12.2.09

اعتذار من ابناء جيلي

اعتذار من ابناء جيلي
حزيران 2005
بقلم د خالد السيفي

مع انني لا استوعب كيف أصبحنا مكب للنفايات، ولا افهم كيف سمحنا لهم إشعاعنا على المعابر وأنا أكثر من يعي المضاعفات اللاحقة بعد زمن لهذا الإجراء كوني طبيبا ، ولا أستطيع بلع الفلتات الأمني مع إنني اعرف أسبابه ودوافعه ، واتالم للقدس التي تفلت مني كالماء من القبضة . لكن ليس هذا ما يؤرقني ويخيفني.

السؤال الذي قد يطرحه علي طفلي، كيف سمح أبناء جيلي لهذا الجدار ان ينتصب؟ هو ما يرعبني وينغص علي عيشتي. الاعتراف امامه بعجزي وفشلي وتعاستي هو ما يضج مضجعي.

ولو وقف الأمر على هذا لهان الأمر, انما هلعي من ان يتوالى مسلسل الاسئلة فتخونني تعابير المؤامرة وموازين القوى ومصطلحات الهجمة الامبريالية والتفوق العسكري والتكنلوجي والتقاعس العربي الواقعية. انا اعرف جيل اولادي، سيمطرونني مزيدا من الأسئلة عن منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية والوحدة العربية والسلطة الوطنية والدولة الفلسطينية وما قبل اوسلو وما بعدها .

،
الم اسأل أبي بدوري حينها، عن لماذا سمحتم للمستوطنين في العشرينيات ان يتمكنوا، وعن ثورة 36 وعن نكبة 48 ومذابح دير ياسين ومسح القرى عن بكرة أبيها، وعن نكسة حزيران 67 وعن العرب وشعارات سمك البحر، حينها قلت له: اين كنتم؟

لقد جاء دوري، سأكون امام محكمة، سيسألني ابني عن مسلسل التنازلات، وعن ملفات الفساد وعن ملفات العقم الاداري وعبثية المحادثات وكثرة السفراء منا والينا، ولجان التحقيق باسماءها المختلفة، سيسألني عن الانتفاضة الاولى والثانية وعن مذابح مخيم جنين وتجويع أهالي نابلس، سيقول لي انكم شلحتم على الحواجز.

وسيكون قاسيا عندما يتهكم: الم تهزكم ولائم الشواء التي كان يشعلها شارون بصواريخ الاباتشي في غزة؟ ، كيف هانت نفسكم على نفسكم وكرامتكم على كرامتكم؟. سوف يتهمني بخيانة الاسرى والجور بحق المعلمين وسرقة الرغيف من أفواه أطفال العمال، وسوف لن ينسى تقارير انتشار فقر الدم في غزه . ستكون محاكمة أنا المتهم فيها، سيقول أنت المتقاعس المتخاذل الجبان الصامت الانعزالي القدري الفاشل المهزوم الاتكالي المتباطئ، النائم الخامل فاقد الاحساس، ثخين الجلد قليل الحياء.

سيقول على ماذا اختلفتم ومن اي حزب او حركة او فصيل كنت؟، وعلى ماذا تنافستم والأرض تهرب من تحتكم ، وعلى ماذا اتفقتم عندما ذهبتم الى القاهرة وكيف زينتم قهركم بوحدة؟ ، وكيف سمحتم لأنفسكم ان تكونوا جسر تطبيع وكانت الأرض أمام أعينكم تضيع، الم تتعلموا ان بعد كل انتفاضة تهدئة، وبعد كل انتخابات حرب تشن على قطر شقيق ، أين كانت إرادتكم ، مبادرتكم ، تحملكم ، وعيكم ، مفاهيمكم قيمكم ومثلكم .
أنا خائف لأنني بطبيعتي لا الوم أحدا على ما انا فيه وعليه من الحال والاحوال، ولكن أين سأهرب بنظري وأين سأدفن راسي عندما يصيح الم تكونوا رجال ؟ ، عندها لا اعلم ان كنت سأجرؤ أن أجيب: ومن أين أتيت أنت؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق