22.12.10

طاقة التأمل.57

المقالة السابعة وخمسون
ترجمة د خالد السيفي

طاقة التأمل.. و..وحدة الأضداد
الذليل نبيل..و..الوضيع رفيع

مثلُ ماء البحر المالح الذي بعد
التبخّر يتحوّل إلى ماء عذب في السُّحب
هكذا العقل الواعي لدى البعض
مِن الممكن أن يحوِّل خِدَع الحواس إلى رحيق

لا تستطيع شرب ماء البحر، انه أجاج، وان فعلت سيقتلك. لكن الغيمة تستطيع تناول الماء من المحيط وتحويله إلى زلال. وبعدها يتأتّى لك شربه عذبا سائغا فراتا.

سراها يقول – التأمّل يعمل فعل الغيمة. طاقة التأمّل كطاقة السُّحب. التأمّل يستطيع الارتقاء بأحوالك اليومية المتغيّرة والمتعثرة عن طريق تحويل وجودك المادي إلى روحي، فتصبح تجاربك الصعبة متعة، وتمسي عذابات طموحك الجامح نشوة. هنا تتأكد بنفسك أن الحياة ممارسات وجدانية ووجودا عذبا، بحيث يتبدل طعمها اللاذع إلى ما يشبه الإكسير.

أما جنسانيّتك الحيوانية وشهوانيتك البهيمية فممكن لها أن تتسامى لتغدو طهارة وعفّة وجمالا إن استطعت خلق غيمة التأمّل من حولك لتمخر عليها في سماء وعيك.

بوذا المعلم سمّى قدرة التحويل هذه بـ" القانون الأساسي". بواسطة التأمّل تَسقطُ الأفكار السوداوية، وتهوي الشهوات الغاوية والعاوية، ويخبو الطمع المسيطر،....................... وبالتدريج تشرئبّ يقظتك ويتوقّد لهيب وعيك. هذه النار ستعقّم جراثيم شبقك وجشعك، وتصهر كل صدأ نواقصك لتغدو نظيفا لامعا.
بواسطة التأمّل يصبح كل ما هو حقير عزيزا.

وهذا هو موقف التنترا الأساسي: أنه يمكن تحويل ما هو مادي إلى فكري، وما هو غافل إلى عاقل وكل ما هو فاع إلى واع. ومن الممكن أن يرتقي الوضيع فيصبح رفيعا والذليل نبيلا، بحيث يغدو كل ما هو شهواني شريفا وربّانيا.

الفيزياء الحديثة تتكلم عن تحوّل الطاقة إلى مادة، أو تحويل المادة إلى طاقة. في الحقيقة كلا المادة والطاقة من طبيعة واحدة، وهي تتمظهر في شكلين مختلفين أو تؤدي وظيفتين مختلفتين، ويبقيان مظهران لواحد.

6.12.10

الحقيقة خارج الـ أنا والـ هُوَ والـ أنت.56

المقالة السادسة والخمسون

ترجمة د خالد السيفي


هناك قصة: جاء نفر من الناس لرؤية بوذا، وبقي أناندا – التلميذ المقرب من بوذا – ينتظر في الخارج. وقد أطالت الجماعة اللقاء مع بوذا، فانزعج أناندا وقلِق. مما اضطره إلى إلقاء النظر عدة مرات والاطمئنان على معلّمه، وهو ما زال يرى القوم هناك.


وأخيرا وبعد طول تفكير وتردد قرّر أن يدخل ليتبيّن طبيعة النقاش الدائر ويتحرّى حقيقة الأمر. وكم كانت دهشته عندما لم يجد احدا هناك غير بوذا وقد جلس وحيدا، فتسائل أناندا: " أين القوم، أنا لم أرَ أياً منهم يغادر، وأنا احرس الباب الوحيد للخروج، ولا من مخرج الاّ عبري، فأين هم ؟ ماذا حدث؟.

فقال بوذا" إنهم يتأمّلون".


إنها قصة جميلة. جُلّهم دخلوا حالة التأمّل، تلك الحالة التي لم يكن قد تعرّف إليها اناندا بَعد. فهو لم يكن من المتأمّلين حينها. لم يكن على دراية بهذه التجربة ولم يَخبُر الظاهرة العملية منها.


إنها ظاهرة تحوّل الطاقة عند المتأمّلين.

لم يكن القوم موجودين كأجساد أو كعقول. هي حالة التحوّل من الوجود الجسدي والعقلي إلى الوعي الروحاني الكوني الموحَّد والموحِّد المتجاوز والمفارق للمادة. لقد تركوا مادّياتهم وانطلقوا، كانوا في حالة اختفاء الـ "أنا". أناندا كان يبحث عنهم من زاوية الـ"هو". والحقيقة في بُعْدٍ وإحداثياتٍ خارج نطاق الـ"الأنا" والـ"أنت" والـ"هو".



جاء احد الملوك الى بوذا. فقد أقنعه رئيس وزراءه بذلك. لكن هذا الملك كان شكاكا.. لأنه مثل السياسيين يبقى خائفا.. والملوك عادة هم كذلك.

كان الملك كارها أن يأتي لمقابلة بوذا في البداية، فهو ملك وبوذا شحّاذ. إلاّ أنّ المرحلة أصبحت لا تحتمل أن يستمر بتجاهل بوذا، فقد سرت إشاعة أن الملك ضد بوذا، في الوقت الذي أصبح فيه كل الشعب بوذيا.



قرر الملك الذهاب لرؤية هذا البوذا..من باب الدبلوماسية فقط، وتجنبا للحرج السياسي أمام الشعب.



عندما اقترب الملك من البستان الذي كان يُقيم فيه بوذا وتلاميذه العشرة ألاف، ارتعدت فرائصه فاستلّ سيفه متجمدا في مكانه ومخاطبا رئيس وزراءه: لقد اقتربنا كثيرا من الغيض، وأنت ذكرت أن عشرة آلاف من أتباع بوذا يعيشون في هذا البستان، أنا لا اسمع أي صوت، فعشرة آلاف شخص كفيلون بان يسمعوك همهمتهم من على بعد أميال، بل أن عشرة أشخاص ليصخبون صخبا يصل الينا في مكاننا هذا، نحن اقتربنا كثيرا ولا اثر لضجة....انه هدوء قاتل...لا بد أن في الأمر مكيدة...واعتقد أن هناك كمين لقتلي".



ضحك الوزير مجيبا "ضع سيفك جانبا، إنهم لن يقتلوك، انت لا تعرف بوذا ولم تتعرف على جماعته، فهم لا يؤذون حشرة، لا تخف، فقط تقدّم ليس هناك أي خيانة أو مؤامرة ولا يحزنون."


لكن كسياسي وقلِق وشكاك..دخل الملك البستان متأهبا لأيّ طارئ ويده على مقبض سيفه في غمده ...



فجأة بانَ ما لم يكن في الحسبان، عشرة آلاف تلميذ جالسون في صمت وفي حالة تأمل، كأن لا احد هناك.



قال الملك مصعوقا "يا الهي!! عشرة آلاف شخص؟ ماذا حدث لهم، أخطبٌ ألمَّ بهم؟ أما زالوا أحياء؟! إنهم يبدون كالتماثيل في سكونهم وسلامهم هذا، وماذا يفعلون هناك؟ لا بد أنهم يفعلون شيئا".



فقال بوذا " نعم إنهم يفعلون، لكن هذا الفعل ليس له علاقة بالخارج، إنهم يعملون شيئا في عالمهم الداخلي. إنهم خارج ماديّاتهم، وخارج أجسادهم، وخارج عقولهم. إنهم في مركز وجودهم، متحدّين مع مصدر طاقتهم وروحهم، إنهم في بؤرة الحياة.




في الحقيقة هم ليسوا بعشرة آلاف من الأفراد الآن، إنهم شخص واحد في وعيهم.

30.11.10

حقيقة الروح ومصدر الخلاف.55

المقالة الخامسة والخمسون

ترجمة د خالد السيفي

الروح كالتّيار الكهربائي، تمدّ الأجهزة على اختلافها بالطاقة نفسها...الكهرباء. راديو، تلفزيون أو مروحة، ومهما كانت الوظيفة التي تلبيها هذه الأجهزة، فيها نفس النوع من الطاقة المشغّلة، إنها الكهرباء. وهي تأتي من خارج البيت ... إنها من المولّد...من المصدر.. وهو واحد لجميع الأجهزة على اختلاف الصفات والمهمات والأنواع.

إننا جميعا نتاج نفس الطاقة ، وجوهرنا حقيقة واحدة،.. لكن مظاهرها مختلفة.

من هنا تستطيع ان تستنتج ان "ارواحنا" هي نفس الروح... روح واحدة، .....ليست مختلفة ولا متعددة!!!.


ونحن نعيش الوجود، نستمد أرواحنا من نفس المصدر الواحد، نحن نشرب من نفس المحيط.

فالروح التي بداخلنا هي نفس الروح الحاضنة لنا.

نعم أجسامنا مختلفة وطموحاتنا مختلفة، ومعاناتنا وعذاباتنا متنوعة... ولكن الروح التي تسري في أجسامنا هي نفسها.....واحدة.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين يا ترى يأتي اختلافنا؟ ومن اين تنبع خلافاتنا؟!


نحن واحد؟!.. إلا أنَّ ادمغتنا مختلفة وهي مصدر اختلافنا وخلافاتنا؟!

فمن أهم وظائف الدماغ التصنيف والتمييز الناتج عن المقارنة والمقاربة، المفارقة والمطابقة، التلخيص والتفصيل، المراجعة والتجريد، الاستنباط والاستنتاج، القياس والنقد، التفكيك وإعادة التركيب، الإجمال والاختزال والتضييق، وبالتالي هو مصدر التصادم والتضارب. فيه ينشأ التنافر بسبب المصالح والتكالب على الممتلكات، هو الجشع والسيطرة والجنس والغضب.


وإذا صنّفت فإنّك تُمَيِّز، وكل تمييز يَتْبعه تفضيل، وكل تفضيل بعده إقصاء ، وكل إقصاء يثير شقاق بينك وبين الطرف الآخر.

لذا، أخرج من الدماغ وركّز على الوعي...

اقصد المصدر الذي يجمع الجميع ويمثّل الكل، انه النّقي والخالص من كل شوائب.

إذا فعلت سنكون أنا وأنت واحدا، لا فَرقَ ولا فُرقَة، نصبح في هذه الحالة متحدّون، وهذا ما نطلق عليه اسم الوعي الكوني.

الوعي كوني، والجهل شخصي.

وفي اللحظة التي تكون فيها انسانا حقيقيا تكون فيها انسانا كونيا. وهذا ما تعنيه كلمة "البوذا" الانسان الكامل، او الانسان الكوني او المطلق.

ودعوتي لك : أنْ تعال إلى الكلية، إلى الكونية لكي نتوحد.

روحي وروحك واحدة وآتية من الخارج وتمنحني وإياك طاقة التشغيل، وتمدّ ما على الوجود من أجساد وأحياء بنفس الذي فيّ وفيك. هذا بكل ما في الكلمة من معنى وعمق وبساطة، وبكل ما فيه وجه شبه مع الكهرباء من تماثل ومطابقة.

إلاّ أنّك – وللأسف - إنسان آلة. ومتخلف لم تبلغ الإنسان الحقيقي بعد. وأنت ما زلت شرها، شهوانيا شبقا شجعا وخائفا ....وبعيدا عن الكونية.

عندما يشعر الإنسان الآلة بوجع في الرأس، لا يستطيع آخر أن يأخذ عنه هذا الوجع. في هذه الحالة لا يستطيع احدهم مساعدة صديق أو انقاذ محبّ. ولا تقدر أن تقدّم دعما أو مشورة لتلبية طموح منافس، هذا إن لم تعرقله وتشِ به. أنا لا استطيع أخْذ أي شيء من محتوياتك الآن.

لكن إن جلسنا في حالة تأمّل، نستطيع أنا وأنت أن نخرج معا من نطاق الأجساد والأدمغة والمحتويات لنصبح واحدا، حينها ما لدي ينتقل لعندك وما لك يصبح لي.

يبدأ المتأمّلون فرادى وسرعان ما يلتقون ويتحدّون في الوعي المطلق.

انتم تستمعون لي فرادى، لكن إن انتقلتم لحالة أرقى، وهي الحالة التأمّلية فإنكم تصبحون مستمعا واحدا.... في الحقيقة نغدو أنا وانتم واحدا، لا مستمعا ولا متحدثا، كلنا واحد.

وأنت أيها القارئ قد تجد نفسك في نفس حالة التماهي هذه، اذا ما ترفعّت عن مشاغلك ومشاكلك وتجاوزت المال والأعمال، ففي لحظة انسجام وتركيز في النص الذي بين يديك، يختفي الكاتب، وقد تختفي في النص وتذوب في المكتوب.

في الحقيقة، ما يشدّك إلى القراءة هو الاندماج والتوحّد مع الروح والوجود الكوني. هذه هي أحلى لحظات التجلّي والنشوة، هنا لا قاص ولا نص، لا حدود ولا شروط، لا فاعل ولا مفعول.

25.11.10

ما علاقة الدماغ بالوعي؟!.54

المقالة الرابعة والخمسون

ترجمة د خالد السيفي


والذين لا يفهمون ولا يتمنّون عالم النرڤانا (الخلود)

يشتهون عالم السمسارا (الشقاء)


سراها يُعيد ويكرر للملك: أنت تخلّيت عن عالم الخلود، واندفعت وراء الأوهام، وتجتهد الآن بإقناعي للعودة إلى عالمك المليء بالمآسي والعذابات. أنت لا تعلم أنني لم أعُد ذلك الشخص الذي عرفته في بلاطك. انظر وتفرّس في حالي الآن، أنا في قمة السعادة وفي أوج النشوة والابتهاج. أنا الآن أصبحت شخصا مختلفا تماما.


اوشو يقول: انتبه إلى كيف يحاول سراها أن يجذب انتباه الملك إلى اللحظة الحاضرة - الى الآن وهنا -...وهو ينجح. لا بد أن سراها كان شخصا ذو حضور مؤثّر وطاغ، لقد استطاع إخراج الملك من عالم الذباب العفن إلى غابات خشب الصندل العطرة والمنعشة.

يغمر الماء آثار حوافر الثور، ثم يتبخر

هذا ما يحصل لعالَم الفكر

المليء بكل الموبقات والنواقص

التي آجلا أم عاجلا ستجف

سراها يقول للملك: انظر! تلك آثار حوافر ثور، وهي مليئة بمياه الأمطار، وسرعان ما يتبخر الماء وتجف الحفرة، أمّا الأصل - المحيط فباقٍ إلى الأبد لا ينضب. نعم ماء الحفرة من ماء المحيط إلاّ أنّ الفرق شاسع بينهما.


المحيط كان وما زال قائما، لا يزيد ولا ينقص...ثابتا. والسماء موجودة وصافية دائما، رغم ذهاب وإياب السحب سوداءَ وبيضاء. وكما تصب الأنهار في المحيط ولا تلوثه، فإن السّحب مهما كانت قاتمة تظهر وتختفي دون أن تترك أثرا يعكّر صفو السماء.

تنشأ الغيوم من المحيط وتمخر صفحة السماء، كما الأفكار تصدر عن الوعي الأكبر فتَتَظَهَّر على فلم الدماغ. الغيوم والأدمغة مهما كبرت فإنها تبقى ضئيلة، ومهما توسّعت وتضخمت فلن تؤثّر - زيادة أو نقصانا - لا بالمحيط ولا بالوعي.

الجمجمة شيء صغير جدا.. كالحفرة، ما فيها من الدماغ ومحتوياته سيتبخر،! كماء الحفرة. انه مؤقت، فلا تثق به،..لقد جفّ الآن وتبخرت أفكاره وحلّ محلها جديدا. ارجوك لا تنخدع وتظن أن جمجمتك تشمل الكون. عقلك تافه، وليس خالدا بل.. بالٍ.

ما الذي يحتويه عقلك؟؛ رغبات، أحلام، أطماع، أفكار، تخيّلات، أوهام وعواطف. وهي متقلّبة متغيّرة ولا يمكن إرضاءها أو إشباعها مهما حصّلت وراكمت،.......... جلها ستجف!.

انا اقترح عليك بَدَلَ التركيز على المحتوى أن تركّز على الحاوي نفسه....أي على الوعي.

هذا هو سرّ التنترا.. إنها تركّز على الحاوي لا المحتوى.

لا تنظر للسُحُب.. بل إلى المسرح...السماء الحاوية له.

لا تنظر إلى الدماغ بل إلى خلفيّته.. أي إلى وعيك.

جل الأفكار، العواطف، الغضب، الجشع، الخوف الجنس، والغيرة هي محتويات الدماغ - محدودة. يقابل ذلك الغيوم السابحة بأشكالها المتغيّرة والمتقلّبة، المتلبّدة والمتبدّلة، بينما الوعي مطلق و لامحدود، كبير وشاسع، عميق وأبدي وخالد.... كما السماء.

يقول سراها للملك: دماغك ليست أكبر من حفرة الثور، لكن وعيك لا متناه. لا تحشر نفسك فيه، ولا تعيش من خلال محدودية الدماغ.

يجب أن تعرف أن وعيك خارج دماغك.

في الواقع... دماغك هو الذي في الوعي.. أي في وعيك.

دماغك هو فقط جزء من وعيك.

الوعي مَهول وغير محدود. دماغك لا يتجاوز الرغبات والعواطف... وكلّه خوف وإلى جفاف.

يختفي دماغك عندما يسقط رأسك في التراب ويُدفن. لكن وعيك باق لا يختفي، انه سرمدي؟؟!

انت لا تحتوي الوعي بل الوعي هو الذي يحتويك، انه اكبر منك.

كثيرون يتساءلون، وبعضهم يأتي إليّ متذاكيا " أين موقع الروح من الجسد"، بذلك يظنّون أنهم يطرحون سؤالا عصيا؟!.

اقول " الروح ليست في أي مكان من جسمك، لا تتعب نفسك...بل إنّ جسمك هو الذي في الروح"!!!، وَعْ، ودَعْ ذلك درسا لك وأودعه في وعيك.

في الحقيقة، الروح اكبر واضخم من الجسد، الروح هي التي تحيطُك".


13.11.10

الناطقون باسم الحقيقة. 53

المقالة الثالثة والخمسون

ترجمة د خالد السيفي




هل جننت؟! يقول سراها للإمبراطور، دعني أقنعك أنا، فتأتي معي إلى عالمي. أنا جرّبت عالمك وعشْته ووعيته. علِمْت دنياك، ومن ثم عزفت عنها.


لقد عرفت الحقيقة – حقيقة الأحياء والأشياء - وما تعنيه النرڤانا – الخلود.


أنا استطيع المقارنة، بينما أنت لم تجرّب إلا عالمك... فلا تستطيع المقارنة.


اوشو يقول معلّقا: عندما يقول المتنوّر إن هذا العالم الدنيوي ما هو إلاّ سراب، أرجوك! تأمّل هذا الكلام وتفحّصه جيدا؛ فهو يعني انه عرف هذه الدنيا وبعد ذلك عزف.


عندما يصرّ بعض الملحدين أو اللادينيين أنَّ عالم النرڤانا هو عالم وهم وخيال وأضغاث أحلام، أو هلوسة وبعد عن الواقع، يجب أن لا تأبه بتصريحاتهم لأنهم ببساطة لم يجربّوا غير عالمهم. ولا يمكن أن تثق بتوكيداتهم لأنهم لم يدخلوا التأمّل ولم يعرفوه ولم يجربوه، فهم مشغولون بماديّاتهم وموادّهم .


انظر هنا...مِنْ كلّ الذين جرّبوا التأمّل لم يرتدّ احد منهم، ولم ينكره احد. وأؤكد لك انه لا أحد على الإطلاق منهم تراجع أو انهزم، على العكس كل الذين تأمّلوا إما أصبحوا متصوّفين أو قديسين أو أنبياء.


أمّا الذين لم يتأمّلوا فهم مقيمون في عالم الذباب، غارقون في الروائح الكريهة لعالمهم المادي، ومصرّون على عدم الخوض في تجربة أخرى، لذا فتصريحاتهم لا يمكن التّعويل عليها، ولا يمكن الوثوق بها.


نعم يمكن الثقة بمحمد ببوذا بعيسى بمهافيرا، هؤلاء جربوا الوجهين، عرفوا الأسفل والأعلى. عندما تُشرفُ من علٍ على أسفل يتوفّر لديك ما يمكن الإدلاء به بشأن الأسفل، أي مَنْ كان في القاع وارتقى للأعالي يمكنه التفكّر والتأمّل في ما يراه في الوديان والسهول. بقاءُك في الوادي يحرمك من تجربة القمة.


عندما ينكر الله كل من ماركس وانجلز ولينين، هم يفعلون ذلك لأنهم لم يُصَلّوا أبدا ولم يعرفوا ما هو التأمّل قط. وعملهم هذا يشبه تماما كالذي لم يدخل في حياته مختبرا للعلوم، ومن ثم يبدأ بالنّقد او المصادقة على النظريات.


لذا فإيديولوجياتهم وأقوالهم بخصوص الله لا يُعوَّل عليها وهي كزبد لا يسمن ولا يغني من جوع. لأنها تفتقر للمصداقية.


رجل لم يدخل معملا للفيزياء، لا يستطيع تفنيد النظرية النسبية، وإنْ فعل فقوله لغو ليس من وراءه طائل. عليك الذهاب للمختبر، عليك إتقان الرياضيات الحديثة وتحقيق مرتبة عالية جدا في العلوم التطبيقية لتثبت ما تقوله عن النظرية النسبية.


قد تفهم أمورا كثيرة، لكن إن كنت لا تفهم شيئا ما، فهذا لا يعطيك الحق بإنكاره.


الذين يفهمون النسبية قلائل. حتى في حياة اينشتين لم يزد عددهم عن ألاثني عشر. وهذا العدد يقال إنه مبالغ فيه، فالفاهمون له كانوا أقل من ذلك.


جهلك لا يرخّص لك الحقّ في أن تحكم على ما لا تفقهه، بأنه خطأ.


لا تستطيع التصويت ضد هذه النظرية...ببساطة... لأنك لا تفهمها. قبل إصدار الحكم عليك بالتجربة.


ماركس وانجلز يقولان إن الله غير موجود، بكل بساطة يطلقون حكما سطحيا، هم لم يتأمّلوا ولم يُصلّوا أبدا في حياتهم، فكيف لهم أن يحكموا؟!. هم ليسوا مؤهلين لهذا التصريح.


فقط الذين تأمّلوا الوجود، والذين بحثوا في الحياة، وحفروا في الأعماق، وسبروا الأغوار وكشفوا الأسرار، ووصلوا الجوهر مخوّلون بقول الحقيقة.


1.11.10

الفرق بين الأشياء والأحياء.52

المقالة الثانية والخمسون

ترجمة د. خالد السيفي

والذين لا يفهمون ولا يتمنّون عالم النرڤانا (الخلود)

يشتهون عالم السمسارا (الشقاء)




سمسارا تعني العيش باحثا عن ملذات الجسد، ولاهثا وراء أوهام العقل. سمسارا تعني الإقامة خارجا مع الأشياء، وفي الأشياء. سمسارا تعني العيش أسيرا للـ"الأنا" ومحشورا في أفكار السلطة...الموقع الإجتماعي...الإستحواذ. سمسارا تعني العيش في السموم الأربعة: السيطرة والمال والمقام والشهوة.


هذا يعني ان تعيش في هذا العالم مهووسا بفكرة تحقيق سلطان أوسع، هيبة أرهب وممتلكات أكثر. ويعني أيضا.. الجشع غير المحدود للممتلكات ولهذا الشيء وذاك...أيْ العيش في الأشياء ومن أجل الأشياء. أي في المظاهر والظواهر بعيدا عن الجواهر.


هذا هو المعنى لكلمة "سمسارا" أو "العالم المادي" أو "الخواء الذي لا يُشبع".


فقط راقب نفسك واسأل: هل تعيش مع أحياء أم تمتلك أشياء. هل زوجُكِ أو زوجَتك بالنسبة لك شيء تملكه أم إنسان تقيم معه؟. هل تعامل زوجتك بجلالة؟، هل تحترمها لجوهرها وإنسانيّتها أم تحتاجها كأداة؟.


هل تعتبرين زوجك وسيلة لتأمين الملْبس والمأكل والمأوى وما يتبع ذلك من السيارة والصالون والنزهة والفرجة؟، هل تحافظ عليها لأنها طبّاخة ماهرة ومربية مخلصة وغسّالة لا تحتاج قطع غيار؟. هل هي سلعة يجب الانتفاع منها، مرة لتفريغ الجنس ومرة للكنس.


أذكرك أن الاستعمال يكون للأشياء لا للأحياء.

صُنِعت الأشياء للاستعمال، أما الإنسان الصانع فلا يمكن استعماله!؟.

الإنسان لا يمكن شراءه، السِّلع نعم. والسبب في ذلك انه من المفترض أنَّ في الإنسان قبسا إلاهيّا، وأنّ له عزّة وبه كرامة، فلا يمكن استغلاله أو استهلاكه أو تبضعيه (من بضاعة)، هكذا كان يجب أن يكون؟!.


هل تشكر زوجتك؟، هل أحسنت لوالديك؟، هل تقدّر أصدقاءك؟، أشِكّ في ذلك!. معظم الأوقات نشكر الغرباء لكننا ننسى الأقرباء، لأننا نعتبرهم حاصلا تحصيلا أو ممنوحين لنا بالفطرة أو يجب أن يكونوا هكذا مسخّرين لخدمتنا.


في العادة نحن نصغِّر الناس ليغدوْا أشياء، أي نفرغهم من روحهم، من جوهرهم، من إنسانيّتهم، من إلوهيّتهم وقدسيّتهم. لكن عندما تعرف التأمّل وبعدما يصبح منهجية حياة لك،..... حتى الأشياء تصبح أحياء.... وبالتدريج كل شيء يكتسب شخصية، فتدب الحياة في الجماد، ناهيك عن النبات والحيوان التي تكتسب صفة الإنسانية. ذلك، .....لأن الله موجود في كل ما حولك من وجود.


عندما تبدأ العيش مع الأحياء تختفي الاشياء، وعندما تبدأ الاحساس بالحي يختفي الميت، وعندما تعيش مع الجوهر يختفي المظهر.



العيش مع الأشياء الميّتة هو العيش في الدنيوية، أي "السمسارا". العيش مع الإنسان الحيّ هو العيش في "النرڤانا" الخلود.


سراها يقول للملك: سيدي قضيت عمرك في عالم الدنيا وكنت غارقا في الدنيوية فلم تفهم معنى النرڤانا (الخلود)، وإذا أردت الخلود يجب أن تجربه، أن تعيشه... لا يوجد طريقة أخرى.


لتخبُره يجب أن تتذوّقه، وأنا أقف أمامك وأُمَثِّلْه.

أنت مصرٌّ على أن أشرحه لك؟....لا استطيع!.

يقف الخلود أمامك وأنت تسأل عن نظريات!


لا يكفي أنك أعمى بالكامل ولا تراني، بل تحاول إقناعي بالعزوف والرجوع معك إلى الدنيوية. أنت مثل الذبابة التي تغريني بأنْ اترك غابة خشب الصندل وأريجه لاستبدله بالّلحم الفاسد ورائحته العفنة والنتنة.