9.2.10

الجوهر الثابت...16

المقالة السادسة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

كالسماء يبقى البحر
دون زيادة او نقصان

سراها يذكّر الملك بشيء آخر: راقب البحر، الغيوم تتشكل من البحر، بفعل تبخر كميات هائلة من الماء. ومع ذلك لا يتناقص البحر. يسقط المطر على الارض، فتتكون الجداول لتصب في الأنهار ومن ثم تنتهي في البحر، ومع ذلك لا يزداد البحر.

كل الفيضانات ترجع للبحر، كل الأنهار العظيمة تصب فيه، ولا تزيد كميات مائه. مهما أخذت مِن البحر ، او أضفت اليه، فهذا لا يشكل فرقا بالنسبة لكمية الماء فيه. انه كامل ولا تستطيع التأثير فيه.

سراها يعني: انتبه، عندما تحقق الصفاء الداخلي وتصل الجوهر الحقيقي النقي، فان الاعمال الخارجية تصبح غير ذي صلة، أي لا تؤثر في الجوهر، لا الصالحة ولا الطالحة. انت تبقى كما أنت.

اوشو: هذا قول ثوري، وهي جملة عظيمة.

سراها يقول للملك: لا تستطيع ان تضيف أو تنقص من الإنسان شيئا، لان كمال حقيقته لا يمكن النيل منها. لا تستطيع تشويهه او تجميله. لست قادرا على اغناءه او افقاره. انه المحيط.

لبوذا بيت شعر تشبيهي -فايبولا- يفيد أن في المحيط جوهرتان، واحدة تعوض النقص من الماء، والثانية تمتص الزائد منه. هاتان الجوهرتان العظيمتان تصونانه من الزيادة او النقصان. يبقى كما هو لا أكثر ولا اقل.

لا يهم كمُّ الماء المتبخِّر في الغيوم، ولا يهم كمُّ الماء الآتي من الأنهار، المحيط هائل وعظيم لا تؤثر به هذه الكميات. هذا هو جوهر الانسان، هذا هو كنه الوجود!. الزيادة والنقصان مظاهر تخص التغييرات الطارئة على الأطراف، او في الهوامش، او في السطوح الخارجية او على الحدود، وليس في الجوهر.

أن تصبح متعلما او مثقفا او مشهورا او جاهلا...هذا فقط قشور على السطوح الخارجية. ليس هناك ما يمكن اضافته للجوهر، ولا توجد هناك معرفة تزيد مما عندك أصلا في جوهرك. لا يمكن إضافة لما هو موجود. هذا صفاء لامحدود، لا يوجد ما يمكن تحسينه. وللاسف، الكل واقف على الحدود، غارق في القشور ومتورط في المظهر.

رؤية التنترا وجوهر الموقف الذي تتبناه: أنها ضد الهوس والولع بالمظاهر او التصنّع او التظاهر او التحذلق واللف والدوران. ولا يمكن فهم وهضم ذلك إلا بتذكّر هذا الإنسان لسمائه وبحره، وخطوة خطوة، وبالتدريج، يتنامى الإدراك لديه وتنضج المفهومية عنده، ليعرف ما هو المقصود بالغيمة، وما المعنى وراء السماء، وما هو النهر وما هو البحر!.

عندما تصبح على انسجام مع بحرك، تختفي كل التوترات، تذوب كل الذنوب. تصبح بريئا كالاطفال تماما.

الملك يعرف سراها؛ كان سراها من اكبر العلماء والحكماء، الآن هو يتصرف كالاطفال الجهال، توقفَ عن العمل بتعاليم الفيدا، وتجاوز الشريعة والشعائر والطقوس، وحتى التأمل لم يعد يمارسه. لا يقوم بأي عمل يمكن وصفه بالديني. ما يقوم به سراها هو الرقص كالمجنون والغناء كالطيور والعيش في مقبرة، اين ذهب تعليمه؟.

سراها يقول: تستطيع أن تجردني من كل معرفتي، بالنسبة لي هذا لا يعني شيئا، ولا ينقصني بشيء. ويمكن ان تصب كل الكتب الدينية فيّ، وهذا أيضا لا يعني شيئا، لا يزيدني بشيء.

هذا السراها كان أكثر الرجال احتراما، الآن هو الأكثر مَن في المملكة احتقارا.

ويستمر سراها: يمكن ان تغدق عليّ كل الشرف‘ او تسحب كل الأوسمة، او تدمر سمعتي..... هذا لن يغير فيّ أي شيء... لا شيء يحصل لي. كله سيان، وانا انا كما انا. انا الذي لا أزيد ولا انقص. الآن عرفت أنني لست غيمة........انا السماء.

لا اهتم لما يفكر به الآخرون ان كانت الغيمة سوداء او بيضاء، فانا لست غيمة، وانا لست جدولا، ولا نهرا...انا البحر. انا لست فنجان شاي لتحصل فيه العواصف بسهولة، ولا أفيض بزيادة ملعقة ماء، ولا انقص كثيرا بأخذها مني. انا البحر المهول، خذ الان ما تريد او اعطني ما شئت، كلتا الحالتان سيان، لا يهم... انا المحيط.

اوشو يقول: انظر لهذه الروعة، في اللحظة التي لا يهمّك فيها اي شيء، ترجع لبيتك. وإذا بقي فيك شيء من الخوف تبقى بعيدا عنه. بمعنى، إذا ما زلت تخشى ما يقوله فلان، او تهتم لإرضاء علان، او تحسب لما يجب ولما لا يجب....تبقى ما زلت بعيدا عن الجوهر. تبقى ما زلت تفكر بوجودك الزمني الآني، وليس بوجودك الأبدي الخالد.

وهكذا تكون لم تتذوق الإلوهية بعد.
OSHO-Talks on The Royal Songs of Saraha

هناك تعليق واحد:

  1. من أجمل ما قرأت على الاطلاق أشكرك جدا على هذا المجهود الانساني العظيم :)

    ردحذف