11.2.09

المشاركة مفتاح التغيير

المشاركة مفتاح التغيير
بقلم د خالد السيفي

كثرة الورشات واللقاءات والنشر حول موضوعة الانتخابات يدل على أهميتها, وتشكيل لجان رقابة الانتخابات يعني جديتها, والمذكرات بخصوص النهج الانتخابي وان كان نسبي أو حسب الدوائر يؤشر إلى أن الانتخابات واقعة لا محالة, وترافق هذا مع ما نشر من تفاعلات حول الدستور ومسودته يقطع الشك باليقين .

كل هذا عظيم ومحفز لبعض الأفكار التي تعتمل في الرأس والوجدان, ويجرني هذا الحراك مثل غيري لان ادلو بدلوي, أن كان ذلك مسموحا، على ان أقيس ما يدور في المجتمع على مسطرة الطبيعة.

فكل ما نراه حولنا من جماد ونبات وحيوان يعود أصلا في التكوين والنشأة إلى العناصر الطبيعية, والكائنات الحية على الأرض وفي المحيطات, على اختلاف أنواعها وأشكالها وأحجامها وأوزانها خُلقت من هذه العناصر. أما الإنسان فأكثرها تعقيدا وتطورا ورقيا.

الكربون من هذه العناصر, ولكنه يتمتع بشرف أن يكون مركز الحياة ومحورها الأساسي وتجمعت حوله وعليه باقي العناصر في عملية البناء والتكوين. والسر الكوني لهذه العظمة, حسب رأيي بسيطا هو "المشاركة".

ذرة الكربون تحتوي في مدارها الأخير على 4 الكترونات, وهو كباقي العناصر ينشد الثبات وذلك إما بملء المدار الأخير ليصبح العدد فيه 8, أو إفراغه ليصبح صفرا, لكن الكربون لم يرغب لا في الاكتساب ولا في الخسارة, بل آثر المشاركة ليصل إلى حالة الاستقرار, وبذلك وببساطة أصبح أرقى العناصر وأهمها, ومركزها, وقاسمها المشترك.

وما يسترعي الدهشة والاهتمام, أن هذا العنصر متوفر في كل مكان وان قيمته المادية لا تذكر. وبالمفهوم الاقتصادي والمالي, كان من باب أولى أن يكون الذهب هو صاحب الشرف والعظمة في تبوأ تلك المنزلة الرفيعة التي بلغها الكربون, أليس هو أغلى المعادن و به تقاس أهمية واستقرار النظم الدولية.

لا يا صاحبي, هذا إبداع وعبرة من عبر القوانين الطبيعية, وهي ان العظمة تكمن في المتوفر القريب الرخيص. إلا أن الأمور يجب ان لا تُؤخذ بسذاجة, فهذا المتوفر الرخيص يصبح نادرا وغالي الثمن إذا أُحسنا استغلاله ووظفناه في مكانه الصحيح, فالكربون في التراب لا يعني شيئا وقيمته لا تذكر , ولكنه ما ان يدخل الجسم حتى تصبح قيمته تعادل الحياة نفسها.

يكتسب الكربون قيمته هذه, عبر دورته في الطبيعة, من الأرض إلى النبات, ومن ثم إلى الحيوان أو الإنسان, ضمن سلسلة هائلة من العمليات العضوية المحكومة لقوانين الكيمياء والفيزياء. أي أن هناك عملية جوهرها المشاركة, يتم فيها الارتقاء المادي والنوعي, من الحالة المادية المجردة"تراب" الى الحالة النوعية من فكر وعقل وحلم.

من بين الامو ر الكثيرة التي تستأثر الانتباه في المجتمع المتحضر هو الصوت الانتخابي, والذي برأيي إن أهميته في بناء المجتمع تعادل تماما أهمية الكربون في بناء الحياة. فهو, أي الصوت, الركيزة الأساسية في بناء المجتمع الديموقراطي المدني المتحضر, فمنه ( عبر البرلمان أو المجلس التشريعي) تستمد المشاريع الوطنية مصداقيتها وشرعيتها, واليه تقدم فاتورة المحاسبة والمكاشفة والشفافية, ومن دونه لا تصح الموازنة المالية أو الاستراتيجية التعليمية والقضائية والنضالية والتفاوضية والتنفيذية.

ولعل بعض المطابقة بين الصوت الانتخابي وذرة الكربون يكون مفيدا لاغناء الموضوع. فكلاهما موجود بوفرة عند الجمهور, فلكل كربونه ولكل صوته لا ينازعه فيه احد وهما ملكية خاصة وخالصة منحتهما الطبيعة اياه وله. وكلاهما متواجدان عند العامة من غير تمييز وبغض النظر عن الجنس او المذهب او المركز او المال.
كما ان كليهما لا يعملان بمفرديهما فلا بد من المشاركة والتفاعل النشط مع المحيط لاكتساب القيمة.
اضافة الى انهما لا يعملان إلا في اطار عام سليم, فالصوت بحاجة الى مؤسسات توظفه وتستفيد منه, والكربون له دورته في الطبيعة. ومن اجليهما تُصرف الأموال وحولهما يدار الصراع.

ويبقى وعي صاحبيهما الفيصل في مقدار الاستفادة منهما, ففي حالة الكربون الغذاء و التمارين كفيلة بان تبقي الجسم سليما وصحيحا, اما بالنسبة للصوت ,وليصبح قوة وأداة تغيير حقيقية, لا بد من توفر وعي مجتمعي ووطني مسؤول لصاحب هذا الصوت, وهذا الوعي لا يتأتى الا بعمل جاد وجدي ومثابر وحقيقي ومركب ومعقد, تماما كالعمليات المعقدة التي يمر بها الكربون في دورته بهدف الارتقاء.

هذا النشاط او مجمل العمليات هو مسؤولية المؤسسات كلها والأحزاب جميعها والمستقلين والمثقفين كلهم ومن غير استثناء. وهو تحد لهم ولمصداقيتهم ومقياس لتطورهم, من خلال استنهاض الناس في الحراك الديموقراطي ليصلوا جميعا ومعا إلى نقطة التأكد والوضوح من ان الصوت الانتخابي هو اغلى واعز ما نملك, وبواسطته نستطيع وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وان قيمة الصوت متعادلة ومتكافئة لأصحابه بغض النظر عن الجنس أو الموقع أو الدين. وان تفعيل الصوت لا يستغرق اكثر من 15 ثانية عند صندوق الاقتراع, وان مستقبل صاحب الصوت ومستقبل أولاده وسعادتهم يكمن في لمن سيعطي صوته, وانه يمكن الالتفاف على الصوت واستغلاله بوجه غير ذي حق اذا بعناه رخيصا.
وانه من الخطأ القاتل ان تسود حالة من اللامبالاة وعدم المشاركة ,لان هذه المرة ستكون آخر مرة ,للتصويت على قرار مصيري بخصوص المشروع الوطني الفلسطيني, وانه بعد هذه المرة لن يكون هناك من نلومه غير أنفسنا إن لم نحسن الأداء.

يحكى ان كلبا ضل طريقه, وساقته الاقدار الى بناية ومن ثم الى غرفة مليئة بالمرايا, فرأى كلبا في المرآة امامه, فأخذ بالنباح, واستدار يمينا فرآى كلبا اخرا فاشتد نباحه عليه, وتلفت يسارا فتفاجأ بثالث فاستشرس واخذ ينبح ويدور ويصارع الكلاب من حوله. في الصباح عندما حضر صاحب المكان وجد الكلب وحيدا ميتا غارقا بلعابه, فقال " عدم وعي الذات يهلك صاحبها " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق