12.2.09

لكي لا تجني براقش على نفسها مرتين

لكي لا تجني براقش على نفسها مرة اخرى
تموز 2005
بقلم د خالد السيفي

من راقب الحالة الانتخابية في بلادنا يخلص لتسجيل اعتراف أن قلة الخبرة في هذا المضمار، وشح الموروث الثقافي في العمل الديمقراطي والانقطاع التاريخي عن الممارسة افرز خروقات وتجاوزات، إن دلت فإنما تدل على الحاجة الماسة لمزيد من التوعية والتدريب ومراكمة الخبرات لهذا الفن. لقد تعرض الكثيرون من الزملاء إلى هذه التجاوزات وركزوا على الفنيات والاداريات والممارسات الحزبية أو الفئوية ، لكن يبقى هناك ملاحظة تجر وراءها ظاهرة تحتاج لإلقاء الضوء عليها. وبعيدا عن دور السياسة التجهيلية والقمعية للاحتلال الذي لا نريد هنا أن نعلق عليه مسؤولياتنا، وبعيدا كذلك عن الجهات الرسمية، فان هناك دور أساسي ومهم للفرد الفلسطيني ووعيه وكيفية تعاطيه لدوره الانتخابي.
أقول أن هناك بوعي أو بغيره فصل وعدم ربط وتنافر بين مسؤولية الفرد ودوره في العملية الانتخابية من جهة، وبين همومه ومشكلات عيشه اليومية من جهة اخرى. جموع الناس ما زالوا غير مصدقين انهم قادرون على التغيير، وهم بذلك غير مستغلين لحقهم في المشاركة في تحديد النظام السياسي على اكمل وجه، ربما انهم لم يتعودوا ان يكون حكامهم من اخوانهم الفلسطينيين، فعلى مدار اكثر من 600 سنة حُكمنا بايدي غير فلسطينية وكان الحكام مفروضين علينا لا نملك من امر قدرهم شيئا، لقد كانوا خارج نطاق طاقتنا وارادتنا.
حقيقة ان حكامنا الان هم منا والينا وهم ابناءنا ما زالت غير مستوعبة وغير مهضومة رغم مرور 10 سنوات على حكم الفلسطيني للفلسطيني، والسبب هنا ان خبرة تبادل السلطة عبر الصندوق لم تترسخ في الاذهان ولم تدخل الوعي لغياب العملية الانتخابية في المؤسسة والجمعية والنادي ونفيها من الحياة السياسية مما زاد الطين بلة في تثبيت الشعور لدى المواطن العادي ان الحكام يستبدلون بالموت فقط.
ولأن عامة الناس، وهم الأغلبية، هم المفروض انهم المقررون لنتائج الانتخابات وطبيعة النظام السياسي، فإنني ارى انه من الضرورة بمكان تكثيف وتركيز الجهد والامكانيات والوقت الكافي لشرح وتوعية العامة عن اهمية هذا الحق في المواطنة والمشاركة وتداول السلطة وماهية الصوت الانتخابي والقوة الكامنة وراءه. لنصل الى نقطة يكون الفرد عندها مدرك أن خياره أمام صندوق الاقتراع سيحكم مستقبله ومستقبل أولاده، لا بل سيجاوب عن لقمة عيشه وعن الهواء الذي يتنفسه غدا.
أنا اعتقد بان الانتخابات التشريعية القادمة هي أهم انتخابات لأنها تأتي في مرحلة تصفية القضية ولا أريد الدخول من هذه البوابة فلا متسع. إنما أردت فقط أن أقول أن اعضاء التشريعي الجدد الذين سينتخبون هذه المرة من قبل الشعب سيقررون السياسة القضائية والصحية والزراعية والتعليمية والمهنية والتفاوضية، وسيلقى على عاتقهم توفير الميزانيات اللازمة لإيصال الكهرباء والماء إلى القرى المهمشة المتضررة من السياسات الإسرائيلية، اريد ان أؤكد ان هؤلاء النواب لو تمت ملاحقتهم ومحاسبتهم لاستطاعوا إيجاد الحلول للطلبة وللمعلمين وللمحامين وللأسرى وللعمال العاطلين.
الناخب الفرد تقع على عاتقه المسؤولية الأولى والأخيرة في اختيار مرشحه، بعد وضع ورقة الاقتراع لا ينفع التباكي والتشاكي والندم ولا سيما أننا مررنا بثلاث دورات انتخابية تشريعية 96، والرئاسة والمحليات وبعد اشهر سنخوض الانتخابات النيابية. كل فرد ملزم بالتفكير بمصالحه الشخصية أليوميه ألبيتيه العملية واختيار النائب الذي يجسد مصالحه وآماله ويزيل آلامه، وادعو الى الاستعداد لملاحقة النواب المنتخبون من الان بمحاسبتهم ومراقبتهم ومتابعة اعمالهم من خلال اللقاء بهم ومقابلتهم ومكاشفتهم.
أنا أدعو الدولة والمؤسسات الرسمية والحكومية وغير الحكومية والاحزاب والنقابات والتجمعات والنوادي إلى عقد لفاءات جماهيرية في كل مكان وقرية وحارة وشارع وحي لنشر الوعي عن أهمية وقوة الصوت الانتخابي .
سيكون مؤلما أن يرتهن الصوت الانتخابي بثلاثمائة شيكل أو وظيفة أو بعثة طالب او تهديد، وأكثر من ذلك ان تكون العشيرة الحزبية أو العائلية أو الفصائيلية هي الموجه لهذا الصوت. وسيكون مؤلما ايضا أن تسمع الناس تتذمر من النائب فلان الذي تم انتخابه مرة ثانية بعد ان جرب سابقا وثبت فشله، لتسمع مرة ثانية ذات التذمر من ذات الفئة، ومن غير المفهوم ان الناس سيلجؤون بعد ذلك كله للاصطفاف على ابواب النواب لحل مشاكلهم بالواسطة كل على حدى . والاكثر ايلاما ان تجني براقش على نفسها مرة تلو الاخرى من دون اعتبار.
نحن نطمح إلى أن نسمع الناس تتكلم بلغة التحدي والثقة بالنفس والقدرة على التغيير، نحن نريد أن نرى أنشطة مجتمعية جماعية تدعو إلى مناقشة المستقبل من منظور القوة الانتخابية. نريد وعيا فرديا وجماعيا يجبر النائب أن يبقى على تواصل مع الناس، هذا الوعي يفرض على النائب أن يخدم مصالحهم المجتمعية وان يحسب ألف حساب لهم، نريده أن يشعر انه يستمد قوته من العامة الناخبين لا من موقع حكومي ولا من رضى فلان عليه وان ناخبيه هم ضمانته الوحيدة. نريد أن نصل إلى مرحلة يكون فيها النائب جنديا لنا يقاتل من اجل مصالحنا لا من اجل مكتسباته الشخصية، نريده أن يعيش بيننا ليحس بنا، أن يدرس أولاده مع أولادنا، نريده أن يقف معنا في الصف أمام الحاجز الى ان يزول عنا وعنه.
يجب ان يعي الناس ان هناك مقابل للضرائب التي يدفعونها وان ما يحصلون عليه من الفتات لاضافة صف الى مدرسة او تعبيد شارع او منحة طالب هي ليست منة او مكرمة من احد وليست من جيبه الخاص، بل هي من اموال الشعب سواء كانت من ضرائبه او من المنح الدولية مقابل معاناته ورزوحه تحت الاحتلال.
يجب نشر الوعي القائل ان اكبر مسببات الفساد هي المحسوبية والتي تعني ان يتمتع افراد معينين من تنظيم او عائلة او قرابة بخيرات وامتيازات واموال هذا البلد بغير حق وبغير اهلية. يجب ان يعي الناس انه من الظلم وانه لم يعد مقبولا ان تبقى قرى حدودية وذات طبيعة زراعية تواجه خطر الجدار والتهويد بدون ماء او كهرباء او حرمانهم من موازنة معقولة لدعم الزراعة ومن ثم مطالبتهم بالصمود والبقاء على وجه الارض.
هذا كله يجب ان يتغير ولكن الاساس نشر المفاهيم الصحيحة التي ستقود في النهاية الى اعمال صحيحة والتي بدورها ستولد عادات وممارسات صحيحة تقود الى مستقبل زاهر وكما قال احدهم مستقبلنا ونجاحاتنا هي مفاهيمنا وعاداتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق