيهم أي بارقة في خلجات القلب، فتبنّوا مقولة ان الارتكاسات تكون مساوية بالمقدار ومعاكسة في الاتجاه للتوقعات فأحجموا عن الانتظار.

يبدو أن الناس تُشَيِّء قياداتها عندما تعتقد انها طفولية، وعندما تراها تتخاصم وتتراشق وتتعصب، وانها تتجاوب مع الابتزاز بدل الترفع والتسامي والتضحية والتسامح والحكمة والروية، وبذلك تجنح الجماهير لنزع صفة الكارزماتية والقدسية عنها وتترحم على السلف والرموز.

وبرد فعل عكسي ، بعد ان يسحب الجمهور ثقته وتاييده لقياداته وتعاطفه معها، وبعد تشييئه للشخوص ونزع صفتها الانسانية عنها ،ينكص (الجمهور) بذاته الى داخله فيدفع اماله واحلامه الى الاعماق ويكتم غيظه ، وهو بالتالي (أي الجمهور) يُُشيَّئ نفسه.

هل هي الحرب بين رفاق الدرب

هل هي الحرب بين رفاق الدرب؟
كانون ثاني 2007
بقلم د خالد السيفي

من أقوال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كن في الفتنة كإبن اللَّبُون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب، واللبون هو ابن الناقة اذا استكمل سنتين فقط، لا له ظهر قوي فيركبونه ولا ضرع فيحلبونه.
للفلسطيني اكثر من بعد في هذه الحياة وفي هذا المجتمع، وما يُسحب على الحياة الشخصية من توخي الوعي واليقظة في المعاملات والعلاقات مع الآخرين، ينطبق على الحياة السياسية. وتكوين الوعي السياسي للفلسطيني لا يندرج تحت باب الترف او التسلية، بل على العكس، برأيي هو مسالة حياة أو موت، وخاصة اليوم.
لا أريد أن أجادل ما هو الوعي ومن أين يأتي وأسبقيته أو تبعيته للواقع. ما يهمني أن يتوفر هذا الوعي وهذه العقلانية لوقف النزيف اولا، ولاسترداد الحقوق ثانيا، وللنهوض ثالثا.
ولتفهّم مثلثات الشر ومربعات الحصار ودوائر المفاوضات وتفاضل الوزارات وتكامل الوسطاء من جهة، وصراع الحضارات والعولمة وثقافتها الاستهلاكية وموضوعها ووقودها وأسواقها من الجهة الأخرى، وجب التبصُّر فيما نحن فيه والتأمل في الواقع وما قد يخفيه.
احد ركائز العولمة التكنولوجيا، وإحدى تطبيقاتها السلبية تعميم الخبر والصورة والمعلومة المنحازة والمضللة عبر الفضائيات أو الإذاعات لتشكيل وعي سلبي اغترابي انسحابي واستهلاكي آني يخدم مخططات ليست بريئة لهذا البلد.
القول هنا يعني أكثر من تسعة وتسعين في المائة من الناس، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الحال غير هذا الحال، والمقصود هو انه لو تفحّص الواحد منا ما يدَّعيه من أفكار ومواقف وأعمال وما يشغل البال، لاكتشف أن ما ينسبه لنفسه من إبداعات الرأي لا تتجاوز كونها أوهام و أضغاث أحلام لا تحقق غاية ولا تصيب هدفا ولا تنجز برنامجا. يُصعق المرء من حقيقة انه مفعول به أكثر من كونه فاعل، وانه مسيَّر ضمن خطة إعلامية وإخبارية محكمة الإسار وان توهم انه مخيَّر او صاحب قرار، لا بل هو مجبر في الخيار.
وبقدر ما يتشنج الفرد منا لإثبات العكس، فانه ينزلق بنفس المقدار للمصيدة المنصوبة بكل عناية وخبث. هذا ليس من ضرب الوسواس من نظرية المؤامرة ولا من باب تعليق الأخطاء على شماعة الآخرين، بل نضم صوتنا إلى أصوات الشرفاء الذين هالهم قتال الأخوة وراعهم الاحتراب . كلنا نقاوم الاعتراف بان ما نحمله داخل رؤوسنا من قيم ومُثل لا يمت لقضيتنا أو لأحلامنا بصلة. لأننا لو وافقنا على ذلك لأقررنا أن ما نسميه رأي وموقف ما هو إلا نتاج وهم وصور وأساطير زائفة دخلت وتدخل كل دقيقة وساعة ويوم إلى أعماق كياننا لتتفاعل مع ذواتنا ولتصبح مكونات أساسية لمفاهيمنا من حيث ندري أو لا ندري وبرضانا أو غصبا عنا. والجواب على لماذا نقاوم الاعتراف يكون:
أولا لأننا نحرص على عدم فقدان ماء الوجه أمام ذواتنا وامام الاخرين. ثانيا لان ذلك يهدم تماسك بوصلتنا الداخلية مما يؤدي إلى انهيار الشخصية والضياع. ثالثا، وهذا يتطلب جهد ومعاناة لإعادة البناء وليس هناك من هو مستعد للإخلال بمعادلة الاسترخاء والادعاء.
ولماذا هي نتاج وهم وأساطير؟ لأنها لو لم تكن كذلك لقاوم الوعي العام إقامة الجدار او على الاقل لم نفقد قدسنا، ولاستطاع الحكماء الفصل بين الإخوان لمنع الاقتتال. أما والأمور بخواتمها، فان لامبالاة طامة وثقافة نفعية عامة خيمت بشعار اللهم نفسي وليكن بعدي الطوفان. وكونها تدخل كل دقيقة وساعة ويوم في وعينا، فهذا صحيح، فمن الصباح حتى الرباح ما بين الخبر سواء مقروء او مبثوث او مشاهد او رقمي، وبين الصورة الإخبارية او الدعائية او الهاتفية، وان لم يكن، ففي المقهى والعمل ينتظرنا من يتطوع للسرد والتحليل والتعليق والاجترار. وجملة أنها تصل إلى الأعماق، فمؤشرها القطبية والحزبية والعشائرية والطائفية أولا، وادعاء كل طرف ملكية الحقيقة المطلقة والوعد بالخلاص ثانيا، ومن مظاهرها اليومية ان اثنين او فريقين يقتتلان لمجرد قراءة الخبر نفسه فيفسره كل حسب هواه الشخصي المشبع بالانية السلطوية والنفعية الضيقة، مع أن الخبر جملة وتفسيرا مدسوسا وملفقا ومسموما. أما أنها تصبح مكونات أساسية للمفاهيم، فنشرحها بالتعجب والتساؤل، من أين أتت مواقف التظاهر ضد الحكومة مع انه واضح ان الحصار هو حصار سياسي واقتصادي خارجي بامتياز. او ان المقاومة هي مشروع إيراني فارسي، او ان الخلاف هو سني شيعي او ان تاريخنا وتراثنا وديننا ملكية خاصة لجهة ما، او ان الفطور الأحسن هو الكورنفلكس، او ان الديموقراطية هي ابداع غربي ( نعم سبقتنا وانتفعت من نواميس الطبيعة ولكنها ولا لمرة واحدة كانت مسجلة باسمها، فالعلوم نتاج انساني كوني). ما لا يعيه الاكثرية، وهنا مكمن الخطر.
ان المتداول من الصور والاراء والاساطير التي تدخلنا تُشكِّل مفاهيمنا عن انفسنا اولا، وعن محيطنا ثانيا، وهي تصبح مصدر مواقفنا ثالثا، وتحدد اعمالنا القريبة وبرامجنا البعيدة رابعا، واخيرا هي التي تشكل عاداتنا وترسم مستقبلنا. وهنا بيت القصيد، أن ما ادعو اليه هو اخذ زمام المبادرة لبناء مستقبلنا والا هم سيبنوننا لنوائم مستقبلهم. واذا وافقتني على ما سبق، وجب عليك ان تتساءل ما العمل؟ القضية على بساطتها معقدة، ومصدر التعقيد فيها هبوط الهمة وارتفاع السطحية. المطلوب الامتناع عن تكرار أي فكرة قبل محاكمتها ونقدها والتعمق في منطقها وسياقها، ومصدرها ومن وراءها ومن المستفيد من ترويجها اولا. عدم تأجير الأُذن والإصغاء للمراشقات والاتهامات واخذ طرف الحياد منها حتى لو كانت تبدو صحيحة الآن فربما يثبت العكس بعد حين ثانيا. وثالثا، الالتزام ببوصلة الثوابت الوطنية الجمعية وبقاعدة لا للحرب بين رفاق الدرب وعدم تصنيف الإخوة الى اصدقاء واعداء. إلا أن الأغلب منا يدَّعي أسبابا تحول دون التفحص، ظاهرها ضيق الوقت اولا، وتلاحق الحدث ثانيا، وعدم توفر المصادر الموثوقة ثالثا. لكن ما ازعمه أن باطنها الكسل وجوهرها الاتكالية وعمودها عدم الرغبة ببذل الجهد والمعاناة بحثا عن الحقيقة، واخيرا التصرف من منطلق العادة والايمان بان كل ما يُكتب او يُسمع او يُشاهد هو صحيح وخاصة اذا تكرر وعم.
اعتقد اننا هنا وصلنا الى شواطئ الحل: اعتماد الشك منهجا والاستغراب والتساؤل وسيلة والابتعاد عن حسن النوايا سبيلا واللجوء الى العقلانية طريقا، ودعوتنا تتلخص في طرح الأسئلة المتتالية مثل: ما هي اهدافنا وغاياتنا، ومن هو العدو المشترك، من اين معارفنا وثقافتنا، او من اين علمنا وعلومنا، ما هي مصادرنا ومرجعياتنا، ما عمقها في عقلنا وانفسنا، لماذا البعض محبط والاخر مستنهض، ما الذي يثير الحماسة او الاشمئزاز؟؟؟، ولا ابالغ ان اقترحت ان هذه الاسئلة يجب ان تناقش من قبل كل فرد فينا صبحة وأصيلا.
وأتمنى أن لا يصح فينا قول كرم الله وجهه " أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام". لعلنا نفلح في تعطيل عجلة التسارع نحو الهاوية.

سياسة حية ام ميتة

سياسة حية ام ميتة
حزيران 2007
بقلم د خالد السيفي
يبدو أن هناك قوة طاردة مركزية تُلقي بكل ما هو أخلاقي وقيمي ووطني إلى الأطراف بعيدا عن متناول حياة أفراد هذا المجتمع ، وفي نفس الوقت توجد ثقوب سوداء ذات قوة مغناطيسية هائلة وجاذبة لكل ما يمكن أن يسبب الفتنة والتشرذم والتبعية.وإن هدأت عاصفة اغتصاب الاقصى, فالاعمال ما زالت مستمرة كالنار تحت الرماد، فهو (الاقصى) والفلسطيني ينزفان، فهذا من انفاقه وهذا من شرايينه واعناقه. وقوى الحفر والهدم في رحاب المسجد هي نفسها التي ما فتأت تصدِّع جسم السياسة الفلسطينية، الفارق ان الفاعل في الحالة الاولى واضح للعيان والايدي اسرائيلية، اما في الثانية فهو (الفاعل) مغطى بقشة وان كثرت الشواهد عليه. فبقدر ما تتعثر حكومة الوحدة، بنفس المقدار سياتي التخريب في الاساسات والسياسات.
لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، هذه فيزياء وقوانين المادة غير العاقلة. اما بالنسبة للعاقل فالقانون هو: ان بين الفعل ورد الفعل هناك فسحة من الزمان والمكان، في هذه الفسحة يكمن المستقبل، ويستطيع الفلسطيني فيها ان يختار لا ان يكون رد فعل كالجماد، بل يختار التفاعل مع الحدث للتأثير فيه وتغييره.
وان بدا ظاهريا ان اتخاذ القرار بين تبنّي رد الفعل او التفاعل، يتأثر بثلاث عوامل: الموروث الثقافي والبيئة المحيطة وطبيعة القوى المتصارعة على الساحة. الا انه في الجوهر يبقى المقرر الأول والأخير في هذه اللعبة الخطيرة هي الإرادة والعزيمة. نعم قد يكون الماضي فرض الحاضر علينا، فماذا نحن صانعون من اجل المستقبل؟، لنا أن نختار وبأيدينا أن نكون أحياء عاقلين أو جمادا ميتين.
نكون عاقلين عندما نُحَكِّم الراي ونجمع المعلومات وندرس المعطيات ومن ثم نقراها صح وبتأنٍّ لتبصُّر النتائج، بهدف ان يسيطر العقل على المقال والفعال . ونصبح ميتين عندما نغلِّب عصبيتنا ونطلق العنان لغرائزنا الانتقامية ونرد بوحشية على اخطاء الجهلة منا، فلا نستوعب مشاعر الغضب ولانقاوم اغراءات القوة لننجر للاشتباك.
باختصار يمكن توصيف ما يجري كالآتي:
اولا- أن هناك رأسين كبيريين في الساحة الفلسطينية يتناطحان والمطلوب من الجمهور الولاء اما لزيد او لعمرو. ومع اشتداد التأيُّن يزداد التنافر وبالتالي التوتر، فيخسر الطرفان تأييد الشارع. وهذا يقود إلى اختلال الأمن والأمان. الذي بدوره يُنتج تفتت اجتماعي وتجزئة شاملة بين قبائل وعائلات وأجهزة.
ثانيا- أن هناك عدم استقلال في القرار الفلسطيني، وانه يستحيل إرضاء جميع أصحاب المصالح داخليا وخارجيا. وان استمرار الحال على هذا المنوال لن يقود البلد الا الى الدمار، وإذا استمرت الحكمة مجافية لقياداتنا فالويل لنا الويل لعقود قاتمة قادمة.
ثالثا-أن التسلط وممارسة الأبوية على الحقيقة أصبح جليا وواضحا للعيان، فالطرفان يدعيان امتلاكها وان بيد كل منهما مفاتيح الأرض والسماء، وكلٌّ يتوهم انه ممثل المطلق على البسيطة.
وعجبا لقاموس السياسة الفلسطيني الذي تشبَّع بالمصطلحات الوطنية المفرغة من المعنى والمحتوى، وعجبا لقاعات التدريب التي أُتْخمت من ورش العمل التي تجتر التسامح، الاعتراف بالطرف الاخر، والديموقراطية والحرية والنظام والمجتمع المدني وحقوق الانسان، فن المفاوضات، وانما المؤمنون اخوة ونحن كالجسد الواحد.الظاهر ان احدا لا يعني ما يقول، كل هذه المرادفات مبنية على مفهوم واحد وبسيط، انه هناك ثمة من هو غيرك يعيش معك على هذه الارض فلتتشارك واياه. والحاصل، أن الغوغاء لا الإصغاء هي سيدة الموقف، والحديث هو خراريف، والحضور طرشان، والرؤية خالية من البصر البصيرة، والخطة دون رسالة او هدف.

للساسة فقط

للساسة ....فقط
حزيران 2006
بقلم د خالد ألسيفي

يحكى أن حكيما وافق تلاميذه بان يدعوَ حكيما أخرا للمناظرة والتحاور. حيث فكر المريدون بالفائدة التعليمية الراجعة من خلال النقاش، وبذلك تمت الدعوة.

وفي اليوم الموعود حضر الحكيم الضيف وتلاميذه. كان الجمهور غفيرا من المدرستين، حبس الجميع أنفاسه وعمَّ السكون التام انتظارا للقاء القمة. عندها دخل الحكيم الضيف عابرا الساحة بهدوء وبطئ، صاعدا المنصة باتجاه المضيف، يتتبعه الجميع بالعيون بصبر وتوتر، ومشاعر التأثر بادية على الوجوه القلقة لما يعتمل داخل كل منهم من إجلال وإكبار وتوقعات.

تابع الحكيم الضيف تقدمه إلى أن وصل مضيفه، سلم عليه وحضنه وتبادلا القبلات، ثم ابتعدا ونظر كل منهما في عيون الأخر، بكيا ثم افترقا من دون أن ينبس أي منهما بحرف واحد، وبذلك انتهى اللقاء.

لك أن تتصور الهمهمة، ثم الصخب، ثم وابل الأسئلة التي انهالت على الحكيم المضيف بعد مغادرة الوفد الضيف. هنا اضطر الحكيم ان يشرح باقتضاب: شربنا من مصادر الحياة نفسها، وجربناها ذاتها، ورقبناها بنفس الآلة وتقلبنا في حلوها ومرها فتكشفت لنا حقيقتها، فأدركنا من أين نأتي والى أين ننتهي، فانا عارف وهو عارف. وهنا ينتهي الكلام.

أدركت ما أحوج فصائلنا وحركاتنا وأحزابنا إلى هذا. أليس هناك ما يجمعنا اكثر من مجرد احتلال ونضال ومعاناة وحصار وجدار وتجويع وترويع؟ ألا يوجد ما يوحد كلمتنا ويحقن دماءنا ويلم شملنا شعبا وحكومة ورئاسة؟

واعيا لغفلتي العميقة وسذاجتي المفرطة، اعترف أنني في عالم الواقع ولست في عالم الحقيقة. فعالم الواقع هو عالم القيم والمفاهيم، وعالم الحقيقة هو عالم المبادئ والنواميس.

في عالم الواقع كل فريق يصيغ قِيَمَه ويتفق على مفاهيمه التي تخدم مصلحته وترسخ سطوته وتأكد سلطته وسيطرته، ليس هذا فحسب بل ينسج أساطيره ويسوِّق أفكاره داعما إياها بتنظير الأسباب والمسببات لانتزاع التأكيد وحشد الأنصار، ولا يتوانى بمناحرة الآخر في سبيل إيديولوجيته. كل جهة تلبس نظارة من صناعتها لترى الوطن والناس والاحتلال بمشهد يختلف عما يشهده الآخر ليحاوره ويناقشه داعيا إياه باستبدال مشهده بآخر يرتئيه هو.

أما في عالم الحقيقة "غير الواقعي"، تكون كلمة الفصل لمبادئ ونواميس الطبيعة الفاعلة بمعزل عن القيم والمفاهيم والرغبات والشهوات الشخصية، هو عالم المحبة والأخلاق والتكامل والاعتراف بالآخر الذي يستمد فيه كل طرف وجوده من المحافظة على نقيضه.

فبقدر ما "انحطَّ" عالم الحقيقة إلى عالم المثاليات، فامسى عالم الخيال والحالمين واليوتوبيا، بقدر ما "ارتقى" لا بل "مُجِّد" عالم الواقع بمفاهيم الساسة والسياسيين، فاصبح عالم المال والقوة، عالم السلطة والمصلحة عالم الآلهة الأرضيين.

مع ذلك سنهمس في الآذان أن النتائج النهائية مشروطة بالقرب أو البعد من المبادئ والنواميس، تستطيع أن تقيِّم مفاهيمك كما يحلو لك، وقد تدَّعي انك تطير لا بل وتقنعنا بذلك لتقفز من الشباك، فان فعلت ستدرك متأخرا أن من يحكم ليس أفكارك ولا معتقداتك بل مبادئ الجاذبية لتحطمك رغم وعيك أو عدمه لهذا المبدأ.

نتمنى على الساسة أن يسوسوا غرائزهم وعواطفهم وعقولهم وضمائرهم، لأننا شربنا واتينا وانتهينا ..... لآخر الكلام.

على باب الحوار الوطني

على باب الحوار الوطني
أيار 2006
بقلم د خالد السيفي

بعدما أُفرِغت الديموقراطية الفلسطينية من لذة نشوتها بالانتصار على اسطورة الديموقراطية الاسرائيلية، بفرض الحصار السياسي والاقتصادي على حكومة الشعب الفلسطيني، وبعد ما ادركت حماس خطئها الاستراتيجي بالتفرد بالكراسي الوزارية، وبعدما طال هضم وهمَها من مسارعة الملايين العربية الى خزينتها، ايقنت انه لا مفر من اللقاء للتفهم والتفاهم مع شركاء الهم والفم والدم والارض والعرض.

ونحن اذ نحيي ونهيب فاننا نحذر ونعيب وضع العصا في الدواليب. فالثلاثة اشهر الماضية شهدت حملا كاذبا بانفراج الازمة التي تقزم عنوانها الى الرواتب والحرب الاهلية بدل الانشغال بالاغوار والجدار، نقول هذا والشعب اكثر من اي وقت مضى يرى ان حل مشكلته تقع على عاتق حكامه وممثليه، ولا دخل لاسرائيل او غيرها، بل هي ارادة فلسطينية بامتياز ليستعيد البيت توازنه بعد طول مخاض، ليصبح موحدا واحدا امام التحديات الاحتلالية المتربصة به من اخمصه حتى يافوخه.

والحال كذلك، نود ان نَُكِّر ان عدم التفاهم يرسخ مفهوم التناحر على السلطة والمصالح والمواقع وهذا ما لانريده لانه سيقودنا الى دوامة اولها عندنا ولا يعلم قرارها الا الله.

فاول- ما نشير اليه ان الصراع الداخلي هذا قد شفط طاقة المقاومة ضد العدو الخارجي. ومن مظاهر الصراع الداخلي عودة التضاد الطبقي الذي ليس بالضرورة ان ياخذ شكلا ماركسيا منظما للعمال والفلاحين بل يمكن ان يكون في احط صوره من قرصنة ولصوصية وخاوة ودعارة وبلطجة.

ثانيا-ان تظهير الصراع على السلطة بالطريقة التي نراها سيلهي الناس ويفل عزمها عن مقارعة الاحتلال وتأريق نومه، اضافة لعدم القدرة على التصدي له في المحافل الدولية ومتابعة قضاياه بين الامم.

ثالثا- انه اذا استمر الحال كذلك فان المعنويات النضالية والزخم الاخلاقي والروح القيمية سيصيبها الوهن الذي لن يؤدي الا الى افراغ القضية من محتواها السياسي كمظهر، ومن دفقها وارادتها كجوهر، والذي قد تمر اجيال قبل استعادة زخمها وعنفوانها.

رابعا- ان وضع كهذا يضخم الانِّية والذاتية بحيث انها ستعتمد الغاية لتبرير الوسيلة في صراع بقاءها ضاربة عرض الحائط بكل مصلحة وطنية.

خامسا- ان تولد صورتين مختلفتين للوطن بين حاكمية حماس وعبثية فتح يعطي الحق لكل برسم صورته للوطن في ظل غياب مروية واسطورة نضالية موحدة للناس اجمعين
سادسا- الخوف من المستقبل سيولد صورا بعدد الشعب الفلسطيني كل يراها من خلال عدسة الرغيف او قرص الفلافل.

سابعا- غياب الامل وتبديله بالياس لن يقود الا الى الشعور العميق بالانهزامية والدونية وعدمية الديموقراطية امام الفوقية الاسرائيلية وتمييزها العنصري .
ثامنا- هذا الاخفاق سيفقد الشعب مما بقي عنده من ايمان وثقة باحزابه ونخبه السياسية العاجزة المتنافسة على الكرسي واللقب والجاه.

تاسعا- والحال ان استمر كذلك لن نتوانا من نعت نخبنا الا باصحاب البزنس السياسي تجاوبا مع العولمة الامبريالية التي شيَّئة الوطن ومكنكة الانسان وسلَّعة الضمائر

عاشرا- عندها سينطبق قول احدهم ان السياسي ياخذ المال من الاغنياء والاصوات من الفقراء ويقطع وعدا لكل منهما بان يحميه من الاخر

حادي عشر- وسيصح كلام حنا ارنت ان الاكاذيب قد اعتُبرت دائما ادوات ضرورية ومشروعة ليس فقط بالنسبة لمهنة رجل السياسة او الديماغوجي بل ايضا لرجل الدولة.

ثاني عشر- حينها لن نضطر الى الدفاع عن سياسيينا امام مقولات مثل ان الاشخاص الذين يهتمون بالسياسة هم من النوعية دون الوسط ، وان السياسة لا تحتاج الى اية مؤهلات ما عدا واحدة وهي شعور عميق بالنقص.

وفي النهاية نحن لا نتوقع الكثير، الا اكثر بقليل من نتائج القمم العربية، وحذار من الاحباط الذي سياتي على قدر التوقعات.

حماس وفتح وجهان لعملة واحدة

حماس وفتح وجهان لعملة واحدة
أيار 2006
د خالد السيفي

حماس وفتح وجهان لعملة واحدة، على الاقل بالنسبة لمعاناة الشعب الفلسطيني. اذ ان ممارسات فتح السياسية والسلطوية والامنية والاقتصادية كانت من الوحشية لدرجة انها بذرت وهيئت لظروف لا يمكن ان تقود الا الى قدوم حماس. هذا الميلاد الحمساوي كان رد الفعل الطبيعي للاغتصاب الذي تعرض له الشعب من قبل سلطة فتح، التي استقبلها عند عودتها لاحضانه بالترحيب والاعراس والاحتفالات متأملا بعهد ولاية تخلصه مما هو فيه اكثر من نصف قرن. فبقدر ما كانت بشاعة السياسات الفتحاوية جاءت مفارقة النتائج الحمساوية .

ولكن سرعان ما ايقن الناس ان الآنف شبيه السالف في الجوهر وان اختلف بالمظهر، وهم ما زالوا يعانون ويل الفاقة الاقتصادية وشح الامن والامان بقدر ما كانوا تحت وطأته في بيت الاباء السابقين، ان لم يكن اقسى. وبقدر ما فشلت فتح في التخلص من ذهنية الفوضى الثورية والمحسوبية الحركية، ولم تستوعب لمدة 10 سنوات انها اصبحت سلطة مؤسسات ، وقعت حماس بنفس الفخ باصرارها على التتنفس من رئة برنامج الاخوان المسلمين، فمارست دورها لا من منطلق انها اصبحت حكومة الشعب الفلسطيني لتمثله جميعه وتنطق باسمه بل آثرت ان تظل فرع التنظيم الاخواني في فلسطين.

ومعروف ان فتح خلطت التنظيم بالحكومة خلطة غروية تجعل فصل المذاب عن المذيب من مستحيلات العلم بقدر ما تحاول حماس تقليدها بالاجهزة والوكلاء الوزاريين، وليس على المستوى الفيزيائي فقط بل وعلى المستوى الايديولوجي ايضا .

وكلاهما فتح وحماس اعتمدتا توكيد الذات بترسيخ فئويتهما وفصائليتهما وذلك بالاستحواذ المطلق على المقاعد الوزارية، بدلا من مبدأ تحقيق الذات الذي يعترف بالاخر ويتكامل معه ويتعاون واياه، ونقصد بالاخر مجموع الفصائل والمستقلين في المجلس التشريعي . فكلاهما (فتح وحماس) حدَّق ببرنامجه لدرجة انه لم ير الاخرين، وقبض على السلطة لدرجة فقدانها، هكذا هي الاشياء بطبيعتها.

وتتتجلى وحدة الوجهان للعملة الواحدة ان هناك جامع اخر يمثل علة وجودهما، فكلاهما اعتمد السلاح طريقا للمقاومة ثم تخلى لصالح الحكم بالسياسة، ولا نرغب ان يعيد الثاني كرة الاول بسقوطه السياسي، لان الخاسر الحقيقي هو هذا الشعب المسكين.

اضف الى ذلك ان اسرائيل ربطت اقتصاد السلطة الفتحاوية باقتصادها، بقدر ما تتحكم الان به في الزمن الحمساوي، للحظات مثل التي نعيش، لنبقى معلقين من الحلق ومرهونين للجوع متى كانت (اسرائيل) غير راضيه عن الديموقراطية الفلسطينية العتيدة، وهل هناك انجع من بكاء الاطفال جوعا اداة للتحكم برقاب الناس.

كل هذا يثبت ان فتح وحماس في الحقيقة يمثلان الشيء نفسه بوجهين مختلفين في الصورة الذهنية لعامة الناس الذين لا يستقرون في عمل او حقل او وظيفة، لاباء انهكتهم التجارب القاسية والسياسات القاصرة من السعي وراء لقمة العيش التي ما زالت المحرك الاساسي لصناديق الاقتراع.

هذا يقودني الى التذكير بالحال 2002-2004 التي فرضتها اسرائيل علينا من اجتياحات وحصار للمقاطعة وحواجز ترابية وانهيار للاقتصاد الوطني لفترة سنتين توطئة لاغتيال الرئيس، واعتقد انها (اسرائيل) وغيرها كانوا يعمدون الى انهاك الشعب ليسهل لهم عملية الانقضاض على حياة عرفات دون حدوث رد فعل بصورة ثورة شعبية تسبب حرجا محليا ودوليا لهم ولغيرهم .

وهذا ما حصل، قَبِلَ الناس بانهاء عرفات بهدوء مقابل استعادتهم لحركة محدودة ولقمة محكومة وارض مسلوبة. هي الاجواء ذاتها التي افرزت نتائج انتخابات الرئاسة 2005 ، وامتد اثرها علينا بنتائج 2006 البرلمانية ، واستطيع التشاؤم ان هذا ما سيحدث قبل الاجهاز على حماس، لا بل وهذا ما سيكون رد فعل الناس، ان لم نكن واعين ومحترِمين لذاتنا التي تتعجب من مستضيفها، كيف يمكن ان يصير غير الذي اليه نحث المسير.

بين عباس وحماس

بين عباس وحماس
نيسان 2006
بقلم د خالد السيفي

أريد أن اثبت بعض الثوابت:
أن لقمة عيش المواطنين ليست مطروحة في سوق البورصة لا لاسرائيل ولا لغيرها.
أن التجويع يعتبر حرب ابادة لا سيما من قبل من يدعو لاحترام حقوق الانسان ويتشدق بالديموقراطية والحرية والمساواة وسيادة القانون وما ياتي وراءها من مجتمع مدني.
أن فتح كحماس تتحمل كامل المسؤولية عن ما قد ئؤول اليه الأمور.
أن كل ما يدور داخل البيت الفلسطيني يجب ولا باي حال من الاحوال ان يلهينا عن ما يرنو اليه اولمرت من انفصال وانطواء.
أن المخرج الوحيد هو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أن عقلانية حماس وسماحة فكرها ستفشل المخطط وستخرجها من هذا الفخ القاتل.
أن "فَوْت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها".

ومرة أخرى تأتي المفارقات تباعا، اما الاولى: فهي ان البارحة كان يمكن الحديث مع الكل ما عدا عرفات، واليوم لا يمكن الحديث مع الكل ما عدا عباس. طرفي عصا مسلطة على رقبة السلطة. وهي حيلة قديمة لتفرِّق وتغرِّق. فعباس وعلى مدار سنة كان شخصية بدون ذي صلة حسب المعايير الإسرائيلية، وهو لم يوفر جهدا بالدبلوماسية السياسية من حنكة وخبرة للمطالبة بحقوق الفلسطينيين الشرعية من امن ومعابر وازالة حواجز وتفاوض للوصول إلى حلول مرجعيتها دولية.

اليوم وبقدرة قادر يصبح عباس الأول والاخير. فلماذا يا ترى؟. لا لشيء، إلا لدق إسفين بين أسنان الصف الواحد. لم يكن عباس وقبله عرفات والآن حماس، وثلاثتهم منتخبون شرعيون من قبل شعبهم، يستطيع إن يتساوق مع متطلبات اسرائيل التوسعية..... فالأول عُزل وسُمِّم، والثاني قوطع ويوضع الآن في المضاربة وحماس ستُحاصَر وتكون السبب في مجاعة الشعب لاسقاطها. هذا ما يفهمه كل الفلسطينيون.

الجميع أمام خيار واحد، على الموظف، الأحزاب، المجتمع المدني، الدول العربية والاسلامية، والاوروبيين ان يحددوا موقف، اما مع حماس واما مع عباس، أو لنضعها هكذا اما مع الزهار او مع الدولار. لهذا الموقف ثمن، ولكلٍ ثمنه، والمزايدات بملايين الدولارات.

هكذا وضعوا الامورليَفْتِنونا ويُفَتّتونا ولينفذوا الى اعماق اعماقنا ويراهنون على انسانيتنا ومبادئنا. يضعوننا الواحد منا ضد الاخر فيستثيروا انانيتنا وخوفنا وحبنا للسلطة والقوة والمال. هي هكذا دائما لتصرِف عدُوَّك عن عدْوِك، اما ان تلهيه بشيء يرضيه، او تلهيه بشيء لا يرضيه، واما ان تشتريه واما ان تُصفّيه. هم يعرضون ولنا الخيار، وهنا نذكر انه في خيارنا تكمن سعادتنا او سعدنتنا. فمن الضروري بمكان ان نراجع ذاتنا من نحن وما هو مشروعنا، وما هي مبادئنا، والى اين نسير وهل نحن اصحاب ارادة.

على مدار السنين الماضية حُشر الناس بين الحاجز ولقمة العيش، فكانت مسالة التنازل عن الاستراتيجي الكبير (المقاومة) لصالح التكتيكي الصغير (لقمة العيش) مفهومة ومقبولة، لانها كانت مسالة خيارات وبتع وطول نفس، والى جانبها الانساني كانت مسالة شخصية مع انها تجاوزت الحالات الفردية وعمَّت قطاعات واسعة من الناس، ومع ذلك وجدنا المبررات لهذا التفضيل. اما والحال في هذا اليوم تخص شعبا باكمله فالمعايير مختلفة والمسطرة حادة، لا سيما ان الخطى حثيثة لتحديد الحدود واقتطاع القطاع وتغوير الغور.

اما المفارقة الثانية فهي انه ولربما لاول مرة يشعر العامة من الناس العاديين في هذا البلد غير العادي، انه يعيش بكل ما في الكلمة من معنى عالة على ضرائب شعوب الدول المانحة، وان هذا كان مقابل ثمن يدفعه بوعي او بغيره مقابل حريته وارضه، وقد اتت لحظة بقصد او بغيره ليعي هذه الحقيقة راضيا أم مكرها. هذه المرة توضع الامور صارخة ووقحة وواضحة من غير مواربة؛ خيارك الديموقراطي يعني نعشك المعيشي.

عندما يدخل الفلسطيني الى السجن فان اول ما يفقده هو ما يُفترض أن يكون طبيعي وبديهي؛ الشمس والهواء والماء والفضاء، فالازمات توقظ في الانسان تقدير ما كان يعتبره حاصل تحصيل من غير التدقيق في الاسباب والمسببات. وللسخرية الفجة، رب ضارة نافعة، فليتفكر الفلسطيني في الامة والدولة والسيادة والحرية والنماء والتقدم والعلم والتكنولوجيا والحداثة فلربما ادرك ان الثمن هو ريق حنجرته، فهل من مستعد.

ما نريد قوله؛ أن الكل رئاسة ووزارة وبرلمان واحزاب وفصائل ومجتمع مدني ومن ثم عرب ومسلمون مسئول عن لقمة عيش هذا الوطن، وهم مطالبون برص الصفوف أمام ما يجري من مهزلة الابتزاز البشعة هذه، فالرئيس مدعو لرفض تمرير المساعدات عبره شخصيا ففي النهاية هذا شعبه وهذه حكومته وهذا وطنه.

أما حماس فيجب أن تكون صادقة في تشكيل حكومة وحدة وطنية، والابتعاد عن الاستئثار بالمواقع والمراكز، وهي مطالبة بالتصرف من أيديولوجيا سمحة ومفاهيم إبداعية، فالمسالة جدية أكثر من اللازم وهي مسؤولة من راسها حتى اخمص قدميها. اما الاحزاب البرلمانية والنخب السياسية وقادة المجتمع المدني عليهم ان لا يمرروا المساعدات من جهتهم لكي لا يساء فهمهم من قبل الشعب، فقد قيل "فَوْت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها" ، وعليهم لعب دور الموفق والوسيط والعقلانية بين الاقطاب المقررة.

أما فتح فمسؤوليتها لا تقل عن حماس، وهي تستطيع ان تُسجل موقفا مشرفا ان هي مشت فوق جراحها في سبيل المصلحة الوطنية العليا التي لا تفوقها مصلحة لتقف بجانب حماس، ما دامت الأخيرة ضمن المشروع الوطني وما انفكت الهجمة خارجية لتنال من صمود هذا الشعب. هذا امتحان تاريخي، وتُسجل لفتح صفحة بيضاء هي احوج اليها في الايام القادمة، فذاكرة هذا الشعب حية وان تحلى بصبر أيوب.

فعبر التاريخ عِبَر، عندما تتعرض الامة- اي امة- الى كارثة او حرب او ابادة، تُسجل أسماء القادة والعظام والابطال والسياسيين والعلماء والأحزاب الذين أعطوا وتفانوا وتسامحوا وأبدعوا. المسالة تجاوزت لعبة الحزب الحاكم والمعارضة، ولم يعد الأمر مجرد صراع في البرلمان في دولة حرة ذات سيادة، ولا المشكلة لعبة عض الاصابع ومن يصرخ اولا، ولا هي مشكلة طلاب في جامعة، ولا خلاف عمالي في مصنع.

القضية أن أطفالا سيصبحون بدون فطور ولا اجرة مواصلات ولا دواء لمريض ولا أتمنى أن نصل لقصة عمر بن الخطاب والعجوز، وبين هذا وذاك لا يبق للفرد إلا نوعين من الصبر: صبر على ما يكره وصبر عما يحب.

الجدار بين المنقول والمعقول

الجدار بين المنقول والمعقول
آذار 2006
بقلم د خالد السيفي

بادرني الجدار مستبشرا: اليوم تاكدت ان شهادة ميلاد رسمية ستصدر بحقي قريبا، وساصبح معترف بي دوليا واكتسب صفَتَيْ الحقيقة والواقع،
قلت: لا ادري عن ماذا تتحدث وغير موافق على ادعاءك هذا.
قال: هكذا انتم وتلك عادتكم، تحسنون القول لا الفعل، وتخضعون العقل للنقل، وتدَّعون الحداثة بينما تمارسون التراث، تريدون ان تصبحوا "كانتيين" فتمسون "ميكافيليين"
قلت: وما علاقة شهادة الميلاد بالمصداقية والعقلانية والديموقراطية وبالفيلسوف كانت
قال: الم تصرح حماس انها معنية بتشكيل حكومة وطنية بالمشاركة مع الاخرين، الم نسمع من الاحزاب انها تتوق الى طي مفردات سياسة الحزب الواحد وانها ستتفاهم فيما بينها من اجل المصلحة العامة التي طالما تغنَّى بها الكل.
قلت: هذا صحيح، ومن اجل ذلك التقوا وتباحثوا و........
قال : وتفرقوا، وقدمت حماس حكومتها منفردة
قلت: بلا، ولكن حماس شكلت حكومتها صافية من غير شوائب لان باقي الكتل البرلمانية اختلفت معها على امور جوهرية كمرجعية منظمة التحرير والاتفاقيات بين السلطة واسرائيل واعلان الاستقلال والموقف من اوسلو وخارطة الطريق وتفاصيل اخرى.
قال: اولا؛هذا ما هو ظاهر اما الباطن فهو التمسك بالسلطة ولكل طريقته. ثانيا؛متى لم تكن الأمور بالنسبة لكم جوهرية ومصيرية. ثالثا؛ أستطيع أن اذكر ألف سبب لكي اختلف انا مع ذاتي. ورابعا؛ دعني أكون دقيقا هنا، ما حصل ليس اختلافا بل قطيعة، لان الاختلاف شيء والقطيعة شيئ اخر، فالاختلاف يحصل في الشيء ذاته كاختلاف الليل والنهار في اليوم الواحد، والوان الزهور في البستان والعناصر في الانسان. وعندما تجمع ماهيتين مختلفتين تنتج ثالثة خلاقة وابداعية، مثلما الماء من الاوكسجين والهيدروجين، وهو اي الماء ارفع شانا من الغازين ومغاير لهما في الصفات. وكلمة تختلف تحمل في طياتها الشبه في بعض الشيء والتمايز في البعض الباقي، لذلك ما تدعوه انت اختلاف ادعوه انا قطيعة بمعنى الفصل والابتعاد عن الاتصال والتواصل في الاثر والفاعلية والنتائج، ولا اقصد في الالتقاء والتخاطب والمراسلة تحت قبة البرلمان او في الاجتماعات فهذا ليس بذي اهمية. قادتنا في الكنيست وان اختلفوا فيما بينهم يبقون اعينهم على المصلحة العامة الكبرى للبلاد، ولا ينسوا ولو للحظة واحدة انهم يختلفون لتحقيق اهداف دولتهم، ويفهمون ان هناك مساحة محدودة لا يمكن تجاوزها لاي كان ومهما كان السبب، لانه بعد ذلك يصبح الامر مساسا بامن الدولة، وهذا ما لا يتقنه ساستكم
قلت: وماذا بعد هذه المقدمة
قال: لقد ضرب شعبكم مثالا نادرا في هذه الايام باختيار زعماءه ديموقراطيا وبهذا انتم عقلييون، وكان يامل ان يخلص من كرب العيش ومما هو فيه من احتلال واختلال في الامن والامان ، الا ان الظاهرة الفتحمساوية ابت الا ترسخا، ومنعت كل امل، وتمترس كل في موقعه مدعيا الحقيقة ومالكا لجميع الحلول السحرية ومحتكرا السلطة ومتظاهرا بالعفة وحسن النية من قبول الاخر واعتماد العقل المفتوح، وفي الحقيقة كل يريد ان يفرض مرجعياته وعرفانه وقواميسه القديمة وبذلك تصبحون نقلييون .
قلت: وماذا عن "كانت"
قال: للفيلسوف مقالة مفادها ان الادوات هي جزء من النتيجة ، وهي مخالفة تماما لما يدعيه ميكافيلي ان الغاية تبرر الوسيلة. مع انكم مارستم الانتخاب وهذه حداثة، الا انكم تتحاورون تراثا. والحوار هنا اداة، فطريقتكم غير متقنة لا تهتمون بتهذيبها ولا تراعون قواعدها ولا تعطونها حقها من التفكير والتمحيص والتقليب والتفكيك والتركيب، دائما مستعجلون مطاردون من الاهواء الى الحصاد، وهذا ما شهد به ابن خلدون في مقدمته وهو منكم ، وقبله فلاسفتكم ؛ الجاحظ في "البيان والتبيين" والشهرستاني في" الملل والنحل".
فالاداة حادة والشروط مستحيلة والمفاهيم قديمة والنتيجة جاءت خادمة لسيدي اولمرت وزودته بغطاء لم يحلم به ليشرعن جداره ، فحكومة حمساوية معزولة ستسهل التسويق ضدها وستكون حقلا مكشوفا للرماية، بعدها تستطيعون انتم الفلسطينيين ان تمارسوا ظاهرتكم الصوتية كما تريدون وتسوقوا ما تريدونه من لغط الكلام وكثيره.
قلت: الغرب اصلا منحاز لكم بحكومة حماس او بغيرها، وهذا ما خبرناه على جلدنا قبل ذلك
قال: نعم، ولكن هذا ليس له شان بتوافقكم او قطيعتكم، فتاريخكم ونزاعاتكم على السلطة معروفه حتى وانتم اقوياء، الم تحكموا من حدود الصين الى الاندلس، الم تحققوا العلم والحضارة والمعرفة . اننا نفهم العقلية التي تصوغ لكم ما انتم عليه من شقاق وافتراق، وكيف تحاولون ان تكونوا عقلانيين فتقعون في فخ النقليين، ونقرأكم من منطلق؛ انه إذا كنا نريد حل مشاكل المستقبل فيجب علينا دراسة الماضي، وبالذات ماضيكم بجميع ابعاده، فطريقة عيش السلف اجبرت هذا الخلف على هذه الماساة، ونحن نعلم أن الحاضر هو محصلة الاخطاء لا محصلة الانجازات، وان الموجود يعيش مصائب الموؤد، فأول نزاع في السقيفة لم يكن بسبب لبسٌ في العقيدة بل من اجل الخلافة، وان ثاني اشتباك في العراق والحجاز والشام واقصد بين علي ومعاوية وعبد الله بن الزبير كان على الامامة، وان هذا مهَّد للتشيٌّع والخروج والتكلم والاعتزال، ومن ثم جاء المرجئة والدهريون والاشعريون، ومن بعدهم الامويون والعباسيون والاسماعليون والاباضيون والقرامطة والفاطميون والاندلسيون. صحيح ان الخلاف ارتدى في بعض الأزمان ثوب الدينية أو الشعوبية، إلا أن جوهره كان السلطة والحكم والامبراطورية، الى ان تفتَّتُم امارات ودويلات واقطاعيات تحت مختلف المسميات، سببها كلها كما جسدتموه اليوم؛ احياء العصبية التي حاربها الاسلام، ونفي الاخر حين هو اعترف بالاديان الاخرى، والتشبث بالجاه والسلطان حين تقشف الرسول "ص" والخليفتين من بعده ونهوا عن تقليد الاكاسرة والقياصرة. اما الان فكلُّ من فيكم يدَّعي بوعي أو بغيره انه الاول والاخير، له أمجاد الماضي وإنجازات الحاضر ومفاتيح المستقبل، ومع ذلك عندما خطفنا احمد سعدات من سجنه في اريحا مارستم الحماسيات والديباجات الخطابية وجلستم امام التلفزيون تجترون العجز وتكرهون انفسكم وتلعنون ذاتكم، لان المشاهد أتت تكرارا لشيء مالوف ومعروف ومدفون في اللاوعي المقيت، أتذكر أيام الاجتياح للمقاطعة..........

الجدار المرئي والافكار المخفية

الجدار المرئي والافكارالمخفية
آذار 2006
بقلم د خالد السيفي
بادرني الجدار متشفيا: ها قد تم لي ما كنت اصبو اليه، فقد قاربت على الالتقاء بطرفي الاخر، وبذلك اكون قد اكتملت.
فقلت والغيظ يقتلني: للاسف نعم، رغم ما بذله البعض من غالي ورخيص في سبيل الحد من نموك ولمّ شملك، ومع ذلك تبقى ظاهر لباطن ومرئي لخفي
قال: وما قصدك
قلت: يحكى ان احدهم تاه في الصحراء، وقد اصابه من الجوع والعطش والتعب ما اصابه، فاسلم امره لافكاره وخياله، فترآى له بستان مكتوب على بوابته واحة التمنيات، فدخلها وهو يفكر في شربة ماء، وما هي لحظة الا وجرة ماء بارد تتمثل امامه، فشرب وارتوى، فنازعته نفسه الى طبق طعام فاذا بمائدة بما لذ وطاب من الانواع فاكل حتى شبع، ثم تنبه ان هذا غير معقول فلربما كان هذا المكان مسكونا بالعفاريت وفعلا انتصب امامه مارد عملاق اثار الرعب في كيانه، فجرى خوفا من ان يقتله، وهذا ما كان بالفعل.
قال الجدار: لم افهم وما علاقة هذا بذاك ومالي وللعفاريت
فقلت: ان هذه القصة تجسد المقولة: ان الاشياء تخلق مرتين مرة في الدماغ كفكرة ومرة على ارض الواقع
فقال: واين المرئي والمخفي
قلت: انك ترى الاغصان والاوراق والثمر فوق الارض وهذا المرئي، ولا تبان لك الجذور وهذا المخفي. ولو امعنت الفكر قليلا لوافقتني ان الظاهر من الاوراق والثمر ما هو الا تعبير وتجسيد للمخفي أي الجذور. وباسهاب اكثر فان حالة الجذور من تهوية وتغذية وسقي تظهر في نضارة الأوراق والثمر، ونشاط الجذور وحيوتها لها دالتها من الثمر الوافر الطيب والاوراق الخضراء اليانعة، فالجذور اولا والثمر ثانيا او هما وجهين كينونة واحدة، وحتمية الثاني مرهونة بوجود الاول.
قال الجدار: لعلني اجد صعوبة في ربط المغزى من هذا كله
فقلت: مع ان المعنى اصبح واضحا، الا انه لا باس من المماثلة على ما جرى في علاقتنا لغاية الان. انت بمظهرك البشع وشكلك المؤذي وكيانك الاسمنتي تقابل الثمر او النتيجة، التي ما هي الا مظهر وتكثيف لمنهجية تفكير لا عقلاني فلسطيني ومن وراءه عربي اسلامي شامل، وهذه المنهجية تقابلها الجذور في مثالنا السالف
قال: ما زلت غير فاهم
قلت: لولا مفاهيمنا المغلوطة عن المفاوضات وقيمنا المنحرفة في التحالفات ومعتقداتنا الدخيلة عن التنازلات وعلومنا المتخلفة بأساليب النضال ومعارفنا المشوهة عن الوحدة الوطنية وتغليبنا للاني على الاستراتيجي ومصداقيتنا المفقودة امام الاخوان والاصحاب وفكرنا المشوش بين المصلحة الذاتية الدنيا والوطنية العليا وعبادتنا للذات الشخصية، اقول لولا هذا كله لما قامت قائمة لا لك ولا لامثالك
قال الجدار: لم انظر للامور من هذه الزاوية
قلت: لكن لا تفرح فأنت ما زلت في نظري وهم وتخلف وجهالة وقصور تكثف لدرجة الصلابة، ستتلاشى في اي لحظة يستدرك فيها قومي ذاتهم ويردموا الهوة بين ما كان وما يجب ان يكون في الماضي، فتزول كسراب الصحراء كأن شيئا لم يكون في الحاضر القريب والمستقبل الاتي.

نيام على الجدار

نيام على الجدار
كانو ثاني 2006
بقلم د خالد السيفي

سألني الجدار- ترى إلى متى سأبقى واقفا أراقب عذابات الناس في كل يوم واسمع أحاديث الشيوخ وألام الاطفال.
فقلت وأنا اخفي آلامي وأحاول السيطرة على توترات صفحات وجهي: ربما يطول الأمر
فقال بتهكم:وكيف ذلك
فقلت: إن المشكلة في أننا لا نحب مواجهة الحاضر، لعلمنا أننا نتعذب فيه، فنهرب ذهنيا وفكريا إلى المستقبل لنسكن أوهامه ونمارس أحلامه وذلك لتخفيف وطأة هذا الحاضر. وبذلك ومن حيث لا ندري نحن نطيل عذابات الحاضر بإهمالنا له وعدم مواجهتنا له، كل ذلك لاعتقادنا ان المستقبل سيكون أحسن وأفضل، فنحن لا نريد أن نعمل في حاضرنا ولحاضرنا ومستقبلنا إنما نطير للمستقبل قافزين متجاهلين. اننا ننتظر الغد لاعتقادنا ان أبوابا ستُفتح وأوضاعا ستتغير وورودا ستتفتح من تلقاء نفسها. وسرعان ما يخبب الظن عندما يأتي هذا الغد والوضع أسوأ والمعضلة اشد والمصيبة أعمق، وهذا الذي أسميناه بالغد جاء كالبارحة، اذا فلنهرب للغد الآخر الذي بعده وهكذا دواليك، وفي كل مرة تنتج عقولنا أوهاما أجمل وآمالا أعلى تتناسب مع شدة الوضع المعاش. إلا أننا بانتظار الغد نهدر يومنا هذا وكذلك أيامنا القادمة.
هناك هروب آخر وهو إلى الماضي، وهو مساوي في القيمة الوهمية ومعاكس له في الاتجاه, ويلتقي معه في نهاية المطاف لينتهي للنتيجة ذاتها ولكن بألوان وأشكال وتفاصيل يهيا لنا انها مختلفة ولكنها في الجوهر الوجه الآخر لنفس العملة، وهذا يقودني لأصرح انه والحال كذلك يصبح المستقبل تحسين مأساة الماضي لتجنب الحاضر.
حاضرنا يتجسد بشخصك البغيض (الجدار)، بكل ما ترمز اليه من معان احتقرها واخجل منها. الم تقتحم حياتنا وتصادر أرضنا، الم تمزق شملنا وتشتت أرحامنا وتشتت جغرافيتنا وتحبس تاريخنا....اما زلت تحاول حجب شمسنا وسلب مياهنا ووقف ريحنا. هذا ما يجب ان يراه كل واحد فينا في حاضره من اللحظة وفي الدقيقة والى الساعة وخلال اليوم.
عندها قد – وأقول قد- تصدم الحقيقة الأكثرية النيام وقد تطرد الحقيقة من النفس بعض الأوهام.
فريد ريك نيتشة يزعم أن الإنسان لا يستطيع التعايش مع الحقيقة، وآخرين يزعمون أن الكذب ضروري كواقي الصدمات للنفس البشرية من واقع الحياة الأليم، ومن السخرية أن يطالب الجميع بالحقيقة والشفافية ويهرب من الحاضر.

كليم الجدار

كليم الجدار
كانون ثاني 2006
د خالد السيفي

الم يلفظ الحوت يونس .. وموسى كلم ربه . . وعيسى عليه السلم شفى مرضاه . . والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نزل عليه القران. فكيف لي ان ارفض مخاطبة جدار الفصل العنصري. الفرق ان هؤلاء أنبياء صلوات الله عليهم اختارهم الله رسلا لبني البشر للهداية، بينما أنا احد المثابرين على حب الحياة والتمتع بنعمها . . اندفع بطاقة صراع البقاء كل يوم نحو عملي ذهابا في الصباح وايابا في المساء .. اختارني الجدار . . بل حدّث بعضنا بعضا جبريا لا اختياريا.
يتسلمني جدار ضاحية البريد باكرا ليوصلني إلى آخر في قلنديا، وهذا الاخر يعيد الكرّة بترتيب عكسي في كل آخر نهار. أنا انظر إليه وهو يحدق بي، لا أتجاهله وهو يشيعني بحنق، اتامله طوال الوقت ويحاول هو التهرب مني، وان ألححت بالمطاردة ينبهني احدهم بدفعة في ظهري أو بنرفزة من بوق سيارته.
أنا امقته وهو يحاول إذلالي، هو الوحيد الذي ازدريه بدون تكليف أو مواربة. . أمامه استطيع التمرن على الشفافية والمحاسبة والمواطنة. . أبوح له بكرهي له وعدم رغبتي في رؤيته وهو يدرك أني لا أتمنى لقاءه وابغض حديثه.
بادرني الجدار: صباح الخير.
فقلت: رغما عنك سيكون صباحي ونهاري ومسائي خير، ولو لم اكن ابتغي الخير لما خرجت مع الالاف ليتحدوك كل يوم.
قال الجدار: عجبا لك أيها الفلسطيني لا يقف أمامك ساتر ولا يحبط عزيمتك حاجز. أحسدكم على تصميمكم وحبكم للحياة.
أجبته: نحن فهمنا سر الحياة.. نعشق ما فيها من أفراح واتراح .. ولا نفتأ نتذكر نعمها رغما عن همها .. نتلذذ بحلوها ومرها ولا تزيدنا الصعاب إلا تحد .. والتجارب إلا معرفة.. والحواجز إلا مقاومة. كل يوم نتغلب عليك ونخترقك بإرادتنا رغما عنك. ... مهما ارتفع طولك . . وسَمُك عرضك . . وثبِّتت قواعدك. . وكثُر حراسك. لنا البقاء ولك الفناء، لنا النشوة ولك الحسرة، علينا السلام ومنك الانتقام.
اجاب الجدار متعجبا: والى متى ستصمدون؟
فقلت: عجبا لبلادتك وقصر نفسك وقصور ذاكرتك، الم يخبِّرك الكلدان والفرس واليونان والروم والصليبيون، الم تشهد صمودنا في يافا وحيفا والمثلث، الم تسمع بجبل النار ومخيم جنين، الم نبق في الأرض بعد النكبة والنكسة قلعة على قلب من نصبك. الم يندحر من كان قبلك. . وكل دخيل هنا سار لقي ما هو غير سار . . كل مستعمر مَرَّ ذاق مُر . . وأبشِّرك أن مصيرك إلى زوال. الم تدرك أن ورائي طفل وعمل وأمل أتحمل المسؤولية عنهم، اما هذا البيت فله رب يحميه، وعن ذلك سلِ حراسك من الفلاشا أحفاد الاشرم الحبشي.

الاقتتال وفلسفة الماضي والمستقبل

الاقتتال وفلسفة الماضي والمستقبل
كانون اول 2005
بقلم د خالد السيفي

شاهدنا وسمعنا واستذكرنا كيف يذبح الفلسطيني اخاه الفلسطيني، حذَّرنا وناشدنا وتفلسفنا ولا حياة لمن تنادي. سال الدم وانفجرت الآهات وتنادى القوم للفزعة. ما زال الاصبع على الزناد والشك سيد الموقف والمتربص يرقص طربا، كيف لا والذريعة وُفرت والفتحة لحصان طروادة جُهزت. اصبح جلي وواضح ان البديهيات غير مفهومة والمبادئ غير مهضومة والمحرمات غير مصونة. اين الوعي؟.

تخيل ان شخصا ولسبب ما اخطأ الحاوية ورمى كيس القمامة امام منزلك، ماذا سيحصل؟. اعتقد ان الدنيا ستقوم من غير ان تقعد. لكنك تقر وتعترف انك تسمح وبرضى خاطرك ان يقذفوا كل يوم اطنان من القمامة في دماغك سواء من التلفزيون او من المذياع او عن طريق المجلات او بقصص من افواه الاصدقاء وما لف لفهم، بل وتستمتع بها من اخبار واغاني وإثارة وافلام ومسلسلات.

هل تعرف لماذا لا نحقق ما الذي نريد أن نحققه (وطن حر وحياة كريمة)؟، وهل تعرف لماذا سنبقى كذلك لزمن طويل رغم كل تضحياتنا؟، وهل تعرف لماذا غيرنا من الشعوب استطاع النهوض؟. اليابان مثلا ضربت بقنبلتين نوويتين واستسلمت من غير شروط، وألمانيا دمرت بالكامل، ولم يبق حجر على أخيه، ورغم ذلك نهضوا واعادوا البناء، وأنت تعرف ألمانيا المحرك الأساسي لأوروبا وتعرف اليابان وريادتها لأسيا.

الخوف يا صاحبي هو السبب، الذي يجعلك عبدا للآخرين، وذليلا لكسب رضاهم، وضعيفا امام المغريات والمستهلكات، وإمَّعة للمرآة السياسية المليئة بثقافة المصلحة الحزبية الضيقة والفصائلية المفرقة والحركية المشتتة، تماما كمن تهيمن عليهم المرآة المجتمعية ليعبدوا الوجبات السريعة والفيديو كليب. والخوف هو المحرك للكسب السريع والغير شريف، وهو المولد لضعفك والآمر لخضوعك وموافقتك ان تبقى ذليلا محتلا.

هناك من قال ان احدا لا يستطيع سلبك حريتك (ارادتك) الا بموافقتك. على أي حال، خوفك هو نفسه الذي يدفعك لكي تستعبد الآخرين وتوقع الفتنة بينهم أو حتى تحاربهم، وهو نفسه ما يدعوك لقمع الآخرين أو الكذب عليهم أو الالتفاف على ما هو ليس لك إن كان ماديا أو فكريا أو سياسيا. خوفك على مركزك وموقعك سواء في الحزب أو الوظيفة او البيت يجعلك أن لا تكون صادقا مع نفسك أولا وغير صادق مع الآخرين ثانيا، في الحالتين خوفك هو المصدر.

هناك كلمتين تعودنا قولهما ولكن كنا غير مدققين لمضامينهما المصداقية والأمانة، الأولى تعني عمل القول والثانية قول العمل. أي الأولى تعني أن تنفذ وتعمل ما تلفظت به من وعود، والثانية أن تعكس قولا دون زيادة أو نقصان ما نفذته أو عملته. ولماذا نطرح هذه الهرطقة؟؟. لان من اتفق وتوافق في القاهرة او في غزة اخل بالمصداقية وخان الامانة، الم نتفق على هدنة؟ الم نتفق على الاحتكام لصندوق الاقتراع؟ الم نتفق ان الدم الفلسطيني محرم؟ الم يتوافق عليا القوم وقادتهم؟.

لماذا لا تقوم بتمرين ذهني، أن تلتقط من الذين حولك من هو الأمين ومن هو المصداق. نعم نحن اليوم أحوج من أي يوم آخر لهذه المفاهيم البسيطة التي قد نتذاكرها بعض الوقت مع بعض الناس. لقد حلت الميكيافيلية والكذب والفهلوة والخداع والتكتيك مكان العهد والاخوة والمبدأ والذكاء والمعرفة والعلم. وما يدعو للسخرية أننا عودنا أنفسنا على هذا، واصبحنا نتفنن في اقناع أنفسنا والأخريين ونجد المصطلحات العصرية التبريرية من نوع المصلحة والتجارة والمشروع والمنافسة والدعاية والمحافظة على النفس والعائلة والحرص على تعليم الأولاد في الحياة العامة، اما في السياسة فيقابلها المصلحة الوطنية العليا والخطر الخارجي الداهم ومصير الأُمة والشراكة والظروف والجدار والضغوطات الخارجية وتفاهمات الشرم والقرم.
أنا لست متشائما، ولا نكدا، بل على العكس من يعرفني في الحياة العادية أنا أكثر الناس تفاؤلا وأكثرهم مرحا. ولكنك تقر بينك وبين نفسك أنني أصبت ما نسبته 99% من أفراد المجتمع الذين يغطون خوفهم بمصطلحات من القائمة التي ذكرت. ولو لم أكن مصيبا لكان الحال غير الحال والوضع غير الوضع.

ولو سألتني عن مصدر الخوف لقلت لك الدماغ (العقل)، لان العقل هو رجل الأعمال وهو الذي يقوم بالحسابات ووزن الأمور ومنطقتها وتعليلها والبحث عن المعلومات لتدعيمها وإيجاد ما يبررها. وهل تعرف لماذا العقل هو مصدر الخوف، لان العقل جاهل، والجهل هو مصدر الخوف. فالعقل دائما جاهل لانه يعتمد على المعلومات التي يحصل عليها، والمعلومة تصف شيئا حدث في الماضي، وأي شئ حدث في الماضي هو ليس الحاضر، والحاضر بالأكيد ليس المستقبل. وأنت تحاكم الحاضر وتخطط للمستقبل بمعلومات عن الماضي وبذلك تكون جاهلا وهذا سبب خوفك. ولكي تتخلص من خوفك تحاول أن تستبق الاحداث بخطوات وقائية مبنية على الماضي ومعلومات الماضي، لكن فيها يكمن مقتلك او مقتل غيرك.

الشجاع هو الذي يضع نصب عينيه المستقبل، والمستقبل لا توجد عنه معلومات لأنه لو وُجد لما سميناه مستقبلا، والعقل لا يستطيع التعامل مع المستقبل لعدم وجود المعلومات. ولك الخيار إما أن تكون شجاعا أو جبانا.

الجبان يمضغ الماضي ويقف عند الأطلال ويجتر الأمجاد ويعيش فيه فيقتل الأمل والطموح والتجديد. أي بذرة تحمل في جنينها الحياة والمستقبل. لو كان لها عقل لفكرت بأطنان التراب والصرار وآلاف الاحتمالات من الدهس والهرس والطحن من حيوان وإنسان وريح وشمس وعواصف تهدد حياتها. والحمد لله ان ليس لها عقل. لأنها لو ملكته لفضلت البقاء في الدفء والأمان، تماما كما قرر الكثير البقاء تحت الاحتلال فهو أكثر أمانا واسلم للحياة واحفظ للوظيفة والكرسي والمشروع والسلطة والجاه والزعامة والقيادة، حتى أنهم قرروا توريثه للأجيال مع جدار أو بدونه.

ولان العقل لا يستطيع التعامل مع المستقبل هناك عضو آخر صمم لهذه الوظيفة، ألا وهو القلب، القلب ليس بيت العاطفة فقط، فهو أيضا بيت الفكر وتخزين المعلومة. هل تعرف لماذا عندما يصفون الشجاع يشيرون إلى قلبه؟. عند مواجهة الأخطار يُشل العقل من فعل الخوف، ويعمل القلب وهذا سبب ازدياد خفقانه، والا لماذا يصف الناس حالتهم بغياب عقلهم عند الشدائد وتدفق الدم في عروقهم وتصببهم للعرق ، عندها يأخذ القلب ناصية الأمرلغياب العقل!!!.

الجبن من العقل والشجاعة من القلب. أنت تخاف أن يضحك عليك الناس لو تجرأت التفكير بهذه الطريقة، عندها سأقول لك انك من 99% من هؤلاء الناس الذين يخافون، وأنت تخاف أن تظهر بمظهر المضحوك عليه باتجاهين الأول الساذج والثاني الغبي. ولو استشرت الناس، ربما لن ينعتوك لا بالساذج ولا بالغبي وإنما سيكونوا أكثر مني دبلوماسية وأفضل كياسة ويصفوك بعدم تحمل المسؤولية. ولكن برهة لو سمحت، اتنعتني بعدم تحمل المسؤولية؟ أرجوك أن تنظر أمامك وحولك وتسال من الذي لا يتحمل المسؤولية.

العقل مشغول، العقل يركض، العقل مسحور ومضغوط تحت الوقت والمال والجهد، إما بإيجار البيت، او بقص الشعر والجيم او بآخر أغنية، وبعضهم يستدين ليذهب إلى منتجع. وهناك صنف اخر يلهثون وراء السلطة والغنائم والثروة والشركات والمشاريع والنفوذ، كم شركة أسست وستُأسس على وهم المساعدات (3 مليارات) وكم خطة رسمت للاستيلاء على الاراضي المستردة في السجن، 3 مليارات ان صح ذلك هي كانتين ومخصصات المساجين . هذا وذاك سيان من حيث أنهم يركضون ولكن في مستويات مختلفة أولا، وثانيا أنهم يركضون طوال الوقت، وثالثا هم يتنقلون بين المستويين، المهم أنهم مشغولون مثقلون ولا احد مستعد لا لتحمل المسؤولية ولا التفكير في المسؤولية، أنا أتحدث عن مسؤولية التحضير لهذا القادم، لمنع الاقتتال واختراق الخطوط الحمراء وحقن الدم الفلسطيني وصون المشروع الوطني (ان بقي) والتخلص من جنون الاستئثار بالسلطة والصراع على الكراسي والغاء الاتتخابات والاستهتار بالقيم الانسانية والوطنية والفلسطينية.

أتحداك أن تقضي النهار كله بحثا عن شخص أو مجموعة تستطيع أن تعطيك رؤية أو أمل أو إلهام ،لن تجد. العقل سيهز كتفه ويؤشر إنها ليست مسؤوليته، هي من مسؤولية آخرين، وأنا أسالك من هم الآخرون؟. كلهم خائفون على الامتيازات، الوظيفة، السيارة، المدرسة الخاصة، الممتلكات، الأولاد السفريات، وبعضهم الاصحاب واخرين جلسة اللعب في الورق والنرجيلة، لكل واحد منهم شيئ يخاف عليه، اتاوات ورشوات وتابعين وامتيازات وزعامة وإعلام.

هل تعلم لماذا هم خائفون؟، لأنهم يعيشون في الماضي هم أسرى معلوماتهم، وأي معلومات اقصد؟، انه سيأتي احد مثل صلاح الدين ليحررهم، ومعلومة أن اخا وسيطا او دولة شقيقة ستتقدم لتفض الخلاف، وما كان كأنه لم يكن، وما سياتي كانه لن ياتي. هم اسرى معلومة أن لهم دين وتراث ولغة وحضارة ستحميهم مهما طال الزمان، هم ينتظرون المهدي ليخلصهم ، هم لا يستطيعوا ان يعيشوا في المستقبل بدون "احتلال"، هم لا يستطيعوا ان يتصوروا العيش بدون "الاحتلال"، لانهم لم يجربوا هذا النوع من العيش، هم ولدوا تحت الاحتلال، ولا اقصد بالاحتلال فقط للاراضي، وإنما اعني ايضا الاغتراب الفكري والحضاري والتراثي والثقافي والمعنوي والسياسي والانساني والمبدئي ، ولا يجرؤون التفكير او لا يعرفون، لانه ليس لديهم معلومات في الذاكرة، هم لم يجربوا العيش بدون الاحتلال، لا يوجد خبرة ومعلومة عن الحرية، فهم خائفون.

