13.2.09

هل هي الحرب بين رفاق الدرب

هل هي الحرب بين رفاق الدرب؟
كانون ثاني 2007
بقلم د خالد السيفي

من أقوال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كن في الفتنة كإبن اللَّبُون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب، واللبون هو ابن الناقة اذا استكمل سنتين فقط، لا له ظهر قوي فيركبونه ولا ضرع فيحلبونه.
للفلسطيني اكثر من بعد في هذه الحياة وفي هذا المجتمع، وما يُسحب على الحياة الشخصية من توخي الوعي واليقظة في المعاملات والعلاقات مع الآخرين، ينطبق على الحياة السياسية. وتكوين الوعي السياسي للفلسطيني لا يندرج تحت باب الترف او التسلية، بل على العكس، برأيي هو مسالة حياة أو موت، وخاصة اليوم.
لا أريد أن أجادل ما هو الوعي ومن أين يأتي وأسبقيته أو تبعيته للواقع. ما يهمني أن يتوفر هذا الوعي وهذه العقلانية لوقف النزيف اولا، ولاسترداد الحقوق ثانيا، وللنهوض ثالثا.
ولتفهّم مثلثات الشر ومربعات الحصار ودوائر المفاوضات وتفاضل الوزارات وتكامل الوسطاء من جهة، وصراع الحضارات والعولمة وثقافتها الاستهلاكية وموضوعها ووقودها وأسواقها من الجهة الأخرى، وجب التبصُّر فيما نحن فيه والتأمل في الواقع وما قد يخفيه.
احد ركائز العولمة التكنولوجيا، وإحدى تطبيقاتها السلبية تعميم الخبر والصورة والمعلومة المنحازة والمضللة عبر الفضائيات أو الإذاعات لتشكيل وعي سلبي اغترابي انسحابي واستهلاكي آني يخدم مخططات ليست بريئة لهذا البلد.
القول هنا يعني أكثر من تسعة وتسعين في المائة من الناس، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الحال غير هذا الحال، والمقصود هو انه لو تفحّص الواحد منا ما يدَّعيه من أفكار ومواقف وأعمال وما يشغل البال، لاكتشف أن ما ينسبه لنفسه من إبداعات الرأي لا تتجاوز كونها أوهام و أضغاث أحلام لا تحقق غاية ولا تصيب هدفا ولا تنجز برنامجا. يُصعق المرء من حقيقة انه مفعول به أكثر من كونه فاعل، وانه مسيَّر ضمن خطة إعلامية وإخبارية محكمة الإسار وان توهم انه مخيَّر او صاحب قرار، لا بل هو مجبر في الخيار.
وبقدر ما يتشنج الفرد منا لإثبات العكس، فانه ينزلق بنفس المقدار للمصيدة المنصوبة بكل عناية وخبث. هذا ليس من ضرب الوسواس من نظرية المؤامرة ولا من باب تعليق الأخطاء على شماعة الآخرين، بل نضم صوتنا إلى أصوات الشرفاء الذين هالهم قتال الأخوة وراعهم الاحتراب . كلنا نقاوم الاعتراف بان ما نحمله داخل رؤوسنا من قيم ومُثل لا يمت لقضيتنا أو لأحلامنا بصلة. لأننا لو وافقنا على ذلك لأقررنا أن ما نسميه رأي وموقف ما هو إلا نتاج وهم وصور وأساطير زائفة دخلت وتدخل كل دقيقة وساعة ويوم إلى أعماق كياننا لتتفاعل مع ذواتنا ولتصبح مكونات أساسية لمفاهيمنا من حيث ندري أو لا ندري وبرضانا أو غصبا عنا. والجواب على لماذا نقاوم الاعتراف يكون:
أولا لأننا نحرص على عدم فقدان ماء الوجه أمام ذواتنا وامام الاخرين. ثانيا لان ذلك يهدم تماسك بوصلتنا الداخلية مما يؤدي إلى انهيار الشخصية والضياع. ثالثا، وهذا يتطلب جهد ومعاناة لإعادة البناء وليس هناك من هو مستعد للإخلال بمعادلة الاسترخاء والادعاء.
ولماذا هي نتاج وهم وأساطير؟ لأنها لو لم تكن كذلك لقاوم الوعي العام إقامة الجدار او على الاقل لم نفقد قدسنا، ولاستطاع الحكماء الفصل بين الإخوان لمنع الاقتتال. أما والأمور بخواتمها، فان لامبالاة طامة وثقافة نفعية عامة خيمت بشعار اللهم نفسي وليكن بعدي الطوفان. وكونها تدخل كل دقيقة وساعة ويوم في وعينا، فهذا صحيح، فمن الصباح حتى الرباح ما بين الخبر سواء مقروء او مبثوث او مشاهد او رقمي، وبين الصورة الإخبارية او الدعائية او الهاتفية، وان لم يكن، ففي المقهى والعمل ينتظرنا من يتطوع للسرد والتحليل والتعليق والاجترار. وجملة أنها تصل إلى الأعماق، فمؤشرها القطبية والحزبية والعشائرية والطائفية أولا، وادعاء كل طرف ملكية الحقيقة المطلقة والوعد بالخلاص ثانيا، ومن مظاهرها اليومية ان اثنين او فريقين يقتتلان لمجرد قراءة الخبر نفسه فيفسره كل حسب هواه الشخصي المشبع بالانية السلطوية والنفعية الضيقة، مع أن الخبر جملة وتفسيرا مدسوسا وملفقا ومسموما. أما أنها تصبح مكونات أساسية للمفاهيم، فنشرحها بالتعجب والتساؤل، من أين أتت مواقف التظاهر ضد الحكومة مع انه واضح ان الحصار هو حصار سياسي واقتصادي خارجي بامتياز. او ان المقاومة هي مشروع إيراني فارسي، او ان الخلاف هو سني شيعي او ان تاريخنا وتراثنا وديننا ملكية خاصة لجهة ما، او ان الفطور الأحسن هو الكورنفلكس، او ان الديموقراطية هي ابداع غربي ( نعم سبقتنا وانتفعت من نواميس الطبيعة ولكنها ولا لمرة واحدة كانت مسجلة باسمها، فالعلوم نتاج انساني كوني). ما لا يعيه الاكثرية، وهنا مكمن الخطر.
ان المتداول من الصور والاراء والاساطير التي تدخلنا تُشكِّل مفاهيمنا عن انفسنا اولا، وعن محيطنا ثانيا، وهي تصبح مصدر مواقفنا ثالثا، وتحدد اعمالنا القريبة وبرامجنا البعيدة رابعا، واخيرا هي التي تشكل عاداتنا وترسم مستقبلنا. وهنا بيت القصيد، أن ما ادعو اليه هو اخذ زمام المبادرة لبناء مستقبلنا والا هم سيبنوننا لنوائم مستقبلهم. واذا وافقتني على ما سبق، وجب عليك ان تتساءل ما العمل؟ القضية على بساطتها معقدة، ومصدر التعقيد فيها هبوط الهمة وارتفاع السطحية. المطلوب الامتناع عن تكرار أي فكرة قبل محاكمتها ونقدها والتعمق في منطقها وسياقها، ومصدرها ومن وراءها ومن المستفيد من ترويجها اولا. عدم تأجير الأُذن والإصغاء للمراشقات والاتهامات واخذ طرف الحياد منها حتى لو كانت تبدو صحيحة الآن فربما يثبت العكس بعد حين ثانيا. وثالثا، الالتزام ببوصلة الثوابت الوطنية الجمعية وبقاعدة لا للحرب بين رفاق الدرب وعدم تصنيف الإخوة الى اصدقاء واعداء. إلا أن الأغلب منا يدَّعي أسبابا تحول دون التفحص، ظاهرها ضيق الوقت اولا، وتلاحق الحدث ثانيا، وعدم توفر المصادر الموثوقة ثالثا. لكن ما ازعمه أن باطنها الكسل وجوهرها الاتكالية وعمودها عدم الرغبة ببذل الجهد والمعاناة بحثا عن الحقيقة، واخيرا التصرف من منطلق العادة والايمان بان كل ما يُكتب او يُسمع او يُشاهد هو صحيح وخاصة اذا تكرر وعم.
اعتقد اننا هنا وصلنا الى شواطئ الحل: اعتماد الشك منهجا والاستغراب والتساؤل وسيلة والابتعاد عن حسن النوايا سبيلا واللجوء الى العقلانية طريقا، ودعوتنا تتلخص في طرح الأسئلة المتتالية مثل: ما هي اهدافنا وغاياتنا، ومن هو العدو المشترك، من اين معارفنا وثقافتنا، او من اين علمنا وعلومنا، ما هي مصادرنا ومرجعياتنا، ما عمقها في عقلنا وانفسنا، لماذا البعض محبط والاخر مستنهض، ما الذي يثير الحماسة او الاشمئزاز؟؟؟، ولا ابالغ ان اقترحت ان هذه الاسئلة يجب ان تناقش من قبل كل فرد فينا صبحة وأصيلا.
وأتمنى أن لا يصح فينا قول كرم الله وجهه " أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام". لعلنا نفلح في تعطيل عجلة التسارع نحو الهاوية.

هناك 4 تعليقات:

  1. لعل القلم يجد المرسى
    و لعلي امسك بحبال الامل
    على وطئة الحب و الالم ترقص الكلمات و ترتسم بيد الحكيم اللاحدود و الوطن السراب
    بين الواقع و الحلم ... امل
    و بين الالحق و الظلم ... صبرا
    لك جزيل الامل

    ردحذف
  2. وأتمنى أن لا يصح فينا قول كرم الله وجهه !!!!!
    لماذا تتمنى لشيئ ان يحدث وهو حدث ومازال يحدث منذ زمن ...
    قادتنا ياعزيزي اسرائليون فعندما اختاروا وانتقو انفسهم اعداء لبعضهم البعض هذا ليس بشيء هم من اختاره من امرهم بذلك ارباب نعمتهم
    فاسرائيل هي من يكتب السينيارو دائماً ونحن من يمثله ببراعة لدرجة اننا نحصد جوائز الاوسكار والمامي والجرامي
    تقبل مروري
    محمد شحادة ابو وليام

    ردحذف