29.12.09

طاقة الجنس...10

المقالة العاشرة
ترجمة د خالد السيفي
السوال الثالث:
أليست التنترا طريقة من طرق الانغماس واشباع الشهوات؟

اوشو: لا، هي ليست كذلك على الاطلاق، بل هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الشّبق، هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الشهوانية واللذّة الحيوانية. ولم توجد اي طريقة اكثر فعالية من التنترا في هذا المجال لمساعدة الإنسان.

كل الطرق الأخرى جعلت الإنسان أكثر تحرّقا للجنس وأكثر انغماسا فيه وأكثر تعطشا له، ولمّا يختف الجنس. كل الديانات جعلته اكثر سميّة، وما زالوا يمارسونه بشكل مشوّه وسام وفاسد. نعم تنامى الشعور في الذنب داخل الناس ولكن لم يختف الجنس.

لا يمكن للجنس ان يختفي لانه من طبيعة حيوية، انه شيء من الالوهة ومن الوجود. ولا يمكن أزالته أو القضاء عليه بمجرد كبته.

أما الشهوة الجنسية فممكن التخلص من سطوتها إذا كنت قادرا على التحرر من طاقتها الكامنة، فتتعالى وترتقي. التحرر من طاقة الشهوة لا يتأتّى إلا بالتفهم، لا بالكبت. كزهرة اللوتس التي تطلق طاقة الحياة الكامنة في بذرتها على شكل جَذر إلى أسفل، أما هي فتسمو وتتشامخ مفارقة الوحل والعفن إلى أعلى.

بعكس الكبت الذي يقود الأفراد الى الانغماس فيه. وما يقوم به الناس الآن هو دفع الجنس الى مناطق اعمق في اللاوعي بطرق مختلفة من صوم وصلاة ولباس وهجر الى الكهوف او الاديرة او الصوامع. هذا يخلق تعطش وشهوة اكثر واحلاما جنونية اشد وأبلى.

لا، التنترا ليست طريق للانغماس الجنسي، هي الطريق الوحيد للتحرر منه. التنترا تقول: يجب تفهم الاشياء ليحدث التغيير من تلقاء ذاته.

وعندما تستمع لي او لسراها، أرجوك لا تسيء فهمنا، لا تستنتج اننا ندعوا الى الاستسلام للملذات وللشهوات والانغماس فيها، فإن فعلت، تكون في وضعٍ مخزٍ ومحرج. استمع لهذه القصة:
يذهب رجل عجوز اسمه مارتن للدكتور لمعاينته، يقول مارتن" اريد ان اطمئن، ماذا بي؟ لدي اوجاع هنا وهنا وهناك، ولا افهم لماذا، لقد عشت حياة طاهرة نظيفة، لم ادخن ولم اتعاطى الكحول ولم اتسكع. دائما كنت آوي وحيدا الى الفراش مبكرا لاقوم صباحا نشطا. أما الآن فانني اشعر نفسي موجوعا ومعتلا". ساله الطبيب "كم عمرك؟" فقال" قريبا احتفل بالرابعة والسبعين عاما"، فقال الطبيب "انك تطوي السنين وعليك تقبل هذه التغيرات الطبيعية، لكن لا تقلق، امامك الوقت كله لتعيشه، فانت بصحة جيدة، واقترحُ عليك ان تروّح عن نفسك فتذهب الى الينابيع الساخنة" وهكذا كان.

هناك، يقابل مارتن عجوزا هرما مقعدا، لكنه يافعا بعض الشيء، فيبادره مارتن " لا بد انك اعتنيت بصحتك جيدا لتبدو كذلك بعد كل هذه السنين، فما هي الوصفة ان لم تمانع؟" فيجيبه الرجل "لا على العكس يا سيدي، فانا اتّبعت وصية ابي عندما قال لي وانا في سن السابعة عشر ان ألْهوَ واتمتع بوقتي، ان اشرب وآكل واتزوج النساء واتسكع وان لا ادخر دولارا واحدا. لقد صرفْت كل ما لدي على النساء والخمر والتّلهّي هنا وهناك حتى وصلْتُ الى هنا". فقال مارتن" ومع ذلك تبدو يافعا بعد كل هذه السنين، فكم عمرك؟" اجاب الرجل" اربع وعشرون سنة فقط".

الانغماس يعني الانتحار، والكبت كذلك. هذان هما قطبا التطرف اللذان حذر منهما بوذا. لذا ابقَ في الوسط، لا مكبوتا ولا منغمسا، كن فقط في الوسط واعيا مراقبا ويقظا ومعتدلا.

انها حياتك، احرص على ان لا تكون مكبوتة، لكن لا تبددها مستهينا ومبتذلا. اهتم بها، أحببها وكن صديقا لها. واذا استطعت ذلك فستكشف لك اسرارا كثيرة وستقودك الى باب الالوهة.

لكن التنترا ليست انغماسا على الاطلاق، ظن المكبوتون دائما ان التنترا انغماسا، لان عقولهم مصابة بهوس شهواني شديد. فمثلا رجل ينقطع في صومعة دون ان يرى اية امراة في حياته، كيف سيصدق ان سراها لم يكن متورطا مع تلك المراة التي عاش معها. سيتساءل ويتعجب كيف يُعقل أن يعيش معها من غير جنس؟ ولا سيما انه كان يتأمل جسدها ومحاسنها. إنه لن يصدق.

لا تستطيع ان تتوقع ما كان يرى سراها في تأملاته. انت تفكر انه كان يمارس الجنس معها. وإذا كنت من المكبوتين فان كل ما فيك من شهوة ستطفو الى السطح، ويبدأ دماغك يغلي بالصور والتخيلات حتى تصبح كالمجنون. وتُسقط كل ما تخيلته على سراها.

هو لم يُقْدِمْ على أي شيء من هذا القبيل، انه ينتمي ويتحرك في مجال مختلف عما تفكر فيه، انه في بُعدٍ اخر وفي فضاء ذو طبيعة غريبة عليك، انك بكل بساطة لا تفهمها، انه حقا ليس مهتما بالجنس.

هو يريد ان يرى ماهية لحظة النشوة تلك، يريد أن يفهمها، وان يتفهم ما هو هذا النداء، يريد ان يكون متأملا لهذه اللحظة كي يجد مفتاح اللغز. ربما يكون مفتاح المقدس موجودا هناك.

وفي الحقيقة هو موجود هناك.
لقد وضعت الطبيعة سرها في الجنس، فهو من جهة يحافظ على استمرارية الانسانية وبقاءها على وجه الارض، وهذا ما يعرفه الجميع. اما من الجهة الاخرى فهو يُمكِن ان يكون طريقا للاتحاد بالابدية اذا كنت واعيا ويقظا ومراقبا لطاقتك الجنسية.

يأتي أولادك من جزء بسيط من هذه الطاقة ، اما بقيتها فيمكن استعمالها لتُدخِلْك إلى السرمدية واللامحدود. طاقة الجنس هي طاقة حية.

عادةً ما نبقى في غرفة الضيوف، في قاعة الاستقبال، اما سراها فقد اراد ان يكتشف ويتجول ويرى القصر كله،.والذين ذهبوا يشتكونه للملك، مؤكدا كانوا مكبوتين، مثل معظمكم.

السياسيون والكهنة يفرضون الكبت على الناس، فيقودونهم الى الجنون، لان حكم المجانين اسهل من السيطرة على العقلاء.

وعندما يكون الناس ملسوعين بطاقتهم الجنسية فانهم سيتراكضون كالمسعورين في جميع الاتجاهات. انهم يعوّضون عن كبتهم بالشراهة الاستهلاكية او بجمع المال او بتحقيق السلطة او ببلوغ المكانة الاجتماعية، يحاولون ان يُظهروا قوتهم الجنسية باشكال اخرى، انهم يَغلون كالمِرجل، يجب ان ينفسّوا هذا الضغط بطريقة ما.

من هنا يأتي الشره بالمأكولات والملبوسات والزينة ويتحول الناس الى مدمنين سلطة وتسلط، للتنفيس عن كاهلهم.

كل هذا المجتمع مهووس بالجنس، وإذا ما طرحنا منه هذا الهوس سيختفي الجنون بالمال وتبعاته.

حينها، من الذي سيهتم بالمال؟ ومن سيهتم بالسلطة؟ لا احد. لا احد يريد أن يصبح رئيسا او وزيرا.....لماذا يطمح؟ لا داع لذلك. الحياة جميلة جدا وكاملة بطبيعتها العادية ومتكاملة بدون زيادة او نقصان.

اذا دَمّرتَ طاقة الجنس لدى الناس وشوهتها وكبتّّها ولعنتها، فأنهم سيفتقدون شيئا مُهِما، بمعنى انهم سيتمحورون دائما حوله. سيبحثون عن المتعة واللذة في الرذيلة، في السياسة وفي السلطة كتعويض عن الجميل والمقدس والفردوس المفقود.

الجنس هو نشاط مُعطىً من الطبيعة ومن الله، من البداية حتى هذه اللحظة. وانت لا تعيش في الحاضر الا عندما تمارس الحب.
وللأسف، حتى عندما تحب فانك تعيش الحاضر فقط لبضع ثوان، لتهرب للماضي او للمستقبل.

التنترا تقول يجب ان تفهم الجنس، وان تحل لغزه.
وأرجو أن تتأمل العبارة هذه: إذا كانت الحياة لا تخرج إلا به ومنه، اذاً فهو يقبض على طاقة مركّزة ومكثَّفة ذات وزن نوعي ثقيل من الحيوية، وهذا يعني أن فيه أكثر مما يبدو عليه.
وهذا" الأكثر مما يبدو عليه" هو المفتاح الى الالوهية والابدية واللامحدود.

انتبه هنا جيدا: إذا كانت استمرارية النوع الإنساني معتمدة على الجنس وقيمته الحيوية، فهذا يعني أن للجنس منزلة عالية ومقدسة وسامية، ويتمثل هذا بان الحياة لا تخرج إلا منه وبواسطته، وهذا يعني أن في طاقة الجنس ما هو اكبر وأعمق وأثمن وأقدس من مجرد شهوة يجب إشباعها أو كبتها.
أي انه ما زال في الجنس معان وأسرار أكثر مما يبدو عليه، أي انه أرقى من وطر أو لذة توجب التعامل معها. هو يختزن في مكنونه أكثر مما يَظهر منه ويَلوح لنا.

وهذا ما تدعو التنترا إلى اكتشافه، وهذا ما حاول سراها الوصول إليه.
OSHO-Talks on The Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق