13.2.09

الجدار بين المنقول والمعقول

الجدار بين المنقول والمعقول
آذار 2006
بقلم د خالد السيفي

بادرني الجدار مستبشرا: اليوم تاكدت ان شهادة ميلاد رسمية ستصدر بحقي قريبا، وساصبح معترف بي دوليا واكتسب صفَتَيْ الحقيقة والواقع،
قلت: لا ادري عن ماذا تتحدث وغير موافق على ادعاءك هذا.
قال: هكذا انتم وتلك عادتكم، تحسنون القول لا الفعل، وتخضعون العقل للنقل، وتدَّعون الحداثة بينما تمارسون التراث، تريدون ان تصبحوا "كانتيين" فتمسون "ميكافيليين"
قلت: وما علاقة شهادة الميلاد بالمصداقية والعقلانية والديموقراطية وبالفيلسوف كانت
قال: الم تصرح حماس انها معنية بتشكيل حكومة وطنية بالمشاركة مع الاخرين، الم نسمع من الاحزاب انها تتوق الى طي مفردات سياسة الحزب الواحد وانها ستتفاهم فيما بينها من اجل المصلحة العامة التي طالما تغنَّى بها الكل.
قلت: هذا صحيح، ومن اجل ذلك التقوا وتباحثوا و........
قال : وتفرقوا، وقدمت حماس حكومتها منفردة
قلت: بلا، ولكن حماس شكلت حكومتها صافية من غير شوائب لان باقي الكتل البرلمانية اختلفت معها على امور جوهرية كمرجعية منظمة التحرير والاتفاقيات بين السلطة واسرائيل واعلان الاستقلال والموقف من اوسلو وخارطة الطريق وتفاصيل اخرى.
قال: اولا؛هذا ما هو ظاهر اما الباطن فهو التمسك بالسلطة ولكل طريقته. ثانيا؛متى لم تكن الأمور بالنسبة لكم جوهرية ومصيرية. ثالثا؛ أستطيع أن اذكر ألف سبب لكي اختلف انا مع ذاتي. ورابعا؛ دعني أكون دقيقا هنا، ما حصل ليس اختلافا بل قطيعة، لان الاختلاف شيء والقطيعة شيئ اخر، فالاختلاف يحصل في الشيء ذاته كاختلاف الليل والنهار في اليوم الواحد، والوان الزهور في البستان والعناصر في الانسان. وعندما تجمع ماهيتين مختلفتين تنتج ثالثة خلاقة وابداعية، مثلما الماء من الاوكسجين والهيدروجين، وهو اي الماء ارفع شانا من الغازين ومغاير لهما في الصفات. وكلمة تختلف تحمل في طياتها الشبه في بعض الشيء والتمايز في البعض الباقي، لذلك ما تدعوه انت اختلاف ادعوه انا قطيعة بمعنى الفصل والابتعاد عن الاتصال والتواصل في الاثر والفاعلية والنتائج، ولا اقصد في الالتقاء والتخاطب والمراسلة تحت قبة البرلمان او في الاجتماعات فهذا ليس بذي اهمية. قادتنا في الكنيست وان اختلفوا فيما بينهم يبقون اعينهم على المصلحة العامة الكبرى للبلاد، ولا ينسوا ولو للحظة واحدة انهم يختلفون لتحقيق اهداف دولتهم، ويفهمون ان هناك مساحة محدودة لا يمكن تجاوزها لاي كان ومهما كان السبب، لانه بعد ذلك يصبح الامر مساسا بامن الدولة، وهذا ما لا يتقنه ساستكم
قلت: وماذا بعد هذه المقدمة
قال: لقد ضرب شعبكم مثالا نادرا في هذه الايام باختيار زعماءه ديموقراطيا وبهذا انتم عقلييون، وكان يامل ان يخلص من كرب العيش ومما هو فيه من احتلال واختلال في الامن والامان ، الا ان الظاهرة الفتحمساوية ابت الا ترسخا، ومنعت كل امل، وتمترس كل في موقعه مدعيا الحقيقة ومالكا لجميع الحلول السحرية ومحتكرا السلطة ومتظاهرا بالعفة وحسن النية من قبول الاخر واعتماد العقل المفتوح، وفي الحقيقة كل يريد ان يفرض مرجعياته وعرفانه وقواميسه القديمة وبذلك تصبحون نقلييون .
قلت: وماذا عن "كانت"
قال: للفيلسوف مقالة مفادها ان الادوات هي جزء من النتيجة ، وهي مخالفة تماما لما يدعيه ميكافيلي ان الغاية تبرر الوسيلة. مع انكم مارستم الانتخاب وهذه حداثة، الا انكم تتحاورون تراثا. والحوار هنا اداة، فطريقتكم غير متقنة لا تهتمون بتهذيبها ولا تراعون قواعدها ولا تعطونها حقها من التفكير والتمحيص والتقليب والتفكيك والتركيب، دائما مستعجلون مطاردون من الاهواء الى الحصاد، وهذا ما شهد به ابن خلدون في مقدمته وهو منكم ، وقبله فلاسفتكم ؛ الجاحظ في "البيان والتبيين" والشهرستاني في" الملل والنحل".
فالاداة حادة والشروط مستحيلة والمفاهيم قديمة والنتيجة جاءت خادمة لسيدي اولمرت وزودته بغطاء لم يحلم به ليشرعن جداره ، فحكومة حمساوية معزولة ستسهل التسويق ضدها وستكون حقلا مكشوفا للرماية، بعدها تستطيعون انتم الفلسطينيين ان تمارسوا ظاهرتكم الصوتية كما تريدون وتسوقوا ما تريدونه من لغط الكلام وكثيره.
قلت: الغرب اصلا منحاز لكم بحكومة حماس او بغيرها، وهذا ما خبرناه على جلدنا قبل ذلك
قال: نعم، ولكن هذا ليس له شان بتوافقكم او قطيعتكم، فتاريخكم ونزاعاتكم على السلطة معروفه حتى وانتم اقوياء، الم تحكموا من حدود الصين الى الاندلس، الم تحققوا العلم والحضارة والمعرفة . اننا نفهم العقلية التي تصوغ لكم ما انتم عليه من شقاق وافتراق، وكيف تحاولون ان تكونوا عقلانيين فتقعون في فخ النقليين، ونقرأكم من منطلق؛ انه إذا كنا نريد حل مشاكل المستقبل فيجب علينا دراسة الماضي، وبالذات ماضيكم بجميع ابعاده، فطريقة عيش السلف اجبرت هذا الخلف على هذه الماساة، ونحن نعلم أن الحاضر هو محصلة الاخطاء لا محصلة الانجازات، وان الموجود يعيش مصائب الموؤد، فأول نزاع في السقيفة لم يكن بسبب لبسٌ في العقيدة بل من اجل الخلافة، وان ثاني اشتباك في العراق والحجاز والشام واقصد بين علي ومعاوية وعبد الله بن الزبير كان على الامامة، وان هذا مهَّد للتشيٌّع والخروج والتكلم والاعتزال، ومن ثم جاء المرجئة والدهريون والاشعريون، ومن بعدهم الامويون والعباسيون والاسماعليون والاباضيون والقرامطة والفاطميون والاندلسيون. صحيح ان الخلاف ارتدى في بعض الأزمان ثوب الدينية أو الشعوبية، إلا أن جوهره كان السلطة والحكم والامبراطورية، الى ان تفتَّتُم امارات ودويلات واقطاعيات تحت مختلف المسميات، سببها كلها كما جسدتموه اليوم؛ احياء العصبية التي حاربها الاسلام، ونفي الاخر حين هو اعترف بالاديان الاخرى، والتشبث بالجاه والسلطان حين تقشف الرسول "ص" والخليفتين من بعده ونهوا عن تقليد الاكاسرة والقياصرة. اما الان فكلُّ من فيكم يدَّعي بوعي أو بغيره انه الاول والاخير، له أمجاد الماضي وإنجازات الحاضر ومفاتيح المستقبل، ومع ذلك عندما خطفنا احمد سعدات من سجنه في اريحا مارستم الحماسيات والديباجات الخطابية وجلستم امام التلفزيون تجترون العجز وتكرهون انفسكم وتلعنون ذاتكم، لان المشاهد أتت تكرارا لشيء مالوف ومعروف ومدفون في اللاوعي المقيت، أتذكر أيام الاجتياح للمقاطعة..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق