17.3.10

المتاهات ......21

المقالة الحادية والعشرون
ترجمة د خالد السيفي

يسلكون دروبا مغايرة وينبذون طريق السعادة
يلهثون وراء المتع المصطنعة
الشّهد موجود ومتوفر قريبا جدا منهم
سيختفي ان لم يشربوه في الحال

اذا لم تتوحد مع السماء التي تنتمي اليها في جوهرك، فانك ستسلك طرقا تاخذك بعيدا عن كينونتك. هناك ملايين السبل، لكن الصحيح منها واحد، وهو طريق السماء.

على أي حال، والحقيقية ان طريق السماء ليست بطريق، لان السماء لا تبرح الى أي مكان... الغيم هو الذي يذهب غربا حينا وأحياناً شرقا وهو في تجوال دائم شمالا وجنوبا.

الغيوم جوالة، ولديها خرائط تسلكها... لكن السماء قائمة وببساطة ثابتة، هي الكل في الكل، لن تذهب السماء إلى أي مكان؟!!

الذين يتذكرون وجودهم السماوي موجودون في بيتهم ويستطيعون الاستراحة والاستمتاع.

الجميع يسيرون في متاهات السبل ما عدا المتنورين. الجميع تخلّى عن طريق السماء المباركة والرحيمة إلا المهتدين.

اوشو يقول: جرب ان تتفهم هذا، انه قول مفصلي.
السعادة هي طبعك وطبيعتك، لكن في اللحظة التي تصاب فيها بالضلال فانك تهيج كالمسعور وتندفع ورائها لتقبض عليها، فتغدو بعيدا عنها وتفقدها، وما أكثر المتاهات والدروب المغرية.

السعادة شيء فطري ليست بحاجة إلى صناعة لإنتاجها، او تكلّفٍ لانجازها، أو مهارة لبلوغها او سَفَرٍ لتحصيلها.

نحن نسلك طريقاً لنصل إلى مكان ما....لكن السعادة ليست هدفا لتصله....إنها موجودة أصلا، هنا فيك أنت....إنها الأصل ، فلا تذهب إلى أي مكان.

في اللحظة التي تشرع فيها البحث عن الهناء تبتعد عنه.

أي حركة هي ابتعاد عن السعادة. كل افعال الابتداء والشروع والمباشرة في سبيل السعادة هي أفعال تشرُّد وضياع وتأخذك بعيدا. عدم الذهاب هو الوصول. الامتناع عن الذهاب هو المسلك الصحيح، ابحث ستخطأ، صوّب تصب.

يلهثون وراء المتع المصطنعة
هناك نوعان من السعادة:
نوع مشروط: أي لا يحدث إلا بشروط. مثل أن تعثر على مقدار من المال فتصبح سعيدا، أو أن ترقص فرحا لحصولك على تقية او جائزة ، أو ترى حبيبتك فتظن انك اسعد ما في الكون.

هذه كلها من نوع السعادة المشروطة المتعلقة بوجوب حدث أو فعل يجب أن يتم قبل الشعور بها. للأسف كلها مؤقتة ولحظية ولفترة زمنية محدودة، ثم تختفي وتتبدّد تحت وطأة عواصف الأحداث اللاحقة، فتزيلها.

والسؤال: لماذا لا تدوم سعادات كهذه، ولماذا هي قصيرة هشة كإطلالة بُرهة؟
بعد أن تعثر على محفظة من المال...، لوهلة، تصبح سعيدا،.... ما تلبث أن تخاف، وهناك مئة سبب لتخاف، هل رآك احد؟، هل يجب ان تسلمها للشرطة؟، فتبدأ بالنظر حولك، او تسأل لمن هذه?، هل يجوز أن آخذها؟ ثم يبدأ الضمير " لا، هذا لا أخلاقي".

ولنفرض انك تجاوزت هذا كله، وستأخذ المحفظة الى البيت، فماذا ستقول لزوجتك؟.
لاحظ أنها لم تعد سعادة الآن، أصبحت توترا، وحسابا ومحاسبة وقلقا وحديثا بينك وبينك.

ولنفترض انك لم تُعِرْ هذا اهتماما، فماذا ستفعل بالنقود؟ مهما فعلت ستكون متعتك عابرة وسطحية وسريعة، هل ستشتري سيارة... ستفرح يوما... وفي اليوم الثاني ستختفي الإثارة ولن تنظر إليها... لقد أصبحت قديمة...اختفت المتعة.

السعادة اللحظية تأتي وتختفي مثل الغيوم. أو مثل الجدول التافه، يفيض من المطرة الواحدة، ويجف بسرعة بانقطاع الزخّة، ويختفي تماما وكأنه لم يكن. الجدول ليس البحر الذي لا يزيد ولا ينقص.

هناك سعادة من نوع آخر والتي يدعوها سراها بالسعادة الحقيقية.
وهي السعادة غير المشروطة، والتي لا تحتاج الى توفر حدث لتحقيقها. إنها هنا ما عليك إلا النظر في داخلك لتجدها. ليس لها علاقة بالزوج أو الزوجة، ولا بالسيارة الفارهة أو البيت الكبير، ولا بالمنصب الرفيع او السلطة...ليس لها علاقة بالآخر....لالا، إنها تتعلق بك وحدك. إذا أغلقت عينيك وغصت في داخلك ستجدها هناك تنتظرك.

هذه السعادة؛ هي السعادة الحقيقية، والوحيدة الثابتة، وغير المتغيرة، انها الباقية والأبدية. إنها لا تتبدد.

ابحث، فتّش ستجد كل ما هو لحظي، راقب... راقب تأمل.... ستجد كل ما هو أبدي.

OSHO- Talks on The Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق