5.12.09

أنت الاثبات..7


ترجمة د خالد السيفي

اوشو يشرح الاشعار الملكية لسراها التي رقّصت الملك والملكة
1- انحني للسيد مانجوري
2- انحني للذي قهر الحدود

في البيت الأول يوجه سراها التحية لمعلم البوذية المكرّم مانجوري، فمن هو مانجوري. انه احد تلامذة بوذا المهمين. اصبح كثير من تلاميذ بوذا معلمين مبدعين، كل بطريقته. مانجوري كان موهوبا بالتخاطب والتأثير بدون كلمات، كان يستطيع ان يفهم ويقرأ الافكار ويوصلها باقل عدد ممكن من الكلمات.

كان صارما بتدريبه للاخرين لدرجة أن المشاكسين والصعبين من التلاميذ كانوا يُبعثوا اليه ليصقلهم. كان قاسيا وعطوفا في نفس الوقت، وسريعا في هدم الطالب واعادة بناءه، لذلك لُقّب بالسيف القاطع القادر على القتل بأسرع ما يكون. اشتهر هذا المعلم في التراث البوذي التعليمي ولذلك يقدم سراها له الاحترام .

في البيت الثاني ينحني فيه محييا بوذا الذي قهر الحدود فاصبح لا محدودا وخالدا.

3- كصفحة الماء جلَدَها الريح
4- فتحولت الى أمواج متدحرجة
5- هكذا يفكر الملك في سراها
6- بطرق شتى مع أنني واحد

هنا يجب تخيّل بحيرة هادئة، مياهها راكدة، ثم تهب عليها ريح عاتية لتثير أمواجا متلاطمة معكرة الصفو والسكون، وتتكسر صورة القمر المنعكسة على صفحة الماء ، لتصبح آلاف الصور على وجه آلاف الامواج. هنا يضيع الاصل فلا تستطيع تمييز الصورة الحقيقية بفعل رقرقة الماء وصخبها.


هذا هو العقل الدنيوي الذي تعصف به رياح الوهم لتضلَّه عن الحقيقة، أما بوذا
[1] فهو واع حذر لا يدع عقله يذهب مع التصورات والأوهام.

تلك الرياح هي الرغبات، والتي إن ثارت بدون كبح فإنها ستخلِّف أحزانا وغصة في القلوب. هذه اللوعة بدورها تشوش الدماغ، فيعجز عن عكس الواقع الحقيقي للأشياء والأحداث من حولنا. هل لاحظت ان التخلي عن الرغبات يحرر القلب ويضفي عليه الراحة والخفة والسلام.

والحديث هنا موجه للملك الذي تشوش بفعل الاشاعات التي اثارها الجهلة حول سراها، لدرجة انه لم يعد يراه واحدا بل صورا يصيغها المغرضون. وعليه انقسم قلب الملك لقسمين: الأول ما زال يحبه ويحترمه، والثاني مرتاب ومتشكك من افعاله. هؤلاء المكبوتون والمتزمتون لم يفهموني فأثاروك ضدي. لا توجد طريقة لتفهمني الا اذا أوقفت هذا الهذيان والصور ورأيتني واحدا غير مجزّئ. أنا أمامك انظر إلي، إني هنا.

7- بالنسبة للأحمق والأحول
8- المصباح اثنان
9- المشاهِد والمشاهَد واحد...آه العقل
10-يعمل فعله فيهما

أولا مثَّلَ عقل الملك بالبحيرة االهائجة، والآن يشبهه بالأحول الذي يرى الأشياء مزدوجة. ويذكّره أن الشخص غير الواعي يرى الاشياء على غير حقيقتها، بل ويذعن للتصورات والأوهام . إن ما يمنعنا من رؤية الاشياء الخارجية بوضوح هي الغشاوة الكثيفة الماثلة أمام رؤيتنا الداخلية.

المشكلة أننا تعودنا على تصديق كل ما تقع العين عليه دون مساءلة وتمحيص، كيف لا نصدِّق ونحن نعتمد النظر طوال حياتنا ونثق فيه حتى ولو كان سطحيا. جعلك هذا الحول تظن انك مفصول عني، لذا أصبحت واهما وغير واع ولا تفهم ما تراه.

الحقيقة انني وانت متوحدان. لكن لتفهمني يجب ان تدخل حدودي، اي تجرب ما انا فيه، اي تشاركني التجربة، عندها يكون الراقص ليس سراها، بل أنت، والنشوان ليس انا بل انت. لا تحكم عليَّ من الخارج، لا تكتفي بالفرجة. لن استطيع إخبار احد وإقناعه إذا ما اكتفى بدور المتفرج، فالمشهد من الداخل ليس نفسه من الخارج. الداخل والخارج عالمان مختلفان .

11- المصباح اشتعل في البيت
12- وبقي الاعمى في الظلمة
13- ومع ان العفوية عمّت واطبقت
14- بقي المشوَّش بعيدا عنها



انا الان تنوّرت، وادركت، واضاء ما فيّ، انا أُشع نورا، لم اعد راؤول الذي عرفته، لقد اطلقت سهم الوعي الذي وصل الهدف. ماذا استطيع ان اعمل اذا كان احدهم اعمى لا يرى، رغم النور المشتعل في البيت. الخطأ ليس في المصباح بل في الأعيُن. لا تستمع لعميان البصيرة، إصحَ وانظر الي، انا امامك، انا أُمثِّل العفوية وقريب منك جدا، المسها امسكها اشربها.

تستطيع الرقص معي وتفرح حتى النشوة ، فانتهز الفرصة التي قد لا تسنح مرة اخرى. انهم يتحدثون ويقرؤون عن الاشياء العظيمة كالتنوّر والأخلاق والمُثل العليا. يقرؤون حِكَم بتنجالي
[2] ويتفاخرون بمعلوماتهم، لكن إن حدث وتجلّت أمامهم هذه العظمة لا يفهموها بل يصبحون ضدها ويقاوموها. وهذا اغرب شيء في الإنسان.

اوشو يشرح: الإنسان حيوان غريب، يقرأ عن الحكماء مثل بوذا فيُعجَب به، لكن ان صادفه وجها لوجه، فانه لن يصدقه وسيصبح عدوه. لماذا؟! لانك عندما تقرأ، تكون أنت المسيطر والمتحكم ببوذا في كتابك، لكن عند المواجهة معه، تدرك انه ليس تحت سيطرتك، بل على العكس قد تقع في قبضته فتخاف وتقاوم وتهرب.

واحسن طريقة للهرب هي ان تُقنع نفسك ان الرجل الواقف أمامك مجنون وفاقد لعقله. قد توجه آلاف الانتقادات للبوذا، لانك احول واعمى ولا تفهم، وتعصف الرياح بعقلك من كل صوب، لهذا تتصور ما تريد. لكن سراها تنور واصبح بوذا.

هم لا يرون هذا الانجاز، بل يركزون على مطلقة السهام لانها من الطبقة العامة؛ الخسيسة والمنبوذة الممنوع الاقتراب منها
[3]. ولانه من الاشراف فحرام عليه الاقتراب منها، فما بالك في الأكل والعيش معها، فهي خطيئة.
ويعيش في المقبرة حيث القاذورات والجماجم والاموات، انها ردة وهرطقة. مكان البرهمي المعبد او القصر وليس محرقة الاموات.

لم يتعرفوا عليها، ولم يصيبوا الحقيقة، و لم يستوعبوا "انك لا تفهم الحياة الا اذا فهمت الموت". عندما تتأمل الموت تفهم ان الذي يموت هو المادي والزائف، فالميت هو الذي يموت، اما ما هو حي فيبقى حيا لا يموت، وبذلك تستمر الحياة بعد الموت. لفهم هذا يجب ان تخوض التجربة.

لقد نشروا الشائعات وضخّموها، وانت تعرف ان لا سيطرة على المبالغات في النميمة. وممارسات التنترا تثير آلاف الأسئلة والشكوك لمن لا يريد الفهم، ولقد عابوا على الورد حمرته. فمثلا تأمُّلُ جمال المرأة لفترة طويلة، والتعمق في ملامحها ومحاسنها تجربة يجب الخوض فيها للقضاء على الشهوة الجسدية، التي تسيطر على عقول هؤلاء المتعففين، تأمُّل الشكل مدخل لأعماق الجوهر والتحرر منه. هذا ما لم يفهموه.

في دماغهم هم يُعرّون أية امرأة تسير في الشارع وما زالوا يدَّعون العفة. هم يثيرون زوبعة إنني مارست النظر بينما هم وقفوا عند التصور ويدَّعون انهم الافضل. انا تخلصت من الشهوة، فلم اعد اعيرها اهتمامي ولا انتباهي، لا تخطر على بالي حتى في احلامي.

وهم ما زالوا يحملون جسدها اينما ذهبوا في حلهم وترحالهم. هم اسقطوا عليّ ما في خلدهم بناء على مرجعياتهم المكبوتة والمقهورة. فهذا علم له اصوله وتعاليمه.

15- ومع ذلك قد يكون هناك انهار كثيرة لكنها متوحدة في البحر
16- ومع ذلك قد يكون هناك اكاذيب كثيرة لكنها مهزومة امام حقيقة واحدة
17- عندما تشرق شمس واحدة تتبدد كل الظلمة
18- مهما كانت حلكة العتمة

انظر إليّ فالشمس قد اشرقت، واعلم، مهما كانت حلكة الظلمة حولك، فإنها ستتبدد، انظر اليّ فالحقيقة وُلِدَت فيّ. قد يكون هناك الاف الاكاذيب لكن الحقيقة واحدة وكافية لتتغلب عليها جميعها، اقترب مني فقط، ودع نهرك يصب في محيطي لتتذوق طعمي.

اوشو يعلق: الحقيقة واحدة، فقط الاكاذيب عديدة، الصحة واحدة والامراض كثيرة. وكما الصحة تهزم الامراض جميعها، كذلك الحقيقة تهزم كل الاكاذيب. في هذه الأبيات الاربعة، يعزم سراها الملك ليدخل عالمه الباطني، لقد فتح له قلبه. ويقول سراها، انا لست هنا لأقنعك بالمنطق، بل لاقناعك بالتجربة.

ليس لدي اي اثباتات ولن ادافع عن نفسي. فقط ادخل قلبي لترى ماذا حدث من العفوية ومن التقرب الى الله. وتذكر، ان الروحاني ليس لديه اثباتات، هو نفسه الاثبات، يحمل قلبه لتراه.

ويستمر اوشو موجها خطابه للمستمعين: هذه الكلمات حررت صدر الملك من ما اعتمل بداخله بسبب الوشاية، وتستطيعون ان تنظفوا صدوركم اذا تعمقتم بمضامينها. اما الآن فباب الاسئلة مفتوح.
[1] - كل متنوّر هو بوذا
[2] -الحكيم الذي اخترع اليوغا
-[3] حسب التقسيم الطبقي الهندوسي يقسم المجتمع الى اربع شرائح - الكهنة – الملوك والاشراف – المهنيون – العامة المنبوذون


"OSHO" The Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق