19.2.11

ما الذي لا يمكن وصفه؟ 61

المقالة الحادية والستون
د خالد السيفي


لا يمكن الوصف كمِ الإنسان طامع

ولا يمكن التخيّل كيف يصبح قانع

فمن الرعد المخيف الهادر....

تنبت المحاصيل من الغيم الماطر

"الذي لا يمكن وصفه............." سراها يقول ويخاطب الملك: لا تسألني عنه، انه لا يمكن وصفه، ولا يمكن أن يُنطق به، وأنا أعجزُ التعبير عنه، ولا توجد لغة لصياغته.....هذا الذي لا يمكن وصفه فقط يمكن أن تعيشه أو أن تشهده، أو أن تجرّبه.

لكن انظر إلى حالك لترى شيئا مِنَ الذي لا يمكن وصفه؟....... ألا تشعر بذَبذَباته؟، هل أنت بليد لهذا الحدّ حتى تطالبني بكلمات وجُمَل؟ اعذرني، فالبيان والبرهان يعجزان عن الإمساك بالعرفان."

الجشَع!! هو الذي لا يمكن وصفه:

أنت كما الآخرين نزّاع إلى الطّمع، ولا حدود عندك للجشع، أسير للشبَق ولا حدَّ عندك لتوْق، لا نستطيع إشباعك، مهما حصّلت من نجاح أو فشل، من حياة أو موت، من أصدقاء أو أعداء، من محبين أو كارهين.

لا شيء يغيّر من شرهك.

فيك ما يبقى فارغا...خاويا لا بيت يكفيه، لا قلعة ولا ضيعة، لا عمارة ولا سيارة ولا حتى طائرة، لا أول مليون يغنيه، ولا ثالث مليار يكفيه، لا حُكْم مؤسسة يرضيه، ولا حتى لو أصبحت الجمهورية أراضيه. همّه دائما السّيطرة على البلاد والتحكم في رقاب العباد.. دائما ينظر إلى ما عند غيره مهما كان بين يديه. انه لا يعرف حدّا ولا استثني أحَدا.

أنت مخدر ومشلول بكل ما في الكلمة من معنى محمول...إنك مأخوذ بملذاتك ومسحور بشهواته.

لقد عرفْتَني من قبل، أتذْكُر كيف كنت قلقا.. غير راضٍ عن أي شيء، مع أن الأشياء كلها كانت متوفرة عندي. لقد كنت المفضَّل لديك، ومع ذلك كنتُ غير مكتفيا ومكتئبا حتى بين يديك. دائما شعرت بالخواء رغم تملّكي أشياء وأشياء.

وإذا كان هذا الحال مع الجشع الذي لا يمكن وصفه، فإنني ادعوك إلى حالة أخرى لا يمكن وصفها........

انظر إليّ، إلى سعادتي الآن وهنا. فأنا أقيم في وسط هذه المقبرة بدون سقف اسْتظلّه، أو مكان افترشه، أو إناء أشعل تحته، أو فانوس أرى به. ألتحف خرقة وافترش مَحرقة، سقفي سماء وعملي غناء، يومي عادي ونومي هادئ مع امرأة تصنع السهام .... وأنا في قمة النشوة والفرح.

هذه هي الحالة الأخرى التي لا يمكن وصفها، إنها حالة القناعة المطلقة من الامتلاء والشبع والرضا. انظر إلى صفائي وهدوئي، تأمّل نعيمي ورفعتي ونعمتي.

لكن مهما سُقْت من البراهين أمامك فلن تقنع ولن تقتنع، فلا الاقتناع يُغنيك ولا القناعة تَعنيك، لا الورع يُثنيك ولا الجشع يَرويك.

هذا هو الشبع وذاك الجشع.

هناك تعليق واحد:

  1. كل مرة تأخدنا فكرة امتلاك شيء ما أو أحد ما و ننسى معها ما نمتلك من أشياء و من أشخاص .. شره لا ينتهي .. اللهم أنزع الدنيا من قلوبنا و أزرع الرضا و حبك وحدك فيها ..

    سلمت يداك :)

    ردحذف