2.2.10

الثابت والمتغيّر...15

المقالة الخامسة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

كالغيوم المنبثقة من البحر
مهما شربت الأرض من المطر
كالسماء يبقى البحر
دون زيادة او نقصان

يقول سراها للملك: انظر إلى السماء، هناك ظاهرتان... السماء والغيوم. تاتي الغيوم وتذهب، اما السماء فثابتة. قد تكون هناك غيوم ، وقد لا تكون، لكن السماء باقية ابدا. لذا فالغيوم ظاهرة زمنية، بمعنى انها مؤقتة. بينما السماء هي ظاهرة غير زمنية، بمعنى انها سرمدية لأنها باقية دائما.

الغيوم قد تحجب السماء، لكنها لا تعكّر وجود السماء، حتى السوداء منها. لن تأثِّر الغيوم بالسماء،. صفاء السماء شيء مطلق، ولا شيء يستطيع أن يعكره. انه صفاء عذري لا يمكن اغتصابه. جاءت الغيوم وذهبت على مرّ العصور، وما زالت السماء صافية كما كانت ابدا، حتى انك لا تصادف للعكر أثرا.

هناك شيئان في الانسان، ما هو كالسماء وما هو كالغيوم.
اعمالك تشبه الغيوم... تأتي وتختفي. أما انت (روحك) فمثل السماء: لم تأت ولم تختف. ولادتك ومماتك مثل الغيوم... مثل اعمالك. لكنك؟!.انت لست عملا (حدثا)، لقد كنت وستبقى دائما موجودا. الأشياء تحدث... انت لم تحدث ابدا.

الاشياء تحدث كما الغيم تحت السماء، أما أنت كالسماء موجود صامت ومراقِب لمسرحية الغيوم. فحينا تكون الغيوم بيضاء جميلة، واحيانا سوداء قبيحة. مرة فيها ماء ومرات خاوية. آناً تسبب خيرا واواناً شرا ودمارا. حيناً تحدث فيضانا واحيانا تجلب الحياة والخضرة والمحاصيل.

لكن السماء تبقى كما هي إلاهية صافية وغير ملوثة. الأعمال غيوما وأشكالا وألوانا،و الوجود سماء.

سراها يخاطب الملك: انظر الى سمائي. لا تنظر الى أفعالي. هذا يتطلب منك بعض التغيير، بعض الوعي، لا شيء مطلوب غير تغيّر في الوعي، تغيّر في الإدراك.

أنت نظرت الى الغيوم، ركّزت عليها ونسيت السماء. وفجأة، انت امامي، امام السماء فتذكّرت السماء. الآن تركّز على السماء. أصبحت الغيوم غير ذي صلة، الآن انت في بُعد اخر. انتبه، لحظة تغييرك لموضوع الاهتمام يصبح العالم مختلفا.

لا تركز على سلوكيات الشخص، انها كالغيوم، انظر في كينونته، في جوهره الصافي كصفاء السماء، تأمل السماء.

عندما تراقب الصفاء الداخلي للإنسان، لن تجد اي شر فيه، حينها يصبح الوجود كله مقدسا. لكن اذا اردت مراقبة الافعال سيصبح كل من عيسى وبوذا وكريشنا وماهافيرا مجرما لا قديسا.

أُلِّفت كتبا كثيرة في الغرب عن السيد المسيح، منها ما يظهره الاها ، ويستطيعون إثبات ذلك،وكتب أخرى تستطيع ان تثبت انه كان مجنونا وعُصابيا ليس الا. ولا تنس انهم لا يتكلمون عن شخصين، بل هم يتكلمون عن نفس الشخص. وكيف يمكنهم فعل ذلك؟!... إنهم يتدبرون أمرهم جيدا.

فريق اختار ان يركز على الغيوم السوداء، وفريق آخر ركَّز على البيضاء. وكلتاهما متوفرتان، لان لكل فعل وجهين، لا يكون الفعل إما ابيضا وإما اسودا. أن تكون موجودا، يعني أن تكون الاثنين معا (الابيض والاسود).

أي عمل، ومهما كان هذا العمل الذي تقوم به، يحضر للوجود ما هو خير وما هو شر. أي عمل تنجزه سيكون له نتائج ايجابية وأخرى سلبية. خذ مثلا، أنك أهديت ابنك دراجة، يسوقها في الشارع فيصدم ولدا او امرأة ويكسر يده. كانت نيتك أن تفرحه فإذا بك تكسِّره ومن بالشارع. تعالج احدهم في المستشفى ويخرج قويا ليقتل جاره.

فلو لم تدلل الابن لما تكسَّر، ولو لم تعالج مريضك لما ارتكب الجريمة. أنت في النهاية ساهمت في زيادة الحوادث والجرائم! كانت نواياك حسنة، لكن جاءت النتائج مدمرة. والآن هل نحكم على النتائج أم على النوايا؟ ومن الذي يحزر نواياك؟ لا احد. النوايا مخفية. ربما عالجته ليقتل.

أحيانا تكون نواياك سيئة وتأتي بنتائج طيبة. أنت تقذف حجرا بنية إيذاء احدهم، يشج الحجر رأسه، وبدلا من إيذاءه تفيده. فقد عانى هذا الشخص من صداع نصفي لأعوام طويلة، ومع الضربة يختفي الألم. الآن كيف نحكم على فعلك؟ أاخلاقي ام لا ؟ كنت تريد ايذاءه فقدمت له خدمة عظيمة.

على اي حال، هكذا تم اكتشاف العلاج بالإبر الصينية. هذا العلم الذي قدم خدمة جليلة للإنسانية وانعم على الملايين بالصحة والراحة. القصة تقول ان احدهم وجّه سهما على عدوه بهدف قتله، فأصابه في رجله. سقط جريحا وتم إنقاذه من قبل طبيب القرية. إلا أن هناك ملاحظة استرعت انتباه الطبيب، لقد اختفى الم الراس المبرح الذي كان يعاني منه هذا الرجل قبل إصابته.

بعد التدقيق والتمحيص خَلُص الطبيب الى أن السهم أصاب الرجل في نقطة غيرت مجرى الطاقة في جسده. هذه النقطة اعترضت تدفق الطاقة في مساراتها الطبيعية وهذا كان سبب الصداع. كانت هذه النقطة مسدودة، وبفعل الوخز انطلقت الطاقة في مساربها ووصلت الى الرأس وزال الألم.

لهذا السبب، اذا شكوت للطبيب ألما في أذنك ، فقد يبدأ بالضغط على نقاط في الكف او في أخمص القدم او في الظهر، وانت تسأله ما لأذني وقدمي، فيخبرك ضاحكا انه يحاول ان يدفع الطاقة الى منطقة الوجع، لان الجسم متشابك ومتصل ببعضه البعض. هناك الآن اكثر من سبعمئة نقطة للطاقة مكتشفة في أنحاء الجسم. كل شيء في الداخل متصل.

هذا الرجل الذي اطلق السهم، أقديس هو ام شرير؟ صعب ان تقول، بل صعب جدا الحكم على الأعمال و هذا يعتمدعلى الزاوية التي تنظر منها الى الحدث. وتستطيع أن تصفه كما تشاء، وبغض النظر عن الصفة وعن ما تريده أنت، فان العمل يجلب الى الوجود النتائج السلبية والايجابية.

يقول اوشو: هذا ما افهمه وأرجو أن تتأمله. واكرر أن العمل يجلب الصالح والطالح من النتائج بنسب متساوية، خمسون بالمئة للرديء منها وخمسون بالمئة للحسن. والسبب، أن الحسن والسيئ وجهان لعملة واحدة. الجيد متصل بالسيء ويكون ملازما له.

عندما تلتقط طرفا فانك تلتقط الطرف الاخر، وإلا الى أين سيذهب الطرف الآخر؟. لا تكون العملة إلا بوجهين. انا لم أصادف عملة بوجه واحد. هكذا هي الأشياء بطبيعتها.

يكون الاشرار مفيدين حينا، بينما المصلحون مضرين احيانا. المصلحون والاشرار في نفس القارب. وبحال فهمك لهذا المعنى يحدث التغيير ولا تعود تنظر للأفعال.

لانه اذا كانت الاعمال مرهونة بالنتائج الحميدة والرديئة بنفس النسب، وهي مناصفة، فما الفائدة من اصدار الاحكام عليها. ومن هنا وجب نقل موضوع المراقبة والتحرك لبعد آخر...السماء (الجوهر).

يقول سراها للملك: ما أخبرك به المخبرون صحيحا، انا ارقص واغني وأعيش مع صانعة السهام. ولكن اذا ركزت على ما اعمله فلن تفهمني. اطلب منك ان تنظر الى سمائي الداخلية، الى مضموني، راقب أولوياتي، راقب جوهري، وهذه هي الطريقة الوحيدة لرؤية الحقيقة.

نعم أعيش مع هذه المرأة.... والعيش مع المرأة يعني ما يعنيه في العادة.
ما يقوله سراها مهما جدا انتبه: هذه ليست حياة عادية، ليست هناك علاقة رجل بامرأة على الإطلاق. ليس هناك أي اهتمام جنسي. نحن نعيش معا كقاربين خاليين. ولكي تفهم هذا يجب ان تنظر للسماء لا للغيوم.
OSHO-Talks on Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق