16.2.09

أخلاق أم سياسة

اخلاق ام سياسة
أيلول 2007
بقلم د خالد السيفي

لم تعد اسباب الخلاف سياسية في عدم قدرة ما يسمى بفصائل اليسار الفلسطيني على التوافق ، بل اعتقد انها اصبحت اخلاقية. انت تراهم في اجتماعاتهم يتفقون في تحليلاتهم للاسباب المؤدية لتدهور الوضع السياسي، ويُجمعون بلا أدنى شك على خطورة المرحلة ( ومتى لم تكن حالتنا خطرة)، ويتحدثون بلغة مشتركة عن الثوابت الفلسطينية ويتشبثون بها، ويتفننون في وصفهم لمعاناة الشعب تحت الاحتلال. الا انهم قد يبتعدون او يقتربون ضمن انحراف معياري ضئيل في الموقف من السلطتين في الشطرين أي غزة والضفة، ولا يبخلون بوصف العلاجات المحلية والاقليمية سواء في اجتماعاتهم المحلية او الخارجية. لكنهم في النهاية يتوجون كل هذا باقرارهم ضرورة العمل المشترك لفصائلهم للنهوض بالمهمة الوطنية الكبرى الا وهي التخلص من الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية العتيدة ذات السيادة والتي اصلا وفصلا تاسسوا من اجلها ومنها يستمدون مبرر وجودهم.

اقول ان الخلاف بين هذه الفصائل أخلاقي في الأساس وان بدا فكريا أو سياسيا أحيانا. وأتجرأ بالتصريح هكذا، لأنه حسب المنطق، لو كان هناك ما يدعو لهذه الشرذمة الداخلية فان هناك من الاسباب الخارجية الضاغطة ما هو اقوى وادعى الى الاتفاق والتوافق .

وهنا يسال ساءل اذا لم يكن الخلاف سياسيا فكيف يكون اخلاقيا؟ وللاجابة على هذا السؤال البسيط بطريقة ابسط نتخلى عن حقنا في سرد تفاصيل مظاهر الخلاف الواضحة للعيان، ونعتصم عن الدخول في سراديب انعكاسات هذه الصور على ارض الواقع النضالي سواء على المستوى السياسي النظري التحليلي او على مستوى المواقف من الحدث الفلسطيني او على مستوى النشاط الجماهيري في الشارع، فهي خصيبة بالامثلة الدالة على انها ليست سياسية بل اعمق من ذلك بكثير وكلها تصب في الاخلاق والفضيلة اكثر منها في السياسة. على اي حال لم يعد مفيدا وليس من وراء ذكرها اي طائل وحسبي ان يقوم القارئ بمراجعة ذهنية ونقدية تاريخية لتصور لحظة اين كنا واين صرنا اولا، وليقف برهة تامل للانحدار الذي نهوي فيه الى لاقاع، ثانيا.

ندّعي ان بديهيات العمل السياسي المشترك لفصائل تحت الاحتلال تتوخى النهوض بالوطن وتحقيق الامال هي بكل ماتعنيه الكلمه هي:
أولا- التواضع، والذي في حالتنا الفلسطينية يعني ان كل فصيل يجب عليه التخلي عن الاستعلاء بامتلاكه الماضي والحاضر والمستقبل، ونبذ المفاخرة بما يجب وبما لا يجب ووقف التفخيم من قدره وقدرته. وندعوه بان يمشي على الارض متساويا مع الاخرين ومعترفا بهم مكملين له وداعمين، والنصيحة هنا ان لا تكون ديناصورا فقد عاشت الثديات.

ثانيا- مبدا الشجاعة مع الجماعة،. الماضي والحاضر مليء بالدروس وحسبنا الاحزاب الاوروبية واللاتينية، اما في مجال الدول فالاتحادات السياسية والشركات فوق الدولية تعلمت ان الكل اكبر من المجموع الحسابي للاجزاء في هذا الصراع الاممي على الارض والطاقة والقوى العاملة. وفي هذه الرقعة الصغيرة من العالم لم يعد مقبولا لابناء هذا الشعب ان يدعي احد الفصائل بملكيته المطلقة لمفاتيح الحل، ولا يمكن لاي فصيل منفردا ان يقوم باعباء المرحلة منفردا. فليكن الشعار ان الشجاعة هي ان تكون مع الجماعة في مواجهة الاحتلال وتحقيق المشروع الوطني في الموقف والعمل لان الثور الابيض ندم بعد زوال الاسود.

ثالثا- المصداقية: والتي تعني ببساطة عمل القول. وفي هذا المجال ننصح بان يمتنع اي فصيل عن اخذ أي موقف قبل التدقيق بقدرته على التنفيذ والا فانه يجازف بثقة الناس فيه. فكم من لقاء كان هدفه التوافق انتهى فيه الاتفاق قبل انتهاء اللقاء ولم يبدا التنفيذ بعد، ومثلنا الايجابي في هذا ان اصحاب المبادئ الثابتة هم الاقدر على التغيير.

رابعا- الوسطية: لقد اثبت التاريخ والحاضر في مسيرة الحضارات والامم عقليا وفلسفيا ودينيا وسياسيا ان التطرف والمغالاة في المواقف لا يقود الا الى الدمار والتفسخ، فالمشي الى نقطة الوسط والانطلاق منها توصلنا الى ابعد نقطة في تحقيق الهدف، فقد ثبت ان الكبت اخو الانغماس وانهما الانتحار بذاته. فالشعارات الرنانة والمواقف العنترية والبطولات الصوتية لم تعد تنطلي على احد، واي توغل في اتجاه يكون تحضيرا لولوج الاتجاه المعاكس، واحسن المواقف هي ما خدمت المصلحة العامة وكانت تعبر عن طموح الناس لا عن مآرب حزبية ومصالح فئوية، وهنا لا ضير من التذكير أن الاعتدال مرادف الوسطية إذا عنينا التركيز على الوحدة الوطنية وحماية المشروع من التصفية وعدم التلهي شمالا ويمينا كمن يتعمق في السطحيات.

خامسا-الإرادة: والتي هي بكل بساطة تعني تحقيق الفكر على الواقع عن طريق العمل، والملاحظ أنها لا تخضع للمنطق ولا تبالي به لأنه لو كان عكس ذلك لسهل التوافق والتشارك. لذلك لا يكفي أن نفهم ما يدور وإنما التحدي أن نغيِّر وهذا يحتاج لطاقة وقوة ووضوح وتمييز وثقة بالنفس وقبول للنقاط الأربعة السابقة.

فهل هذا يا ترى اصبح من السذاجة المعقدة لدرجة ان الالتزام به اصبح من السهولة المستحيلة، لا ادري ولكن ما اعيه تماما ان قادتنا اليساريين مدعوون إلى مراجعة الذات والوقوف بامانة تاريخية عند هذا الحد وأرجو أن لا نتعجب بما يفعلونه بنا، بل لما نفعله بأنفسنا
.

هناك 4 تعليقات:

  1. أمتعتني بقراءت مقالك د. خالد

    الى الأمام ودوما

    ردحذف
  2. تحياتي د. خالد السيفي
    كم نحن بحاجة الى مثل هذه الاراء التي تنبهنا الى واقعنا المرير .
    وليس فقط اليساريين هم يعانون من ذلك بل وطرفي الصراع الذين لم يعد الدم الفلسطيني عندهم سوى أداء تستخدم لتحقيق مصالح شخصية وفئوية ولم تعد المصداقية او الوسطية تمد لهم بصلة .

    وكل الشكر لك د.خالد السيفي والى معين لاينضب

    ردحذف
  3. حقيقةً إنني سررت بهذه الصفحة
    أما فيما يتعلق بتعليقي على هذه المقالة تحديدا هو أن فصائل اليسار كافة وبعض الفصائل الخرى لم تعد تمتلك القرار المناسب الذي يعبر عن فكرها وبرنامجها السياسي وإقناع عناصرها والعموم به قولاً وتطبيقاً ليس لشيء الا لسبب بسيط ( عدم استقلال الرافد المالي لهذه الفصائل ) فتبقى معارضتها وموقفها خجولاً يأخذ بعين الإعتبار كثير من القضايا ، فالى أين ذهبنا اذن ؟؟؟
    تحياتي لك يا ابو توفيق
    لؤي

    ردحذف
  4. الأخرى تصحيح للكلمة السابقة
    مع الاعتذار
    لؤي

    ردحذف