28.2.09

فيتاغورس وساسة من الوزن الثقيل

فيتاغورس وساسة من الوزن الثقيل
بقلم د خالد السيفي
شباط 2009
عامة الناس يعرفون فيتاغورس بمعادلته المشهورة للمثلث القائم الزاوية "الوتر تربيع يساوي مجموع تربيع الضلعين المقابلين". لكنهم يجهلون الأبعاد الفلكية والموسيقية والسياسية والاجتماعية لهذا الفيلسوف الفذ. ولا يعرفون شيئا عن مدرسته الفيتاغورية التي اشتغلت تحت إشرافه على هذه المواضيع الروحانية والدنيوية، فهم من قدّس العدد و1حد والعدد سبعة وهم من حاول تفسير الفلك رياضيا بالأرقام فتوصلوا الى مركزية الشمس، وهم من وضعوا نوتة السلم الموسيقي بعد مراقبة مطارق الحدادين وهم من مهد لأفلاطون وما بعده من الفلاسفة المعروفين.

الأكثر إثارة في تاريخ هذه المدرسة أنها كانت تشترط الصمت من طلابها كعتبة أولى لقبولهم فيها. فلكي يتمكن الطالب من بدأ التعلّم الجدي عليه أن يمتنع عن الكلام، والإنصات فقط لمدة 5 أعوام لأساتذته في دروس عامة عن الحياة، فلا يُسمح له بالمناقشة أو السؤال أو التحدث إلى المعلم. وإذا اجتاز هذا التحدي القاسي سُمح له بتلقي العلوم الأساسية في الرياضيات أولا، الأخلاق والروحانيات ثانيا، علم الاجتماع والسياسة أخيرا.

قد يكون من المفيد تذكّر أن فيتاغورس درس على يد هوميروس صاحب الإلياذة، وقضى 22 عاما في مدرسة الإسكندرية، و12 عاما في بابل حيث قابل زرادشت، وتشير الأخبار أن فيتاغورس نفسه قضى 10 سنوات خارج سور مدرسة الإسكندرية قبل ان يُقبل فيها للتعلّم، حيث طُلب منه تنقية نفسه من ذاته بالصمت والصوم كعتبة للدخول إلى المدرسة.

هذا كله أثار لدي أسئلة عن قادتنا السياسيين وعن معارفهم ووعيهم لذاتهم أمام أنفسهم، فمتى وكيف وأين وماذا تعلموا قبل أن يصبحوا مفاوضين وفضائيين وأمناء عامين، فوددت أن امنعهم من الكلام قبل أن يجتاز الواحد منهم امتحانا في 3 مواضيع:

أولا - في العلوم الطبيعية: وهي الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء. هنا ليس المقصود أن تكون بارعا في حل المسائل، بل المهم تفهّم روح القوانين وجوهر العلاقات لاكتساب مهارات الاستنباط والاستدلال والاستقراء والمقاربة بين المادة والمجتمع، فمثلا لماذا على السطح عند هدير الأمواج لا تصادف سمكة واحدة، بينما في العمق ترى آلاف الأسماك، أما في صمت الأعماق ستشاهد ملايين الأنواع العجيبة وأسرار الحياة وكنوزها، المقصود من المثال هذا، انه لا يكفي، وليس مهما جدا ملاحقة على الأحداث ومتابعة الساخن من الأخبار على الفضائيات، بل الأهم هو التعمق فيما وراء الحدث لصناعته لكي لا نكون رد فعل له، نصخب وننتهي مع كل موجة عابرة على السطح، هذا إن كنا نتكلم عن السياسة.

ثانيا- في العلوم النفسية: ونعني هنا حقيقة الإنسان الذي نتعامل معه، أنه أكثر من مجرد جسد مادي يتغذى ليتحرك ويخدم، واعقد من عقل دماغي ينتج أفكارا، وانه أعظم من شهوة يجب تلبيتها أو غضب يجب تنفيسه، ولا هو عاطفة يجب التجاوب معها، ولا حاجات يجب التسلّع لها. هو كل هذا، والاهم من هذا كله، انه في حقيقته إنسان معنوي ، بل هو أيضا معنوي، أي يجاهد من أن يرى معنى لكل ما يدور حوله أو يعمله ، وإذا فُقد هذا المعنى تتلاشى الإبعاد المهمة الأخرى. ومثال على ذلك ؛ لماذا تخرج عشرات الآلاف لتشييع شهيدا بينما لا يخرج بضعة أشخاص في مسيرة تدعوا إليها 10 فصائل وطنية، أو لماذا يُقال أن الجيوش تُهزم في معنوياتها وليس من دمار في آلياتها .

ثالثا- في العلوم التاريخية: في تاريخ الأخلاق والمعرفة،تاريخ الفكر والشعوب، وتاريخ الاقتصاد وأخيرا تاريخ المجتمع والسياسة. لا تكفي شجاعة المرء الميدانية، ولا تؤهلها عدد سنوات السجن، ولا تؤّلهه بضع آيات ليصبح الشخص سياسيا وقائدا. فليست صدفة أن تكون السياسة في آخر القائمة، ذلك لأنها أرقى وأدق واعقد واخطر العلوم. هي تعني خدمة وتنظيم وتقرير وتحديد وتحَكّم في مقدرات المجتمع الاقتصادية والثقافية والحياتية، ومادتها مصائر الناس من الرغيف حتى مقعد المدرسة مرورا بالتربية والحرب والسلم. ومن أراد أن ينصب نفسه حَكَما على رقاب الناس عليه أن يتميز بالحكمة والمعرفة والتجربة وهذا ما دعوناه دائما بالحقيقة.وإلا عانى الناس ويلات المصائب وعاشوا المهزلة تلو الأخرى.

اعتقد أن تفحص قوانين الطبيعة والنفس والتاريخ تضيء فضاءات وتعطي تبصرا ليكتشف هذا السياسي أو ذاك القائد المعني، ان ما ينطبق على المادة هو نفسه ما يجرى في العقل والذات وهو ما يفرض نفسه على المجتمع وتطوره.

قد يبدو هذا ضربا من المثالية، لكن هذه المثالية تبقى أفضل من المتاجرة بأرواح الناس، وهي (المثالية) حماية لهذا المجتمع من واقع لا يضاهيه مرارة إلا سياسيين من العيار الرخيص والوزن الخفيف.

هناك تعليقان (2):

  1. بعد اذن حضرتكم قمنا بنشر هذه المقالات الرائعة على المجموعات الفلسطينية على الفيس بوك
    اذا كان لديكم اي اعتراض سوف نطر اسفيين لأزالنها
    0599818432
    skysc@hotmail.com

    ردحذف
  2. احسسسسسسسسسنت فانني اعشق كلماتك اللذيذة الرائعة

    ردحذف