13.2.09

كليم الجدار

كليم الجدار
كانون ثاني 2006
د خالد السيفي

الم يلفظ الحوت يونس .. وموسى كلم ربه . . وعيسى عليه السلم شفى مرضاه . . والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نزل عليه القران. فكيف لي ان ارفض مخاطبة جدار الفصل العنصري. الفرق ان هؤلاء أنبياء صلوات الله عليهم اختارهم الله رسلا لبني البشر للهداية، بينما أنا احد المثابرين على حب الحياة والتمتع بنعمها . . اندفع بطاقة صراع البقاء كل يوم نحو عملي ذهابا في الصباح وايابا في المساء .. اختارني الجدار . . بل حدّث بعضنا بعضا جبريا لا اختياريا.
يتسلمني جدار ضاحية البريد باكرا ليوصلني إلى آخر في قلنديا، وهذا الاخر يعيد الكرّة بترتيب عكسي في كل آخر نهار. أنا انظر إليه وهو يحدق بي، لا أتجاهله وهو يشيعني بحنق، اتامله طوال الوقت ويحاول هو التهرب مني، وان ألححت بالمطاردة ينبهني احدهم بدفعة في ظهري أو بنرفزة من بوق سيارته.
أنا امقته وهو يحاول إذلالي، هو الوحيد الذي ازدريه بدون تكليف أو مواربة. . أمامه استطيع التمرن على الشفافية والمحاسبة والمواطنة. . أبوح له بكرهي له وعدم رغبتي في رؤيته وهو يدرك أني لا أتمنى لقاءه وابغض حديثه.
بادرني الجدار: صباح الخير.
فقلت: رغما عنك سيكون صباحي ونهاري ومسائي خير، ولو لم اكن ابتغي الخير لما خرجت مع الالاف ليتحدوك كل يوم.
قال الجدار: عجبا لك أيها الفلسطيني لا يقف أمامك ساتر ولا يحبط عزيمتك حاجز. أحسدكم على تصميمكم وحبكم للحياة.
أجبته: نحن فهمنا سر الحياة.. نعشق ما فيها من أفراح واتراح .. ولا نفتأ نتذكر نعمها رغما عن همها .. نتلذذ بحلوها ومرها ولا تزيدنا الصعاب إلا تحد .. والتجارب إلا معرفة.. والحواجز إلا مقاومة. كل يوم نتغلب عليك ونخترقك بإرادتنا رغما عنك. ... مهما ارتفع طولك . . وسَمُك عرضك . . وثبِّتت قواعدك. . وكثُر حراسك. لنا البقاء ولك الفناء، لنا النشوة ولك الحسرة، علينا السلام ومنك الانتقام.
اجاب الجدار متعجبا: والى متى ستصمدون؟
فقلت: عجبا لبلادتك وقصر نفسك وقصور ذاكرتك، الم يخبِّرك الكلدان والفرس واليونان والروم والصليبيون، الم تشهد صمودنا في يافا وحيفا والمثلث، الم تسمع بجبل النار ومخيم جنين، الم نبق في الأرض بعد النكبة والنكسة قلعة على قلب من نصبك. الم يندحر من كان قبلك. . وكل دخيل هنا سار لقي ما هو غير سار . . كل مستعمر مَرَّ ذاق مُر . . وأبشِّرك أن مصيرك إلى زوال. الم تدرك أن ورائي طفل وعمل وأمل أتحمل المسؤولية عنهم، اما هذا البيت فله رب يحميه، وعن ذلك سلِ حراسك من الفلاشا أحفاد الاشرم الحبشي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق