19.10.10

تحقيق في بعض الحقائق عن الحقيقة.50

المقالة الخمسون

ترجمة د خالد السيفي

الحقيقة لُغز وأُسّها الغموض، ولا يمكن سبر أغوارها بواسطة علومك السابقة وعاداتك القديمة. تستطيع طَرْقها فقط عندما تتعرّى من ماضيك المعلوماتي ومن قديم عاداتك البالية.


أقول، نعم، أنت تصبح جاهزا لاستقبال الحقيقة فقط عندما تخلع كل مخزونك المعرفي، وعندما تتخلص من بالي عاداتك.

على أي حال، في المسيحية يُسمى لباس الكاهن بـ "العادة" – وهذه مطابَقَة وتسمية جميلة وربْط مناسب للعادة باللّباس.


الولوج الى الحقيقة لا يكون من خلال المنطق بل من خلال الوعي، لا بالذاكرة القديمة بل باليقظة الآنية لِلَحظة المواجهة ( اليقظة والمراقبة والتأمل في الان وهنا).

الذاكرة: هي ممثِّلة المنطق وتتعامل مع قديمك وتختلف كليا عن الوعي الذي يتعامل مع الآن وهنا، أي مع الجديد المتجدد في كل لحظة.


من خلال الذاكرة والمعرفة القديمة لن ترى من المشهد الا ما ألِفتَه، ذاكرتك ستفسّر الحاضر بالماضي، وستُأوِّل الحادث بالبالي والحي بالميت والمتحرك بالجامد. ومن طبيعة الذاكرة ان تفرض شيءً غير موجود وتُعرض عما هو كائن.


الذاكرة والقديم يجب أن يطرحا جانبا لاستقبال الحقيقة.


الذاكرة جيدة، استعملها، لكن الحقيقة ولا مرّة نتجت من الذاكرة. اذ كيف ستأتي الحقيقة الجديدة من الذاكرة القديمة؟. كيف تستدعي شيئا لم تختزنه؟، كيف تستحضر فكرة ليست لديك فكرة عنها؟. الحقيقة تكون دائما جديدة وغريبة وغير مألوفة وغير معروفة.


عند المواجهة مع الحقيقة يجب أن تضع الذاكرة جانبا، يجب أن تقول لعقلك " أرجوك ان تبقى هادئ وصامتا، دعني أشاهد بدون تدخلك، دعني استوضح ما أرى بدون أحكام او عقائد او نصوص او فلسفات او أديان مسبّقة. دعني أرى مباشرة دون وسيط، دعني أعيش اللحظة الآن وهنا، دعني اكتشف ما أواجهه.


وتنبَّه: الحقيقة عمرها ما تحولت الى ذاكرة، حتى لو تعرّفت عليها. لانها كبيرة وواسعة وعميقة ومتغيرة، لا يمكن الإحاطة بها ولا القبض عليها او تجيّيرها لحسابك او استنباتها في أصيص على شُرفتك. لانك لا تستطيع جمعها، لانها اكبر من وعاء العقل والذاكرة.


لهذا كانت الحقيقة دائما مُتجددة ومُتغيرة، طازجة وحرة، برية وجامحة، مُتحركة ومُشككة ومُتنقلة، مُنعشة ومُتشكلة، مُتجاوزة ومُحلّقة ومُعلّقة. هذه بعض صفات الحقيقة. إنها لا تشيخ ، ودائما فتيّة وشابة.

Osho - Talks on The Royal Songs of Saraha

هناك تعليق واحد:

  1. بورك هذا المداد
    ثم إنه قد كتبت تعليقاً على المقالة رقم 20
    أرجو أن تغمره عينكم بلطف قراءة ..


    أخشى أن يكون مصيره في غياهب الإهمال .. :(

    حسناً .. سأرتكب التفاؤل ..
    فأحسنوا الغدق ..

    ردحذف