15.2.10

مصدر التشتت...17

المقالة السابعة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

من العفوية الفريدة
المفعمة بالبوذية المثالية
كل المخلوقات جاءت منها وسترجع اليها
لكنها ليست مادية او فكرية

اولا: في علوم التنترا تُعتبر العفوية (التلقائية) من اعلى القيم وهي من الاسس المبدئية فيها. وهي تعني ، أن تكون طبيعيا، منسجما مع سجيتك، وانسيابيا مع سليقتك ومتوافقا مع جوهرك، بدون تقعير او تحديب، بدون تصنّع او زيف. وتعني ان لا تقف حائلا أمام نماءك وتطورك الطبيعي، ايضا، وان لا تتبنى ما يعيق إبداعك وتحقيق ذاتك.

هذا يعني أن تحقق إنسانيتك بسلاسة، أن تجري كالنهر بلا سدود او معيقات او تحويلات هنا او هناك. الانسيابية بالنسبة للتنترا ترنيمة، وهي تسبح بإسم العفوية والثقة.

التلقائية تعني الانسيابية بدون تدخل خارجي لحرف مسار تطورك الطبيعي، وبدون دافع داخلي بسبب أنانية او مصلحة، او تكسّب او مخادعة او تثعلب او مراوغة. إذا سيطرت النفعية اختفت الانسيابية وتلاشى التناغم. لن تكون تلقائيا اذا شدَّتك طبيعتك باتجاه وأمرتك أطماعك بسلوك الاتجاه المعاكس. تصبح كالذي يُجَرُّ جرا باتجاه الوعود والمغانم.

هذه هي حال ملايين الناس. يجرجرون أنفسهم نحو مصالح متخيلة غير طبيعية، فيفقدون قوة المكنون الداخلي. وكان يجب ان يكون هذا المكنون هو الهدف، لتفعيله وإطلاق طاقته الخلاقة التي لا تنضب.

التشتت بين النداء الداخلي الإنساني والخارجي ألغنائمي يقود الى الانشطار في الذات والانفصام في الشخصية والتفتت في النفس. يتجسد كل هذا بدوره إحباطا ومهانة واذلالا. لو نظرت حولك لرأيت تعاسة في وجوه الناس، ومقتا في مزاجهم، وجحيما في معاشهم.

يبدو الناس خاملين او مثقلين، انهم محسوبون على الأحياء لكنهم في عداد الأموات. حركتهم ثقيلة ومقيَّدة، ليست بها رشاقة. لا يمكن ان تكون رشيقة، لانهم في معركة، في قتال مستمر مع شهواتهم ونزواتهم ، يريدون أكل هذا وخداع ذاك، شراء هذا وتبديل ذاك، ملاحقون من الحرام والممنوع، خائفون من القال والقيل هنا، ومرتعبون من تقاليد المجتمع المتكلسة هناك.

انهم مأسورون بقيود الماضي بينما يُطحنون في الحاضر.

يأتي الإلهام أحيانا ليدلك على الطريق الصحيح، فيمطرك الآخرون مواعظ وإرشاد ونصائح، فتبدأ بالتفكير" أيجوز أن يكون كل هؤلاء على خطأ، وانا على صح، لا ....لا يمكن. لو لم يكونوا على حق لما كانوا بهذه الكثرة"، وتنتهي الى أن تتراجع.

الشرط الاجتماعي يستطيع ان يقضي على أي إبداع، وقادر على تشويه أي تطور، ومستعد لمقاومة أي شيء طبيعي، وهو ضد اي نماء او أي نداء.

هذا المجتمع المتخلف استطاع ان يخلق فيك شروطا داخلية. لم يكتفوا بحصارك من الخارج، بل تسللوا الى داخلك. وهذا هو الفن في قهر الإبداع والسيطرة عليك، ان تصبح عدو ذاتك. المجتمع ماهر ولديه الوسائل الكافية ليُدجِّنَك ويجعلك "سويا" ومقبولا فيه.

لقد زرعوا فيك جاسوسا واسموه "الضمير". إذا أردت ان تطلق سجيتك، يتصدى لك ليصرخ "لا تفعل". كان من الاولى ان يكون ضميرنا مرشدنا، لكنه اصبح البوق الذي يتكلم من خلاله السياسيون ومدَّعو الاصلاح وراكبو الدين ومتاجرو الوطنية.

انهم انتجوا فيك ضميرا مُشَوَّها خائفا كاذبا وخائنا، انه خادم لمصالحهم. بدؤوا هذه العملية منذ طفولتك، عندما لم تكن واعيا لما يحدث لك. لقد وضعوا فيك موظفهم "الضمير". لذا انت دائم الشعور بالذنب، هم ركبوا في بناءك وبنيتك عقدة الذنب. الذنب يعني انك فعلت ما لا يريد الاخرون ان تفعله .

كلما أردتّ أن تكون ذاتك، وكلما أظهرت خصوصيتك وإبداعك، وكلما حاولت ان تمارس فرَدانيّتك وتميزّك شعرت بالذنب. والنتيجة، تراك عندما لا تريد ان تكون مذنبا يجب ان تكون غير طبيعي، هذه ورطة. واذا تجاوبت مع حقيقتك وملكاتك الإنسانية تكون مذنبا، وهنا صلب المشكلة.

أصبحت تعيسا، ولأنك يجب ان تعيش وتتعايش، تبدأ بالتظاهر، وتلجأ الى القشور للتعريف بنفسك وتعزيزها، مُخفيا حقيقتك المهزوزة والمنهارة. تصبح كاللص في وضح النهار. وهذا يجعلك خائفا دائما، ومتوترا أبداً. تصبح مرعوبا مشوشا مضطربا وقلقا، فتكره الحياة وتمقتها، ومن ثم تنطفئ شعلة الرغبة في العيش والاستمرار. هذا هو الموت حيا.

انظر إلى حالك؛ عندما تفعل ما يريده الناس تشعر بالندم، وعندما تفعل ما تريده أنت تشعر بالذنب. وبين هذين الفكين تسعى، لا نشاطا، بل متلويا كالدجاج المذبوح.

تتوهم انك تمتلك حياة، وانك وضعت خطة لتعيشها، وتظن انك تُفَصِّل احداثها، ويتهيأ لك انك تنفّذ ما تصبوا اليه من احداثياتها. للحقيقة، انت مأمور ومُقاد ومجبور.

تماما كالذي يجلس أمام مقود سيارته، لكنه ينفذ أوامر امرأته وحماته الجالستين في المقعد الخلفي، تستطيع ان تصرخ الف مرة لكي يكفّوا ، لكنهم لا يفعلون. وخياراتك كلها أمَرَّ من الأخرى. لا تستطيع أن تطردهم، فهم زوجتك وأمها، ولا تستطيع مغادرة المركبة فهي لك، والطريق يجب إخلاءها للآخرين.

في هذه الحياة، كثيرون يجلسون فوق كتفيك او تحملهم على ظهرك، الآباء والأجداد، الأستاذ ورجل الدين، السياسي وصاحب العمل، المصلح والقديس، يأمرونك "افعل هذا وابتعد عن ذاك. لا تأتي هنا واذهب هناك ". الكل يشرِّع ويشور. انهم يسبّبون لك الجنون. وهذا هو مطلبهم وتلك هي خطتهم.

انت من باب اللباقة والكياسة تعلّمت ان تُطيع، وخاصة انه عندما يكون العنوان "لمصلحتك". وحتى لو تمردت ولم تُطِع، سيتولد فيك خوف أن تكون على خطأ، هم الأغلبية وأنت الأقلية ويجب أن يكونوا على حق.

لكن تذكّر، ليست المسألة من على حق ومن على خطأ. المغزى والسؤال هو ان تكون تلقائيا شفافا نظيفا. الانسجام مع ذاتك هو الحق، وإلا أصبحت مقلدا. والتشبه لم يكن تحقيقا للذات أبداً ، ولا هو الإبداع ولا يستطيع تفعيل المكنون الإنساني.

قد تكون أردت ان تصبح رساما. وانبرت لك امّك وانضم لها ابوك لكي يقنعوك " انها ليست مهنة شريفة، لا تدرُّ ربحا ولا تحقق مكانة اجتماعية ولا احتراما. سيعتبرك الناس مشردا وشحاذا، يجب ان تتعلم محاميا". وهكذا غدوت قاضيا.

في المحكمة، يأتون بمذنب، ويبدأ المدعي العام بكيل الاتهامات، لكن ما زال الرسم ينبض في عروقك، ويتوقّد في داخلك، فتبدأ بتأمّل المتهم وتشرع باكتشاف خطوط وجهه، وتجاعيد جبهته، وبروزات فكّيه، ونتوءات جمجمته الحاملة للحواجب الكثيفة، فتقول في نفسك" انه سيكون لوحة رائعة".

الآن وقت المرافعة، لكنك في عالم آخر، ترى الشعر فتتذكر الألوان ورائحة الأصباغ، تسمع ما يتلى لكنك لست هناك. تشعر انك لست أنت، لست طبيعيا. ستشعر دائما بعدم الراحة، ستلاحقك الألوان في الشارع، في الحديقة والجبل والصحراء، حتى لو هربت بنظرك للسماء، الألوان حولك أينما ذهبت.

لكنك ستتعوّد، وتعوِّد الآخرين على احترامك، وتصبح محترما مقنَّعا متوترا. انت الآن مسخ، والانكى انك مسخ صناعي مستعبد.

سمعت، أن سيدة كانت تدخن بنهم وشراهة، أقلعت عن التدخين بسبب إصابة ببغاءها بالسعال. اعتقدَت انه مصاب بذات الرئة، فأخذته للبيطري لعلاجه. فحصه الطبيب فحصا شاملا فلم يجد فيه اية علة ، فأعلن لها ذلك. فتساءلت مستاءة عن سبب السعال. اجاب الطبيب " انه يسعل مقلدا إياك، وهذا ما في الأمر".

إذاً، لم يكن الببغاء مريضا بل مقلدا. راقب نفسك لكي لا تكون حياتك كلها تقليدا ووهما، فتهدرها هباء. واحذر، ان كل ما تكسبه وتحصل عليه من القشور لن يعوضك عن حقيقة الحياة وجمالها وبهاءها. هكذا تجعل تنترا الانسيابية والسجية اول قيمة من قيم الحياة.
OSHO – Talks on The Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق