31.10.09

البحث عن الذات.. 3


المقالة الثالثة
ترجمة: الدكتور خالد السيفي
تدقيق لغوي: الأستاذ رائف كراجة
قول مأثور: " لا يمكن معرفة العالم إلا بالانغماس فيه، وليس ونحن نحبس أنفسنا في خزانة"

اوشو يشرح: دلالة أن تعلّمه امرأة هي إشارة إلى مكانة المرأة الرفيعة وشانها العظيم في علوم التنترا ،واعتراف بقيمتها الغالية في النشىء والتربية. ان جميع الديانات السماوية والأرضية اضطهدت المرأة وميزت لصالح الرجل، بل وتطرفت بتفنن في استعبادها. تنترا تؤمن انك بحاجة إلى تعاون امرأة لتتعلم هذه العلوم الثورية والتقدمية، طبعا ليست أي امرأة بل امرأة حكيمة، بدون امرأة حكيمة لن تستطيع الغور في عالم تنترا العميق والمعقد.



ولماذا في السوق؟ تنترا تنتعش في خضم الحياة الكثيفة والمفعمة بالحركة، من عمل ومعاملات وعلاقات. لا تهتم بالتنظير والنقاش بل في العمل والتجربة، هناك العلم والمعرفة.


ولإندهاشه، وبدون عناء يقع نظر سراها على المرأة التي تخيلها. كانت المرأة شابة جميلة مليئة بالحيوية وتشع نشاطا وحياة، إنها هناك منشغلة بتهذيب متن سهم، إنها صانعة سهام.


إنها عاملة! ودلالة ذلك أن تنترا لا تؤمن بعلوم المثقفين المخمليين المتحضرين، هؤلاء يعتقدون دائما إنهم ختموا العلم وامتلكوا الحقيقة كلها. هؤلاء سوف يقاومون التعلّم والتغير، أنهم ارقي من ذلك ولا يتنازلون إلى من هو اقل منهم منزلة اجتماعية حتى لو كان هذا يمتلك ما هو مهم ومفيد ونافع، إنهم أصحاب الهويات المغلقة. وهنا الحقيقة: كلما تشبهت بهؤلاء كلما فقدت حيويتك وأصبحت اقرب للبلاستك المقوى الذي يقاوم التشكيل والتسامي. الآن كل الدول المتحضرة تخاف من الشعوب غير المتطورة، لان غير المتطور يحمل في طياته إمكانيات مستقبلية للتطور وهذا يشكل مصدر الخوف، وهو ما يفسر الاضطهاد والحروب التي تُشن على ما يدعى بدول العالم الثالث لحرمانهم من فرصة التقدم وإفقارهم إلى درجة يتعذر عندها النهوض. هم يبذلون كل ما في وسعهم ليلا نهارا وبجميع الأسلحة لإخماد جذوة الانطلاق والتقدم لدى هذه الشعوب.


إنها تعمل بهمة وتركيز لا تنظر يسارا ولا يمينا، مأخوذة بعملها كليا، مخطوفة في صقل السهم. شعر سراها بحضور غير عادي لها وبقوة انجذاب إليها، لم يشعر بذلك أبدا باتجاه أي امرأة. شيء لمس أعماق أعماقه، شيء أتى من مصدر الأشياء. حتى ان قوة شخصية معلمه السابق لا تذكر أمام هذا الحضور. هنا تذكر المعلم سري كرتي الذي طلب منه أن يسقط كتبه ومرجعياته وفلسفته، لكن سري كرتي كان نفسه متعلما لأبعد الحدود، وصحيح انه أنكر الفلسفة، لكن كانت لديه فلسفته الخاصة "مقدساته"، وهي تبقى فلسفة حلّت مكان أخرى.



أما الآن فهو يقف أمام امرأة عاملة من العامة، وليس من المتوقع أن يكون لديها فلسفة مضادة لفلسفة، إنها ببساطة ليست متعلمة وبعيدة عن الفكر وعالم التفكير. ها هي انتهت من صقل السهم، إنها ترفعه باتجاه الأعلى، والظاهر أنها ستتفحصه وتقيّمه، ها هي تغلق عين وتبقي أخرى مفتوحة، ها هي تأخذ وضعية التهديف وتنظر مع السهم إلى هدف غير مرئي، لا يوجد أي هدف لكنه افتراضي .


تقدم سراها ووقف أمامها حاجبا لمجال رؤيتها قاطعا الطريق على الهدف الوهمي، ومع ذلك بقيت في وضعية التهديف ذاتها، مغلقة عين وفاتحة أخرى. بدأ سراها يرتبك لأنه شعر أن هناك رسالة عليه التقاطها، لان وضعية كهذه بالطريقة هذه، تصبح لغزا. هكذا شعر لكنه ما زال غير متأكد. هناك شيء لكنه يجهل كنهه.


تقدم أكثر ليسألها "أنتِ صانعة سهام محترفة؟"، ضحكت بصوت عال ووحشي مجيبة" أنت أيها البرهمي الغبي، تخليت عن كتابك المقدس "الڤيدا" لتعبد أقوال بوذا ومقدسات أخرى ، ما الفائدة من ذلك، استبدلت كتبك وعقيدتك وفلسفتك لتعتنق غيرها، وما زلت الأحمق ذاته، كنتَ مغلقا وألان أصبحت متعصبا وستبقى كذلك بغض النظر عن نوع الصنم الذي تعبد".


صُعق سراها، لم يسبق أن خاطبه احد بهذه الطريقة الفجة، فقط امرأة غير متحضرة ممكن أن تتفوه هكذا، أما طريقة ضحكتها المتوحشة فهي بدائية إلى ابعد ما يكون، لكنها مفعمة بالحياة والنشاط، وشعر بانجذاب أكثر. كانت كالمغناطيس وهو قطعة الحديد التي لا حول لها ولا قوة. استمرت قائلة " أنت تظن انك حقا أصبحت بوذيا"، وربما عرفت من لباس الرهبان الأصفر الذي كان يلبسه. وضحكت ضحكة ثانية مدوية مستكملة " البوذية يمكن معرفتها من خلال العمل فقط، وليس عبر الكلام والتنظير الكاذب، ألم يكفِك كل هذا؟ الم تملّ من الكتب؟ لا تضيّع وقتك في البحث التافه والعبث الذي ليس منه طائل، ارم هذا جميعه واتبعني؟!".



هنا هتف في داخله شعور لم يخالجه من قبل: لا تنظر إلى اليمين أو اليسار، فقط ركز في الوسط كما تراها تعمل"، في هذه اللحظة بدأ يفهم ما وراء الرسالة التي حاولت أن توصلها له. ويمسك بالمعنى الروحي لأقوال بوذا وما كان يقصده بالوسطية، أي تجنب التطرف. فهو كان هندوسيا ومن ثم أصبح بوذيا، كان فيلسوفا والآن هو ضد الفلسفة وهو انتقال من اليمين إلى اليسار ومن ثم من اليسار إلى اليمين، وفي الحالتين هو تطرف وغرَق.


كلنا كالبندول نتحرك لأقصى اليمين لنراكم زخما (فيزياء) لنندفع في الاتجاه المعاكس يسارا وما نلبث حتى نغيّر الاتجاه عودة لأقصى اليمين.


حركة البندول تنتقل لعقارب الساعة ليمضي الوقت ويجري العمر وتنقضي الحياة ونحن مطاردون لاهثون مترنحون بين معتقد وآخر، أو إيديولوجيا وأخرى، أو شهوة وأخرى ورأي وآخر . يجب أن نركّز في الوسط ليقف البندول ويتحرر الزمن وتتسامى النفس عن المعتقدات والعصبيات والأهواء. سمع هذا الكلام من سري كيرتي وتظاهر بالفهم، قرأه في الكتب، تأمَّل فيه وتفكر بخصوصه، ناقش آخرين ودعا إليه وعلمه للتلاميذ، فقط الآن يفهمه.


تذكَّر قولا لبوذا عن الوسطية: "أن تحب المال تكون دنيويا وان تهرب من المال تكون أيضا دنيويا". أن تعيش من اجل المال وتكون مشغولا فقط بجمعه، يُدعى هوسا. وان تهينه وتكون مشغولا بلعنته هوسا أيضا. لان موضوع الاهتمام في الحالتين هو المال. وما ينطبق على المال ينسحب على السلطة والرغبات والجنس والتحكّم. فقط ابق في الوسط وتعامل مع الأشياء بأريحية. فالمال والسلطة والرغبات والجنس أمور مهمة ولا يمكن العيش بدونها، لكن بدون عبادة أو إنكار. وما ينطبق على ما ذُكر ينسحب على الدين والايدولوجيا والحزب، فلا داعي للاعتناق الأعمى ولا تكفير الآخرين فكلا الموقفين كفر وضلال.


وهنا يذكر اوشو نكتة: سأل الأصدقاء إحداهن عن السبب الذي تركت خطيبها من اجله، فقالت إننا اختلفنا في الدين، فاستفسروا مندهشين، كيف ذلك ونحن نعرف انك كاثوليكية غير متعصبة، وهو ليس أرثوذكسي متعصب، أجابت لا، المشكلة أنني أحب المال وهو مُفلِس. يكمل اوشو : فلكلٍ صنم يصنعه بيديه ليعبده والاهم من ذلك انك تتنقل بينهم.

نعم يجب أن تتجنب التطرف وان تسلك الطريق الثالث طريق الوسطية لا شفهيا ولا نظريا، بل كما فعَلَت هذه المتوحشة الآن، هي لم تنظر لا لليمين ولا لليسار متلهيّة، ركزت في العمل، والعمل في الوسط بين اليمين واليسار ، من هذه النقطة الوسطية تستطيع أن ترتقي وتتسامى فوق كل المقدسات والأشياء والأحوال.


هنا فقط رأى التطبيق العملي والتمثيل الفعلي لما سمعه من سري كرتي، وجاء صوتها منتشلا إياه مرة ثانية من تأملاته "لا تستطيع التعلُّم إلا من خلال العمل والفعل". هي على حق لقد كانت غارقة وذائبة حتى أنها لم تلحظه في البداية. إنها صبَّت كُلِّيَتَها في العمل لدرجة أنها تحررت من هذا العمل، وهذه حكمة تعلمها في الماضي وهي التحرر من العمل بالعمل.

وتوالت المعاني بغزارة متلاحقة تباعا...........

ما هي المعاني الأخرى؟ إنها كثيرة في المقالة القادمة.

OSHO “Talks on the Royal Songs of Saraha”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق