12.2.09

"التحرر" وهلوسة النشوة

"التحرر" وهلوسة النشوة
آب 2005
د. خالد السيفي

تماما عندما نبحث علاقة الطفل بابيه نلجأ الى علم النفس، فإننا نستعين بعلم ادارة الافراد لحل اشكالية موظف بمرؤوسه، وكذلك الامر بالنسبة لجدلية العلاقة بين العامل وصاحب راس المال. اما بالنسبة لفهم ما يدور في عقل ونفس وخلد الفلسطيني في هذه الايام وعلى عتبة فك الارتباط الاسرائيلي واعادة الانتشار من غزة، فلست ادري ان كنت ساوفق في اسقاط المعارف والمرجعيات في علم النفس والادارة والدياليكتيك على فهم كنه مايعانيه الفلسطيني من انفصام مكعّب للشخصية. اذ انه باعتقادي ان خلطة المعاناة الاقتصادية والسياسية والمعنوية التي ما زالت تعصف بالفلسطيني هي اكبر مما لدى اي شخص في مستواي المتواضع.


لم اجرؤ على اختيار عنوان مثل" ديالكتيك وسيكولوجية انفصام شخصية الفلسطيني" ابان "الجلاء" او "الانسحاب" الاسرائيلي من غزة، لا تحسبا من طول العنوان او لضخامة الكلمات بل لأهمية الموضوع ولخطورة ذاته وخوفي الا اوافيه حقه.


اقول ان لا احد ضد ان يخرج الاسرائيلي من غزة، ولكن مهلا في تسميته انسحابا. ولا احد ضد ان يحتفل الفلسطيني بهذا "التحرر" فانا لست متاكدا من انه سيكون وطنا لا سجنا هذا اولا, ولست فاهما للاحتفالات من جهة توقيتها المبكر ولا من شرذمتها ثانيا. ولا احد ضد ان ينعم الفلسطيني باقتصاد احسن، ولكن هل هي خطة تنمية ام فتات صدقات ام قبض ثمن معاناة وضحايا واحتلال ولاجئين. ولا احد يعارض الامن والامان لاخواننا في غزة ولكن ما الداعي للجيش الشعبي ولمصلحة من وكيف المطلوب منا ان نفهمه ونهضمه.


هناك ذهول مختلط بغصة وحيرة وتشكك وخوف. السبب الإدراك والقناعة العميقة ان كل ما يحصل لم يكن بمبادرة وتفاعل فلسطيني، انما تم ترتيبه خارج الوعي الفلسطيني ضمن حسابات وتوازنات قوى ومصالح اجنبية واقليمية ومحلية لا تمت بصلة الى الفلسطيني في مخيم الشاطئ. ما حصل وما يحصل واخاف ان الذي سيحصل باقيا بعيدا عن ارادة الفلسطيني، والاحساس الغريزي ان جذور التجربة هذه ستولد في النفس الفلسطينية نقيصة (عقدة) أنها مجبرة لا مخيرة في معاناة وعيش الواقع المرسوم لها.


استطيع ان اميّز بين ثلاثة انواع من الشعور المختلط لدى الفلسطيني:
الاول الفرحة: وهو ظاهريا ومؤقتا وفي مستوى التصرف اليومي العابر، لان الاخوان في غزة يعرفون انهم سينعمون بقشور حكم ذاتي محاصر جداريا وسياسيا واقتصاديا.
الشعور الثاني عدم الرضى: وهو منطقيا وعقليا في الدماغ لان كل ما تم ويتم هو تنفيذ لادرادة شارون، فالخطة شارونية ومن جانب واحد والاملاء اسرائيلي واللهث وراءه فلسطيني، واي تصوير ومشابهة بين ما يحصل هنا وما حصل في لبنان انما هو تضليل وخداع للنفس، والتفصيل يفقد المقالة هدفها.

الشعور الثالث الغضب: عميقا في اللاوعي وطويل الامد واسبابه كثيرة:
1-ما يحدث غير كاف ولم يصل الى مستوى الطموح ولا يتناسب مع حجم التضحيات والضحايا والاسرى والمعاناة الطويلة، وشعار ان هذه فقط البداية ويجب التحلي بطول النفس لم يعد ينطلي تنطلي على الفلسطيني فالخبرة اثارها بادية على الجلد، والجدار هو قيئ (استفراغ) من معدة اوسلو.
2-ما يحصل في الضفة وخاصة في القدس معاكس في الاتجاه واعمق في الاثر والمقدار وهذا ما يعيشه الفلسطيني يوما بيوم ولحظة بلحظة.
3-التشرذم الحاصل على مستويات عدة في الصف الفلسطيني من لخمة الخطاب وتضارب الرايات وانهيار القضاء وفقدان الامان وفشل اللجنة العليا للتنسيق واخيرا تجنيد الجيش الشعبي وضع الناس في حالة رفض قد تصل الى السلبية العدمية في تقبل واقعها.
4-استثمار شارون للحدث اعلاميا مع الاصرار على استصدار قرار من مجلس الامن بان الحاصل هو انسحاب كامل متكامل من غزة، وادراك الفلسطيني ان هذا عين الخداع كما حصل بعد اوسلو، وان هناك جبهة اخرى ستشغل باله وتستنزف قواه ( مع الشك في حسن الاداء) مدة لا يعلمها الا الله لاثبات ان غزة ما زالت تحت الاحتلال باشكال وصور اخرى مقابل العجز المحلي والعربي اعلاميا وسياسيا.
5- الفلسطيني يعلم انه لا يملك القدرة على لجم الشهية الاسرائيلية باعادة احتلاله مرات اخرى في ظل التوازنات القائمة
6- حرص شارون ولمصلحته وحفاظا على شعور المستوطنين والاسرائيليين بان تكون اعادة الانتشار بارادة اسرائيلية وسيتكشف للفلسطيني لاحقا أنها تكتيك ضمن خطة الجيش الاسرائيلي، تماما كجدار الفصل العنصري، ولا دخل للفلسطيني بهذا القرار لا من قريب او من بعيد.
7- بقاء ما سياتي على الضفة الغربية في حكم المجهول وفقدان الفلسطيني للمبادرة مرة ثانية.
8-عدم رضى الفلسطيني لدرجة السخط على الاداء التشريعي والحكومي والقضائي والفصائلي مع عدم استثناء ما يدور في الفلك من مؤسسات المجتمع المدني.


كل هذا سيشوه صورة الذات الفلسطينيه امام ذاتها (الشخصية الفلسطينية)، ويولّد الغضب الذي سيقود لعدم رضى عن ما يجري حوله ( الفلسطيني) وبالتالي إلى الاحباط. هذا باعتقادي سيكون المحرك الاساسي ليبقى الفلسطيني في دائرة رد الفعل السلبي بدل اختياره لدائرة التفاعل الايجابي مع ما يمكن ان ياتي مستقبلا. ما قصدته ، في علم الإدارة ، ان الفلسطيني سيرجع الى المربع رقم واحد قسريا ( دائرة العنف والعنف المضاد) للتعامل مع الطارئ والمهم، بدل ان يبقى مخيرا في المربع رقم اثنين، الذي فيه يتم البناء وترسيخ المؤسسات وارساء سلطة القانون للتعامل مع ما هو مهم وغير طارئ لتحقيق انسانيته المفقودة او المسلوبة. وبمناسبة الحديث عن المربعات فهم اربعة ذكرنا اثنين وبقي الثالث غير مهم وغير طارئ، اما الرابع والذي تم حشرنا فيه مرات عديدة لفترات مديدة ، وهي ان يقوم سياسيونا بأعمال غير مهمة ويوهمونا على انها طارئة في ظل انفصام مركب للشخصية الفلسطينية، والشواهد على ذلك حدث بلا حرج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق