15.12.09

لماذا لا اتغيّر؟....8

المقالة الثامنة
ترجمة د. خالد السيفي

احد الحضور: اوشو، مهما تقول، انا موافق معك، ومع ذلك لا اشعر انني اتغيّر واتنوّر، فما السبب؟

اوشو: ربما موافقتك لي هي السبب في عدم تغيّرك وتطوّرك وتنويرك، المسألة هي ليست ان توافقني او تخالفني. المسألة هي ان تفهم. لان الفهم أعلى وأرقى من الموافقة او المخالفة، الفهم يتجاوزهما الاثنين. عادة، عندما توافقني تظن انك فهمتني، لكن الخدعة هي انك لو فهمتني لما كان هناك حاجة لان توافق او تختلف معي.

انتبه، الموافقة والاختلاف يكون حول النظريات وليس حول الحقائق، كيف تتوافق مع الحقيقة؟ او تختلف معها؟ عندما تشرق الشمس هل تتوافق او تختلف معها، ستقول ان هذا ليس له علاقة بما نتحدث فيه.

أنت عندما توافقني على ما قلته، فانك في الحقيقة لا توافق معي، بل تشعر انني اؤيد النظريات التي تحملها في داخلك. وكلما شعرت ان اوشو يدعم ما عندك تظن انك موافقا معي. لكن عندما أقول ما يناقض الذي في جعبتك فانت في مشكلة، عندها لا توافقني، فترفض ان تنصت لي ولا تريد ان تُكْمِل، وتغلق نفسك.

المسالة ليست موافقتي او الاختلاف معي، رجاءً دعك من هذه الممارسة، لانني انا هنا لا أروِّج لنظرية، ولا اهدي لدين او لفلسفة ولا ابحث عن أتباع. انا في الحقيقة ابحث عن تلاميذ وعن طلاب... وهذا شيئ مختلف.

الطالب يصغي وينصت ويصمت ليتعلم، انه نظام مفتوح، وكذلك التلميذ. اما التابع يوافق ولذلك فهو مغلق. الطالب لا يمكن ان يغلق نفسه لان هناك كثيرا ليتعلمه. الطالب ليس لديه "الانا Ego " لذا فهو لا يُنكر ولا يوافق، هو يستوعب ويمتص ما اقوله. بينما الانا عندك كبير ونمرود ويحاكم ويتفحص ما أقوله.

لم يتنور احد من خلال الموافقة والرفض لانهما ممارستان ذهنيتان وسطحيتان وثقافيتان.

لكي ترتقي انت بحاجة لان تفهم فقط، وهذا يبدو لي انه صعب. الفهم بحد ذاته تنور وتغير وتطور. وهنا ملاحظة مهمة جدا لعملية الفهم والتفهّم، إذا تم الفهم فأنت لست بحاجة لان تعمل اي شيء بعد ذلك. الكل يقول : انا فهمت والان يجب ان امارس، وانا اقول ان الامور ليست كذلك.

اكرر وأقول : ليس المقصود ان تفهم أولا... ومن ثم تمارس العمل... لا. الفهم الحقيقي يدخل الاعماق ويفعل فعله بدون مساعدتك، كالدواء، انت لا تفعل شيئا بعد اخذ الدواء.انت لا تحتاج ممارسة ايَّ شيئ بعد الفهم.

الموافقة كالاختلاف كلاهما سخيف، لانهما من نسج العقل، والعقل مخادع، لا تدري ما يقصده بالموافقة، ولأفصح سأستعرض ثلاثة مشاهد للتوضيح:

المشهد الاول: تموت الام وتترك وليدها للاب ليعتني به ويكرس حياته له. يذهب الابن الى الجامعة، ويكتب رسالة لابيه محتواها " انا بخير، انا في فريق الجامعة لكرة القدم، انا حصلت على "أ" في التاريخ". قرأها الاب وشعر بالضيق وكأن شيئا ليس على ما يرام...من لغة الأنا المتفردة عند الابن.

كتب الاب لابنه " انا ربيتك وصرفت كل ما املك في تعليمك، ولم اذهب الى الجامعة، وكنت أعتقد قبل رسالتك اننا شخص واحد، فارجوك ان تكون لطيفا في لغتك معي". فهم الابن أن أباه يريد أن يشاركه في الانجازات، فكتب لاحقا في صيغة الجمع " لقد لعبنا البارحة وكسبنا، وحققنا "ا" في الفيزياء، ونحن نبني مستقبلا جيدا".

فرح الأب بهذه اللغة وشعر كأنه مع ابنه في الجامعة وتأكد بذلك من انتماء ابنه. وتمضي الأيام....، وفي يوم من الايام يصل تلغراف من الابن مفاده " لقد تسببنا بمشكلة لابنة مدير الجامعة، لقد حملت بتوأم، والبارحة وضَعَت، مات ابني، فماذا انت صانع بابنك الثاني".

العقل يعمل كمحامٍ ويمارس الدفاع: تستطيع ان توافقني لكنه يبقيك كما أنت، ويقنعك أن من واجب اوشو أن ينوّرك، وما عليك الا ان توافق فقط، وتظن هذا يكفي، وسوف يلقي عقلك اللوم عليّ اذا لم تتنور، وهنا مربط الفرس، انت توافق وانا الملام لعدم تنورك.

الذي تسمعه ليس نفس الكلام الذي اقوله، انت تسمع بطريقتك، تسمع من خلال تفسيرك وماضيك وذكرياتك ومعارفك والضغوط التي تقيِّدك. انت بكل بساطة تسمع من خلال عقلك، وهو يلوِّن كل ما يسمعه ليغيره ويجعله متوافقا معك. يُسقط شيئا ويضيف شيئا ويؤوّل ويملأ الفراغات ويضخِّم ما يريد. ويحتفظ بجزء مما قلت، والجزء لا ينوّر، فقط الكل الكامل هو الذي ينور.

يبقى الكل كليا وكاملا ما لم توافق وتخالف. أيْ ما لم يتدخل دماغك ليفاضل ويقارن ويمايز، لذا ضع عقلك جانبا ليبقى ما قلته كاملا لينورك. وأيُّ مجهود في التوافق والتخالف يعني أنك تحكّم العقل فيما تسمع، أليس هو الذي يوافق ويخالف؟. الفهم شيء اكبر من العقل. الفهم شيء من الوجود ومن صلب الحياة، يشملك من عقلك حتى اخمص قدميك.

الفهم شيء كلي، الفهم من اختصاصك كلِّك ويحتاجك كلَّك، أما العقل فهو جزء بسيط منك، ولأنه دكتاتوري يوهمك ويتظاهر بأنه الكل في الكل.

المشهد الثاني:
كان هناك رجل اعمال شاب، اخذ زوجته الى باريس، وبعد ان تسكع معها في المتاجر استاذن بيوم راحة وحصل عليه. ذهبت هي للتسوق وذهب هو للقهوة. تعرف الى باريسية جميلة جدا، تجادلا حول السعر، اصرت على خمسين دولارا، بينما هو استعد لدفع عشرة دولارات فقط، وهكذا لم يتفقا وافترقا.

في المساء اخذ الرجل زوجته الى احد المطاعم الفاخرة، واذا بالباريسية الجميلة الجالسة على طاولة بالقرب من الممر تلمحه، فانتظرته حتى مرّ من جانبها فهمست له" على قدر ما دفعت حصلت".

كن حذرا، يكون المشهد حسب الزاوية التي تنظر منها ، وبناءً على مرجعياتك تفكر، ما تسمع هو تفسيرك. انت توافق مع صداك وليس معي. وما دمت توافق مع افكارك فكيف ستتغيير. لذلك مستحيل ان تتغير، ارجوك كف عن الموافقة، فقط انصت لي.

موافقتك قد تكون خدعة لحماية نفسك من الصدمة، هي بمثابة مخفف صدمات. انا اقول شيئا وانت توافق مسرعا، وهكذا تتجنب الصدمة. الاختلاف والموافقة كلاهما يقطع تواصلك وتفاعلك معي. لو لم توافق معي لربما صُدمت واصابتك الدهشة حتى جذورك... وتنورت، هذه الموافقة تقطع الطريق على الدهشة.

نحن اخترعنا كثيرا من الدفاعات ضد الصدمات، هذه الدفاعات هي التي تمنع تغيّرك. لتتغير يجب ان تُصعَق، ان تُذهل، ان تهتز، ان ترتجف، ان تستغرب وتخاف. ولا أُخفيك انه شعور مؤلم ويتجنبه الكثيرون، لكنه الطريق الى التغيير. كلٌّ من الموافقة والاختلاف مريح ولا يؤلم.

من يريد ان يكون بقربي ويفهم ما اقوله ويتواصل معي يجب ان لا يوافق وان لا يختلف. يجب عليه ان ينصت،...فقط ان ينصت...انصات صافي...انصات مطلق بدون اي محاولة للتفسير، ان يدع اناه جانبا ويفسح لي الطريق.

المشهد الثالث:
يُسهب الاب في وعظ ابنائه عن الاخلاق والسلوكيات الحميدة، فيسأله اصغرهم " اصحيح انك لو امسكت باللص لسلمته للشرطة لتسجنه"، يجاوب الاب "نعم... نعم بالتأكيد"، ويستمر في حديثه، يقاطعه نفس الولد قائلا " وإذا ضبتني اسرق من محفظة نقودك، اتسلمني للشرطة كي تسجنني"، فيجيب الاب " طبعا لا يا ولدي، مستحيل"، يتململ الاخ الاكبر ويميل على اخيه السائل ويهمس في أذنه " ألم اقل لك ذلك، وانت كنت خائفا".

كل ما توافق عليه او لا توافق معه هو مجرد اساليب لتقاوم التغيير وخِدَع لتبقى كما انت. واستطيع ان اجزم ان كل ما يعمله الناس هو مقاومة التغيير، مع انهم يدّعون " انا لا اريد ان اعيش حياة تعيسة" لكنهم ماضون في عمل وتكرار ما يضمن ويسبب لهم الشقاء، انهم يقولون " انا اريد ان اتغير" لكن بفحصي لاعماقهم ، هم لا يريدون ان يتغيروا قيد أُنملة.

في الحقيقة، عندما يُبدون رغبة في التغيير هم يتحايلون فقط، لكي لا يتغيروا، وبذلك يستطيعون الاعلان " انا حاولت، وانا اصرخ واقول انني اريد التغيير، ولكني لا اتغير، فماذا استطيع ان افعل؟!".

هنا انتبه: أقول انك لاتستطيع ان تتغير، ليس انت من "سيغيرك"، بل فقط تستطيع ان تسمح للتغيير ان يحصل، وهذا فرق كبير. بمحاولاتك التغيير لن تغير شيئا. قل لي من الذي يحاول؟ إنه القديم، انه ماضيك!.
انتبه للمنطق في هذا النقاش، انت تحاول تغيير نفسك. كالذي يحاول ان يجر نفسه من رباط حذائه، وهذا لا يقدّم ولا يؤخر. انت لا تستطيع تغيير نفسك، لان السؤال يبقى من الذي يحاول التغيير، انه ماضيك الذي يحاول، انه انت.

المطلوب منك: فقط أن تسمح للتغيير بالحدوث، وماذا تستطيع ان تفعل لتسمح بذلك: ان لا تحاول ان توافق معي او تخالفني رجاء. فقط انصت، كن هنا لتفهم.

دعني اكون الوسيط، ان انقل لك العدوى، وان تلتقط المرض الذي اعاني منه، وان تسري اليك الحمى التي بداخلي، اسمح لي فقط. السماح لي يعني ان تحرر ذاتك من نفسك، ان تتحرر من اناك، ان تستسلم للّحظة التي تعيشها معي.

الشخص الذي يوافق هو تابع. المريد او طالب التغيير، هو الشخص الذي لا يتبعني، وهو لا يكون طالبا اذا وافق معي، لانه لو فعل يصبح تابعا وعبدا. مثل اتباع المسيح الذين وافقوا معه، لكنهم هم لم يتغيروا. او مثل اتباع بوذا الذين لم يتغيروا. الا ترى ان الناس في هذا العالم يبحثون دائما عن احد ليتبعوه.

اذاً، ان تَتْبع يعني ان تتجنب التغيير. رجاء لا تتبعني، بكل بساطة انصت لما يحدث هنا، انظر ماذا يحصل. فقط اسمح لي بالدخول اليك حتى تستطيع طاقتي ان تعمل على طاقتك، فتشعر بي، وتهتز وترتعش على ترددات عالية الفولتاج.... حتى ولو كان ذلك لبرهة.
ما ارمي اليه لا يتأتّى فقط بالأعمال الفكرية، بل هي علاقة شمولية وجودية تكاملية واتحاد.

هذه اللحظات ستجلب التغيير لك وهي بمثابة اطلالة سريعة على التنوير. هذه اللمحة ستُعلمك انه هناك ازلية وأبدية وخلود فوق الزمن الذي يمكن تجاوزه. هذه اللحظات ستفهّمك ما هو التأمل. في هذه اللحظات ستتذوق ما هو الله، التاو، التنترا او الزن.

الموافقة تعني ان ماضيك هو الذي يقوم بذلك، بينما الذي يقوم بالانفتاح والسماح لي بالدخول هو مستقبلك. الماضي مات وانقضى، إدفنه. ليس له معنى الان، لا تستمر في حمله، انه احمال زائدة وغير ضرورية. بسبب هذه الاحمال لا تستطيع التحليق عاليا.

ماذا تقصد عندما تقول" انني موافق معك"، هذا يعني ان ماضيك هو الموافق، ماضيك يشعر بالرضى ويهز راسه موافقا ويقول " نعم هذا ما كنت دائما اعتقده". هذه طريقة لتجنب المستقبل، كن حذرا.
ان تكون معي بالرغم "عنك" هو التحليق، دع بعض الشعاع يتسرب اليك وسترى ماذا سيحدث. ستدرك ان كل ما عشته لم يكن حياة، وان ما عايشته كان وهما وانك صحوت من كابوس طويل. لحظات الاطلالة على الحقيقة ستهشم وتنسف الماضي وتبدده، حينها ستعرج عاليا، وهذا يكون حاصلا تحصيلا وبشكل تلقائي نتيجة الفهم.
Osho "Talks on The Royal Songs of Saraha"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق