11.2.09

من أين تستمد "المبادرة" قوتها

من أين تستمد "المبادرة" قوتها
آب 2002
بقلم د خالد السيفي
لقد طالعنا كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور مصطفى البرغوثي والمهندس ابراهيم الدقاق بالمبادرة الوطنية الفلسطينية في شهر حزيران من السنة الحالية أي قبل حوالي الشهر، وهي رؤيا تضمنت جملة أفكار تتعامل مع الواقع السياسي والمجتمعي والحقوقي والحياتي الفلسطيني. وبرأيي تستحق هذه المبادرة كغيرها من الظواهر والبرامج الفلسطينية وقفة تمحيص ودراسة ومقارنة ونقد، وإخضاعها أيضا للمعايير المختلفة كل حسب مفاهيمه ومرجعياته.

و قد راودتني تساؤلات كثيرة مثل هل سيكتب لهذه المبادرة النجاح ام لا؟ وما الذي يميزها عن مبادرات ودعوات اخرى ؟ و ما هي عناصر القوة فيها التي ستمدها بالطاقة والاستمرارية ؟

و لعلني استقيت الإجابة من النظر اليها بطريقة غير تقليدية, ومن جانب فلسفي اكثر منه سياسي او مجتمعي, فقصدت المحور أي من تخاطب, وتطرقت الى المبادرين ومن هم, وتعرضت لشموليتها وعدم اكتمالها واخيرا تلمست الحاجة لها.

فالبعد الأول يخص المحور, فهي تخاطب عامة الناس متجنبة الفئوية والعصبوية التقليدية, أي تتوجه الى المستقلين وغير المأطرين الذين يشكلوا 40-60 % من مجموع السكان الفلسطينيين حسب استطلاعات الرأي المختلفة، وهم الذين تتزايد أعدادهم لاسباب ليست مجال بحثي هذا , وأيضا لم تستثني أحدا مادلجا أو ماطرا .

فتنادت المبادرة لان تكون صوت من لا صوت لهم حين أعلنت انها "من اجل دعم الفقراء والمحتاجين" وانها " من اجل مكافحة البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل", وبذلك تكون قد فتحت ابوابها للجميع ليتكاتفوا حول طرحها وليجتمعوا حول أفكارها. ودعتهم إلي الانخراط في عملية تغيير جذرية وشاملة في مختلف نواحي الحياة ، وولتهم عملية التطوير في الافكار المطروحة ومواجهة التحديات القائمة ليصبحوا المالكين الحقيقيين لمشروعهم الوطني والثوري.

وان أية دعوة يكون هدفها وهمها واعتمادها على الشعب ستلقى النجاح في مسيرتها النضالية من منطلق ان ذلك يؤمن وضوح الاتجاهات والحكمة والإجماع وقوة التأثير. فتحديد الاتجاه ، أي وضوح الاستراتيجية في العملية النضالية للتخلص من الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وحل المشكلات المعقدة مثل الاستيطان وترسيم الحدود ومسألة اللاجئين الفلسطينيين, لا يمكن الخوض فيها الا بالرجوع الى تاييد واجماع الشعب.

ولأن المحور هو الشعب فان حكمة القيادة في ادارة الصراع ستعتمد على ارادة الشعب في انجاز الانتخابات وفرز ممثليه ومحاسبتهم لاحقا تطبيقا لمبادئ حق المواطنة والشفافية والمحاسبة و سيادة القانون وفصل السلطات، اذا كنا قد وافقنا على ان الشعب يريد ان يكون المالك للمشروع الوطني وصاحب القرار فيه.

وايضا لان المحور هو الشعب, فالمبادرة ستشكل حالة وعي جماعي يمنحها القوة لانجاز ما تقدم, و للسبب ذاته وعندما يشعر الفلسطيني بالأمل والإنجازات المتتالية ستزيد ثقته بنفسه وقوة تاثيره وهذا هو بالضبط المقصود.

أما بالنسبة لمصدر القوة الثاني للمبادرة فهو تاريخ المبادرين ومصداقيتهم على مر عشرات السنين من عمر الكفاح الفلسطيني في مقارعة الاحتلال, فالدكتور حيدر عبد الشافي هو من مؤسسي منظمة التحرير وممن قادوا العملية التفاوضية, بصدق وتفان في واشنطن, والذي استقال من الوفد المفاوض ولاحقا من عضوية المجلس التشريعي عندما شعر بالالتفاف على الوفد 93, الذي يقوده وعندما أدرك عبثية الاستمرار في عضوية المجلس بعد تهميشه 96,

أما الدكتور مصطفى البرغوثي اضافة الى كونه عضوا في الوفد المفاوض وانسحب مع فريق الدكتور حيدر عبد الشافي قبل اوسلو, فانه من ابرز مؤسسي المجتمع المدني الفلسطيني, فبعد نموذج الاغاثة الطبية الفلسطينية 79 تفجرت مؤسسات زميلة أخرى انتهجت العمل المؤسساتي كشكل متقدم من اشكال العمل الوطني تحت الاحتلال وحتى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 94 وما زال, وكذلك اطلاقه مع زملاءه في شبكة المنظمات الغير حكومية لحملة التضامن الشعبية الدولية التي حمت الرئيس ياسر عرفات ايام الاجتياحات, هذا بالاضافة الى تطويره لشبكة واسعة من العلاقات الطيبة مع ممثلي المؤسسات الحكومية والغير حكومية العالمية وحضوره الاعلامي وتقديمه الرؤى المناسبة في الوقت المحدد .

أما المهندس ابراهيم الدقاق فيشهد له في قيادة دفة لجان التوجيه الوطني التي تبنت العملية النضالية وادارة الوطن تحت الاحتلال في الضفة الغربية بعد حرب حزيران 67، ومن ثم انتقاله للعمل في مؤسسات منظمة التحرير في الضفة الغربية المحتلة للمحافظة عليها من بطش الاحتلال. هؤلاء المبادرون بتاريخهم النضالي وبحاضرهم العملي ما زالوا يمدون الشارع الفلسطيني بالأمل لا لشئ الا لايمانهم بهذا الشعب وحقه في ارضه وكيانه مهما اشتدت المؤامرة وطالت .

وقد لفت انتباهي ايضا الفارق بالسن بين كل من الدكتور حيدر عبد الشافي والمهندس ابراهيم الدقاق من جهة والدكتور مصطفى البرغوثي من جهة أخرى . ولكن هذا مصدر قوة أخرى يضاف للمبادرة التي اطلقوها, فهؤلاء مصدر الحكمة والخبرة والتجربة وهذا مصدر العنفوان وعنوان الشباب والانطلاق والحركة, وهي لفتة وعلامة من علامات الوصل الرائع بين تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني وحاضره ومستقبله وعلى ارضه فلسطين ، فالتكامل بين التاريخ والخبرة والحكمة والتفاني من جهة مع النشاط والدراية بالتكنولوجيا وحسن استخدام الاعلام ورهافة الحس بالهم الوطني من جهة اخرى ستؤدي لا محالة الى نتائج طيبة تعود على الامة .

أما بالنسبة لمصدر القوة الثالث فيرجع الفضل فيه الى شمولية المبادرة وعدم اكتمالها, فلربما قصد المبادرون ذلك عامدا متعمدا , فهم تطرقوا الى جميع هموم الشعب تحت الاحتلال من سياسية ونضالية ومجتمعية وحقوقية ومدنية ولكنهم لم يقدموا حلولا تفصيلية ، وبذلك يكونوا قد دعوا أصحاب التخصصات الغيورين من المحامين والحقوقين والمشرعين لوضع قوانين انتخابية وتشريعية وتنفيذية وقضائية، وأيضا وعلى سبيل المثال لا الحصر دعوا النقابيين لتفعيل نقاباتهم وابراز دورها ومكانها الطبيعي في قيادة النضال, وكذلك تم التوجه للمربين والمعلمين والى اللجان النسوية واتحاداتها حتى نهاية المبادرة، كل ذلك دعوة لذوي الاختصاص لخلق ورشة وطنية حقيقية اصلاحية, وارجو ان لا اكون مخطئا ان القصد من وراء هذا هو استنهاض للهمم بوضع الناس امام مسؤولياتهم وواجباتهم وحقوقهم في وقت لم يبق فيه للشعب الفلسطيني الا ذاته وقدراته, وهذه قوة.

و أيضا لم يتعرض المبادرون لأيدولوجيا محددة ولا لهيكلية تنظيمية مقترحة ، بل كان همهم اطلاق الفكرة , أما الاطار فياتي لاحقا, فالفكرة هي الاساس والأهم, والتاريخ الانساني مليء بهذه التجارب عندما عبد الاطار وبقيت الفكرة على الرف . وربما ترك الهامش واسعا عن قصد امام المتحمسين لابراز قدراتهم وملكاتهم السياسية والفنية والادارية والقيادية لكي يمارسوا ملكيتهم للمشروع الوطني بتشكيل الهيكليات والاطر اللازمة في الوقت المناسب, وهنا قوة.

أماغياب الأيدولوجية وعدم تبني فكرا أو مذهبا فأعتقد أنهم ومن خبراتهم وتشاوراتهم خلصوا الى أن جملة الأفكار التي يدعون اليها من مساواة وحقوق, و فصل السلطات، ومساءلة، وسيادة قانون واعتماد الانتخابات، وايلاء التربية والعلوم الاهتمام الكافي، وكذلك الحديث عن الفقراء والمحتاجين، ومحاربة الفساد وبناء الاقتصاد الى اخر المبادرة لهو منصوص عليه في جميع أدبيات الايدولوجيات العربية والعالمية المعروفة وغير المعروفة، وبهذا اتت المبادرة لتذكر ان العبرة في اليات وكيفية التطبيق والمتابعة والالتزام بهذه المبادئ والقيم والاخلاقيات كمرجعيات اساسية لا يمكن المساومة عليها. وهذه بحد ذاتها قوة تضاف الى قوة المبادرة .

هناك تعليق واحد:

  1. مرحبا من راي يجب الحديث عن نقاط الضعف كما نتحدث عن نقاط القوة ... كما ينبغي ان يتم تحويلها الى نقاط قوة وليس الحديث فقط عنها وبهذا تصبح الحركة اقوة بكثير من مجرد تحدث عن نقاط .



    احمد العاص

    ردحذف