2.4.12

حكمة الشرق وطريقة تفكيره....70

د خالد السيفي
السؤال كان وما زلنا نجاوبه "لقد تكلمت في لقاءاتك السابقة عن " اللامشكلة"، أي عن عدم وجود المشاكل. أنا تربيت في بيت كاثوليكي وكانت عائلتي محافظة وقمعية، وتم تدريسي اثنتي عشرة سنة في مدرسة مجنونة من نفس النظام. فهل تقول إن كل هذه المعاناة والكبت والاضطهاد الذي تعرضت له على جلدي غير موجود. وحسب قولك أنها ممكن أن تُنسى الآن وحالا. وماذا عن آثارها التي ما زالت تعشش في عقلي وجسمي ودمي؟
"
هذا سؤال ممَيَّز ويبرِز طبيعيتي التفكير المختلفتين للإنسان(الغربي والشرقي).
الطريقة الغربية والسائدة الآن __ هي أن تفكر في المشكلة لتجد أسبابها عن طريق تحليل تاريخها للوصول إلى جذورها، لإعادة التكيّف أولا، ومن اجل اقتلاع آثارها من الدماغ والجسم ثانيا.
هذا يتم عن طريق التحليل السيكولوجي (العقلي)، الذي يغور في الذاكرة وينبش في الماضي حتى ما قبل الطفولة. انه يتحرك للخلف ذهابا وإيابا.

حركته هذه هي التي تخلق المشكلة.؟؟!!...........هذا ما قلناه في السابق وشرحنا الطريقة الغربية في التفكير،:

أمّا للشرق الأقصى (الصين، الهند، وآسيا الشرقية) حكمة وطريقة مغايرة كليا في التطرق للمشاكل.
أولا: يقول الشرق أن لا وجود للمشاكل مهما كانت مهمة.

ثانيا: أنَّ الحدث يصبح مشكلة نتيجة تعلقك به وشخصنته، أيْ عندما يصبح جزءا من مكونات هويتك. ليس لمشكلة مضت، أو لحدث قادم مستقبلا، أيُّ علاقة بما تعانيه الآن أو في المستقبل. العلّة مصدرها من انك بنيت هويتك على ما سمّيته مشكلة، وهذه الهوية أصبحت من معتقداتك واكتسبت مصطلح الحقيقة والواقعية.

ثالثا: اجترار الوهم يمنح ويغذي شكواك بالطاقة ويمدّها بالعند والمعاناة.

رابعا: أنّ أيَّ حدَث (مشكلة) هو حيادي ولا يستهدفك أنت.

خامسا انتبه: إذا فهمت كيف يحوّل دماغك الحدث الحيادي والعادي إلى مشكلة، ومن ثم كيف يحوّل المشكلة إلى هوية، أقول إذا فهمت هذه النمطية....اختفت المشكلة، وهذا هو الحل.

وعلى سبيل المثال: أنت شخص غضوب، وتذهب للمحلل النفساني، وحسب الطريقة الغربية سيقترح عليك ما يلي" يجب أن نغوص في الماضي... كيف ومتى بدأ الغضب، عوامله وشروطه ومورثاته، ومتى بدأت الأعراض تتعمق فيك وتترك آأثارها في الدماغ والعضلات. ويقترح عليك أن ينظف لك كل هذه الآثار، وان يقتلع جذورها من النفس والدماغ والجسد، أي يجب محو ماضيك كليا لأنه مصدر تعبك. هكذا هو العلاج الغربي.

أمّا الشرقيون فلهم مدخل آخر: إذا ذهبت إلى حكيم ممن يتقنون هذه العلوم فانه سيقول " انك تعتقد انك غضوب، وأنت أقرنت شخصيتك بهذا الاعتقاد وصبغت هويتك بهذا اللون فأصبح الغضب مشكلة...وهنا الخطأ. ويكمل الحكيم ويقول: في المرة القادمة عندما يبدأ الغضب راقبه، شاهده، انتبه إليه، حدّق فيه وكأنه حاصل مع شخص أخر، وكأنك أنت الشاهد على العرض. كأنك تشاهد مسرحية، وكأن الغضب حاصل للمثل وليس لك، لا تتفاعل معه، لا تتلوّن ولا تتأثر به، لا تقل أنا غاضب، لا تتلوث به.

وسيتابع الحكيم: انظر إلى فكرك من خلال وعيك، أيْ انظر إلى شخص آخر، أنت لست معتقداتك. أنت وعي صاف كالسماء، وغيوم الغضب تلك مؤقتة، دعها تمر بسلام من تحت وعيك، أنت الناظر اليها من عل. ونصيحتي لك أن تبقى متيقظا لكي لا تسهو فتغفو فتنام فتغرق، أي تنجرّ وراء الغضب فّتُعَرِّف شخصيتك به فيغدو مكونا من هويتك.

كل الموضوع يلف ويدور حول تجنّب شخصنة الحدث الحيادي وجعله مندغما في الهوية الذاتية.

إذا تعلّمت هذا المفهوم لمرة واحدة، فسينسحب على جميع "مشاكلك". وهو بمثابة مفتاح لكل العُقَد: مثل، الغضب، الغيرة، الشهوة، الجشع أو كل ما يتعامل معه دماغك أو يكون مصدره. وفي هذا الخصوص يقول جارجييف أنّ " المفتاح لكل مشاكلك هو تذكُّر الذات، لا تنسى من أنت، لا تكن مسعورا". أما الحكيم فيقول " كن واعيا وصاحيا لتتجاوزك الغيمة".

ربما تأتي الغيمة من الماضي،...فطبيعي أن يكون لكل الأشياء ماض، نعم أنها لا تأتي من العدم، وهي تأتي من متواليات لأحداث حدثت في الماضي، لكن هذا لا يعني شيئا، وليس هذا هو النقاش المطروح. النصيحة هي لماذا التّقيّد بشيء آت من الماضي والعيش مشلولا في الحاضر. وافهم انّ ما تدعوه "هوية" ما هو إلّا تاريخ ماضيك، فلا تجعل معاناتك هويتك، تحرر.

الآن تستطيعين الانفصال عن "المشكلة" بقطعك الجسر مع الماضي. ولا يمكن فعل ذلك إلا في الآن.

وأكرر: الغوص في الماضي لن يفيد ولن يساعد. منذ ثلاثين عاما وأنت تلوكين ما حصل لك فأصبح هويتك. الآن يجب أن تُنهي الموضوع وتتخلصين منه.

كيف؟!.... باتخاذ قرار أنْ لا علاقة لك به، وإذا فعلتِ سترين أن السلسلة تتفكك تدريجيا وتختفي ولا يعود لها اثر.