على أي حال الإلهام يأتي من القلب، هو يأتي من حيث يوجد الإيمان والتحدي، وهناك تجد الإرادة. ولكي تتحمل المسؤوليات الكبيرة يجب أن تكون صاحب قلب كبير. لاحظ أن الذين لعبوا أدوارا في التاريخ لم يكونوا عباقرة علم، بل كانوا أصحاب مهن عادية وشهادات متواضعة، لكنهم كانوا أصحاب قلوب كبيرة. المستقبل غير معروف ومجهول ولا يوجد عنه معلومات يبقى محيرا ومخيفا، واتجرأ واشير عليك ان تترك عقلك وتعتمد قلبك.

12.2.09

"التحرر" وهلوسة النشوة

"التحرر" وهلوسة النشوة
آب 2005
د. خالد السيفي

تماما عندما نبحث علاقة الطفل بابيه نلجأ الى علم النفس، فإننا نستعين بعلم ادارة الافراد لحل اشكالية موظف بمرؤوسه، وكذلك الامر بالنسبة لجدلية العلاقة بين العامل وصاحب راس المال. اما بالنسبة لفهم ما يدور في عقل ونفس وخلد الفلسطيني في هذه الايام وعلى عتبة فك الارتباط الاسرائيلي واعادة الانتشار من غزة، فلست ادري ان كنت ساوفق في اسقاط المعارف والمرجعيات في علم النفس والادارة والدياليكتيك على فهم كنه مايعانيه الفلسطيني من انفصام مكعّب للشخصية. اذ انه باعتقادي ان خلطة المعاناة الاقتصادية والسياسية والمعنوية التي ما زالت تعصف بالفلسطيني هي اكبر مما لدى اي شخص في مستواي المتواضع.


لم اجرؤ على اختيار عنوان مثل" ديالكتيك وسيكولوجية انفصام شخصية الفلسطيني" ابان "الجلاء" او "الانسحاب" الاسرائيلي من غزة، لا تحسبا من طول العنوان او لضخامة الكلمات بل لأهمية الموضوع ولخطورة ذاته وخوفي الا اوافيه حقه.


اقول ان لا احد ضد ان يخرج الاسرائيلي من غزة، ولكن مهلا في تسميته انسحابا. ولا احد ضد ان يحتفل الفلسطيني بهذا "التحرر" فانا لست متاكدا من انه سيكون وطنا لا سجنا هذا اولا, ولست فاهما للاحتفالات من جهة توقيتها المبكر ولا من شرذمتها ثانيا. ولا احد ضد ان ينعم الفلسطيني باقتصاد احسن، ولكن هل هي خطة تنمية ام فتات صدقات ام قبض ثمن معاناة وضحايا واحتلال ولاجئين. ولا احد يعارض الامن والامان لاخواننا في غزة ولكن ما الداعي للجيش الشعبي ولمصلحة من وكيف المطلوب منا ان نفهمه ونهضمه.


هناك ذهول مختلط بغصة وحيرة وتشكك وخوف. السبب الإدراك والقناعة العميقة ان كل ما يحصل لم يكن بمبادرة وتفاعل فلسطيني، انما تم ترتيبه خارج الوعي الفلسطيني ضمن حسابات وتوازنات قوى ومصالح اجنبية واقليمية ومحلية لا تمت بصلة الى الفلسطيني في مخيم الشاطئ. ما حصل وما يحصل واخاف ان الذي سيحصل باقيا بعيدا عن ارادة الفلسطيني، والاحساس الغريزي ان جذور التجربة هذه ستولد في النفس الفلسطينية نقيصة (عقدة) أنها مجبرة لا مخيرة في معاناة وعيش الواقع المرسوم لها.


استطيع ان اميّز بين ثلاثة انواع من الشعور المختلط لدى الفلسطيني:
الاول الفرحة: وهو ظاهريا ومؤقتا وفي مستوى التصرف اليومي العابر، لان الاخوان في غزة يعرفون انهم سينعمون بقشور حكم ذاتي محاصر جداريا وسياسيا واقتصاديا.
الشعور الثاني عدم الرضى: وهو منطقيا وعقليا في الدماغ لان كل ما تم ويتم هو تنفيذ لادرادة شارون، فالخطة شارونية ومن جانب واحد والاملاء اسرائيلي واللهث وراءه فلسطيني، واي تصوير ومشابهة بين ما يحصل هنا وما حصل في لبنان انما هو تضليل وخداع للنفس، والتفصيل يفقد المقالة هدفها.

الشعور الثالث الغضب: عميقا في اللاوعي وطويل الامد واسبابه كثيرة:
1-ما يحدث غير كاف ولم يصل الى مستوى الطموح ولا يتناسب مع حجم التضحيات والضحايا والاسرى والمعاناة الطويلة، وشعار ان هذه فقط البداية ويجب التحلي بطول النفس لم يعد ينطلي تنطلي على الفلسطيني فالخبرة اثارها بادية على الجلد، والجدار هو قيئ (استفراغ) من معدة اوسلو.
2-ما يحصل في الضفة وخاصة في القدس معاكس في الاتجاه واعمق في الاثر والمقدار وهذا ما يعيشه الفلسطيني يوما بيوم ولحظة بلحظة.
3-التشرذم الحاصل على مستويات عدة في الصف الفلسطيني من لخمة الخطاب وتضارب الرايات وانهيار القضاء وفقدان الامان وفشل اللجنة العليا للتنسيق واخيرا تجنيد الجيش الشعبي وضع الناس في حالة رفض قد تصل الى السلبية العدمية في تقبل واقعها.
4-استثمار شارون للحدث اعلاميا مع الاصرار على استصدار قرار من مجلس الامن بان الحاصل هو انسحاب كامل متكامل من غزة، وادراك الفلسطيني ان هذا عين الخداع كما حصل بعد اوسلو، وان هناك جبهة اخرى ستشغل باله وتستنزف قواه ( مع الشك في حسن الاداء) مدة لا يعلمها الا الله لاثبات ان غزة ما زالت تحت الاحتلال باشكال وصور اخرى مقابل العجز المحلي والعربي اعلاميا وسياسيا.
5- الفلسطيني يعلم انه لا يملك القدرة على لجم الشهية الاسرائيلية باعادة احتلاله مرات اخرى في ظل التوازنات القائمة
6- حرص شارون ولمصلحته وحفاظا على شعور المستوطنين والاسرائيليين بان تكون اعادة الانتشار بارادة اسرائيلية وسيتكشف للفلسطيني لاحقا أنها تكتيك ضمن خطة الجيش الاسرائيلي، تماما كجدار الفصل العنصري، ولا دخل للفلسطيني بهذا القرار لا من قريب او من بعيد.
7- بقاء ما سياتي على الضفة الغربية في حكم المجهول وفقدان الفلسطيني للمبادرة مرة ثانية.
8-عدم رضى الفلسطيني لدرجة السخط على الاداء التشريعي والحكومي والقضائي والفصائلي مع عدم استثناء ما يدور في الفلك من مؤسسات المجتمع المدني.


كل هذا سيشوه صورة الذات الفلسطينيه امام ذاتها (الشخصية الفلسطينية)، ويولّد الغضب الذي سيقود لعدم رضى عن ما يجري حوله ( الفلسطيني) وبالتالي إلى الاحباط. هذا باعتقادي سيكون المحرك الاساسي ليبقى الفلسطيني في دائرة رد الفعل السلبي بدل اختياره لدائرة التفاعل الايجابي مع ما يمكن ان ياتي مستقبلا. ما قصدته ، في علم الإدارة ، ان الفلسطيني سيرجع الى المربع رقم واحد قسريا ( دائرة العنف والعنف المضاد) للتعامل مع الطارئ والمهم، بدل ان يبقى مخيرا في المربع رقم اثنين، الذي فيه يتم البناء وترسيخ المؤسسات وارساء سلطة القانون للتعامل مع ما هو مهم وغير طارئ لتحقيق انسانيته المفقودة او المسلوبة. وبمناسبة الحديث عن المربعات فهم اربعة ذكرنا اثنين وبقي الثالث غير مهم وغير طارئ، اما الرابع والذي تم حشرنا فيه مرات عديدة لفترات مديدة ، وهي ان يقوم سياسيونا بأعمال غير مهمة ويوهمونا على انها طارئة في ظل انفصام مركب للشخصية الفلسطينية، والشواهد على ذلك حدث بلا حرج.

المعتزلة والاغلبية الصامتة

" المعتزلَة " والاغلبية الصامتة
آب 2005
بقلم د خالد السيفي

يحكى ان رجلا دخل على الحسن البصري وسأله الحكم في "الخوارج" الذين يكفرون اصحاب الكبائر(بني امية) ويدعون الى مقاومتهم وحمل السلاح في وجههم، وعن جماعة اخرى يرجئون حساب اصحاب الكبائر الى يوم الدين، اذ حسب ادعاء هذا الفريق "المرجئة" ان المعصية الكبيرة عندهم لا تضر مع الايمان. فتفكر الحسن في ذلك. وقبل ان يجيب قال واصل بن عطاء انا لا اقول ان صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر . ثم قام واعتزل الى عامود من اعمدة المسجد، يطلب من جماعة الحسن البصري التقرير والتاييد ، فقال الحسن "اعتزل عنا واصل" وسمي هو واصحابه ب "المعتزلة". اما دور المعتزلة في التاريخ السياسي الاسلامي اتركه لفضولك وروح البحث لديك.

على اي حال هذه احدى نظريات نشوء "المعتزلة" كتيار مقاوم فكري وسياسي وديني عبّر عن مرحلة صراع ارادات سياسية في القرن الثاني للهجرة (150ه،القرن الثامن ميلادية) . والكل يعرف ان اصول هذه الخلافات نشات بعد مقتل ثالت الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، اذ كانت تدور حول النزاع على احقية الخلافة بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان ومن ثم توريث الخلافة وما تبعه من الظلم والفساد وسوء الادارة والاستئثار ببيت المال لحساب السلاطين الامويين ومن ايدهم من الولاة والحكام على الامصار ابان الفتوحات الاسلامية. هذا ما حدث قبل الف وستمائة عام.

اما وجه الشبه بين الامس واليوم حالة الحيرة وعدم الرضى وفقدان وضوح الاتجاهات لدى العامة والجمهور حيال ما يشاهدونه من الاقتتال الداخلي وهم الاحوج الى الوحدة والتوحد لمواجهة المخفي والاعظم، هذا اولا. اما ثانيا-موقف الغالبية من سواد الشعب من الفلتان الامني والسياسي والاقتصادي والثقافي بشكله المرعب. وثالثا لوم الجانبين وعدم الانحياز لجهة دون الاخرى مهما كانت الاسباب والنتائج ويكاد يجمع الكل على تحريم الدم الفلسطيني على الفلسطيني.

وجدتني استمزج العاديين والمثقفين والمحللين السياسيين، الكل في حالة اعتزال، لا لانهم لا يهمهم بل لانه يهمهم، بل الفيتهم يعتصر الهم قلوبهم ويفلق الغم ادمغتهم وقد ابدوا تخوفهم من الاسوأ الذي قد يحصل لا سمح الله . على اي حال لم يحمل اسم "المعتزلة" صفة السلبية في النشاط اليومي المجتمعي ولا في الممارسة للحياة السياسية ، لا سابقا ولا حاليا، فالكل يعبر وينتقد وينصح ويدعو ويتوسط.

الا ان الاعتزال في المجتمع الفلسطيني له تاريخه ايضا. ففي السنوات العشر الماضية ونتيجة التراجع المستمر في القضية والتقهقر السياسي والتنظيمي الشامل سلطة واحزاب وحركات على الساحة منذ اوسلو وتتويجه بجدار الفصل العنصري ومحاصرة القدس وتوسيع المستوطنات والخوف من غزة اخرا ادى الى ازدياد عدد المعتزلين وعدم الراضين. هؤلاء المعتزلة اتفقوا على تسميتهم الاغلبية الصامتة. والذين شاؤوا ام ابوا سيحملون على عاتقهم مهمة التغيير المستقبلي ولا سيما انهم الاغلبية الساحقة من المجتمع والذين سيكتشفون قوة تاثيرهم في الانتخابات التشريعية القادمة.

لا ابالغ ان قلت ان جماهير الفئة هذه جاهزة وتنتظر فرز قيادة تتقن ادارة الصراع الداخلي والخارجي، ولكن قبل هذا وذاك هناك امران يجب المبادرة لايجادهما: الاول برنامج غير البرامج التقليدية وتنظيم لا يشبه التنظيمات الكلاسيكية من جهة، والامر الثاني صياغة فكر تنظيري لجمع الناس به وحوله، من الجهة الاخرى( لا اقول ايديولوجيا ).

وان كنت لا ارغب في ابداء الرأي ببعض القضايا الملحة لتطور هذا التيار لعدم كمال الصورة، الا انه من المفيد تسجيل بعض النقاط المفيدة للتأمل،
وهذا ما اعثقده مهم وغير طارئ لقيادة هذه الفئة المعتزلة:
1- عدم الاستعلاء الفكري وتبسيطه ليكون مفهوما للناس ويعبر عن حاجاتهم ويضع حلولا لمشكلاتهم بحيث يكون صناعة بيتية يتكلم العربية بلهجة محلية .
2- عدم المغالاة في الضبط التنظمي
3- اعادة اللحمة للنسيج الفلسطيني الجامع في الداخل والخارج
4- نشر وعي الصمود بين الناس وتبني قضاياهم الجماعية داخليا وخارجيا
5- كسب الوعي العالمي
6- التركيز على قضية الجدار ومقارعته من ناحية عنصرية واستهداف لاانسانيته بالاضافة للامور السياسية الاخرى ذات العلاقة
7- ان لا تستقدم قيادة المعتزلة مشكلات قيادات التنظيمات والحركات القاصرة، والافضل ان تدار امورهم لا من سياسيين محترفين بل بواسطة اداريين واعلاميين مهرة لتحييد الانانية السياسية والصراع على الكرسي التنظيمي
8- مخاطبة العقول والقلوب في ان واحد مع احياء القيم والمفاهيم والمثل الانسانية والفلسطينية لا بالقول وانما بضرب المثل من القيادة اولا للقاعدة ثانيا
9- ترويج فكر تداول السلطة داخل الحزب والحركة واهمية الصوت الانتخابي وزرع ثقافة التحدي من اجل التغببر والانتماء لاعلان المسؤولبة. وهنا لا استطيع مقاومة مخاوفي من ردود الفعل على فكرة ونوايا بناء الكازينو في القطاع الذي تسربت اخباره متمنيا ان يكون مجرد خبر خالي من الصحة وليس له اي جذور فلسطينية مغذية له

الكازينو اولا واخيرا

الكازينو.....اولا واخيرا
آب 2005
بقلم د خالد السيفي
اذا صح ما تسرب في الصحف من اخبار عن نية بناء كازينو في القطاع، فان الذين استحوا ماتوا. فنحن اول واخر ما نحتاجه في غزة بعد "التحرر" فهو كازينو. لان هذا الكازينو سيحل لنا مشكلات البطالة بين العمال والخريجين وسيوفر مئات الوظائف وسيمكن العمال من سد رمق الاطفال الذين انتفض اباءهم العام الماضي (وكل عام) حاملين رغيف الخبز. هذا الكازينو سيبدل حطام المستوطنات ومواد الاسبست المسرطنة بمظهر بيئي وحضاري ممتاز. لماذا لا ونحن قد انجزنا جميع مهمات التحرر الوطني الديموقراطي من ثورة علمية وثقافية وتقنية وفنية وصناعية واقتصادية، متوحدون وموحدون في الخطاب السياسي والتفاوضي والكفاحي، وامننا الداخلي واماننا في احسن ما يكون، نستطيع الذود عن سيادتنا والدفاع عن مقدساتنا ونتنقل في ريوع الوطن بحرية واطمئنان.
اليست ارباح هذا الكازينو ملك للشعب وستُصرف على المستشفيات وبناء المدارس والمختبرات وعلى تشييد الملاعب الرياضية والمكتبات والحدائق العامة ورياض الاطفال. وما الضرر إن كنا من ريعه (الكازينو) سنزرع شوارعنا بالاشجار والورود ليتنزه اطفالنا مع اجدادهم على الارصفة يحكون الحكايات والتاريخ ويتبادلون الضحكات وصرخات الفرح. اليس هذا الخطوة الاولى والتصريح على طريق العضوية للدول الثماني الكبار، اليس صحيحا به سنتراس البنك الدولي ونغزو الفضاء، فلتغلق كازينوهات لاس فيجاس لانه اصبح لدينا ما هو اجمل واكبر.
سنباهي الامم ونفاخرهم ان لدينا ما هو اعلى من تمثال الحرية وما هو اعرق من برج بيزا، الم نبني كازينو عندما تحررنا في اريحا، نحن دولة العظماء والعمالقة، اعظم من الفراعنة واعلم من الكلدان واعرق من اليونانيين. هكذا نعيد امجاد ابن رشد والرازي وابن سينا وجابر بن حيان, اذ ان قمة الفلسفة والحضارة الاسلامية العربية المعاصرة يمكن ترميزها بهذا ا لبرج الصرح الكازينو. سيتباهى اغنياؤنا واشباههم بعدد الزيارات وكم الانفاق من الدولارات وسيتعازمون ويقيمون المباريات ويلتقطون الصور.

ياجماعة والله هذا مؤلم وقاتل ومحبط ومنفر ومثير للتوتر والاشمئزاز والقيئ والسخونة والاسهال واللعن والبصق والشتم والارق. ليس لدي شعر اشده ولا لحية انتفها، لكن ساضرب راسي بالحيط، ومن ثم سالقي بنفسي من عمارة، وبعدها اسحقها تحت عجلات شاحنة، واوصي بحرقها من بعد هذا كله. ماذا افعل؟، كيف اصرخ؟، كيف اعبّر؟ أألعن هذا وذاك وارحّم على فلان وعلتان.

ثم من اين هذه الافكار الجهنمية؟ انها ليست عربية ولا اسلامية ولا تراثية ولا قومية ولا حضارية ولا شرقاوسطية، من هذا اخو الشلن الذي يلعب بعقولنا ويستخف بوعينا؟، من هؤلاء الشركاء الذين لا يعرفون الاستثمار الا بالقمار؟ ولمن هذا الكازينو وما الهدف من وراءه؟.ظهرت في بعض الصحف اخبار تكذب هذا النبأ وادعو الله ضارعا مسلّما امري له ان يكون الخبر صادقا مع الاحتفاظ بحقي ان ابقى قلقا ، الم يبنوا كازينو في اريحا؟؟

لكي لا تجني براقش على نفسها مرتين

لكي لا تجني براقش على نفسها مرة اخرى
تموز 2005
بقلم د خالد السيفي

من راقب الحالة الانتخابية في بلادنا يخلص لتسجيل اعتراف أن قلة الخبرة في هذا المضمار، وشح الموروث الثقافي في العمل الديمقراطي والانقطاع التاريخي عن الممارسة افرز خروقات وتجاوزات، إن دلت فإنما تدل على الحاجة الماسة لمزيد من التوعية والتدريب ومراكمة الخبرات لهذا الفن. لقد تعرض الكثيرون من الزملاء إلى هذه التجاوزات وركزوا على الفنيات والاداريات والممارسات الحزبية أو الفئوية ، لكن يبقى هناك ملاحظة تجر وراءها ظاهرة تحتاج لإلقاء الضوء عليها. وبعيدا عن دور السياسة التجهيلية والقمعية للاحتلال الذي لا نريد هنا أن نعلق عليه مسؤولياتنا، وبعيدا كذلك عن الجهات الرسمية، فان هناك دور أساسي ومهم للفرد الفلسطيني ووعيه وكيفية تعاطيه لدوره الانتخابي.
أقول أن هناك بوعي أو بغيره فصل وعدم ربط وتنافر بين مسؤولية الفرد ودوره في العملية الانتخابية من جهة، وبين همومه ومشكلات عيشه اليومية من جهة اخرى. جموع الناس ما زالوا غير مصدقين انهم قادرون على التغيير، وهم بذلك غير مستغلين لحقهم في المشاركة في تحديد النظام السياسي على اكمل وجه، ربما انهم لم يتعودوا ان يكون حكامهم من اخوانهم الفلسطينيين، فعلى مدار اكثر من 600 سنة حُكمنا بايدي غير فلسطينية وكان الحكام مفروضين علينا لا نملك من امر قدرهم شيئا، لقد كانوا خارج نطاق طاقتنا وارادتنا.
حقيقة ان حكامنا الان هم منا والينا وهم ابناءنا ما زالت غير مستوعبة وغير مهضومة رغم مرور 10 سنوات على حكم الفلسطيني للفلسطيني، والسبب هنا ان خبرة تبادل السلطة عبر الصندوق لم تترسخ في الاذهان ولم تدخل الوعي لغياب العملية الانتخابية في المؤسسة والجمعية والنادي ونفيها من الحياة السياسية مما زاد الطين بلة في تثبيت الشعور لدى المواطن العادي ان الحكام يستبدلون بالموت فقط.
ولأن عامة الناس، وهم الأغلبية، هم المفروض انهم المقررون لنتائج الانتخابات وطبيعة النظام السياسي، فإنني ارى انه من الضرورة بمكان تكثيف وتركيز الجهد والامكانيات والوقت الكافي لشرح وتوعية العامة عن اهمية هذا الحق في المواطنة والمشاركة وتداول السلطة وماهية الصوت الانتخابي والقوة الكامنة وراءه. لنصل الى نقطة يكون الفرد عندها مدرك أن خياره أمام صندوق الاقتراع سيحكم مستقبله ومستقبل أولاده، لا بل سيجاوب عن لقمة عيشه وعن الهواء الذي يتنفسه غدا.
أنا اعتقد بان الانتخابات التشريعية القادمة هي أهم انتخابات لأنها تأتي في مرحلة تصفية القضية ولا أريد الدخول من هذه البوابة فلا متسع. إنما أردت فقط أن أقول أن اعضاء التشريعي الجدد الذين سينتخبون هذه المرة من قبل الشعب سيقررون السياسة القضائية والصحية والزراعية والتعليمية والمهنية والتفاوضية، وسيلقى على عاتقهم توفير الميزانيات اللازمة لإيصال الكهرباء والماء إلى القرى المهمشة المتضررة من السياسات الإسرائيلية، اريد ان أؤكد ان هؤلاء النواب لو تمت ملاحقتهم ومحاسبتهم لاستطاعوا إيجاد الحلول للطلبة وللمعلمين وللمحامين وللأسرى وللعمال العاطلين.
الناخب الفرد تقع على عاتقه المسؤولية الأولى والأخيرة في اختيار مرشحه، بعد وضع ورقة الاقتراع لا ينفع التباكي والتشاكي والندم ولا سيما أننا مررنا بثلاث دورات انتخابية تشريعية 96، والرئاسة والمحليات وبعد اشهر سنخوض الانتخابات النيابية. كل فرد ملزم بالتفكير بمصالحه الشخصية أليوميه ألبيتيه العملية واختيار النائب الذي يجسد مصالحه وآماله ويزيل آلامه، وادعو الى الاستعداد لملاحقة النواب المنتخبون من الان بمحاسبتهم ومراقبتهم ومتابعة اعمالهم من خلال اللقاء بهم ومقابلتهم ومكاشفتهم.
أنا أدعو الدولة والمؤسسات الرسمية والحكومية وغير الحكومية والاحزاب والنقابات والتجمعات والنوادي إلى عقد لفاءات جماهيرية في كل مكان وقرية وحارة وشارع وحي لنشر الوعي عن أهمية وقوة الصوت الانتخابي .
سيكون مؤلما أن يرتهن الصوت الانتخابي بثلاثمائة شيكل أو وظيفة أو بعثة طالب او تهديد، وأكثر من ذلك ان تكون العشيرة الحزبية أو العائلية أو الفصائيلية هي الموجه لهذا الصوت. وسيكون مؤلما ايضا أن تسمع الناس تتذمر من النائب فلان الذي تم انتخابه مرة ثانية بعد ان جرب سابقا وثبت فشله، لتسمع مرة ثانية ذات التذمر من ذات الفئة، ومن غير المفهوم ان الناس سيلجؤون بعد ذلك كله للاصطفاف على ابواب النواب لحل مشاكلهم بالواسطة كل على حدى . والاكثر ايلاما ان تجني براقش على نفسها مرة تلو الاخرى من دون اعتبار.
نحن نطمح إلى أن نسمع الناس تتكلم بلغة التحدي والثقة بالنفس والقدرة على التغيير، نحن نريد أن نرى أنشطة مجتمعية جماعية تدعو إلى مناقشة المستقبل من منظور القوة الانتخابية. نريد وعيا فرديا وجماعيا يجبر النائب أن يبقى على تواصل مع الناس، هذا الوعي يفرض على النائب أن يخدم مصالحهم المجتمعية وان يحسب ألف حساب لهم، نريده أن يشعر انه يستمد قوته من العامة الناخبين لا من موقع حكومي ولا من رضى فلان عليه وان ناخبيه هم ضمانته الوحيدة. نريد أن نصل إلى مرحلة يكون فيها النائب جنديا لنا يقاتل من اجل مصالحنا لا من اجل مكتسباته الشخصية، نريده أن يعيش بيننا ليحس بنا، أن يدرس أولاده مع أولادنا، نريده أن يقف معنا في الصف أمام الحاجز الى ان يزول عنا وعنه.
يجب ان يعي الناس ان هناك مقابل للضرائب التي يدفعونها وان ما يحصلون عليه من الفتات لاضافة صف الى مدرسة او تعبيد شارع او منحة طالب هي ليست منة او مكرمة من احد وليست من جيبه الخاص، بل هي من اموال الشعب سواء كانت من ضرائبه او من المنح الدولية مقابل معاناته ورزوحه تحت الاحتلال.
يجب نشر الوعي القائل ان اكبر مسببات الفساد هي المحسوبية والتي تعني ان يتمتع افراد معينين من تنظيم او عائلة او قرابة بخيرات وامتيازات واموال هذا البلد بغير حق وبغير اهلية. يجب ان يعي الناس انه من الظلم وانه لم يعد مقبولا ان تبقى قرى حدودية وذات طبيعة زراعية تواجه خطر الجدار والتهويد بدون ماء او كهرباء او حرمانهم من موازنة معقولة لدعم الزراعة ومن ثم مطالبتهم بالصمود والبقاء على وجه الارض.
هذا كله يجب ان يتغير ولكن الاساس نشر المفاهيم الصحيحة التي ستقود في النهاية الى اعمال صحيحة والتي بدورها ستولد عادات وممارسات صحيحة تقود الى مستقبل زاهر وكما قال احدهم مستقبلنا ونجاحاتنا هي مفاهيمنا وعاداتنا.

التشريعي وحكومة الوحدة الوطنية

التشريعي وحكومة الوحدة الوطنية
تموز 2005
بقلم د خالد السيفي

لأشهر الماضية شهدت، والقليلة القادمة ستشهد نشاطا انتخابيا وديمقراطيا ايجابيا. ونحن إذ لا نرجو أن يخبو هذا الحراك تحت وطأة الضغوطات الخارجية أو تحت ابتزاز المصالح الفئوية والنزعات والنزاعات الشخصية، فإننا نامل ان يتم تحديد موعد للانتخابات التشريعية واستكمال الانتخابات في المجالس المحلية في الأسابيع المقبلة.
ولا احد ضد الوحدة الوطنية ، وكل واحد فينا يصبو الى ان يرى قواه الوطنية والاسلامية صف واحد في الصراع المصيري في هذه الايام على كل شبر ومتر وذرة من تراب هذا الوطن. كلنا نتغنى صبابة للوفاق الوطني والاجماع الذي نعرف انه لن يزيدنا الا صلابة وقوة في مواجهة الأوضاع الصعبة الحالية.
استوقفتني الدعوة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية واثارت في نفسي اسئلة عديدة مثل، لماذا الان بالذات؟ وفي هذا الوقت؟ من هي القوى المدعوة لهذا الائتلاف؟ وما علاقة الدعوة هذه باعادة الانتشار في غزة، وما هي الصلة المباشرة وغير المباشرة بتاجيل الانتخابات الى اجل غير مسمى؟ وهل هناك تعارضا بين حكومة الوحدة الوطنية واجراء الانتخابات الديموقراطية لمجلس تشريعي اصبحت مدته خارج الزمان؟، وعلى اي اساس سيقام هذا الائتلاف؟ وهل الائتلاف قبل او بعد الانتخابات ومعرفة النسب الممثلة؟، ام ستكون هذه الحكومة بالكوتة والترضية؟، ما هو البرنامج وما هي الاسس التي عليها سيبنى عليها التحالف؟ وما هي المرجعيات والدساتير التي سيحتكم اليها القادة والممثلون المتالفون في حالة اختلاف الراي ؟ ، ثم ما العلاقة بين هذه الحكومة ومنظمة التحرير التي تقبع مؤسستها في الثلاجات منتظرة من يعيد اليها الحياة ان امكن؟، ثم ما هي الاستحقاقات من كل ولكل عضو في الائتلاف على صعيد الوزارات والدوائر والوظائف؟، وهل سيزيد عدد المدراء العامون وعدد الاجهزة الامنية والقضاة بما يتناسب مع هذا الائتلاف؟، وهل سيكون لهذا الائتلاف وزارة؟، كيف ستتعامل الحكومة مع نداءات غزة باعطاءها ادارة مستقلة؟، اهي دعوة للاصلاح السياسي ام ماذا؟
اولا– ان كان الهدف من هذا هو الاصلاح السياسي وتقوية الجبهات الداخلية والخارجية عن طريق الوفاق والتوافق، فالاحرى عقد الانتخابات التشريعية باسرع وقت ممكن للتخلص من فقدان الشرعية لهذا المجلس واسترداد الهيبة للنظام السياسي الفلسطيني باسرع ما يمكن، هذا بحد ذاته يقود الى التنوع والتنافس والتكامل والقوة والحكمة والشرعية بدلا من إعتماد المسكنات للازمات المتلاحقة في هذا النظام، فالاصلاح الحقيقي يكون عبر صناديق الاقتراع وغير ذلك هو التفاف مكشوف لن يقود الا الى المزيد من تراكم الاخطاء والكوارث الوطنية. اليابان ضُربت بقنبلتين ذرييتين والمانيا لم يبق حجر على اخيه في الحرب العالمية الثانية، وكلا البلدين رزحا تحت الاحتلال ومن غير شروط. الان كلنا يعرف من هي اليابان رائدة الاقتصاد الاسيوي والمانيا طليعة التصنيع وداعية اوروبا الموحدة. واعتقد ان هاتين الدولتين اعادتا بناء الكيان السياسي والاقتصادي من داخل الصندوق الانتخابي وعليه، فتجارب التاريخ ما زالت شاخصة للعيان، ان الدول التي يتم فيها تداول السلطة بمشورة شعوبها هي الاقدر على البناء الداخلي والذود عن البلد من الطامع الخارجي.
ثانيا- لدي اعتقاد ان الاسباب التي توهمتها السلطة ( الحزب الحاكم) ودفعتها لتاجيل الانتخابات ما زالت قائمة، واكاد اجزم انها ستظل قائمة لفترة طويلة مما يستدعي المطمطة والتاجيل واختراع الاعذار والافكار للالتفاف على هذا الاستحقاق. الكل يعرف ان الاسباب التي ادت الى نشوء ظروف صعبة داخلية في حركة فتح ، وخوفها من حماس وتنامي قوة التيار الديموقراطي المعارض سوف لن تزول بين ليلة وضحاها، هذا ان صح الاعتقاد بان الوقت يضعف حماس وان التيار الديموقراطي الفتي سيتراجع. ان كل المؤشرات تؤكد العكس تماما، فهل يا ترى حكومة الوحدة الوطنية هروب للامام وكسب للوقت؟.
ثالثا- اكثر ما اخافه انه في الايام القليلة القادمة سيصبح مصطلح "مجلس تشريعي فلسطيني" غير قابل للحياة، ولن يكون في متناول اليد ولن يعبر عن ذاته في الحياة السياسية الفلسطينية. واخاف ان يكون اعادة الانتشار في غزة هو الخطوة الاولى فقط من مسلسل القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ومجلسها التشريعي الموقر. اذ ان غزة قد تكون النموذج لما قد يحصل في باقي اجزاء الضفة. اما الخطوة الثانية فهي سلخ الاغوار عن الضفة وتعميرها للمستوطنين القادمين من غزة او مستقدمين من غيرها، ومن لا يصدق فليطارد الحقائق على الارض من جدار في الاغوار وحواجز وتحديد الاقامة وسد الطرق وطلب تصاريح التنقل هناك، اضافة لهدم بيوت الفلسطينيين وردم الابار وسياسة الترحيل المنظمة هناك من جهة، وتشجيع الاستيطان بتقديم الاراضي (الفلسطينية) ومنح القروض والاعفاءات الضريبية وتسهيل العيش والمواصلات والاتصالات للمستوطنين من الجهة الاخرى. اما الخطوة الثالثة فهي قطع الشمال عن وسطه بمستعمرة ارئيل ليكون وحدة منفصلة، وفصل الوسط عن جنوبه بتمدد مستوطنة التلة الفرنسية لتتوحد مع معالي افرايم ، ليصبح الوطن 4 قطع. واما الخطوة الرابعة ان يُصور لنا ان انتخاب 4 حكام لكل كنتون ( غزة، شمال ووسط وجنوب الضفة) هي مهمة وطنية عليا للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، نختار حاكمنا نحن وبارادتنا ولنسميه امبراطورا ان شئنا.
رابعا - الان وبرايي اصبحت الانتخابات مطلب للحفاظ على المجلس التشريعي وللابقاء على وحدة النظام السياسي الذي بدوره مساءل عن الوحدة الجغرافية لهذا الوطن. المسالة اكبر بكثير مِن مَن سيفوز، والمسؤولية اعظم من ان يقوم بها لون واحد والمؤامرة عامة وطامة. حقيقة لقد ان الاوان لهذا الشعب ان يرى قيادته موحدة جامعة للاطياف السياسية كلها من غير استثناء، ممثلة تمثيلا حقيقيا لوجودها في الشارع لا لتسهيل تنفيذ مهمات بعينها، بل لرسم سياسات الصراع والتفاوض (ان بقي هناك حاجة للتفاوض) ووضع استراتيجيات العمل المستقبلي، ولكن مرة والى الابد من داخل وعبر وعلى الصندوق الانتخابي تماما مثل المانيا واليابان.

فلسفة المقاومة

فلسفة المقاومة
بقلم د خالد السيفي
حزيران 2005
إذا أنت تمعنت الأمر قليلا لا بد أن توافقني الراي أن أكثر ما يدمي القلب ويحزّ بالنفس هي طريقة تفاعلك مع حدث ما، لا الحدث بحد ذاته. فلو تعرضت بالصدفة لأمر كنت مظلوما فيه ،ولم يكن أداؤك جيدا في التعامل معه، يصيبك نوع من تأنيب الضمير والمحاسبة التي لا تخلو من الغضب وحتى احتقار الذات، لا لشيء إلا لأنك أدركت أن أداءك كان منقوصا، وتفاعلك مع الحدث كان ممكن أن يكون أحسن. وقد يصيبك الاكتئاب والذهول والتفكر والتعجب! إذ كيف سمحت لنفسك أن ترضى بما حصل؟.
وستكتشف أنك غاضب ليس على الظالم ولا على الخسارة المادية بحد ذاتها، بل على نفسك أنت وعلى الخسارة المعنوية وعن اهتزاز صورتك التي ترسمها وتحددها لنفسك وتحاول إثباتها أمام ذاتك، وهذا شأن دقيق خاص بينك أنت وأنت ( ذاتك)، وقد تُمسك نفسك تحاسب نفسك في خلوات أنت تعرفها وأنا أيضا اعرفها، وأنا متأكد أن كل من يقرأ الآن ليس غافلا عنها، فكلنا عارف وكلنا يناقش ذاته في ذلك المكان الذي ذكرته، وأيضا نعرف هذا الشخص الذي يحاسبنا ولك أن تسميه ما تشاء، فلكل قاموسه ومفاهيمه. المهم أننا شركاء في هذا النشاط الموحِّد.

لا يوجد فرق كبير بين الشخص الشجاع والشخص الجبان. إلا أن أهم ما يميز الجبان انه يستمع إلى مخاوفه ويتبعها، بينما الشجاع يضعها جانبا ويمشي إلى الأمام، فهو يقتحم المجهول رغم كل مخاوفه. وللدقة فقط، الشجاعة لا تعني عدم الخوف، فالخوف موجود يعرفه كلاهما (الشجاع والجبان )، وحالة عدم الخوف هي حالة متقدمة جدا من الشجاعة الفائقة التي تحتاج للتدريب والتأمل والجسارة والمهارة.
أما النقطة الثانية فهي أن الجبان يكون متأكدا من النتائج أكثر من الشجاع، فالذي لا يقاوم جدار الفصل العنصري مستسلم وجازم ومتأكد أن الجدار سيطبق عليه ويخنقه. أما الشجاع فهو يقوم بمحاولة، وهو يضع نصب عينيه احتمال النجاح أو عدمه، ومع ذلك تبقى المحاولة ضرورية.
والنقطة الثالثة في الفروق أن الشجاع في مثابرته وعلى المدى البعيد وبمختلف الوسائل وشتى الطرق منتصرا لا محالة مهما طال الزمن. أما الجبان فيجثم الجدار على صدره ودماغه وقلبه ويسد عليه بصره وبصيرته إلى اجل غير مسمى.
والنقطة الرابعة تخطي حاجز الخوف، وتولُّد لذة للمحاولة مرة تلو الأخرى طلبا لهذه النشوة. نشوة السعي وراء خفقان القلب، والتوتر وتصبب العرق وتسارع النبض وصبابة التعب ابتغاء الانتصار وما يصاحبها من رضى عن النفس والشعور بتحقيق ألذات.
الخائف ميت بالرغم من حركته وتنفسه، فيه شيء عميق خبا وذبل وتيبس. الشجاع حي، تتدفق في شرايينه معاني الحياة، كل خلية فيه نشيطة، كل عضلة مستعدة، كل وريد سالك وكل عصب متوقد، وهو ككل يعمل بنسق وانسجام. والشجاع ليس مقامرا او مغامرا بل مناضلا في تصديه للجدار، مدفوعا بحبه للأرض وعشقه للزيتون وصبابته للغروب ولوعته للأفق واشتياقه للشفق، " الشجاع حي وان خانه العمر وحاضر وان غيبه القبر "
الأحداث لا تستمع ولا تصغي ولا تكترث للمنطق الذي تتبناه أنت أو أتبناه أنا. الواقع له طريقته ومنطقه وتخطُّه أحداثه هو. وهو محصلة وجود كلي للأشياء الجامدة والمتحركة، مساره غير مرهون لا بوعيي انا ولا بوعيك أنت، المطلوب أن تستمع أنت أولا، وتصغي أنت أولا، وتتفهم أنت أولا ما يدور حولك!.

أنا أدعوك أن تنفي شعاراتك الكبيرة وتتخلى عن المزايدات العبثية، وان تسعى لتحقيق الأهداف البسيطة والخطوات المقدور عليها أفرادا ومجموعات، وعدم التكلم كدولة والتخاطب كأمَّة. لا داعي للصياغة الخطابية الرنانة فقد صمت الآذان وعلى مدى العقود من هذا الزمان.
هناك مبدآن للمقاومة مبدأ تشارلز دارون ولاو تسو. الأول يناصر الأقوى والأسرع والاصلب والثاني يدعو إلى التواضع والتفهم ومعرفة الآخر وتحويل نقاط القوة إلى ضعف لدى الخصم، والضعف إلى قوة لدى المحارب.
الأول مثاله الشجرة العملاقة الشاهقة الشاقة لعنان السماء من جذوع وفروع، وجذور ضاربة في الارض مئات الأمتار طولا وعرضا، والثاني مثاله العشب الغض ذو القد النحيل والجذر الضعيف. لأول وهلة تغرينا الشجرة صاحبة الشعار الكبير ونستهين بالعشب الرفيع. إلا أن صمود الحشائش أمام العواصف وتقلبات الطقس أفضل وأقوى واثبت وانجع من الشجر العالي، والدليل على ذلك أن أنواع الحشائش وعددها وانتشارها ودورة حياتها وأماكن نموها في الماء وعلى الصخور تفوق مئات المرات قدرة الشجر.

طريق لاو تسو هو منطق الحياة وطريق دارون هو منطق القوة. ومن قال إن النار هي وحدها سلاح القوة فالتخطيط والتنظيم والحيلة والعلم والصبر والتفاوض والحوار والإعلام والأصدقاء والعلاقات وحركات السلام ومجموعات مناهضة الحرب كلها أسلحة قوة، ومن قال أن الميدان هو ساحة المعركة فقط، فالقدس والجدار والضفة وغزة وبقاع الشتات والمنابر الدولية وأروقة المحاكم ومجالس الأمم المتحدة كلها مواقع اشتباك. وصدق ابن بنانة السعدي عندما قال.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحدوصدق رسولنا الكريم بقوله ""إن المُنبَتَّ لا أرضا قطع ولا
ظهرا أبقى ".