29.12.09

طاقة الجنس...10

المقالة العاشرة
ترجمة د خالد السيفي
السوال الثالث:
أليست التنترا طريقة من طرق الانغماس واشباع الشهوات؟

اوشو: لا، هي ليست كذلك على الاطلاق، بل هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الشّبق، هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الشهوانية واللذّة الحيوانية. ولم توجد اي طريقة اكثر فعالية من التنترا في هذا المجال لمساعدة الإنسان.

كل الطرق الأخرى جعلت الإنسان أكثر تحرّقا للجنس وأكثر انغماسا فيه وأكثر تعطشا له، ولمّا يختف الجنس. كل الديانات جعلته اكثر سميّة، وما زالوا يمارسونه بشكل مشوّه وسام وفاسد. نعم تنامى الشعور في الذنب داخل الناس ولكن لم يختف الجنس.

لا يمكن للجنس ان يختفي لانه من طبيعة حيوية، انه شيء من الالوهة ومن الوجود. ولا يمكن أزالته أو القضاء عليه بمجرد كبته.

أما الشهوة الجنسية فممكن التخلص من سطوتها إذا كنت قادرا على التحرر من طاقتها الكامنة، فتتعالى وترتقي. التحرر من طاقة الشهوة لا يتأتّى إلا بالتفهم، لا بالكبت. كزهرة اللوتس التي تطلق طاقة الحياة الكامنة في بذرتها على شكل جَذر إلى أسفل، أما هي فتسمو وتتشامخ مفارقة الوحل والعفن إلى أعلى.

بعكس الكبت الذي يقود الأفراد الى الانغماس فيه. وما يقوم به الناس الآن هو دفع الجنس الى مناطق اعمق في اللاوعي بطرق مختلفة من صوم وصلاة ولباس وهجر الى الكهوف او الاديرة او الصوامع. هذا يخلق تعطش وشهوة اكثر واحلاما جنونية اشد وأبلى.

لا، التنترا ليست طريق للانغماس الجنسي، هي الطريق الوحيد للتحرر منه. التنترا تقول: يجب تفهم الاشياء ليحدث التغيير من تلقاء ذاته.

وعندما تستمع لي او لسراها، أرجوك لا تسيء فهمنا، لا تستنتج اننا ندعوا الى الاستسلام للملذات وللشهوات والانغماس فيها، فإن فعلت، تكون في وضعٍ مخزٍ ومحرج. استمع لهذه القصة:
يذهب رجل عجوز اسمه مارتن للدكتور لمعاينته، يقول مارتن" اريد ان اطمئن، ماذا بي؟ لدي اوجاع هنا وهنا وهناك، ولا افهم لماذا، لقد عشت حياة طاهرة نظيفة، لم ادخن ولم اتعاطى الكحول ولم اتسكع. دائما كنت آوي وحيدا الى الفراش مبكرا لاقوم صباحا نشطا. أما الآن فانني اشعر نفسي موجوعا ومعتلا". ساله الطبيب "كم عمرك؟" فقال" قريبا احتفل بالرابعة والسبعين عاما"، فقال الطبيب "انك تطوي السنين وعليك تقبل هذه التغيرات الطبيعية، لكن لا تقلق، امامك الوقت كله لتعيشه، فانت بصحة جيدة، واقترحُ عليك ان تروّح عن نفسك فتذهب الى الينابيع الساخنة" وهكذا كان.

هناك، يقابل مارتن عجوزا هرما مقعدا، لكنه يافعا بعض الشيء، فيبادره مارتن " لا بد انك اعتنيت بصحتك جيدا لتبدو كذلك بعد كل هذه السنين، فما هي الوصفة ان لم تمانع؟" فيجيبه الرجل "لا على العكس يا سيدي، فانا اتّبعت وصية ابي عندما قال لي وانا في سن السابعة عشر ان ألْهوَ واتمتع بوقتي، ان اشرب وآكل واتزوج النساء واتسكع وان لا ادخر دولارا واحدا. لقد صرفْت كل ما لدي على النساء والخمر والتّلهّي هنا وهناك حتى وصلْتُ الى هنا". فقال مارتن" ومع ذلك تبدو يافعا بعد كل هذه السنين، فكم عمرك؟" اجاب الرجل" اربع وعشرون سنة فقط".

الانغماس يعني الانتحار، والكبت كذلك. هذان هما قطبا التطرف اللذان حذر منهما بوذا. لذا ابقَ في الوسط، لا مكبوتا ولا منغمسا، كن فقط في الوسط واعيا مراقبا ويقظا ومعتدلا.

انها حياتك، احرص على ان لا تكون مكبوتة، لكن لا تبددها مستهينا ومبتذلا. اهتم بها، أحببها وكن صديقا لها. واذا استطعت ذلك فستكشف لك اسرارا كثيرة وستقودك الى باب الالوهة.

لكن التنترا ليست انغماسا على الاطلاق، ظن المكبوتون دائما ان التنترا انغماسا، لان عقولهم مصابة بهوس شهواني شديد. فمثلا رجل ينقطع في صومعة دون ان يرى اية امراة في حياته، كيف سيصدق ان سراها لم يكن متورطا مع تلك المراة التي عاش معها. سيتساءل ويتعجب كيف يُعقل أن يعيش معها من غير جنس؟ ولا سيما انه كان يتأمل جسدها ومحاسنها. إنه لن يصدق.

لا تستطيع ان تتوقع ما كان يرى سراها في تأملاته. انت تفكر انه كان يمارس الجنس معها. وإذا كنت من المكبوتين فان كل ما فيك من شهوة ستطفو الى السطح، ويبدأ دماغك يغلي بالصور والتخيلات حتى تصبح كالمجنون. وتُسقط كل ما تخيلته على سراها.

هو لم يُقْدِمْ على أي شيء من هذا القبيل، انه ينتمي ويتحرك في مجال مختلف عما تفكر فيه، انه في بُعدٍ اخر وفي فضاء ذو طبيعة غريبة عليك، انك بكل بساطة لا تفهمها، انه حقا ليس مهتما بالجنس.

هو يريد ان يرى ماهية لحظة النشوة تلك، يريد أن يفهمها، وان يتفهم ما هو هذا النداء، يريد ان يكون متأملا لهذه اللحظة كي يجد مفتاح اللغز. ربما يكون مفتاح المقدس موجودا هناك.

وفي الحقيقة هو موجود هناك.
لقد وضعت الطبيعة سرها في الجنس، فهو من جهة يحافظ على استمرارية الانسانية وبقاءها على وجه الارض، وهذا ما يعرفه الجميع. اما من الجهة الاخرى فهو يُمكِن ان يكون طريقا للاتحاد بالابدية اذا كنت واعيا ويقظا ومراقبا لطاقتك الجنسية.

يأتي أولادك من جزء بسيط من هذه الطاقة ، اما بقيتها فيمكن استعمالها لتُدخِلْك إلى السرمدية واللامحدود. طاقة الجنس هي طاقة حية.

عادةً ما نبقى في غرفة الضيوف، في قاعة الاستقبال، اما سراها فقد اراد ان يكتشف ويتجول ويرى القصر كله،.والذين ذهبوا يشتكونه للملك، مؤكدا كانوا مكبوتين، مثل معظمكم.

السياسيون والكهنة يفرضون الكبت على الناس، فيقودونهم الى الجنون، لان حكم المجانين اسهل من السيطرة على العقلاء.

وعندما يكون الناس ملسوعين بطاقتهم الجنسية فانهم سيتراكضون كالمسعورين في جميع الاتجاهات. انهم يعوّضون عن كبتهم بالشراهة الاستهلاكية او بجمع المال او بتحقيق السلطة او ببلوغ المكانة الاجتماعية، يحاولون ان يُظهروا قوتهم الجنسية باشكال اخرى، انهم يَغلون كالمِرجل، يجب ان ينفسّوا هذا الضغط بطريقة ما.

من هنا يأتي الشره بالمأكولات والملبوسات والزينة ويتحول الناس الى مدمنين سلطة وتسلط، للتنفيس عن كاهلهم.

كل هذا المجتمع مهووس بالجنس، وإذا ما طرحنا منه هذا الهوس سيختفي الجنون بالمال وتبعاته.

حينها، من الذي سيهتم بالمال؟ ومن سيهتم بالسلطة؟ لا احد. لا احد يريد أن يصبح رئيسا او وزيرا.....لماذا يطمح؟ لا داع لذلك. الحياة جميلة جدا وكاملة بطبيعتها العادية ومتكاملة بدون زيادة او نقصان.

اذا دَمّرتَ طاقة الجنس لدى الناس وشوهتها وكبتّّها ولعنتها، فأنهم سيفتقدون شيئا مُهِما، بمعنى انهم سيتمحورون دائما حوله. سيبحثون عن المتعة واللذة في الرذيلة، في السياسة وفي السلطة كتعويض عن الجميل والمقدس والفردوس المفقود.

الجنس هو نشاط مُعطىً من الطبيعة ومن الله، من البداية حتى هذه اللحظة. وانت لا تعيش في الحاضر الا عندما تمارس الحب.
وللأسف، حتى عندما تحب فانك تعيش الحاضر فقط لبضع ثوان، لتهرب للماضي او للمستقبل.

التنترا تقول يجب ان تفهم الجنس، وان تحل لغزه.
وأرجو أن تتأمل العبارة هذه: إذا كانت الحياة لا تخرج إلا به ومنه، اذاً فهو يقبض على طاقة مركّزة ومكثَّفة ذات وزن نوعي ثقيل من الحيوية، وهذا يعني أن فيه أكثر مما يبدو عليه.
وهذا" الأكثر مما يبدو عليه" هو المفتاح الى الالوهية والابدية واللامحدود.

انتبه هنا جيدا: إذا كانت استمرارية النوع الإنساني معتمدة على الجنس وقيمته الحيوية، فهذا يعني أن للجنس منزلة عالية ومقدسة وسامية، ويتمثل هذا بان الحياة لا تخرج إلا منه وبواسطته، وهذا يعني أن في طاقة الجنس ما هو اكبر وأعمق وأثمن وأقدس من مجرد شهوة يجب إشباعها أو كبتها.
أي انه ما زال في الجنس معان وأسرار أكثر مما يبدو عليه، أي انه أرقى من وطر أو لذة توجب التعامل معها. هو يختزن في مكنونه أكثر مما يَظهر منه ويَلوح لنا.

وهذا ما تدعو التنترا إلى اكتشافه، وهذا ما حاول سراها الوصول إليه.
OSHO-Talks on The Royal Songs of Saraha

21.12.09

لا تراقبي احدا!...9

المقالة التاسعة

ترجمة د خالد السيفي


السؤال الثاني:
بعض الأحيان - وانا اراقب الناس واراهم يكررون ويعيدون نفس الخدع والأساليب القديمة – تذبل عيني وينفطر فؤادي أسى وحسرة وسخرية. واعتقد ان سبب ذلك هو انني أرى وأدرك ألاعيبي وخِدَعي. وعندما اسمع صوتَك في أذني يقول "حسنا، عليكِ تقبل هذا، وعليك ان تحبي نفسكِ، وليس هناك مشكلة" يدفعني ذلك الى الجنون.
فقط...اعني، اذا قلتَ الان هذه الكلمات مرة اخرى سأصرخ. الم أكن أفضل واسعد عندما كنت اتوهم ان هناك هدفا اسعى لتحقيقه؟.

اوشو يتجاوب معلقا: السؤال من ديفا اناندو، وهو سؤال مميَّز. وقد يُوجَّه لي من أي شخص حاضر هنا في القاعة، وهذا السؤال يواجه كل باحث عن الحقيقة ايضا .

أول جملة تقول " وانا اراقب الناس واراهم يكررون ويعيدون نفس الخدع والأساليب القديمة – تذبل عيني وينفطر فؤادي اسىً وحسرة وسخرية".

رجاءً لا تحاولي مراقبة الناس، هذا ليس من شانكِ، من أنتِ لتراقبي؟ من نصّبكِ عليهم؟ من أنتِ حتى تحكمي عليهم؟ واذا ارادوا ان يلعبوا العابهم القديمة وشعروا بالسعادة بألعابهم، فما شانك انتِ؟

هذا الهوس بالحكم على الآخرين يجب ان يتوقف. لانه لا يفيدهم اولا، ويؤذيكِ ثانيا،... فقط هو يؤذيكِ.
لماذا انتِ منزعجة من ألاعيبهم؟ ألاعيبهم ليست لها علاقة بكِ.

قد يكونوا سعداء في ان يبقوا في القديم المتعفن ويتلذذون في العيش على المنوال ذاته. انها حياتهم ولهم الحق في ان يعيشوا فيها كيفما شاؤوا. اعرف،.... لديكم ميل ان لا تدعوا الآخرين يعيشون حياتهم الخاصة كما يريدون. وانتم تحاكمونهم وتحكمون عليهم بطرق كثيرة، فحينا تنعتونهم بانهم آثمين، واحيانا تبعثونهم الى النار، ومرات اخرى تجرمونهم.

تقولين انك تعبة من هذا، واتعجّب لمَ انت تعبة من ألاعيبهم. دعيهم هم يتعبون من الاعيبهم، او يستمرون ان أرادوا فهذا خيارهم، ورجاء لا تراقبي الآخرين.

ربما مراقبتكِ للآخرين وعدم رضاكِ عنهم هي خدعة تمارسينها بدلا من مراقبتِك لنفسك. هذا ما يحدث دائما وله علاقة بالخدع النفسية.

نحن نُسقط على الاخرين ما لدينا. فاللص يظن ان الذين حوله لصوص، والمتآمر يظن ان كل من حوله يحيك مؤامرة للايقاع به. هذا كله لحماية "الأنا" الشخصية لدى كل واحد منكم. "الانا" يشعر بالتحسّن عندما يرى الاخرين اسوأ منه.
والمجرم ايضا يفكر ان العالم مليء بالمجرمين، فهذا يسهِّل عليه اجرامه ويريحه، فيستمر في القتل دون تأنيب الضمير. هكذا، نرى في الاخرين ونُسقط عليهم ما لا نريد ان نراه في انفسنا، اننا نسقط عليهم صفاتنا وحقيقتنا، وهذا ما ادعوه أنا أقدم الألاعيب.

كنتِ تلعبين هذه اللعبة لحيوات عديدة؛ إسقاط نقائصك على الاخرين لتشعري بالراحة، وطبعا كان لزاما عليك ان تضخمي الأمور وان تبالغي في ذلك. فاذا كنتِ لصة صغيرة فالاخرون لصوصا كبارا، انتِ تضخمين نعوت الاخرين السيئة لتبدي بجانبهم معتدلة، وترتاحين، وبالمقارنة معهم ستكونين شخصا أفضل.

ولهذا السبب يمضي الناس بقراءة الصحف، هم لا يبحثون عن الاخبار الجديدة، لان الجرائد ليس فيها إخباريات، وان كانت فهي قديمة، بل كله متكرر ومتعفن، هم يبحثون عن اعمالهم وعن أمثالهم؛ من سرق، ومن قتل، ومن خدع ، ومن سُجن، ويبحثون عن انفسهم في الفضائح والدسائس.

قراءة كل هذا يشعركِ بالراحة لتقولي " انا لست سيئة للغاية، هناك من هو اسوأ مني، على الاقل انا لم اسرق بعد، نعم افكر في ذلك ولكنني لم اسرق، التفكير بالجرم ليس كارتكابه!" بعد ذلك تشعرين بالراحة، ومن يشعر بالراحة سيبقى كما هو ولن يتغير.

رجاء، لا تراقبي احدا، هذا لن يفيدك. ابذلي طاقتك في مراقبة ذاتك. مراقبة الذات شيء مُطهِّر وعظيم جدا. اذا راقبت نفْسِك ستتغير اشياء كثيرة. فمثلا، اذا راقبت غضبك ستلاحظين مع الوقت انه سيفقد طاقته، فلا يجد ما يتغذى به، وتدريجيا تشعرين انه لم يعد كالسابق، ومع استمرار المراقبة له يذوي حتى يتلاشى....شيء ما قد مات فيه.

إذا راقبت ذاتك، ستلاحظين أن كل ما هو سلبي فيك... سيختفي ، وسينمو وينتعش ويحيا كل ما هو ايجابي. وستحل السعادة محل التعاسة، لدرجة انك ستندهشين أن نوعا من أنواع الفكاهة بدأ يتسلل الى روحك. أحيانا ستضحكين بدون سبب. وكذلك ستختفي من وجهك تجاعيد الكشرة والعبوس، وتصبح الحياة لعبة اذا راقبت نفسك... فقط.

عندما تركزين طاقتك في مراقبة ذاتك، ستستنتجين ان الجدية ليست ذي صلة، ورويدا رويدا تصبحين مُحبِّة بريئة واثقة بالاخرين وغير شكاكة.
لا اقول ان ثقتك بالناس ستُحترم دائما، لا..........ليس هذا ما اقصده. بل ممكن ان تُخدعي اكثر من السابق، لان من يثق بالناس يكون عرضة للخداع اكثر من غيره. لكن عندما تصمد ثقتك فانها ستتقوى وتتمتّن وتترسخ.

وعلى سبيل المثال، عندما تخسرين نقودا ، فان قيمة أغلى بقيت لديك ألا وهي الثقة، وشيء غير قيمة قد ذهب وهو النقود. فلو احتفظت بالنقود وتجاوبت مع الشك، لخسرت الأغلى وبذلك تكون الخسارة أعظم وأعمق واشمل من حيث لا تحتسبي.

من يسمعني يظن أنني أدعو الى تسليم نفسك للآخرين، ليس هذا ما اقصده، فليس لي في الآخر مأربا.
معروفٌ أن أحدا لم يعش سعيدا بالمال وحده، ومعروف ايضا انه اينما حلّت الثقة عاش الناس وكأن الله بينهم. نعم، المال قد يوفر بعض الراحة ولكن لا علاقة له بالسعادة. واختيار الراحة بدل السعادة يمكن وصفه بالسخف والسفه.

نعم، يبدو أنني أدعو إلى عيشٍ خطر... هذا صحيح، ورأيي ان حياة راكدة ما هي إلا موت مريح.

من الممكن العيش برتابة لكن هذا، ايضا، موتا بطيئا، فتذوُّق طعم الحياة الحقيقي والشعور بأوج السعادة لا يكون الا على قمة الأشياء او في وسط المشعل... بين طرفيه الملتهبين، هناك تستطيعين تذوق كثافة اللذة الحقيقية.....ولو لبرهة. لكنها سعادة كلية وشاملة، وهذا لا يتأتّى إلا من خلال مراقبة الذات.

مراقبة الذات هي احدى اعظم الطرق للتطهّر والتسامي.
ابدأي بمراقبة ذاتك ولا تضيّعي طاقتك في مراقبة الاخرين، انها مضيعة للوقت والجهد. افهمي انه لا احد سيشكرك لمراقبتك له، انه عمل غير مشكور، وأي شخص تراقبينه سيشعر بالاهانة. لا أحد يحب أن يُراقَب. وكل فرد يحب ان يعيش خصوصياته وعاداته الجيدة او السيئة، الحميدة او المشينة دون رقيب.

ثم من أنت لتتدخلي، إنها حياتهم وهم احرار فيها. واذا احبّوا ان يمارسوا القديم من الألعاب والخدع فهذا ليس من شانك. اذا اول شيئ تتعلمينه هو ان تكفّي عن مراقبة الاخرين ووجّهي طاقتك لداخلك.

تقولين:" وعندما اسمع صوتك في اذني يقول - حسنا، عليكِ تقبّل هذا، وعليك ان تحبي نفسكِ، وليس هناك مشكلة، يدفعني ذلك الى الجنون".

اما انا فاكرر ، وأقول إنه لا وجود للمشاكل. أنا لم اعثر على مشكلة حقيقية حتى الان. لقد استمعت لآلاف الناس الذين شاركوني في "مشاكلهم" ولم أجد أي مشكلة. واعتقد انه لن تكون اي مشكلة في المسقبل ايضا.

لانه لا يوجد لشيء اسمه مشكلة. المشكلة هي شيء مصطنع، صناعة فكرية. هناك أحوال او ظروف او حوادث، أما المشاكل فلا وجود لها.

المشاكل هي تفسيركِ انتِ للظروف او الاحوال النازلة، هي تعريفاتكِ للاحداث الحيادية. نفس الحدث قد لا يكون لاحدهم مشكلة بينما لا يكون للاخر هو كذلك. وفي بعض الاحيان يشكِّل حدث ما مشكلة لك تحت ظروف معينة، ونفس الحدث وفي ظروف مغايرة لا يشكل اي مشكلة.

اذاً هذا يعتمد عليك! هل تصنعين او لا تصنعين مشكلة، لكن المشكلة ليست هناك، وليس لها وجود وهي من صناعة الإنسان. في المرة القادمة عندما تواجهين "مشكلة"، ضعي نفسك جانبا وانظري اليها من الخارج. ضعي بعض الطاقة في ملاحظتها ومراقبتها، ستلاحظين انها تتقلص. واذا جحظت بها وسبَرتِ أغوارها ستصبح اصغر واصغر، وستأتي لحظة تتلاشى عندها هذه "المشكلة"، وفجأة سترتسم ابتسامة عريضة على وجهكِ.

عندما تواجهكِ مشكلة في المرة القادمة، انظري اليها من الخارج فقط . المشاكل خيالية، فتأمّليها وقلِّبيها ستختفي لانها شبح. لانك اردتِّها هي موجودة، انت طلبتها لذلك أتتْك، انت دعوتها ولبّت هي الدعوة.

أنا اعرف، لا يحب الناس ان نستصغر اختراعاتهم، ويمقتون توصيفنا لصعوباتهم بانها ليست مشاكل. ويشعرون بعدم الاحترام والإهانة إن فعلنا ذلك. بل، على العكس سيشكروننا اذا استمعنا ل"مشاكل"هم، وسيشعرون بتحسن اذا أكّدنا لهم أنها مشكلة عويصة، ستكون غبطتهم لا محدودة.

هكذا اصبح اطباء النفس اهم الاخصائيين في هذا القرن، مع انهم لا يساعدون احدا على الاطلاق. ربما طبيب التحليل النفسي يساعد نفسه بالاستماع الى مشاكل الناس! واؤكد انه لا يستطيع ان يساعد احدا ومع ذلك يستمر الناس بالذهاب اليه، وهو يواصل الاستماع لهم ويقبض نقودهم، الناس تستمتع....... وهو يتقبل ذلك ويستمع.

مهما احضرتِ له من "مشاكل" سيتقبلها بخشوع وباخلاص وكانه فعلا هناك مشاكل. ويبدأ بتحليلها وحلها وعلاجها، ويقضي سنوات في حلها ولا يحلها، لانها اصلا غير موجودة! الى أن تملِّ أنتِ منه ومنها، وتخترعين مشكلة جديدة لتتخلصي من القديمة، فتعلني انك تعافيتِ فتشكريه ظانّة انه خلّصكِ من المشكلة. وانا اقول لك ان الوقت هو الذي فعل فعله لا اكثر ولا اقل.

عندما يحضرون مجنونا الى دير لرهبان الزن "Zen"
[1] بهدف علاجه، يضع الرهبان هذا المجنون في زاوية في كوخ صغير بعيدا عن الدير، ويحضرون له الطعام والشراب قائلين " اجلس هنا بهدوء"، بكل بساطة، لا احد يتحدث معه، ولا احد يلهيه عن مراقبته لمشكلته. لا احد يقلق لأمره ما دام ما يبقيه على قيد الحياة متوفرا له. وما ينجزه اطباء النفس في ثلاث سنوات، ينجزه الرهبان خلال ثلاثة اسابيع.

الرهبان يتركونك مع مشكلتك وحيدا، فكيف لا تتأمّلها وتتفحصها، انك لا تستطيع ان تتجنب التدقيق والتمحيص والتحديق بالمشكلة. لا تحليل من اخصائيين ولا من مستشارين، لا تَلَهّي ولا استعجال ولا تشويش او تشويه، فقط انت تركز في المشكلة، فتموت هذه المشكلة لتخرج بعد ثلاثة أسابيع لتقول "نعم لقد انتهت المشكلة".

المحلل النفسي يبقيها ثلاث سنوات، وهذا يعتمد ايضا على ما لديك من مال ووقت، واذا كنت غنيا جدا فقد يستمر العلاج طول العمر، أي هذا يعتمد على قدرتك في تغذيتها. الناس الفقراء ليست لديهم هذه الرفاهية، لذلك يتعاملون مع مشاكلهم بطريقة ابسط واسهل واسرع، الاغنياء يستمتعون بهذه اللعبة، ويتناسب استمتاعهم طرديا مع ضخامة "المشكلة".

في المرة القادمة عندما تواجهكِ ما تعتقديه حقيقية "مشكلة"، تأمليها راقبيها واجحظيها، لا تذهبي الى مستشار لتحليلها، لان أي تحليل لها هو انحراف عن المسار الصحيح، وأي سؤال - بماذا وكيف - سيحرف انتباهك عن المشكلة الآنية ويجعلك تغوصين في احداث الطفولة ومشاكل أمك وأبيك وعلاقتك بهما، وعندها تلاحظين ان الامور انقلبت راسا على عقب وانك تشتتِّ تماما. الان أصبحت لا تراقبين ولا تنظرين الى المشكلة بل الى كل شيء ما عداها.

التحليل الفرويدي هو تمرين ذهني بحت، لا يفيد. لا تذهبي في البحث عن اسباب للمشكلة، ليست هناك حاجة لانه ليس هناك سبب، لا تذهبي الى الماضي، لا حاجة له لأنه يلهيك عن المشكلة الحاضرة.

فقط انظري للمشكلة في حدود الحاضر الآني، ولا تفكري في الاسباب والمسببات، فقط راقبيها كما هي، وستُدهشين أن التركيز بالطريقة هذه سيجعل المشكلة تختفي، واذا بحثت عنها فلن تجديها.

المشاكل ليست موجودة بل نحن نخترعها، لاننا نتوهم اننا لا نستطيع العيش بدونها وهذا هو السبب الوحيد الذي نخلق من اجله مشاكلنا. ان يكون لديك مشاكل يعني ان يكون لديك مشغولية، مع المشاكل يشعر الشخص انه موجود وهناك شيء ممكن ان ينشغل فيه.
عندما لا يكون هناك مشاكل انتِ تشعرين بالعزلة والفراغ... لانه سيظهر سؤال: ماذا افعل؟ ليس لدي عمل! كل المشاكل انتهت،.......... وماذا افعل الان؟.

فقط تخيّلي يوما تختفي فيه كل مشاكل الناس، سيصبحون في حيرة، سيغضبون جدا ويلومون الله، وسيدّعون ان هذه ليست راحة او سعادة، ماذا يفترض ان يعملوا!،.... لا مشاكل.

ولان الغضب سوف لن يُفرَّغ في شيء اخر، سيتراكم في داخلِك، وستشعرين بالخمول والخبل. انت تتوهمين ان المشاكل مهمة وضرورية لكِ لكي تتحركي او لتتفاخري او تتشاكي او حتى لتبني آمالا وتتمني وتشتهي وتحلمي، هي تخلق امكانيات غير محدودة لتبقيكِ مشغولة.

التأمُّل الذي أدعو اليه، بالضبط هو عكس ما تمارسينه انتِ. ان تتأمّلي يعني ان لا تكوني مشغولة. العقل المتأمِّل هو العقل غير المشغول؛ هو العقل الذي يستمتع باللحظة غير المشغولة، أي يستمتع بغياب المشاكل.

ابدَئي الاستمتاع ببعض اللحظات غير المشغولة، حتى لو كنتِ تشعرين بوجود مشكلة "حقيقية"، وانا ما زلت مصرا انه لا مشاكل، مع انكِ انت تشعرين بوجودها، نحِّي المشكلة جانبا وقولي لها " انتظري، هنا الحياة ، كل الحياة هنا، سوف احلّك لاحقا، لكن الان اعطِني بعض اللحظات غير المشغولة"، استمتعي بهذه اللحظات وستكتشفين فجأة الحقيقة القائلة : انكِ انتِ مَن صنعتِ المشكلة لانك غير قادرة على الاستمتاع باللحظة غير المشغولة.

وستدركين أن المشاكل هي اختراعات لتعبئة الفراغات والفضاءات في اوقاتنا. هل لاحظتِ نفسكِ?، عندما تكونين لوحدك في البيت، وليس لديك ما تفعلينه، كيف تبدئين بالتململ وتشعرين بالقلق وعدم الراحة، ستديرين الراديو، او التلفاز، او تدخنين، او تقرئين الجريدة للمرة الثالثة، او تستلقين لتنامي وتصنعين احلاما لتبقيك مشغولة.

هل لاحظت انه يصعب عليك ان تتواجدي عندما لا يكون لديك ما تعمليه، تتوهمين انه صعب ان تكوني بلا مشاكل...... ببساطة تتوهمين انه صعب جدا عليكِ ان تتواجدي بدون مشغولية.

اقولها مرة اخرى، ليس هناك مشاكل يا اناندو، انظري لحقيقة انه لا يوجد مشكلة. واذا اردتِّ ان تتلذذي باختراعك للمشاكل، فهذا شانكِ انت، استمتعي بها مع كل تعاطفي وبركاتي لكِ، لكن الحقيقة انه ليس هناك مشاكل.

الحياة ليست مشكلة، انها لغز لتعيشيها وتستمتعي بها.
لكنك تصنعين المشاكل لانك تخافين الاستمتاع بالحياة. المشاكل تعطيك حماية ضد الحياة، ضد المتعة، ضد المحبة. تخدعين نفسك وتحاولين إيجاد مسوغا لعدم الفرح فتقولي "كيف استمتع ولدي كل هذه المشاكل، كيف أحِبّ وانا لدي كل هذه المشاكل، لا ، لا استطيع، كيف استطيع ان اغني وارقص، مستحيل".

وسوف تجدين مئات الاسباب لكي لا ترقصي وتغني. مشاكلك تمنحك الفرصة والمعقولية لتتجنبي الفرح والرقص. ولكن تفحصي المشكلة وستجدين انها خيالات وأوهام. حتى اذا شعرت ان مشكلتك حقيقية، انا اقول حسنا.

ولماذا اقول حسنا؟
لانه في اللحظة التي تقولين فيها حسنا، تختفي المشكلة، اي في اللحظة التي تتقبلين فيها المشكلة، تختفي المشكلة، لانك قطعت عنها الطاقة اللازمة لاستمرارها. المشكلة تبقى مشكلة طالما استمريت بانكارها ومقاومتها ورفضها.

عندما تقولين " انه لا يجب ان يكون الامر هكذا" تتقوّى المشكلة وتتعنّد. لكن ، متى تقبلتِها فانك تبدئين في حلها. واكرر، ما لم تتقبليها لن تجدي حلا لها ولن تتخلصي منها.
يأتي الي الناس مع مشاكلهم فأقول "حسنا، حسنا جدا، تقبّل ذلك" واقول "ما عليك الا ان تتقبل هذا وتحب نفسك".

وانا افهم اناندو عندما تقول " ان صوتك يقودني الى الجنون اذا استمريت بقول حسنا تقبل ذلك واحب نفسك" وهي تقول " اذا قلت ذلك ساصرخ".

انا اقول لها، لقد كنتِ تصرخين طول حياتك، وسواء صرخت الان ام لم تصرخي فهذا لن يغير شيئا، وهذه ليست نقطة الخلاف. الحقيقة انتِ لم تعملي شيئا غير الصراخ، حيناً بصوت عال، احياناً بالسّر، لكنك كنتِ دائمة الصراخ.

انا ما زلت ارى الناس يصرخون باصواتهم او بقلوبهم او بطريقة عيشهم. وهذا لن يساعد احدا. وتستطيعين الصراخ ولكن هذا لن يساعدك.

بدلا من الصراخ حاولي ان تفهمي، حاولي ان تري ما اقوله، وما اقوله ليست نظريات ، بل إنها حقائق. وانا اعتقد انها حقائق لانني اعيشها، وطالما انني لا اواجه مشاكل، فما المانع ان تكوني مثلي لكي تختفي مشاكلك، انا لا ارى مشاكل ولا اعتبر الصعوبات مشاكل، فما المانع لديك ان تري الامور مثلي.

انا انسان عادي مثلك وما المانع ان تكوني مثلي،.......... هذا هو التحدي، وانا لا ادّعي اي شيئ خارق او غير عادي، انا انسان مثلك.

الفرق بيني وبينَكِ انكِ لم تقولي حسنا لمشاكلكِ. بينما انا قلت لها حسنا أكيدة وقطعية. انا لا احاول تحسين ذاتي كما تفعلين وقلت لنفسي " إن عدم الكمال هي طريق الحياة"، انت تحاولين ان تكوني كاملة وانا تقبلت نواقصي، وهذا هو الفرق الوحيد بيننا. لذلك ليست لدي اي مشاكل.

اذا تقبلتِ نواقصك فمن اين ستاتيك المشاكل؟
اذا قلت حسنا لما يحدث، من اين ستاتي المشاكل؟
اذا قبلت محدوديتك فمن اين ستأتي المشاكل؟

المشكلة تنبع من عدم تقبلكِ لذاتك، انت لا تتقبلين نفسك كما هي وهذه هي المشكلة. وانتِ لن تقبلي نفسك لذلك ستبقى المشاكل ملازمة لك.

هل تتخيلين يوما ما انك ستتقبلين ذاتك على حالها وعلى علاتها؟.
اذا كنت تستطيعين فعل ذلك، فلم لا تفعلي ذلك الان، ماذا تنتظري؟ ومن تنتظري؟. انا قبلت بذاتي، ومنذ تلك اللحظة اختفت مشاكلي، كل القلق اختفى. ليس لانني اصبحت كاملا، بل لأنني استمتعت بنواقصي وعدم كمالي، لا احد ابدا يستطيع ان يكون كاملا، لان الكمال يعني الموت. الكمال مستحيل لان الحياة أبدية ودائمة ومتغيِّرة وفيّاضة وسيّالة.

لذلك، يكون المخرج الوحيد امامكِ مما تدعيه من مشاكل هو القبول والاستمتاع بالحياة كما هي، وفي هذه اللحظة وبقدر الإمكان. لان اللحظة القادمة هي وليدة اللحظة الآنية وتكون اسعد منها، واذا داومتِ على هذا ستصبحين سعيدة. لا لانك تحسّنت وتطورت بل لانك عشتِ اللحظة، عشتِ الان.

انتبهي ستبقين غير كاملة ومحدودة، ودائما سيكون هناك امكانية لخلق المشاكل ان اردتِ، حالا. وايضا توجد امكانية لعدم ايجادها، انتِ من تختاري. تستطيعين الصراخ ولكن هذا لن يساعد! وهذا ما كنت تفعلينه طوال الوقت ولم يساعد.

حتى العلاج بالصراخ لم يساعد. هذا النوع من العلاج يسمح للناس بالصراخ ليشعر المرء بالتفريغ بعض الشيئ، ان الصراخ كالاستفراغ يُشعرك ببعض التحسن، ببعض التحرر من الاعباء.

لكن تختفي هذه الراحة بعد بضعة ايام قليلة لتعودي كما كنت لتراكمي مشاكل وضغوطات غيرها. وما لم تفهمي كيفية الكف عن صنع المشاكل ستخترعين منها اكثر واكثر.

تستطيعين الانتساب لمجموعات المؤازرة او مجموعات الصراخ او اي مجموعة تفريغ، وهم كُثر، وبعد كل جلسة ستشعرين بالعظمة، لانك اسقطت بعض احمالك وهمومك، وافرغت بعض ما في راسك، لكنك لم تسقطي الالية التي تصنعين بها مشاكلك، انك لم تغلقي المصنع الذي يتم فيه انتاج المشاكل. وستعودين الى العادة القديمة.

واذ الم تتفهمي هذا كله، فانك ستستمرين في التنقل من مشكلة الى اخرى ومن مجموعة الى اخرى ومن طبيب الى آخر باحثة عن راحة سريعة عابرة. افهمي، كل ما احاول عمله هو اجتثاث المشكلة من اساسها، من جذورها. رجاء لا تخلقي المشاكل فهي غير موجودة.

وآخر شيء تقوله اناندو "الم اكن اسعد عندما ظننت ان هناك هدفا أحققه؟"
نعم لقد كنتِ اسعد.... ولكن أتعس ايضا.
لان سعادتك كانت تدور حول الأمل ولم تكن سعادة حقيقية، ولماذا اقول انك كنت سعيدة وتعيسة في نفس الوقت؟، لانك كنت سعيدة في المستقبل وتعيسة في الحاضر.

لكن كيف تكونين سعيدة في المستقبل؟ الهدف والأمل هما في المستقبل وليسا في الان. المستقبل لا يحضر ولن يحضر، سيبقى مستقبلا ومستقبِلا، اي على بُعد.


تعيسة هنا وسعيدة هناك.
كلمة "هناك" لا وجود لها، لان كل شيء يقع في ال"هنا"، دائما في الهنا. واي مكان هو هنا والآن. اكرر لا وجود لكلمة "هناك" وهي فقط في القاموس، وضِمناً تعني "بعد"، لكن الموجود هو الان. "بعد" غير مُعاشة الان وقد لا تأتي ابدا. نعم انتِ سعيدة بأحلامِك، بأفكارِك عن الهدف ، سعيدة بتفكيرك في المستقبل الجميل، ولكن لماذا يفكر المرء بالمستقبل؟ لانه تعيس في الحاضر.


انا لا افكر في المستقبل الجميل، لا استوعب ولا افهم كيف سيكون المستقبل اجمل من الان. انظري للخدعة...الوجود سيكون اجمل في المستقبل؟، انها خدعة من الفِكر مرة ثانية. للتفكير في المستقبل يعني ان تهرب من الحاضر كي لا تنظر فيه.
كل ما هو موجود، موجود الان.

انتِ على حق، كنتِ اسعد،.......... نعم اسعد في احلامك، اما الان انا بدّدتُ لك احلامك، وانا افعل هذا بكل ما أوتيتُ من قوة، وقضيت على آمالك وبكل الطرق التي اعرفها، ولم يعد امامك مخرج، انا احاول ان ارجعكِ الى الحاضر، كنت تتجولين في المستقبل وانا أشدِّك لترجعي الى الان وهنا.

أنتم تغضبون مني بعض الأحيان، لأن أخذ الامل من الناس شيئ صعب، ويسبب لديهم الغضب والإحباط، لقد سلبتكم آمالكم وأحلامكم، ولانكم مدمنون على الاحلام يُهيئ لكم انني مخلّصكم، وهذا وهم آخر وأمل آخر. كثيرا ما أسمع " ان اوشو سوف يقوم بتخليصنا من اوهامنا" وهذا وهم اخر. واسمع " انا الان مع اوشو ولا داعي للخوف، عاجلا ام اجلا ساتنوّر واتسامى".

رجاءً كفوا عن هذا، التنور ليس امل، والتنور ليس أمنية، وهو ليس في المستقبل. التنور يعني ان تعيش الان وهنا.

انا احاول ان "انوّركم" كل يوم ولكنكم تقولون "غدا"، وانا اقول كما تشاؤون، ولكن اعلموا انه لن يحدث أي تنوير لأحدكم غدا. إما الآن والا فلا. الآن حلِّق... هكذا... بكل بساطة، اعتبر نفسك غير موجود ،واختفِ، لا تسال كيف، لأنك ان فعلت ذلك فانك تخترع امل. لذا لا تسال كيف، ولا تقولوا "نعم سنتسامى" لا داعي للقول او التفكير.

فقط يجب ان تكون واعيا للّحظة، ومراقبا لذاتك،........ لحظة وعي واحدة، لحظة إدراك ويقظة واحدة، صدمة واحدة...... وتصبح حرا. كل يوم احاول ان اجعلكم ترتقوا وتتنوروا، ولكنكم مصرّون على اللعب واللهو باحلامكم.

كنتِ سعيدة، صحيح، وكنت ايضا تعيسة. الان لقد اخذتُ منك سعادتِك الوهمية لأنكِ لن تستطيعي الحلم أكثر. واذا تكرّمتِ اسمحي لي ان آخذ منك تعاستك ايضا. لكن اولا يجب ان تختفي سعادتك ومن ثم تعاستك، لان تعاستك هي ظلٌ لأملك وأحلامك. لذا يجب القضاء على املك في السعادة المستقبلية لتختفي تعاستك الآنية.

اصرخي ما شئت، لكنني ساعيد هذا القول ألف مرة ومرة.اناندو، لا يوجد مشاكل، فقط عليك تقبل ذاتك ومحبة نفسك...نعم....فقط .


[1] -Zen أو "زن" أعلى مراحل تطور البوذية. بدأت البوذية في الهند وانتشرت، تطورت في الصين لتصبح "التاو" او "Tao" ، ولاحقا تطورت إلى أوجها في اليابان ليصبح اسمها الزن.


Osho, Talks on the Royal Songs of Saraha

15.12.09

لماذا لا اتغيّر؟....8

المقالة الثامنة
ترجمة د. خالد السيفي

احد الحضور: اوشو، مهما تقول، انا موافق معك، ومع ذلك لا اشعر انني اتغيّر واتنوّر، فما السبب؟

اوشو: ربما موافقتك لي هي السبب في عدم تغيّرك وتطوّرك وتنويرك، المسألة هي ليست ان توافقني او تخالفني. المسألة هي ان تفهم. لان الفهم أعلى وأرقى من الموافقة او المخالفة، الفهم يتجاوزهما الاثنين. عادة، عندما توافقني تظن انك فهمتني، لكن الخدعة هي انك لو فهمتني لما كان هناك حاجة لان توافق او تختلف معي.

انتبه، الموافقة والاختلاف يكون حول النظريات وليس حول الحقائق، كيف تتوافق مع الحقيقة؟ او تختلف معها؟ عندما تشرق الشمس هل تتوافق او تختلف معها، ستقول ان هذا ليس له علاقة بما نتحدث فيه.

أنت عندما توافقني على ما قلته، فانك في الحقيقة لا توافق معي، بل تشعر انني اؤيد النظريات التي تحملها في داخلك. وكلما شعرت ان اوشو يدعم ما عندك تظن انك موافقا معي. لكن عندما أقول ما يناقض الذي في جعبتك فانت في مشكلة، عندها لا توافقني، فترفض ان تنصت لي ولا تريد ان تُكْمِل، وتغلق نفسك.

المسالة ليست موافقتي او الاختلاف معي، رجاءً دعك من هذه الممارسة، لانني انا هنا لا أروِّج لنظرية، ولا اهدي لدين او لفلسفة ولا ابحث عن أتباع. انا في الحقيقة ابحث عن تلاميذ وعن طلاب... وهذا شيئ مختلف.

الطالب يصغي وينصت ويصمت ليتعلم، انه نظام مفتوح، وكذلك التلميذ. اما التابع يوافق ولذلك فهو مغلق. الطالب لا يمكن ان يغلق نفسه لان هناك كثيرا ليتعلمه. الطالب ليس لديه "الانا Ego " لذا فهو لا يُنكر ولا يوافق، هو يستوعب ويمتص ما اقوله. بينما الانا عندك كبير ونمرود ويحاكم ويتفحص ما أقوله.

لم يتنور احد من خلال الموافقة والرفض لانهما ممارستان ذهنيتان وسطحيتان وثقافيتان.

لكي ترتقي انت بحاجة لان تفهم فقط، وهذا يبدو لي انه صعب. الفهم بحد ذاته تنور وتغير وتطور. وهنا ملاحظة مهمة جدا لعملية الفهم والتفهّم، إذا تم الفهم فأنت لست بحاجة لان تعمل اي شيء بعد ذلك. الكل يقول : انا فهمت والان يجب ان امارس، وانا اقول ان الامور ليست كذلك.

اكرر وأقول : ليس المقصود ان تفهم أولا... ومن ثم تمارس العمل... لا. الفهم الحقيقي يدخل الاعماق ويفعل فعله بدون مساعدتك، كالدواء، انت لا تفعل شيئا بعد اخذ الدواء.انت لا تحتاج ممارسة ايَّ شيئ بعد الفهم.

الموافقة كالاختلاف كلاهما سخيف، لانهما من نسج العقل، والعقل مخادع، لا تدري ما يقصده بالموافقة، ولأفصح سأستعرض ثلاثة مشاهد للتوضيح:

المشهد الاول: تموت الام وتترك وليدها للاب ليعتني به ويكرس حياته له. يذهب الابن الى الجامعة، ويكتب رسالة لابيه محتواها " انا بخير، انا في فريق الجامعة لكرة القدم، انا حصلت على "أ" في التاريخ". قرأها الاب وشعر بالضيق وكأن شيئا ليس على ما يرام...من لغة الأنا المتفردة عند الابن.

كتب الاب لابنه " انا ربيتك وصرفت كل ما املك في تعليمك، ولم اذهب الى الجامعة، وكنت أعتقد قبل رسالتك اننا شخص واحد، فارجوك ان تكون لطيفا في لغتك معي". فهم الابن أن أباه يريد أن يشاركه في الانجازات، فكتب لاحقا في صيغة الجمع " لقد لعبنا البارحة وكسبنا، وحققنا "ا" في الفيزياء، ونحن نبني مستقبلا جيدا".

فرح الأب بهذه اللغة وشعر كأنه مع ابنه في الجامعة وتأكد بذلك من انتماء ابنه. وتمضي الأيام....، وفي يوم من الايام يصل تلغراف من الابن مفاده " لقد تسببنا بمشكلة لابنة مدير الجامعة، لقد حملت بتوأم، والبارحة وضَعَت، مات ابني، فماذا انت صانع بابنك الثاني".

العقل يعمل كمحامٍ ويمارس الدفاع: تستطيع ان توافقني لكنه يبقيك كما أنت، ويقنعك أن من واجب اوشو أن ينوّرك، وما عليك الا ان توافق فقط، وتظن هذا يكفي، وسوف يلقي عقلك اللوم عليّ اذا لم تتنور، وهنا مربط الفرس، انت توافق وانا الملام لعدم تنورك.

الذي تسمعه ليس نفس الكلام الذي اقوله، انت تسمع بطريقتك، تسمع من خلال تفسيرك وماضيك وذكرياتك ومعارفك والضغوط التي تقيِّدك. انت بكل بساطة تسمع من خلال عقلك، وهو يلوِّن كل ما يسمعه ليغيره ويجعله متوافقا معك. يُسقط شيئا ويضيف شيئا ويؤوّل ويملأ الفراغات ويضخِّم ما يريد. ويحتفظ بجزء مما قلت، والجزء لا ينوّر، فقط الكل الكامل هو الذي ينور.

يبقى الكل كليا وكاملا ما لم توافق وتخالف. أيْ ما لم يتدخل دماغك ليفاضل ويقارن ويمايز، لذا ضع عقلك جانبا ليبقى ما قلته كاملا لينورك. وأيُّ مجهود في التوافق والتخالف يعني أنك تحكّم العقل فيما تسمع، أليس هو الذي يوافق ويخالف؟. الفهم شيء اكبر من العقل. الفهم شيء من الوجود ومن صلب الحياة، يشملك من عقلك حتى اخمص قدميك.

الفهم شيء كلي، الفهم من اختصاصك كلِّك ويحتاجك كلَّك، أما العقل فهو جزء بسيط منك، ولأنه دكتاتوري يوهمك ويتظاهر بأنه الكل في الكل.

المشهد الثاني:
كان هناك رجل اعمال شاب، اخذ زوجته الى باريس، وبعد ان تسكع معها في المتاجر استاذن بيوم راحة وحصل عليه. ذهبت هي للتسوق وذهب هو للقهوة. تعرف الى باريسية جميلة جدا، تجادلا حول السعر، اصرت على خمسين دولارا، بينما هو استعد لدفع عشرة دولارات فقط، وهكذا لم يتفقا وافترقا.

في المساء اخذ الرجل زوجته الى احد المطاعم الفاخرة، واذا بالباريسية الجميلة الجالسة على طاولة بالقرب من الممر تلمحه، فانتظرته حتى مرّ من جانبها فهمست له" على قدر ما دفعت حصلت".

كن حذرا، يكون المشهد حسب الزاوية التي تنظر منها ، وبناءً على مرجعياتك تفكر، ما تسمع هو تفسيرك. انت توافق مع صداك وليس معي. وما دمت توافق مع افكارك فكيف ستتغيير. لذلك مستحيل ان تتغير، ارجوك كف عن الموافقة، فقط انصت لي.

موافقتك قد تكون خدعة لحماية نفسك من الصدمة، هي بمثابة مخفف صدمات. انا اقول شيئا وانت توافق مسرعا، وهكذا تتجنب الصدمة. الاختلاف والموافقة كلاهما يقطع تواصلك وتفاعلك معي. لو لم توافق معي لربما صُدمت واصابتك الدهشة حتى جذورك... وتنورت، هذه الموافقة تقطع الطريق على الدهشة.

نحن اخترعنا كثيرا من الدفاعات ضد الصدمات، هذه الدفاعات هي التي تمنع تغيّرك. لتتغير يجب ان تُصعَق، ان تُذهل، ان تهتز، ان ترتجف، ان تستغرب وتخاف. ولا أُخفيك انه شعور مؤلم ويتجنبه الكثيرون، لكنه الطريق الى التغيير. كلٌّ من الموافقة والاختلاف مريح ولا يؤلم.

من يريد ان يكون بقربي ويفهم ما اقوله ويتواصل معي يجب ان لا يوافق وان لا يختلف. يجب عليه ان ينصت،...فقط ان ينصت...انصات صافي...انصات مطلق بدون اي محاولة للتفسير، ان يدع اناه جانبا ويفسح لي الطريق.

المشهد الثالث:
يُسهب الاب في وعظ ابنائه عن الاخلاق والسلوكيات الحميدة، فيسأله اصغرهم " اصحيح انك لو امسكت باللص لسلمته للشرطة لتسجنه"، يجاوب الاب "نعم... نعم بالتأكيد"، ويستمر في حديثه، يقاطعه نفس الولد قائلا " وإذا ضبتني اسرق من محفظة نقودك، اتسلمني للشرطة كي تسجنني"، فيجيب الاب " طبعا لا يا ولدي، مستحيل"، يتململ الاخ الاكبر ويميل على اخيه السائل ويهمس في أذنه " ألم اقل لك ذلك، وانت كنت خائفا".

كل ما توافق عليه او لا توافق معه هو مجرد اساليب لتقاوم التغيير وخِدَع لتبقى كما انت. واستطيع ان اجزم ان كل ما يعمله الناس هو مقاومة التغيير، مع انهم يدّعون " انا لا اريد ان اعيش حياة تعيسة" لكنهم ماضون في عمل وتكرار ما يضمن ويسبب لهم الشقاء، انهم يقولون " انا اريد ان اتغير" لكن بفحصي لاعماقهم ، هم لا يريدون ان يتغيروا قيد أُنملة.

في الحقيقة، عندما يُبدون رغبة في التغيير هم يتحايلون فقط، لكي لا يتغيروا، وبذلك يستطيعون الاعلان " انا حاولت، وانا اصرخ واقول انني اريد التغيير، ولكني لا اتغير، فماذا استطيع ان افعل؟!".

هنا انتبه: أقول انك لاتستطيع ان تتغير، ليس انت من "سيغيرك"، بل فقط تستطيع ان تسمح للتغيير ان يحصل، وهذا فرق كبير. بمحاولاتك التغيير لن تغير شيئا. قل لي من الذي يحاول؟ إنه القديم، انه ماضيك!.
انتبه للمنطق في هذا النقاش، انت تحاول تغيير نفسك. كالذي يحاول ان يجر نفسه من رباط حذائه، وهذا لا يقدّم ولا يؤخر. انت لا تستطيع تغيير نفسك، لان السؤال يبقى من الذي يحاول التغيير، انه ماضيك الذي يحاول، انه انت.

المطلوب منك: فقط أن تسمح للتغيير بالحدوث، وماذا تستطيع ان تفعل لتسمح بذلك: ان لا تحاول ان توافق معي او تخالفني رجاء. فقط انصت، كن هنا لتفهم.

دعني اكون الوسيط، ان انقل لك العدوى، وان تلتقط المرض الذي اعاني منه، وان تسري اليك الحمى التي بداخلي، اسمح لي فقط. السماح لي يعني ان تحرر ذاتك من نفسك، ان تتحرر من اناك، ان تستسلم للّحظة التي تعيشها معي.

الشخص الذي يوافق هو تابع. المريد او طالب التغيير، هو الشخص الذي لا يتبعني، وهو لا يكون طالبا اذا وافق معي، لانه لو فعل يصبح تابعا وعبدا. مثل اتباع المسيح الذين وافقوا معه، لكنهم هم لم يتغيروا. او مثل اتباع بوذا الذين لم يتغيروا. الا ترى ان الناس في هذا العالم يبحثون دائما عن احد ليتبعوه.

اذاً، ان تَتْبع يعني ان تتجنب التغيير. رجاء لا تتبعني، بكل بساطة انصت لما يحدث هنا، انظر ماذا يحصل. فقط اسمح لي بالدخول اليك حتى تستطيع طاقتي ان تعمل على طاقتك، فتشعر بي، وتهتز وترتعش على ترددات عالية الفولتاج.... حتى ولو كان ذلك لبرهة.
ما ارمي اليه لا يتأتّى فقط بالأعمال الفكرية، بل هي علاقة شمولية وجودية تكاملية واتحاد.

هذه اللحظات ستجلب التغيير لك وهي بمثابة اطلالة سريعة على التنوير. هذه اللمحة ستُعلمك انه هناك ازلية وأبدية وخلود فوق الزمن الذي يمكن تجاوزه. هذه اللحظات ستفهّمك ما هو التأمل. في هذه اللحظات ستتذوق ما هو الله، التاو، التنترا او الزن.

الموافقة تعني ان ماضيك هو الذي يقوم بذلك، بينما الذي يقوم بالانفتاح والسماح لي بالدخول هو مستقبلك. الماضي مات وانقضى، إدفنه. ليس له معنى الان، لا تستمر في حمله، انه احمال زائدة وغير ضرورية. بسبب هذه الاحمال لا تستطيع التحليق عاليا.

ماذا تقصد عندما تقول" انني موافق معك"، هذا يعني ان ماضيك هو الموافق، ماضيك يشعر بالرضى ويهز راسه موافقا ويقول " نعم هذا ما كنت دائما اعتقده". هذه طريقة لتجنب المستقبل، كن حذرا.
ان تكون معي بالرغم "عنك" هو التحليق، دع بعض الشعاع يتسرب اليك وسترى ماذا سيحدث. ستدرك ان كل ما عشته لم يكن حياة، وان ما عايشته كان وهما وانك صحوت من كابوس طويل. لحظات الاطلالة على الحقيقة ستهشم وتنسف الماضي وتبدده، حينها ستعرج عاليا، وهذا يكون حاصلا تحصيلا وبشكل تلقائي نتيجة الفهم.
Osho "Talks on The Royal Songs of Saraha"

5.12.09

أنت الاثبات..7


ترجمة د خالد السيفي

اوشو يشرح الاشعار الملكية لسراها التي رقّصت الملك والملكة
1- انحني للسيد مانجوري
2- انحني للذي قهر الحدود

في البيت الأول يوجه سراها التحية لمعلم البوذية المكرّم مانجوري، فمن هو مانجوري. انه احد تلامذة بوذا المهمين. اصبح كثير من تلاميذ بوذا معلمين مبدعين، كل بطريقته. مانجوري كان موهوبا بالتخاطب والتأثير بدون كلمات، كان يستطيع ان يفهم ويقرأ الافكار ويوصلها باقل عدد ممكن من الكلمات.

كان صارما بتدريبه للاخرين لدرجة أن المشاكسين والصعبين من التلاميذ كانوا يُبعثوا اليه ليصقلهم. كان قاسيا وعطوفا في نفس الوقت، وسريعا في هدم الطالب واعادة بناءه، لذلك لُقّب بالسيف القاطع القادر على القتل بأسرع ما يكون. اشتهر هذا المعلم في التراث البوذي التعليمي ولذلك يقدم سراها له الاحترام .

في البيت الثاني ينحني فيه محييا بوذا الذي قهر الحدود فاصبح لا محدودا وخالدا.

3- كصفحة الماء جلَدَها الريح
4- فتحولت الى أمواج متدحرجة
5- هكذا يفكر الملك في سراها
6- بطرق شتى مع أنني واحد

هنا يجب تخيّل بحيرة هادئة، مياهها راكدة، ثم تهب عليها ريح عاتية لتثير أمواجا متلاطمة معكرة الصفو والسكون، وتتكسر صورة القمر المنعكسة على صفحة الماء ، لتصبح آلاف الصور على وجه آلاف الامواج. هنا يضيع الاصل فلا تستطيع تمييز الصورة الحقيقية بفعل رقرقة الماء وصخبها.


هذا هو العقل الدنيوي الذي تعصف به رياح الوهم لتضلَّه عن الحقيقة، أما بوذا
[1] فهو واع حذر لا يدع عقله يذهب مع التصورات والأوهام.

تلك الرياح هي الرغبات، والتي إن ثارت بدون كبح فإنها ستخلِّف أحزانا وغصة في القلوب. هذه اللوعة بدورها تشوش الدماغ، فيعجز عن عكس الواقع الحقيقي للأشياء والأحداث من حولنا. هل لاحظت ان التخلي عن الرغبات يحرر القلب ويضفي عليه الراحة والخفة والسلام.

والحديث هنا موجه للملك الذي تشوش بفعل الاشاعات التي اثارها الجهلة حول سراها، لدرجة انه لم يعد يراه واحدا بل صورا يصيغها المغرضون. وعليه انقسم قلب الملك لقسمين: الأول ما زال يحبه ويحترمه، والثاني مرتاب ومتشكك من افعاله. هؤلاء المكبوتون والمتزمتون لم يفهموني فأثاروك ضدي. لا توجد طريقة لتفهمني الا اذا أوقفت هذا الهذيان والصور ورأيتني واحدا غير مجزّئ. أنا أمامك انظر إلي، إني هنا.

7- بالنسبة للأحمق والأحول
8- المصباح اثنان
9- المشاهِد والمشاهَد واحد...آه العقل
10-يعمل فعله فيهما

أولا مثَّلَ عقل الملك بالبحيرة االهائجة، والآن يشبهه بالأحول الذي يرى الأشياء مزدوجة. ويذكّره أن الشخص غير الواعي يرى الاشياء على غير حقيقتها، بل ويذعن للتصورات والأوهام . إن ما يمنعنا من رؤية الاشياء الخارجية بوضوح هي الغشاوة الكثيفة الماثلة أمام رؤيتنا الداخلية.

المشكلة أننا تعودنا على تصديق كل ما تقع العين عليه دون مساءلة وتمحيص، كيف لا نصدِّق ونحن نعتمد النظر طوال حياتنا ونثق فيه حتى ولو كان سطحيا. جعلك هذا الحول تظن انك مفصول عني، لذا أصبحت واهما وغير واع ولا تفهم ما تراه.

الحقيقة انني وانت متوحدان. لكن لتفهمني يجب ان تدخل حدودي، اي تجرب ما انا فيه، اي تشاركني التجربة، عندها يكون الراقص ليس سراها، بل أنت، والنشوان ليس انا بل انت. لا تحكم عليَّ من الخارج، لا تكتفي بالفرجة. لن استطيع إخبار احد وإقناعه إذا ما اكتفى بدور المتفرج، فالمشهد من الداخل ليس نفسه من الخارج. الداخل والخارج عالمان مختلفان .

11- المصباح اشتعل في البيت
12- وبقي الاعمى في الظلمة
13- ومع ان العفوية عمّت واطبقت
14- بقي المشوَّش بعيدا عنها



انا الان تنوّرت، وادركت، واضاء ما فيّ، انا أُشع نورا، لم اعد راؤول الذي عرفته، لقد اطلقت سهم الوعي الذي وصل الهدف. ماذا استطيع ان اعمل اذا كان احدهم اعمى لا يرى، رغم النور المشتعل في البيت. الخطأ ليس في المصباح بل في الأعيُن. لا تستمع لعميان البصيرة، إصحَ وانظر الي، انا امامك، انا أُمثِّل العفوية وقريب منك جدا، المسها امسكها اشربها.

تستطيع الرقص معي وتفرح حتى النشوة ، فانتهز الفرصة التي قد لا تسنح مرة اخرى. انهم يتحدثون ويقرؤون عن الاشياء العظيمة كالتنوّر والأخلاق والمُثل العليا. يقرؤون حِكَم بتنجالي
[2] ويتفاخرون بمعلوماتهم، لكن إن حدث وتجلّت أمامهم هذه العظمة لا يفهموها بل يصبحون ضدها ويقاوموها. وهذا اغرب شيء في الإنسان.

اوشو يشرح: الإنسان حيوان غريب، يقرأ عن الحكماء مثل بوذا فيُعجَب به، لكن ان صادفه وجها لوجه، فانه لن يصدقه وسيصبح عدوه. لماذا؟! لانك عندما تقرأ، تكون أنت المسيطر والمتحكم ببوذا في كتابك، لكن عند المواجهة معه، تدرك انه ليس تحت سيطرتك، بل على العكس قد تقع في قبضته فتخاف وتقاوم وتهرب.

واحسن طريقة للهرب هي ان تُقنع نفسك ان الرجل الواقف أمامك مجنون وفاقد لعقله. قد توجه آلاف الانتقادات للبوذا، لانك احول واعمى ولا تفهم، وتعصف الرياح بعقلك من كل صوب، لهذا تتصور ما تريد. لكن سراها تنور واصبح بوذا.

هم لا يرون هذا الانجاز، بل يركزون على مطلقة السهام لانها من الطبقة العامة؛ الخسيسة والمنبوذة الممنوع الاقتراب منها
[3]. ولانه من الاشراف فحرام عليه الاقتراب منها، فما بالك في الأكل والعيش معها، فهي خطيئة.
ويعيش في المقبرة حيث القاذورات والجماجم والاموات، انها ردة وهرطقة. مكان البرهمي المعبد او القصر وليس محرقة الاموات.

لم يتعرفوا عليها، ولم يصيبوا الحقيقة، و لم يستوعبوا "انك لا تفهم الحياة الا اذا فهمت الموت". عندما تتأمل الموت تفهم ان الذي يموت هو المادي والزائف، فالميت هو الذي يموت، اما ما هو حي فيبقى حيا لا يموت، وبذلك تستمر الحياة بعد الموت. لفهم هذا يجب ان تخوض التجربة.

لقد نشروا الشائعات وضخّموها، وانت تعرف ان لا سيطرة على المبالغات في النميمة. وممارسات التنترا تثير آلاف الأسئلة والشكوك لمن لا يريد الفهم، ولقد عابوا على الورد حمرته. فمثلا تأمُّلُ جمال المرأة لفترة طويلة، والتعمق في ملامحها ومحاسنها تجربة يجب الخوض فيها للقضاء على الشهوة الجسدية، التي تسيطر على عقول هؤلاء المتعففين، تأمُّل الشكل مدخل لأعماق الجوهر والتحرر منه. هذا ما لم يفهموه.

في دماغهم هم يُعرّون أية امرأة تسير في الشارع وما زالوا يدَّعون العفة. هم يثيرون زوبعة إنني مارست النظر بينما هم وقفوا عند التصور ويدَّعون انهم الافضل. انا تخلصت من الشهوة، فلم اعد اعيرها اهتمامي ولا انتباهي، لا تخطر على بالي حتى في احلامي.

وهم ما زالوا يحملون جسدها اينما ذهبوا في حلهم وترحالهم. هم اسقطوا عليّ ما في خلدهم بناء على مرجعياتهم المكبوتة والمقهورة. فهذا علم له اصوله وتعاليمه.

15- ومع ذلك قد يكون هناك انهار كثيرة لكنها متوحدة في البحر
16- ومع ذلك قد يكون هناك اكاذيب كثيرة لكنها مهزومة امام حقيقة واحدة
17- عندما تشرق شمس واحدة تتبدد كل الظلمة
18- مهما كانت حلكة العتمة

انظر إليّ فالشمس قد اشرقت، واعلم، مهما كانت حلكة الظلمة حولك، فإنها ستتبدد، انظر اليّ فالحقيقة وُلِدَت فيّ. قد يكون هناك الاف الاكاذيب لكن الحقيقة واحدة وكافية لتتغلب عليها جميعها، اقترب مني فقط، ودع نهرك يصب في محيطي لتتذوق طعمي.

اوشو يعلق: الحقيقة واحدة، فقط الاكاذيب عديدة، الصحة واحدة والامراض كثيرة. وكما الصحة تهزم الامراض جميعها، كذلك الحقيقة تهزم كل الاكاذيب. في هذه الأبيات الاربعة، يعزم سراها الملك ليدخل عالمه الباطني، لقد فتح له قلبه. ويقول سراها، انا لست هنا لأقنعك بالمنطق، بل لاقناعك بالتجربة.

ليس لدي اي اثباتات ولن ادافع عن نفسي. فقط ادخل قلبي لترى ماذا حدث من العفوية ومن التقرب الى الله. وتذكر، ان الروحاني ليس لديه اثباتات، هو نفسه الاثبات، يحمل قلبه لتراه.

ويستمر اوشو موجها خطابه للمستمعين: هذه الكلمات حررت صدر الملك من ما اعتمل بداخله بسبب الوشاية، وتستطيعون ان تنظفوا صدوركم اذا تعمقتم بمضامينها. اما الآن فباب الاسئلة مفتوح.
[1] - كل متنوّر هو بوذا
[2] -الحكيم الذي اخترع اليوغا
-[3] حسب التقسيم الطبقي الهندوسي يقسم المجتمع الى اربع شرائح - الكهنة – الملوك والاشراف – المهنيون – العامة المنبوذون


"OSHO" The Royal Songs of Saraha