13.2.09

بين عباس وحماس

بين عباس وحماس
نيسان 2006
بقلم د خالد السيفي

أريد أن اثبت بعض الثوابت:
أن لقمة عيش المواطنين ليست مطروحة في سوق البورصة لا لاسرائيل ولا لغيرها.
أن التجويع يعتبر حرب ابادة لا سيما من قبل من يدعو لاحترام حقوق الانسان ويتشدق بالديموقراطية والحرية والمساواة وسيادة القانون وما ياتي وراءها من مجتمع مدني.
أن فتح كحماس تتحمل كامل المسؤولية عن ما قد ئؤول اليه الأمور.
أن كل ما يدور داخل البيت الفلسطيني يجب ولا باي حال من الاحوال ان يلهينا عن ما يرنو اليه اولمرت من انفصال وانطواء.
أن المخرج الوحيد هو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أن عقلانية حماس وسماحة فكرها ستفشل المخطط وستخرجها من هذا الفخ القاتل.
أن "فَوْت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها".

ومرة أخرى تأتي المفارقات تباعا، اما الاولى: فهي ان البارحة كان يمكن الحديث مع الكل ما عدا عرفات، واليوم لا يمكن الحديث مع الكل ما عدا عباس. طرفي عصا مسلطة على رقبة السلطة. وهي حيلة قديمة لتفرِّق وتغرِّق. فعباس وعلى مدار سنة كان شخصية بدون ذي صلة حسب المعايير الإسرائيلية، وهو لم يوفر جهدا بالدبلوماسية السياسية من حنكة وخبرة للمطالبة بحقوق الفلسطينيين الشرعية من امن ومعابر وازالة حواجز وتفاوض للوصول إلى حلول مرجعيتها دولية.

اليوم وبقدرة قادر يصبح عباس الأول والاخير. فلماذا يا ترى؟. لا لشيء، إلا لدق إسفين بين أسنان الصف الواحد. لم يكن عباس وقبله عرفات والآن حماس، وثلاثتهم منتخبون شرعيون من قبل شعبهم، يستطيع إن يتساوق مع متطلبات اسرائيل التوسعية..... فالأول عُزل وسُمِّم، والثاني قوطع ويوضع الآن في المضاربة وحماس ستُحاصَر وتكون السبب في مجاعة الشعب لاسقاطها. هذا ما يفهمه كل الفلسطينيون.

الجميع أمام خيار واحد، على الموظف، الأحزاب، المجتمع المدني، الدول العربية والاسلامية، والاوروبيين ان يحددوا موقف، اما مع حماس واما مع عباس، أو لنضعها هكذا اما مع الزهار او مع الدولار. لهذا الموقف ثمن، ولكلٍ ثمنه، والمزايدات بملايين الدولارات.

هكذا وضعوا الامورليَفْتِنونا ويُفَتّتونا ولينفذوا الى اعماق اعماقنا ويراهنون على انسانيتنا ومبادئنا. يضعوننا الواحد منا ضد الاخر فيستثيروا انانيتنا وخوفنا وحبنا للسلطة والقوة والمال. هي هكذا دائما لتصرِف عدُوَّك عن عدْوِك، اما ان تلهيه بشيء يرضيه، او تلهيه بشيء لا يرضيه، واما ان تشتريه واما ان تُصفّيه. هم يعرضون ولنا الخيار، وهنا نذكر انه في خيارنا تكمن سعادتنا او سعدنتنا. فمن الضروري بمكان ان نراجع ذاتنا من نحن وما هو مشروعنا، وما هي مبادئنا، والى اين نسير وهل نحن اصحاب ارادة.

على مدار السنين الماضية حُشر الناس بين الحاجز ولقمة العيش، فكانت مسالة التنازل عن الاستراتيجي الكبير (المقاومة) لصالح التكتيكي الصغير (لقمة العيش) مفهومة ومقبولة، لانها كانت مسالة خيارات وبتع وطول نفس، والى جانبها الانساني كانت مسالة شخصية مع انها تجاوزت الحالات الفردية وعمَّت قطاعات واسعة من الناس، ومع ذلك وجدنا المبررات لهذا التفضيل. اما والحال في هذا اليوم تخص شعبا باكمله فالمعايير مختلفة والمسطرة حادة، لا سيما ان الخطى حثيثة لتحديد الحدود واقتطاع القطاع وتغوير الغور.

اما المفارقة الثانية فهي انه ولربما لاول مرة يشعر العامة من الناس العاديين في هذا البلد غير العادي، انه يعيش بكل ما في الكلمة من معنى عالة على ضرائب شعوب الدول المانحة، وان هذا كان مقابل ثمن يدفعه بوعي او بغيره مقابل حريته وارضه، وقد اتت لحظة بقصد او بغيره ليعي هذه الحقيقة راضيا أم مكرها. هذه المرة توضع الامور صارخة ووقحة وواضحة من غير مواربة؛ خيارك الديموقراطي يعني نعشك المعيشي.

عندما يدخل الفلسطيني الى السجن فان اول ما يفقده هو ما يُفترض أن يكون طبيعي وبديهي؛ الشمس والهواء والماء والفضاء، فالازمات توقظ في الانسان تقدير ما كان يعتبره حاصل تحصيل من غير التدقيق في الاسباب والمسببات. وللسخرية الفجة، رب ضارة نافعة، فليتفكر الفلسطيني في الامة والدولة والسيادة والحرية والنماء والتقدم والعلم والتكنولوجيا والحداثة فلربما ادرك ان الثمن هو ريق حنجرته، فهل من مستعد.

ما نريد قوله؛ أن الكل رئاسة ووزارة وبرلمان واحزاب وفصائل ومجتمع مدني ومن ثم عرب ومسلمون مسئول عن لقمة عيش هذا الوطن، وهم مطالبون برص الصفوف أمام ما يجري من مهزلة الابتزاز البشعة هذه، فالرئيس مدعو لرفض تمرير المساعدات عبره شخصيا ففي النهاية هذا شعبه وهذه حكومته وهذا وطنه.

أما حماس فيجب أن تكون صادقة في تشكيل حكومة وحدة وطنية، والابتعاد عن الاستئثار بالمواقع والمراكز، وهي مطالبة بالتصرف من أيديولوجيا سمحة ومفاهيم إبداعية، فالمسالة جدية أكثر من اللازم وهي مسؤولة من راسها حتى اخمص قدميها. اما الاحزاب البرلمانية والنخب السياسية وقادة المجتمع المدني عليهم ان لا يمرروا المساعدات من جهتهم لكي لا يساء فهمهم من قبل الشعب، فقد قيل "فَوْت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها" ، وعليهم لعب دور الموفق والوسيط والعقلانية بين الاقطاب المقررة.

أما فتح فمسؤوليتها لا تقل عن حماس، وهي تستطيع ان تُسجل موقفا مشرفا ان هي مشت فوق جراحها في سبيل المصلحة الوطنية العليا التي لا تفوقها مصلحة لتقف بجانب حماس، ما دامت الأخيرة ضمن المشروع الوطني وما انفكت الهجمة خارجية لتنال من صمود هذا الشعب. هذا امتحان تاريخي، وتُسجل لفتح صفحة بيضاء هي احوج اليها في الايام القادمة، فذاكرة هذا الشعب حية وان تحلى بصبر أيوب.

فعبر التاريخ عِبَر، عندما تتعرض الامة- اي امة- الى كارثة او حرب او ابادة، تُسجل أسماء القادة والعظام والابطال والسياسيين والعلماء والأحزاب الذين أعطوا وتفانوا وتسامحوا وأبدعوا. المسالة تجاوزت لعبة الحزب الحاكم والمعارضة، ولم يعد الأمر مجرد صراع في البرلمان في دولة حرة ذات سيادة، ولا المشكلة لعبة عض الاصابع ومن يصرخ اولا، ولا هي مشكلة طلاب في جامعة، ولا خلاف عمالي في مصنع.

القضية أن أطفالا سيصبحون بدون فطور ولا اجرة مواصلات ولا دواء لمريض ولا أتمنى أن نصل لقصة عمر بن الخطاب والعجوز، وبين هذا وذاك لا يبق للفرد إلا نوعين من الصبر: صبر على ما يكره وصبر عما يحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق