1.3.10

الانسيابية...19

المقالة التاسعة عشرة
ترجمة د خالد السيفي

من التلقائية الفريدة
المشبعة بالمثل البوذية

يقول سراها: الانسيابية الحقيقية هي تلك الفريدة المفعمة بالمثل البوذية. وما هي المثل البوذية؟؟
تقوم البوذية على مبدأين: الحكمة والتعاطف (الرحمة).

الحكمة لا تعني المعرفة المعلوماتية. الحكمة تعني الوعي، التأمل، الصمت، الانتباه والمراقبة. ومن صلب الوعي والصمت والانتباه والمراقبة يفيض التعاطف مع كل ما هو موجود على الوجود.

في اللحظة التي تبدأ فيها الاستمتاع بالنعم المعطاة لك ستشرع بالشعور والإحساس بآلام الآخرين من حولك.

جميع الناس، أيضا يستطيعون التمتع بنعمهم، لكن معظمهم، للأسف، ما زالوا يقفون على البوابة الخارجية للوعي، ومستعجلون للهرب منه.

لديهم نفس الخزائن والتي فيها نفس الكنوز، يحملونها معهم أينما ذهبوا، لكنهم لا يصلونها لأنهم غير واعين لها، لذا......... الناس كلهم في معاناة.

عندما يتنور الشخص يمتلأ كيانه رحمة لتعمَّ كل الوجود. يفيض هذا التعاطف انهارا ليصل كل الناس، رجالا ونساء، طيورا وحيوانا، اشجارا وجبالا، حتى الصخور والنجوم. الوجود كله يشارك المتنور بهاءه وحبوره وجماله وتعاطفه ورحمته.

هاتان الصفتان – الحكمة والتعاطف – هما الشميلتان اللتان يطورهما الشخص البوذا (المتنور).

عندما تكون انسيابيتك نتيجة للوعي الحقيقي، لا شيء يمكن ان يقف في وجه الرحمة، لا غريزة القتال او الحسد او التكاسل، ولا حتى غريزة الجشع او الطمع. التعاطف ملازم للوعي ويتناسب معه طرديا.

بوذا يقول " اذا افتقر التعاطف وعيا يصبح خطرا، واذا افتقر الوعي تعاطفا يصبح انانيا".

الشق الاول من المقولة ينطبق على معظم فاعلي الخير الذين يكثرون من أعمال البِرّ الغير واعية. يحسنون على الآخرين قبل ان يحسنوا الى ذواتهم (توعية انفسهم). يساعدون الاخرين، في الوقت الذي هم فيه أحوج من غيرهم للمساعدة. إنهم معتلّون ومن الأولى ان يعالجوا أنفسهم قبل ان يصفوا لغيرهم العلاج، الطبيب لا يمكن أن يعالج غيره قبل ذاته.

مرة ثانية: إذا توفر التعاطف دون الوعي كان ضرره اكثر من فائدته. المحسنون هم اكثر الناس الذين يعذبون انفسهم، لكنهم مواظبون على فعل الخير.

حضر شخص قضى خمسين سنة من عمره في عمل الخير. غاندي هو المؤسس لحركة فعل الخير في الهند. والهند ما زالت تعاني من هؤلاء المحسنين ومن الصعب التخلص منهم لغاية الان. هذا الرجل وفي سن العشرين، وبتاثير غاندي، ذهب الى منطقة نائية وبدائية لتعليم قبيلة في "باستر"، ولمدة خمسين عاما.

فتح العديد من المدارس الابتدائية والثانوية، والآن يريد ان يبني معهدا. جاء إليّ طالبا الدعم والمشورة. فسألته " اخبرني شيئا واحدا، خمسون عاما وأنت معهم، هل انت واثق من أن تعليمهم حسّن من حياتهم؟، هل يعيشون الآن أفضل مما كانوا عليه قبل تعليمهم؟، هل أنت واثق أن تعليمك لهم جعلهم أكثر إنسانية وأطيب قلبا وأجمل هيئة".

ارتبك الرجل وتعرّق قليلا قائلا" لم افكر ابدا بهذه الطريقة، لكن قد تكون محقا. لا، انهم ليسوا بافضل حال الان، لقد اصبحوا مخادعين اكثر، لقد اصبحوا كالاخرين. وقت وصولي اليهم قبل خمسين عاما كانوا شرفاء، نعم غير متعلمين... لكنهم كانوا عزيزي النفس.

قبل خمسين عاما لم تحدث أي جريمة عندهم، واذا صدف وحدثت كان القاتل يسلم نفسه لرئيس القبيلة. وحين حدوث سرقة ما، كان الرجل يعترف انه سرق بغية اطعام اولاده معلنا انه مستعد للعقاب. لم يكن في القرية اقفال على البيوت. عاشوا آمنين بصمت وبسلام. كان ذلك الوقت جميلا.

فقلت " اذا لم يساعدهم تعليمك فلِمَ لا تفكر في الأمر ثانية. لقد ساعدتهم دون ان تعي عواقب ما تقوم به، انت اعتقدت ان التعليم وحده، فقط، كاف لتحقيق انسانيتهم وتحسين حياتهم".

في هذا الصدد، قال لورنس
David Herbert Richards Lawrence
1885-1930 .
الكاتب والمسرحي الانجليزي والناقد للتصنيع الاستغلالي: إذا أراد الإنسان أن يحافظ على نوعه، فليغلق الجامعات لمئة عام. يجب ان لا يتعلم احد لمدة مئة عام. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمنع الانسان من استغلال الانسان وتحد من هلاك الطبيعة.

العلم والتعليم يُستخدم الآن لا لتحسين نوعية الحياة والارتقاء بها، بل لاستعمار البلدان، وإفقار الامم وتجويعهم وخلق أمراض جديدة مستعصية. لذلك أصبح التعليم لااخلاقيا، وفقد المتعلمون انسانيتهم.

إذا لم تع ماذا تفعل فقد تعتقد انك محسنا، لكن الحَسَن بالجهل ينقلب فتنة.

قلنا إن الرحمة الفاقدة للوعي خطرة، أما الوعي الفاقد للتعاطف فأنانية. إذا المتنور تنويرا حقيقيا هو الممتلك للوعي والتعاطف معا. أي وعي لا يلازمه اهتمام بالآخرين يغدو أنانية.

بعد بلوغك الوعي لا يمكنك أن تغمض عينيك قائلا " أنا الآن مسرور ولا داعي للاكتراث بالآخرين"،.... لا وألف لا، يجب أن تهتم بالآخرين وان توقظ الإدراك لديهم، وإلا أمسيت أنانيا ممتلئً بالأنا.

الوعي يقتل نصف الأنا، والتعاطف يقتل نصفه الاخر. بين هاتين الصفتين تُدمَّر الأنا الأنانية، وحين يقضي الإنسان على أنانيته يصبح متنورا حقيقيا.

OSHO – Talks on The Royal Songs of Saraha

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق