12.2.09

المعتزلة والاغلبية الصامتة

" المعتزلَة " والاغلبية الصامتة
آب 2005
بقلم د خالد السيفي

يحكى ان رجلا دخل على الحسن البصري وسأله الحكم في "الخوارج" الذين يكفرون اصحاب الكبائر(بني امية) ويدعون الى مقاومتهم وحمل السلاح في وجههم، وعن جماعة اخرى يرجئون حساب اصحاب الكبائر الى يوم الدين، اذ حسب ادعاء هذا الفريق "المرجئة" ان المعصية الكبيرة عندهم لا تضر مع الايمان. فتفكر الحسن في ذلك. وقبل ان يجيب قال واصل بن عطاء انا لا اقول ان صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر . ثم قام واعتزل الى عامود من اعمدة المسجد، يطلب من جماعة الحسن البصري التقرير والتاييد ، فقال الحسن "اعتزل عنا واصل" وسمي هو واصحابه ب "المعتزلة". اما دور المعتزلة في التاريخ السياسي الاسلامي اتركه لفضولك وروح البحث لديك.

على اي حال هذه احدى نظريات نشوء "المعتزلة" كتيار مقاوم فكري وسياسي وديني عبّر عن مرحلة صراع ارادات سياسية في القرن الثاني للهجرة (150ه،القرن الثامن ميلادية) . والكل يعرف ان اصول هذه الخلافات نشات بعد مقتل ثالت الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، اذ كانت تدور حول النزاع على احقية الخلافة بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان ومن ثم توريث الخلافة وما تبعه من الظلم والفساد وسوء الادارة والاستئثار ببيت المال لحساب السلاطين الامويين ومن ايدهم من الولاة والحكام على الامصار ابان الفتوحات الاسلامية. هذا ما حدث قبل الف وستمائة عام.

اما وجه الشبه بين الامس واليوم حالة الحيرة وعدم الرضى وفقدان وضوح الاتجاهات لدى العامة والجمهور حيال ما يشاهدونه من الاقتتال الداخلي وهم الاحوج الى الوحدة والتوحد لمواجهة المخفي والاعظم، هذا اولا. اما ثانيا-موقف الغالبية من سواد الشعب من الفلتان الامني والسياسي والاقتصادي والثقافي بشكله المرعب. وثالثا لوم الجانبين وعدم الانحياز لجهة دون الاخرى مهما كانت الاسباب والنتائج ويكاد يجمع الكل على تحريم الدم الفلسطيني على الفلسطيني.

وجدتني استمزج العاديين والمثقفين والمحللين السياسيين، الكل في حالة اعتزال، لا لانهم لا يهمهم بل لانه يهمهم، بل الفيتهم يعتصر الهم قلوبهم ويفلق الغم ادمغتهم وقد ابدوا تخوفهم من الاسوأ الذي قد يحصل لا سمح الله . على اي حال لم يحمل اسم "المعتزلة" صفة السلبية في النشاط اليومي المجتمعي ولا في الممارسة للحياة السياسية ، لا سابقا ولا حاليا، فالكل يعبر وينتقد وينصح ويدعو ويتوسط.

الا ان الاعتزال في المجتمع الفلسطيني له تاريخه ايضا. ففي السنوات العشر الماضية ونتيجة التراجع المستمر في القضية والتقهقر السياسي والتنظيمي الشامل سلطة واحزاب وحركات على الساحة منذ اوسلو وتتويجه بجدار الفصل العنصري ومحاصرة القدس وتوسيع المستوطنات والخوف من غزة اخرا ادى الى ازدياد عدد المعتزلين وعدم الراضين. هؤلاء المعتزلة اتفقوا على تسميتهم الاغلبية الصامتة. والذين شاؤوا ام ابوا سيحملون على عاتقهم مهمة التغيير المستقبلي ولا سيما انهم الاغلبية الساحقة من المجتمع والذين سيكتشفون قوة تاثيرهم في الانتخابات التشريعية القادمة.

لا ابالغ ان قلت ان جماهير الفئة هذه جاهزة وتنتظر فرز قيادة تتقن ادارة الصراع الداخلي والخارجي، ولكن قبل هذا وذاك هناك امران يجب المبادرة لايجادهما: الاول برنامج غير البرامج التقليدية وتنظيم لا يشبه التنظيمات الكلاسيكية من جهة، والامر الثاني صياغة فكر تنظيري لجمع الناس به وحوله، من الجهة الاخرى( لا اقول ايديولوجيا ).

وان كنت لا ارغب في ابداء الرأي ببعض القضايا الملحة لتطور هذا التيار لعدم كمال الصورة، الا انه من المفيد تسجيل بعض النقاط المفيدة للتأمل،
وهذا ما اعثقده مهم وغير طارئ لقيادة هذه الفئة المعتزلة:
1- عدم الاستعلاء الفكري وتبسيطه ليكون مفهوما للناس ويعبر عن حاجاتهم ويضع حلولا لمشكلاتهم بحيث يكون صناعة بيتية يتكلم العربية بلهجة محلية .
2- عدم المغالاة في الضبط التنظمي
3- اعادة اللحمة للنسيج الفلسطيني الجامع في الداخل والخارج
4- نشر وعي الصمود بين الناس وتبني قضاياهم الجماعية داخليا وخارجيا
5- كسب الوعي العالمي
6- التركيز على قضية الجدار ومقارعته من ناحية عنصرية واستهداف لاانسانيته بالاضافة للامور السياسية الاخرى ذات العلاقة
7- ان لا تستقدم قيادة المعتزلة مشكلات قيادات التنظيمات والحركات القاصرة، والافضل ان تدار امورهم لا من سياسيين محترفين بل بواسطة اداريين واعلاميين مهرة لتحييد الانانية السياسية والصراع على الكرسي التنظيمي
8- مخاطبة العقول والقلوب في ان واحد مع احياء القيم والمفاهيم والمثل الانسانية والفلسطينية لا بالقول وانما بضرب المثل من القيادة اولا للقاعدة ثانيا
9- ترويج فكر تداول السلطة داخل الحزب والحركة واهمية الصوت الانتخابي وزرع ثقافة التحدي من اجل التغببر والانتماء لاعلان المسؤولبة. وهنا لا استطيع مقاومة مخاوفي من ردود الفعل على فكرة ونوايا بناء الكازينو في القطاع الذي تسربت اخباره متمنيا ان يكون مجرد خبر خالي من الصحة وليس له اي جذور فلسطينية مغذية له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق