12.2.09

مصيدة شارون

مصيدة شارون
نيسان 2005
بقلم د خالد ألسيفي

بين الفعل ورد الفعل توجد فسحة من الوقت، في هذه الفسحة يكمن سر النجاح والتقدم والابداع، شريطة ان يمتلك الشخص معرفة الذات والقدرة على التخطيط والتمسك بمنظومة القيم والمفاهيم والمبادئ الصحيحة وأخيرا امتلاك قوة الإرادة.

ما رشح من اخبار وتقارير قبل واثناء وبعد زيارة شارون الى بوش، أن هناك مشروع خطة لدى حركة فتح شن عمليات عسكرية بعد اعادة الانتشار الشارونية من قطاع غزة في حزيران او ايلول لقطع الطريق على حماس من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في 17 تموز المقبل.

هذه التقارير التي قُدمت للإدارة الأمريكية صاحبتها حمله اعلامية مشككة لنزع صفة الأهلية عن الرئيس محمود عباس، ما هي الا للتبرير والفرش للحكومة الإسرائيلية للمماطلة وعدم الالتزام بخارطة الطريق والانسحاب من الضفة الغربية، وهي تمهيدا للشروع ببناء الوحدات السكنية الجديدة 3500 في معالي ادوميم لتتواصل مع التلة الفرنسية لاحكام الاغلاق الكامل على مدينة القدس وقطع التواصل الجغرافي الوحيد بين شمال وجنوب الضفة الغربية.

من خبرتنا وتجاربنا في ألاعيب السياسية الإسرائيلية وباعها الطويل في خلق الاجواء للتنصل من التزاماتها بعملية السلام، لا نبذل جهدا - إن أحسنّا الظن بحركة فتح ورفضنا لها تغليب المصلحة الذاتية الضيقة على الوطنية العامة - في فهم أن هذا بالضبط ما قيل وما سوف تعمل عليه ماكينة الخياطة الشارونية على تفصيله بعد الانتشار من غزة – هذا إذا تم ذلك - إذ أنها تعطي أفكارا مسمّمَة للطرف المقابل وتؤشر له على مخارج تكون في حقيقتها مصائد لتحقيق المآرب، ناهيك عن نيتها في تحضير الرأي العام العالمي ليتقبل مقولاتها وادعاءاتها.

والملاحظة الثانية ان شارون لم يتصور انه سيأتي اليوم الذي يكون هو فيه تحت دائرة الضوء والمراقبة، فهو يشعر بضيق وحرج كبيرين من هذه العقلانية الفلسطينية بعد التهدئة ومن التماسك الفلسطيني الداخلي.

نعم هو يريد هبة من السماء، وهو يريد فرصة تسوقها الأقدار، واعتقد أن شارون يعرف مبدأ العمل الجاد والد ؤوب لتحضير الأرضية وتهيئ الظروف المواتية لخلق فرصة تقع في الزمان والمكان المناسبين, ليباشر ببسط ما يقبع في جاروره من خطط على طاولة التنفيذ. هكذا ما كان في عهد الشهيد ابو عمار وهذا ما نشهده في بناء جدار الفصل العنصري وهذا ما يحصل في عملية توسيع المستوطنات ومصادرة القدس.

إذاً هناك حلقة التهدئة حول عنقه التي لا بد من افتعال حدث لكسرها والإفلات منها، وما رشح أيضا من أروقة ودهاليز السياسة الشارونية أن إسرائيل معنية ألان باستفزاز يكون رد فعل الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس مضمونا ومدويا، واعتقد ان قتل الشهداء الأطفال الثلاثة في غزة واغتيال ابراهيم السميري من مخيم بلاطة، والنشاط المسعور لضم الأراضي، ودفع عشرات الالاف من المتطرفين الأيديولوجيين الإسرائيليين إلى المسجد الأقصى ما هي إلا بوادر مسلسل يرجو شارون منه استنفاذ صبر الفلسطيني بان يرد – وكم يستطيع هذا الفلسطيني أن يصمد أمام الاغتيالات وانتهاك المقدسات - ويمنح شارون التصريح والشرعية لتنفيذ رؤيته وتطبيق خارطته التي مغزاها غزة اخرا واخيرا وكنتونات حكم محلي هنا وهناك لتجمعات سكانية في مدن محدودة.

وفي هذا السياق يمكن التعريج على الهجرة الداخلية التي ينجح فيها شارون تحت جنح وبالونات الانسحاب من غزة، حيث يضطر الآلاف من الفلسطينيين ترك أراضيهم التي عُزلت بين الأطواق الجدارية والتوجه للعيش وكسب الرزق في المدن، ولا أُجزم إن كان كل ما يُثار من هرج ومرج حول السلام هو فقط غطاء لتمكين خطة التهجير ان تتم بهدوء, وما الاستمرار بمسلسل الملهيات والزوابع التي يثيرها شارون هنا وهناك في ميادين ثانوية إلا تكتيكات قد لا تكون مكشوفة لنا، لاسيما وان التقارير الإسرائيلية لا تتحدث عن اعمال على ارض الواقع تبشر بانسحابات من غزة، غير غوغائية المستوطنين التي أخطرها محاولات اختراق المسجد الأقصى لا سمح الله.

أقول انه أصبح معروفا ما تخطط وما ترمي اليه سياسة شارون سواء تصريحا من قول أو استنباطا من فعل، وهنا نأتي إلى السؤالين الكبيرين، اللذان يلحان على الخاطر: هل ستنجر السياسة الفلسطينية لخطط شارون؟، وماذا حضرت السلطة لاستباق هذا الفعل؟ وان كان هذا الفعل فماذا هي فاعله .

وما نطرحه هنا هو أن هناك فرق هائل بين رد الفعل على الحدث والتفاعل معه، وما أحوجنا إلى استذكار هذه القواعد البسيطة للارتقاء في اداءنا.
الأول أي رد الفعل ناتج عن تغييب التحليل الواقعي للمعطيات الجاريه على الارض والتي بالضرورة ان تكون مستندة لجهاز رصد وجمع المعلومات وتحليلها وتدقيقها- وهذا يتطلب فريق متخصص يقدم توصيات يومية-، ورد الفعل يكون محكوما دائما للعواطف والأحاسيس بدل اعتماد التفكير المبني على الملاحظات والتجربة والخبرة، وهو اي رد الفعل يأتي أيضا نتاج غياب رؤية واستراتيجية وتوحد وتوحيد، كذلك يتبع عدم وعي الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، والاستهتار بالمزاج المحيط وهو محصلة عدم تحمل المسؤولية وغياب إرادة العمل لإحداث التغيير المناسب في الوقت المناسب وفقدان قوة الحكمة ولرشاده ووضوح الاتجاهات.

أما خيار التفاعل مع الحدث وهو ما نرجو ان تتبناه السلطة فهو عكس ما ذكر ونقيضه تماما. وربما من الاهمية بمكان ان نذكر بان الدفع باقرار قانون الانتخابات الجديد، والحد من هيمنة كتلة فتح في المجلس التشريعي وتعطيلها لعقد أعماله، له اثر معنوي بالغ الأهمية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وكذلك انهاء الخلافات بين صفوف فتح القيادية يعكس آثارا طيبة للقضاء على ظاهرة الفلتان الأمني، وهنا نتمنى النجاح لقرار توحيد الاجهزة في ثلاث فقط . ولا يفوتنا أن ننوه هنا إلى ضرورة تدعيم الجبهة الوطنية الداخلية الذي يقوي من الالتزام بالهدنة وتحويلها لوقف اطلاق نار، الأمر الذي سيرفع من ضغط شارون ويضعه تحت المتابعة و الملاحقة.

ولست معنيا لمناقشة ما يقع خارج دائرة تاثير السلطة الوطنية لانها اصلا لا تستطيع التاثير فيها، وإنما تبقى في دائرة اهتمامها ومتابعتها فقط كموقف الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمحيط العربي. لكنني اعتقد ان المطلوب حاليا من السلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس ليس فقط الاعلان عن استعداده للجلوس لطاولة مفاوضات الحل النهائي، بل العمل الجاد والحذر من الافخاخ التي سينصبها شارون في الأيام القليلة القادمة لنزع الأهلية عنه أولا، وللإيقاع بنا في حبائل الفتنة الداخلية ثانيا وعزلنا اقليميا ودوليا ثالثا.

ولا ادري أن كنت مصيبا ان التاكيد على المصلحة الوطنية العليا تطالبه اولا وتطالب الفصائل الفلسطينية ثانيا وعلى رأسها حركة فتح بالارتقاء الى مرتبة المسؤولية الكاملة في اقرار قانون الانتخابات وتحديد موعدا مقدسا لاجرائها، لان الشرعية تاتي من هناك، ولان القرار السياسي مرهون بمجلسه التشريعي ولان السيادة الفلسطينية تكمن فيه، والحقيقة هي أن عطف الناس يُكسب من خلال آليات انتخابها ممثليها وما أحوجكم وأحوجنا إلى هذا العطف، وصدق علي بن ابي عندما بعث الاشتر واليا على مصر أن أوصاه: (( لسان الخلق قلم الحق )).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق