11.2.09

اي مجتمع مدني نريد

أي مجتمع مدني نريد
نيسان 2005
بقلم د خالد السيفي
"والله لو علمنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا "، هذه قيلت لعمر ابن الخطاب، أما من هو عمر فكلنا عارف به، العالم الحازم، القائد الرائد، العادل والزاهد. ما سيأتي، ليس درسا في الخلافة ولا دعوة للنقل، وإنما دعوة لإعمال العقل. وهو ليس للإسقاط بل لللإستنباط، ومحاولة للأخذ بروح الشئ وجوهره لا بظاهره وقشوره. هذا الاستهلال أردنا له أن يكون مفتاحا للولوج الى الموضوع لإلقاء الضوء على شجاعة من نظم الفكرة حتى أصبحت عبرة، وذلك لاعتقادي ان لها دلالات عصرية ومجتمعية لم يُفقدها الزمن معانيها. فهذه الرواية تفيض بديهيات وقواعد ومنهجية أولى بها والإعتبار منها. أقول ليس المطلوب نقلا او نسخا بل المقصود اعمالا للعقل وتفحصا للمنطق . تتجلى روعة المقولة انها دروس في:-

1- تحمل المسؤولية، فإصلاح الذات والمجتمع يقع على عاتق العامة اولا واخيرا، لانها هي المعنية في التغيير والتقويم ، وان كانت السلطة قد أوكلت لغيرها لللإضطلاع بادارة شؤون الأمة .
2- المراقبة والمتابعة والمساءلة، أي الرصد للافعال قبل الأقوال لأولي الأمر والقائمين على شؤون العباد.
3- المبادرة لخلق الحدث والتاثير بالوضع القائم دونما السكون أو الركون والاتكال على نخبة قد تتقاعس.
4- المصارحة دون خوف ، فقيلت في المسجد امام الناس وبحضور ممثل السلطة وعلى رؤوس الاشهاد.
5- التحزب للقانون والعدل والحق وبالطرق المناسبة والمتعارف عليها، فلكل زمان وواقع اسلوب يتناسب مع تقافته واعرافه في احقاقه الحق قولا او مناقشة او صندوق اقتراع او مجموعات ضغط.
6- وجوب المعارضة والجهر بها صراحة وعلانية والتخلي عن ثقافة مكاشفة الأجنبي قبل تداول الأمر داخليا والحد من تفاقمه من جهة، والأخذ بإصلاح البين قبل أن تصبح طموحاتنا مطالبا يساوم عليها من يتربص بنا.

استحضرني التاريخ لبرهة، لاننا بالأمس أُخذنا على حين غرة. واقصد هنا انتخابات 96 عندما كنا في فرح من امرنا لعودة القيادة والاحبة من الخارج، حينها اختلطت النشوة بثقافة انتخابية غير ناضجة لدى الجميع، وبقلة الخبرة بهذا النوع من الانتخابات البرلمانية، وبعدم الوعي لخطورة واهمية برلمان اول مرة. اضف الى ذلك ما كان من حسن النية استند على منح فرصة لما قد تتمخض عنه اتفاقيات اوسلو المعلنة والمخفية.
عندها دفعنا ممثلينا الذين على مدار 10 سنوات لم يهتموا الا بمصالحهم الخاصة، وحطموا الارقام القياسية في سوء الاداء الاداري، وحققوا اسرع تقهقر سياسي ما زالت بثوره بادية على الجلد واثاره شاخصة للعيان.

والدعوة هنا لكي لا نُلدغ من الجحر مرة ثانية، فنعبث بمستقبل اولادنا ومقدرات بلدنا ونجازف بالاجيال القادمة ، وهي، أي الدعوة، موجهة إلى الكل، عامة وخاصة، نخبة وسواد، مثقفين كاملين ومبتدئين ، وان كنت اقصد بالاساس مجتمعنا المدني، مؤسساتا وقيادة وجمهورا .

ان مهمات المجتمع المدني كانت وما زالت وستبقى مهمات مجتمعية تنموية تتضمن مفاهيم واليات ومعاني متعارف عليها، ابسطها خدمة الناس والحفاظ على حريتهم وحقوقهم والرقي معهم . وهي أي المؤسسات خلقت نفسها وبررت وجودها لاعادة صياغة منظومة المفاهيم والعلاقات وسبل العيش على مدار عشرات سنوات الاحتلال من اجل تدعيم صمود الناس وضد الاحتلال والقهر والتهجير. وهي جنبا إلى جنب مع الأطراف والقوى السياسية اسست لصمود هذا الشعب ومازالت حتى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى لحظة قراءتك هذا المقال.
وهي إذ تبنت شعاراتتها مسترشدة بمفاهيم الإنسانية والمساواة والمساءلة والشفافية والعدالة وسلطة القانون والمواطنة والمشاركة في اتخاذ القرار والديمقراطية وممارسة الحريات وحقوق المراة والطفل في التعليم واللعب والإبداع والتمكين وتامين الغذاء والدواء والبيئة الصالحة في البيت والمحيط، اصبح لزاما عليها ملئ الثوب الذي لبسته ايفاء للوعود وتحقيقا للموعود.

المتابع لنشاط المؤسسات يقر ان هناك حراكأ تشغيليا، فكريا وعمليا، لا يمكن الا الاعتراف به، من مشاريع عدة في مجالات عديدة منها ما هو موجه للبطون ومنها ما هو موجه للذهون، كثير من ورشات التدريب على القيادة والريادة والادارة والتخطيط بجميع انواعه وبناء القدرات، وأيضا لقاءات وندوات في جميع المجالات، في الديموقراطية وانتقال السلطات والدولة والعنف والسلم، وهذا مهم وضروري لترسيخ المفاهيم والقيم والمثل والعادات التي ينادي بها أي مجتمع على أبواب القرن الواحد والعشرين.

ألان وقد حل زمن ستُمتحن فيه هذه الدعوات، وتقاس فيه تطبيقاته التي طالما نظَّر ودعا إليها الرواد والقادة والمفكرون في هذا المجتمع المدني. نحن على ابواب فرصة، فيها يُطالب هؤلاء القادة إقران الأفعال بالأقوال، إذ ستُقيَّم فعالية ومصداقية ( عمل القول ) وأمانة ( قول العمل ) هذه المؤسسات وهؤلاء القادة بتحقيقهم وإنجازهم لأهداف ومهمات المجتمع المدني من خلال اثر مساهمة مستهدفيها (جمهورها) على العملية الديمقراطية ترشيحا وانتخاب،ا وهي بذلك تدافع عن صدقيتها ومبرر وجودها واستمراريتها .

ليس صحيحا ان معركة الانتخابات هذه معركة بين احزاب وحركات سياسية فقط، وان كان وجهها الظاهر كذلك، انا اقول واجزم انها معركة المجتمع المدني اولا واخيرا، وليس صحيحا ان مؤسسات المجتمع المدني يجب ان تاخذ طابع الحياد والجلوس على مقاعد المشجعين، بل يجب ان تكون طرفا اساسيا ولاعبا في قلب الهجوم لحسم المباراة لمصلحة من تمثل من الناس. كيف تلتزم الحياد وما سيتمخض عن هؤلاء الممثلين من سياسات وقوانين وتشريعات ستصيب وتصب في حِجر هذه المؤسسات ومن تمثل، فإما تصيب مقتلا واما تحقق ظفرا.
أليس من مهمات المجلس التشريعي تحديد طبيعة النظام السياسي وبلورة معالم الصراع النضالي والتفاوضي، وسن القوانين والسياسات الصحية والتعليمية والاقتصادية، هذا المجلس سيقرر ما نتنفس ونشرب وناكل ونلبس، وسيعقِد سقف الأمن والأمان المادي والمعنوي. اليس الفضاء الذي سيعمل ويؤثر فيه المجلس وتشريعاته هو نفس الفضاء الذي تنشط فيه مؤسات المجتمع المدني _ الناس.
يا صاحبي، لا يكفي ابداء الراى في ندوة من على منبر، او في ورشة امام لوح قلاب، بل يجب ان يتجاوزه الى تكوين مجموعات رأي ضاغطة على المسؤولين المتقنفذين والشروع في تنظيم لفاءات جماهيرية وحشد مسيرات في الشوارع وامام التشريعي. أقول آن الأوان لصنع الحدث لا للتعليق عليه برجمه واستنكاره "بالينبغيات" "واللاءات"، آن الأوان لرمي الثقل داخل مؤسسة المجلس التشريعي ان يقر القانون الانتخابي والحصص النسبية والمناطقية، وان يشارك (المجتمع المدني) في صياغته لياتي خادما للمصلحة العامة وليس مرسخا لمصلحة اقلية هي اصلا اوصلتنا الى ما نحن عليه من حال الهوان والضيق. واخيرا ان يحرص بفاعلية في إحكام عملية الاقتراع لتأتي نظيفة ونزيهة وديموقراطية، لا كما حصل في انتخابات الرئاسة.

هناك من يحاول تصوير أن الانتخابات هذه بين فريقين فقط، فتح ( حزب السلطة ) وحماس ( ممثل التيار الاسلامي )، وبقصد او بغيره يهولون من قدرة حماس ومن استشراس فتح، وكأنه ليس امام الناس الا خياران ، إما مزيدا من الانحدار أو مزيدا من الانتحار ( السياسي ) .

ونقول هنا انه يوجد خيار ثالث هو خيار التيار الوطني الديمقراطي المستقل المتمسك بالثوابت الوطنية، صاحب العقلانية الشامخة للمقاومة، ومعتمدا اليات الديمقراطية كمنهجية عمل مؤسساتية وحياتية وسياسية، أسَّس للتحالف وحقق نتائج طيبة ومهمة بشهادة الجميع، فمن الطبيعي، والطبيعي جدا ان يفرز المجتمع المدني جسما لترتيب العلاقة مع هذا التحالف جنبا إلى جنب مع العمال والمستقلين والديموقراطيين ونظيفي اللسان واليد والفرج، ليحاوره في البرنامج والاليات وليتفاعل ويتفق معه على المرشحين.

هذا يتطلب عقد اجتماعات تشاور وحوار ونقاش بين ممثلي المؤسسات وجماهيرها اولا، وبين المؤسسات فيما بينها ثانيا، وبين المؤسسات والتحالف ثالثا، للنقاش وابداء الراي واختيار المرشحين ومن ثم واخيرا تحديد موقف. هكذا انا افهم مهمات مؤسسات المجتمع المدني.

فاين يا ترى مجتمعنا المدني مما طُرح، ومتى يبدأ الحراك، وفي أي كفة سيوزن نفسه؟؟؟، هذا ما "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود"، وكان طرفه ابن العبد صاغها ليومنا هذا والحال كذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق