12.2.09

بقل شهر وشوك دهر

بَقلُ شهرٍ وشوك دهر
حزيران 2005
بقلم د خالد السيفي

مثل أعضاء التشريعي كمثل رجل نجا من خوف ثور هائج إلى بئر، فتدلى بداخله وتعلق بغصنين كانا في أعلاه، وبعد برهة أدرك أن حيات قد اخرجن رؤوسهن من أجحارهن وبدأن بالزحف باتجاه قدميه، ثم نظر إلى قعر البئر فإذا بعربيد فاتح فاه منتظر له ليقع فيأخذه، رفع بصره إلى الغصنين فإذا عند جذرها جرذان اسود وابيض وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يغادران، فبينما هو في تدارس لحاله وأمره إذ أبصر قريبا منه خلية نحل فيها عسل، فذاق العسل فشغلته حلاوته وألهته لذته عن فكرة الخلاص لنفسه، ولم يذكر أن الجرذان دائبان في قطع الغصنين، ولم يزل لاهيا غافلا مشغولا بتلك الحلاوة حتى سقط في فم العربيد فهلك.

اما الثور فهو الاحتلال، والبئر فهو المجلس التشريعي.أما الحيات فهي مآسي الاحتلال والغصنين فهما الوقت المقرر لدورة المجلس التشريعي.والجرذين الأبيض والأسود فهما مرور الزمن في تعاقب الليل والنهار، والعربيد فهو السقوط الذي سيؤول إليه كل من لم يقم بعمله. أما العسل فهي الحلاوة الزائفة من منافع التشريعي راتب عالي، وعلاوات مختلفة، وتسهيلات وسفر وغيره.مَن يسقط ومَن ينجح فهذا ما سيقرره صندوق الاقتراع.

تبادرت لذهني هذه القصة نتيجة الحمى الديموقراطية والامواج الانتخابيية العاصفة لتشكيل القوائم والتحالفات، والاجهاد البادي على الجميع من انتظار نتائج مداولات اعضاء المجلس لاقرار القانون الانتخابي، فتولد لدي واعتقد لديك اسئلة من طراز: مَن مِن أعضاء التشريعي سيجرأ للترشح؟ ، وكم عدد الذين سيعاد انتخابهم؟، ومن من الفرق المتسابقة ستجرأعلى ضم اعضاء سابقين، واسئلة كثيرة من نوع النسب والدوائر وعدد الاعضاء. كل ذلك لأهمية الموضوع وحيويته لمستقبل النظام السياسي في فلسطين.

اما عنوان المقالة فهومثل يضرب لمن يقصر خيره ويقل، ويطول شره ويعم، في هذه السرحة التأملية ألفيتني اقفز بين معاناة وافكارالعباد. فمن ملعب الأحداث في قاعة التشريعي وتقاذف قانون الانتخابات دفاعا وهجوما، أطلَّت آمال وأفئدة الشعب الفلسطيني منذ سنة 1996، عندما انتدب الشعب ممثليه ليساعدوه على ضنك العيش وليخلصوه من الاحتلال. إلا أن الخيبة كانت مهوله والنكسة جاءت اكبر من النكسة. وكان خذلان ما بعده خذلان على مدار العشر سنوات الماضية، وهو عمر المجلس المديد.
مئات المقالات والآهات وقفت على أطلال التشريعي، ونوقش الأداء وحوكم في الشارع والدكان والقهوة والقرية والبلد القديمة في القدس والخليل ونابلس. عندما قسموا الخليل إلى خليلين والحرم إلى حرمين والبلد الى بلدين، تساءل الناس أين نوابنا، ووزراءنا الذين انتخبناهم؟ أين رسلنا إلى العالم؟ أين سندنا والناطقين باسمنا؟ أين المعبرون عن آمالنا وطموحنا.

وفي جنين قُلعت أشجار الزيتون وفي طولكرم جُففت البيارات، وفي قلقيلية هُدمت الابيار وفي نابلس حوصرت المدينة وفي المخيم ساد القتل وفي غزة أقامت الاباتشي حفلات الشواء، ووقف التلاميذ على البوابة تحت الشتاء إلى أن يرضى شمعون ويشاء. في الاجتياح اختبأ معظم النواب، وتراجع "القادة" إلى الوراء، شح الحليب ونفذ الغذاء والدواء أدرك الناس أن الافوه الاودي: كان مصيبا عندما قال لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا.

الغريب أن هناك في التشريعي من لا يريد للانتخابات أن تتم او في أحسن الأحوال أن تتم حسب القانون القديم، وإلا فلماذا هذا الإبطاء ووضع العصي في الدواليب؟، لقد حُددت الانتخابات في 17 تموز وتم الاتفاق أمام الملأ والأشهاد بان تكون مناصفة بين النسبية والدوائر مع زيادة عدد الاعضاء الى 132، ومن الملاحظ أن بعض نوابنا في التشريعي يأبون إلا أن يمارسوا حقهم هذه المرة هنا في الاعتراض والجدل لا لغاية في نفس يعقوب بل لغاية مكشوفة ومعروفة، تماما ككلمة حق يراد بها باطل.

مصلحة الوطن هي العليا وفوق كل اعتبار. تحليل نتائج الانتخابات المحلية والوضع السياسي السائد، وترصُّد الاحتلال والتصعيد العسكري الاسرائيلي في غزة لردم التهدئة وجر المنطقة لدوامة العنف والتخلص من استحقاقاتها من جهة، الرغبة في استنهاض وبعث روح العمل السياسي وحفاظا على قرارات الاجماع الوطني وتحريره من العشائرية والعصبية القبلية وشد الأحزاب والحركات لتأتي البرامج ممثلة لطموحات وآمال الناس لا فردية ومشخصنة من الجهة الأخرى، وتجاوز صعوبات اللوجستية والتحضيرات اللازمة وهروب الوقت يدفعنا من الجهة الثالثة لتغليب النسبية على الدوائر، فإما نعتبر الوطن دائرة واحدة أو فلتكن مناصفة ، وهذا رأيي.
هم يؤجلون ويناقشون "ويمطمطون" على أمل أن تأتي فرصة من السماء لتأجيل الانتخابات أو إبقاءها ثلثين وثلث لصالح الدوائر او العمل حسب القانون القديم 100%، دوائر كما كان في المرة اليتيمة السابقة، فتكثر مقاعد القبيلة والعشيرة وتتلاشى الحركات الوطنية، ويكون هناك أمل للاستدفاء على المقعد. ومع صدور المرسوم الرئاسي بتاجيل الانتخابات لاجل غير مسمى الا ان الانتخابات اصبحت كالقدر ولا يوجد مفر، لان الشهية تفتحت على الديموقراطية بعد وجبات الرئاسية والمحلية.

الظاهر أن هؤلاء البعض من نوابنا فقدوا حبل التواصل مع الناس والعباد، لا يدرون ما يُتداول في الشارع والحارات، وما يقال في باب خان الزيت او تل الرميده أو في حي القصبة. فهم متوهمون بأنهم سيعاد انتخابهم.

في الوقت الذي قدم فيه الناس الأرواح على مذبح جدار الفصل العنصري، هذا النضال الذي لا فضل فيه لأحد غير العامة، انصفتهم محكمة لاهاي، وتحقق قرار هو أقوى من 242، لانها اعتبرت الاحتلال غير شرعي كرزمة كلية ولم تعترف بالجدار ولا بالمستوطنات. انتظر الناس من نوابهم المتابعة ورفع الصوت فجاءهم الشاعر صالح بن عبد القدوس مدويا:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.

8000 ألاف أسير، أفضل من أي واحد منا، نرى مناجاتهم لنا كل يوم عبر الجوع والصحف والاعتصام فهموا حكم أبو العتاهية عليهم (النواب) بقوله:
ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
والقدس رفعت شعارها، وهي تغرق حي وراء حي و تتلاشى حارة حارة، و الزعران من المستوطنون يتربصون خلف أبوابها بعد ان حوصرت انتفاضة أقصاها بجدر، وأراضيها زرعت مستوطنات و نوابها يناقشون علاوات سفرهم وتحسين سكناهم ونوع سياراتهم، فهي تقول على لسان الشاعر:
ما كان ذاك العيش الا سكرة رحلت لذاذتها وحل خمارها
هناك من ربط نفسه بالسلاسل إلى شجرة او عطل بها جرافة، وهناك من لم يكلف النفس مشقة النزول إلى الشارع والخوض في تظاهرة ضد الجدار في أبو ديس او بلعين اوالشعراويه والرام، لا بل وبخل بحبة عرق أو تغبير حذاء متجاهلين السموءل عندما قال:-
إذا المرء لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل

فهل هناك من يسمع ويع، وكفى ما أصبتم من النِّعم، ونقول للبعض فلتترجلوا لفرسان آخرين نجرب حظنا معهم، ونخاف أن نكون كَمَن ينفخ في قربة مخزوقه ليصدق قول المتنبي فينا:
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن تيه وخطاب من لا يفهم

اما المعلمون والعمال فحالهم يقول أن السابع عشر من تموز غده لقريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق