13.4.11

لماذا الحرية ممتنعة عن الخيال؟ 62

لم يفهم زين العابدين ولا مبارك لغة الثورة، أما القذافي فما زال يحرق وصالح يراوغ، هنا يخاطب قائد الثورة بوعزيزي الدكتاتور ويشرح على لسان سراها متسائلا :

لماذا الحرية ممتنعة عن الخيال؟

وما الفرق بين الإلهام والأحلام؟
د خالد السيفي

الحرية لا يمكن وصفها ليست لأنها عصية على اللغة والكلام فقط، بل عاصية على إدراك الخيال لها، أيضا.

لا يمكنك تخيّل عملية التحرر التي حصلت لي، لأن عملية التّخيّل هي عملية ذهنية تعتمد على الذاكرة وما فيها من صور.

وأنت،.. ليس لديك أيةُّ فكرة عن هذه الحالة، فكيف لك أن تتصورها أو تتخيّلها؟!.

يمكنك تخيّل بعض السرور، لأنك جرّبت منه بعض القشور.

أما التعاسة فيمكنك التفنّن بوصفها، ومخيّلتك تستطيع الإحاطة بها، فتجاربك في التعاسة غزيرة، وصورك لها وفيرة، ومخازن ذاكرتك لمفرداتها عامرة .

في الحقيقة أنت تتخيّل المسرّة كنقيض لحياتك المُرّة، أنت تستعمل القطب الشّقي لتتخيّل نقيضه في القطب النّقي، تُعَرِّف الثاني بدلالة الأول وتلعب لعبة الثنائيات في التعويض عن واقعك التّعِس ومعاشك البائس وعرشك اليائس وفكرك المُفلِس.

لكن لا يمكنك تخيّل الحرية والسّعادة أو الهناء أو الفرح، لأنّ هذه المفردات لا أضداد لها، وهذه الكلمات لا مرادفات لمعانيها. إنها ليست ثنائية ولا قطبية، ولا يكون التعبير عنها إلا بعيشها لا باستخدام نقيضها.

سراها يقول للملك: أَفهمُ عدم قدرتك على تصوّر حريتي، وأنا لا ادعوك إلى التخيّل أصلا، بل أطالبك بالحضور واليقظة والمشاهدة، إنها ماثلة وحاضرة أمامك الآن وهنا.

أعذر عجزك عن التخيّل، فإحدى صفات الحقيقة أنها ممتنعة عن المخيّلة، لا يمكن تصورها، بل يجب مشاهدتها أو رؤيتها أو عيشها.

يعتقد المحللون النفسيّون أن الأنبياء يحلمون بالله. هذا يعني: النفسانيون لا يفرقون بين الحلم والرؤيا.

الله حقيقة والحقيقة رؤيا، والرؤيا لا يمكن الحلم فيها.

الحلم ملكك، منك وفيك، أنت الصانع له والمتحكم به.

بينما الرؤيا آتية إليك، داخلة عليك،

لا خبرة لك فيها ولا معرفة عندك عنها،

بكل بساطة إنها خارج سيطرتك.

في الحلم: أنت تتخيّل وتجْتَرّ ما تملك من صور، هنا أنت الكاتب والمصوِّر والممثِّل والمخرِج.

الرؤيا: هي حالة مفاجئة، ليس لديك أدنى تصوّر عنها، وغير مُفَكّر بها.

الرؤيا كليا جديدة وتسقط عليك دون تحضير أو نذير، إنها كَشْف وإلهام.

الله والرؤيا والحقيقة والحرية تجمعهم ماهية واحدة؛ انك لا تستطيع التعبير عنها....بل عيشها.

سراها يخاطب الملك: انظر إليّ، ركّز عينيك عليّ، اقترب منّي أكثر... لا تخف،...المسني، دعْ تردّدات وجودي تنتقل إليك فتسري عدواي فيك.

فمن الرعد المخيف والهادر

تنبت المحاصيل من الغيم الماطر

سراها يقول بعدما رأى الملك خائفا مترددا: أنا "الثورة" مثل الغيمة المليئة بالمطر، لكنك لا ترى فيّ إلاّ البرق والرعد والخطر. انك خائف منّي ومشكّك بي.

أذكِّرُك،

بعد البرق والرعد،

بعد البَرَد والبَرْد،

بعد الصواعق والأخطار

تبزغ الحياة من الأمطار.

نبات وزهر وشجر،

كذلك ينبت زرع وينضج ثمر.

كل هذا بعد هطول الغمر.

إذا سمحت لي أن أمطرك، ستنمو بذور الخير فيك. وسيتفتّح الإنسان الكامن لديك، ثم تنضج، وتصبح راشدا فتبرعم لتزهّر أزهارا وأعمالا طيبة. أنا أعزمك وادعوك إلى المحصول الوفير، محصول الوعي والإدراك، محصول اليقظة والحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق