9.3.09

لا نريد زعماء بل حكماء

لا نريد زعماء بل حكماء
بمناسبة التوافق الوطني الفلسطيني
9/3/2009
بقلم د. خالد ألسيفي
لا يُخفى الوضع السياسي والاقتصادي في هذه الأيام على احد، ولان الشيطان يكمن في تفاصيل هذا الحال، فإنني سأتجاوز الوقوف على معاناة الغزيين والضفويين، ولا أريد التطرق لحروب الشرعية والوفاق أو المعابر أو الأنفاق، ولا الإعمار بعد الانتهاء من حرب الإبادة بالدبابات والحرق بالفسفور . ولن اقف عند معركة محاكمة القتلة من الساسة الإسرائيليين، ولست معنيا في الخوض بمسالة التعويض، ولا من يكون المسؤول عن هذه الأموال وتصريفها. ولا الهدف من هذه الكلمة مناقشة حقوق الإنسان الأوروبية وادعاءات الديمقراطية الأمريكية ،ولا تقييم الموقف الرسمي العربي.

لا أريد البحث فيما ذكرت من مواضيع، ليس استهانة، بل لان قرفا لا ادري مصدره يمنعني من الحديث والتنظير لما حصل ويحصل، فيكفيك تفاهة انه في الوقت الذي يُناقش فيه الإعمار في غزة، يهدم الاحتلال حيا بأكمله في القدس ويقيم آلاف الشقق الاستعمارية ولا يحرك احد من المجتمعين ساكنا، مفارقة أشفق فيها على نفسي وعلى ناسي.

فهمت وقَبِِِلْتُ أن يكون المرء منقسما في ذاته وعلى ذاته عدة مرات، أما هذه الشقق الاستعمارية، فلها رمزية ساخرة في قاموسي، فكأن بتزايدها يتولد انشقاقا مطابقا لعددها في نفس كل واحد فينا ، وبنفس المقدار تزرع الشقاق بين فصائل الوطن وتزيد الشقة الجغرافية بين بحرغزة وضفته. فكما للبنايات ظلال، فللأفكار ظلالها وحتى الألفاظ كذلك.

هذا يقودني إلى ما سيجري العمل عليه في الأيام القليلة القادمة بشأن التوافق الوطني في القاهرة. وأتساءل ما الجديد إذا كانت الوجوه المجتمعة هي نفسها التي كانت تقودنا على مدار العقود الماضية، وترسم سياستنا التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم ، والسؤال الثاني من الذي يقرر أهدافنا ويضع سقف طموحاتنا؟.

تباعا لما ذكرت،أتقدم بالنصيحة، واستطيع التصريح أن الموضوع أصبح موضوع حكمة وليس سياسة، وان الوطن هذا لا يحتاج إلى زعماء بل إلى حكماء، وهذه المرحلة بالذات أحوج من غيرها لحكيم لا لزعيم.

والجدل خلف هذه العبارة،أن كل سياسي يرى في نفسه زعيما ،ولا يسمع ولا يرى غير طيف زعامته فيصبح أسير لطموحاته. وهو يقيس الحلول بمعيار السرعة التي ستحمله للمنصب، من هنا يقع السياسي في التعصب، والعصبية إما تكون لرأي أو لجماعة أو لسلطة أو لمال أو لشهرة أو لشهوة، وتقود صاحبها ليصبح جاهل وغير عاقل، وبذلك السياسي ليس محكوما لمصالحه ولذاته فقط، بل لهواجسه التي لا تمتُّ لوطن بصلة.
وربما لم يبالغ جيمي كارتر وعلى لسان مايكل بارنتي في كتابه "ديمقراطية القلة" أن السياسة أقدم مهنة في التاريخ" مقرناً إياها بالدعارة.

هذا جعلني استذكر بعض ما جاء في تراثنا الطويل، فأبو العلاء المعري يقول:
يسوسون الأنام بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأفَّ من الحياة وأفَّّ منهم ومن زمن رئاسته خساسة

وسأل معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس عن الزمان، فأجابه أنت الزمان فان صَلُحْتَ صَلحْ.
وقال عمر بن عبد العزيز أن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في نبيها ولا في كتابها وإنما اختلفت في الدينار والدرهم.

ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز سأل احد أصحابه: أتخشاها عليّ. قال صاحبه : كيف حبك للدرهم. فأجاب عمر: اكرهه، فقال صاحبه: لا تخف.

وآخرون قالوا "عالم السياسة أساسا ينتمي إلى المستوى الغريزي من حيث قانون الأدغال "القوة تصنع الحق".
وآخرون قالوا "الأشخاص الذين يهتمون بالسياسة هم من النوعية دون الوسط"
وآخرون قالوا "السياسة لا تحتاج إلى أية مؤهلات ما عدا واحدة وهي شعور عميق بالنقص".

في هذه الأيام كثُرَ الزعماء السياسيون، وأتمنى أن تغلب الحكمة السياسة، وتبرهن الوجوه أنها ليست هي هي ، وان هناك أمل في تغيير الحال لكي لا يبقى هوهو.

الزعماء الحكماء المعروفون قلة قليلة، ويكاد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وذلك لأنهم يرفضون الحُكم، أو يتم اغتيالهم مبكرا لإفساح المجال لمنافسيهم الزعماء السياسيين غير الحكماء. وان لاحظت التاريخ فمعظم الزعماء المشهورين هم إما من السفاحين أو المجانين أو الماجنين.

آسف إن أطلت، ولكن لا يضر لو قرأت بعض المفارقات:
فالحكيم يوفق ولا يفرق،
والحكيم لا ينشد موقعا أو مكانة والزعيم يتشبث حتى بمهانة.
الحكيم لا ينشد مالاً بل يريد أن يُصلِح حالا.
الحكيم صفته انه مجرِّب والزعيم مخرِّب.
الحكيم إرادته مصدرها انه عارف والزعيم إرادته مصدرها انه خائف.
الحكيم قتل ذاته وتخلى عن شهواته ورغباته فانتصر على الموت ولا يمكن تهديده.
الحكيم يحقق صُلحة والزعيم يحقق مصلحة.
الحكيم يحقق الوفاق والزعيم يشجع النفاق.
الحكيم يستخدم دماغه والزعيم يستخدم باغه (سلاحه).
الحكيم في عينه نباهة والزعيم عليها غشاوة.
الحكيم لديه حنكة والزعيم به وعكة.
الحكيم حضوره نشوة والزعيم ينشر رشوة.
الحكيم سميع والزعيم سريع.
الحكيم منيع والزعيم وضيع.
الحكيم بترفعه كبير والزعيم باهتماماته صغير.
الحكيم بالأمور ضليع والزعيم ما زال بها رضيع.
الحكيم عارف والزعيم خائف.
الحكيم حكمه عبادة والزعيم حكمه بلادة.
الحكيم نقاء والزعيم استجداء.
الحكيم مفيد والزعيم مستفيد.
الحكيم اهتماماته كلية والزعيم اهتماماته جزئية.
الحكيم مانديللي (مانديلا) والزعيم ميكافيللي.
الحكيم سياسته أخلاق وانعتاق والزعيم سياسته شقاق ونفاق.
saifikhaled@yahoo.com
عنوان الموقع جذور وقشورksroot.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق