22.11.09

انت المنادي...6

المقالة السادسة
أنت الذي تستدعي ما تريد، وبناء على ما تطلبه يتحقق.

ترجمة: الدكتور خالد السيفي

لقد أُخبِر الملك بهذا كلّه، فاهتمّ واغتمّ، وأراد أن يعرف ما الذي يحصل بالضبط، وانشغلَ كثيرا بالدساسين والمتطوعين من جميع الذين تتعارض مصالحهم مع هذا السلوك.

إنهم جميعا يعرفون مدى الحب والاحترام الذي يكنه الملك لسراها، ويعرفون انه كان سيصبح مستشارا له في يوم من الأيام، ويعرفون المنزلة التي حصّل عليها في البلاط، ويدركون رفض سراها وتنازله عن هذا كله من اجل استكمال الحكمة.

يعرفون تعاليم سراها رفيعة الشأن، لذلك جاءوا مذعورين ناصحين مشيرين ومقترحين.

توتّر الملك وأصابه قلق شديد، كيف لا وهو ما زال يحبه ويأمل منه خيرا. كان مازال مهتما بهذا الشاب الواعد، لذا أرسل من يُقنع سراها ويقول له على لسانه" ارجع لسابق عهدك، أنت برهميا محترما، وأبوك كان من المربين الممتازين، وأنت لك بصماتك وعلمك.............الخ، ماذا تفعل في نفسك ولماذا تؤذينا؟! لقد أصبحت مسعورا متوحشا وخرجت عن طورك وعن الأصول، ارجع معنا إلى بيتك، ما زلت انتظرك، القصر ينتظرك، ما زِلت جزءا من العائلة الملكية، ما تفعله ليس صحيحا ولا يليق بك". هذه رسالة الملك.

وماذا فعل سراها، لقد انشد شعرا، مائة وستين بيتا أمام الذين أتوا لإقناعه، فماذا حدث؟! لقد بدأ هؤلاء يرقصون ويغنون معه ولم يرجعوا للملك، لقد دخلوا التجربة العملية التي يقوم بها سراها وفهموا ماذا يريد.

قلق الملك أكثر فأكثر، وتدخلت الملكة، إنها تعرف سراها وتكنُّ له احتراما كبيرا وهي التي أرادت أن تزوجه ابنتها، هبت لمساعدة الملك، فالمملكة في خطر، وتبرعت أن تذهب لمقابلة سراها وإقناعه بالعدول عن مهزلته الدرامية.

غنّى سراها لها ثمانين بيتا من الشعر غير المائة والستين السابقة، رقصت الملكة وابتهجت ولم ترجع إلى القصر.

صُعق الملك وأصابته الدهشة والحيرة متسائلا " ماذا يحصل هناك؟!" ولم يبق إلا أن يقوم هو بنفسه بزيارة سراها وإقناعه. وغنّى سراها أربعين بيتا غير السابقة، فاعتنق الملك دين سراها وبدأ الغناء والرقص على طول المقبرة وعرضها، كالذي أصابه مَسّ، فماذا انشد سراها؟!

وبذلك أصبح لدينا ثلاثة قطع شعرية، أولا أغاني سراها الشعبية – مئة وستون بيتا.
وثانيا أغاني سراها للملكة – مئة وستون بيتا، وأضيف إليها بعد حين ثمانون أخرى. وثالثا أغاني سراها للملك وجاءت في أربعين بيتا.

قسم سراها أشعاره بتلك الطريقة لا لشيء إلا لأنه كان يعرف ما يناسب الثقافة العامة، وما يناسب الملكة. وكان يعرف أن الملك مثقفا وعالما ومتعمقا، لذلك ضمّن أشعاره الملكية إشارات وحكم ومعاني عميقة تحتاج إلى شرح وتأمل. وهذا ما سيقوم اوشو بانجازه في هذه الرحلة.

ولان الملك أصبح من أتباع دين سراها، أمست المملكة جميعها معتنقة لهذا المذهب الجديد، كيف لا والملك نفسه كان مشهودا له بالفهم والوعي والفكر. ويقال في الكتب انه أتى يوم كانت فيه البلاد "فارغة". الفراغ من الكلمات المستعملة في البوذية كثيرة، ولها دلالات يجب فهمها.

هي تعني أن يفقد الشخص أناه " الايڿو Ego" أي "يصبح لا احد؛ لان البوذية والتنترا بطبيعة الحال تعتبر الإنيّة مصدر العثرات والزلات والعذابات. وعبادة الأنا هي مصدر الأخطاء والتّسيّبات.

بدأ الناس يستمتعون بالحاضر الذي يعيشونه واللحظة الآنية التي يتواجدون فيها. اختفت المنافسة العنيفة، وتلاشت المزاحمة الفاجرة، وغابت المناكفات العبثية والتراشقات المسعورة من حياتهم. لقد حل الهدوء مكان الضوضاء، والوداعة مكان الافتراس والسكون مكان الهيجان والسرعة.

أصبحت البلاد ، بلاد سلام ووئام. لم يعد هناك رجال يسعون الى السيطرة والتحكّم والاستعباد، لقد حل الله في هذه الأرض.

والسبب في كل هذا هي الأناشيد والأشعار التي غدت مصدر الهام وجذر كل سعادة، لقد ألهبت هذه الأناشيد العواطف وخاطبت القلوب قبل العقول وزوّدتها بالحكمة ونقّتها من الخبيث ومدتّها بالعيش الكريم.

ويقول اوشو: سنقوم برحلة حج مع " الأغاني الملكية لسراها". أربعون بيتا من الشعر تُدعى أيضا " أغاني السلوك الإنساني"، مع أن هذا الاسم الأخير مراوغ ومخادع ويحمل في طياته تناقضا كبيرا. لان هذه الأغاني ليست لها علاقة لا بالسلوكيات ولا بالتصرفات البشرية.

هي مختصة بالجوهر الإنساني وماهيته وتتحدث عن كنهه وعن كيانه. عندما يتسامى الجوهر ويتطهر الأساس ترتقي السلوكيات وتتعالى الأعمال والتصرفات وليس بالعكس. الناس تعتقد أن تغيير السلوكيات يقود إلى النزاهة والارتقاء والسمو في الجوهر. تنترا تعتقد العكس تماما، أولا نقاء الجوهر ومن ثم يلحقه السلوك والتصرف والشخصية بطريقة تلقائية.

تنترا تؤمن بالكيان والجوهر وليس بالتصرفات. أذاً، هناك تلميح خفي للاسم "أغاني السلوك الإنساني" ويجب فهمه تماما، الجوهر أولا والسلوك ثانيا ، وهذه هي تنترا.

ويستمر اوشو بالشرح، لا يستطيع احد تغيير سلوكياته وأفعاله مباشرة بدون المرور بالجوهر. أنت تستطيع أن تتظاهر فقط. فإذا كنت غاضبا وحاولت أن تتصرف بوداعة، فانك ستضغط مشاعر الغضب وتكبتها في داخلك وتظهر بقناع ووجه زائف.

وإذا كنت شبقا وشهوانيا فان ادعاءك العفة والعذرية لا يخفف من الأمواج المتلاطمة في داخلك. انك تكون جالسا على بركان قد ينفجر في أية لحظة. ستكون دائما مرتجفا ومرتعدا من الخوف،و من الانفجار.

هل راقبت مرة من يدعون أنفسهم بالكهان أو رجال الدين، إنهم مرتعدون من النار، وأبدا يحاولون دخول الجنة. لكنهم لا يعرفون ما هي الجنة وهم لم يذوقوا طعمها قط. وأنا أقول لك إن أنت غيّرت وعيك ستأتي الجنة إليك ولست بحاجة أن تذهب إليها. لان لا احد على الإطلاق ذهب إلى الجنة ولا احد ذهب إلى الجحيم كذلك.

ويوجه اوشو تحدّيه لمستمعيه: دعوني أخبركم وأقرِّكم أن الجنة تأتي إليك، وكذلك النار وهذا يعتمد عليك. أنت الذي تستدعي ما تريد، وبناء على ما تطلبه يتحقق. فإذا تغيير وعيك، فجأة تصبح الجنة متاحة لك وستهبط عليك.

أما إذا بقي وعيك شقيا ولم يتغيّر فعندها ستصطدم مع ذاتك وتتشظّى. لأنك سوف تدّعي من السلوكيات ما ليس فيك وتصبح كاذبا، وإذا أمعنت أكثر فانك ستتمزق وتصاب بانفصام الشخصية لتتشقق وتتفلّع وتتجزأ، لأنك تُظهر ما أنت لست عليه، تقول شيئا لا تنفذه، بل تعمل غيره إن لم يكن نقيضه، ومن هنا ستعاني العُصاب والتأزّم والجزع، وستغرق في كربة الغم وهذا هو الجحيم.

أما الآن فالى الأشعار التي رَقّصَت الملك وسحرت المملكة..

ما هي هذه الاشعار الجميلة المليئة بالحكمة العلوية والفلسفة الراقية التي قلبت المملكة رأسا على عقب؟؟؟ تابع في المقالة القادمة!!

OSHO “Talks on the Royal Songs of Saraha”
saifikhaled@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق