12.2.09

التشريعي وحكومة الوحدة الوطنية

التشريعي وحكومة الوحدة الوطنية
تموز 2005
بقلم د خالد السيفي

لأشهر الماضية شهدت، والقليلة القادمة ستشهد نشاطا انتخابيا وديمقراطيا ايجابيا. ونحن إذ لا نرجو أن يخبو هذا الحراك تحت وطأة الضغوطات الخارجية أو تحت ابتزاز المصالح الفئوية والنزعات والنزاعات الشخصية، فإننا نامل ان يتم تحديد موعد للانتخابات التشريعية واستكمال الانتخابات في المجالس المحلية في الأسابيع المقبلة.
ولا احد ضد الوحدة الوطنية ، وكل واحد فينا يصبو الى ان يرى قواه الوطنية والاسلامية صف واحد في الصراع المصيري في هذه الايام على كل شبر ومتر وذرة من تراب هذا الوطن. كلنا نتغنى صبابة للوفاق الوطني والاجماع الذي نعرف انه لن يزيدنا الا صلابة وقوة في مواجهة الأوضاع الصعبة الحالية.
استوقفتني الدعوة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية واثارت في نفسي اسئلة عديدة مثل، لماذا الان بالذات؟ وفي هذا الوقت؟ من هي القوى المدعوة لهذا الائتلاف؟ وما علاقة الدعوة هذه باعادة الانتشار في غزة، وما هي الصلة المباشرة وغير المباشرة بتاجيل الانتخابات الى اجل غير مسمى؟ وهل هناك تعارضا بين حكومة الوحدة الوطنية واجراء الانتخابات الديموقراطية لمجلس تشريعي اصبحت مدته خارج الزمان؟، وعلى اي اساس سيقام هذا الائتلاف؟ وهل الائتلاف قبل او بعد الانتخابات ومعرفة النسب الممثلة؟، ام ستكون هذه الحكومة بالكوتة والترضية؟، ما هو البرنامج وما هي الاسس التي عليها سيبنى عليها التحالف؟ وما هي المرجعيات والدساتير التي سيحتكم اليها القادة والممثلون المتالفون في حالة اختلاف الراي ؟ ، ثم ما العلاقة بين هذه الحكومة ومنظمة التحرير التي تقبع مؤسستها في الثلاجات منتظرة من يعيد اليها الحياة ان امكن؟، ثم ما هي الاستحقاقات من كل ولكل عضو في الائتلاف على صعيد الوزارات والدوائر والوظائف؟، وهل سيزيد عدد المدراء العامون وعدد الاجهزة الامنية والقضاة بما يتناسب مع هذا الائتلاف؟، وهل سيكون لهذا الائتلاف وزارة؟، كيف ستتعامل الحكومة مع نداءات غزة باعطاءها ادارة مستقلة؟، اهي دعوة للاصلاح السياسي ام ماذا؟
اولا– ان كان الهدف من هذا هو الاصلاح السياسي وتقوية الجبهات الداخلية والخارجية عن طريق الوفاق والتوافق، فالاحرى عقد الانتخابات التشريعية باسرع وقت ممكن للتخلص من فقدان الشرعية لهذا المجلس واسترداد الهيبة للنظام السياسي الفلسطيني باسرع ما يمكن، هذا بحد ذاته يقود الى التنوع والتنافس والتكامل والقوة والحكمة والشرعية بدلا من إعتماد المسكنات للازمات المتلاحقة في هذا النظام، فالاصلاح الحقيقي يكون عبر صناديق الاقتراع وغير ذلك هو التفاف مكشوف لن يقود الا الى المزيد من تراكم الاخطاء والكوارث الوطنية. اليابان ضُربت بقنبلتين ذرييتين والمانيا لم يبق حجر على اخيه في الحرب العالمية الثانية، وكلا البلدين رزحا تحت الاحتلال ومن غير شروط. الان كلنا يعرف من هي اليابان رائدة الاقتصاد الاسيوي والمانيا طليعة التصنيع وداعية اوروبا الموحدة. واعتقد ان هاتين الدولتين اعادتا بناء الكيان السياسي والاقتصادي من داخل الصندوق الانتخابي وعليه، فتجارب التاريخ ما زالت شاخصة للعيان، ان الدول التي يتم فيها تداول السلطة بمشورة شعوبها هي الاقدر على البناء الداخلي والذود عن البلد من الطامع الخارجي.
ثانيا- لدي اعتقاد ان الاسباب التي توهمتها السلطة ( الحزب الحاكم) ودفعتها لتاجيل الانتخابات ما زالت قائمة، واكاد اجزم انها ستظل قائمة لفترة طويلة مما يستدعي المطمطة والتاجيل واختراع الاعذار والافكار للالتفاف على هذا الاستحقاق. الكل يعرف ان الاسباب التي ادت الى نشوء ظروف صعبة داخلية في حركة فتح ، وخوفها من حماس وتنامي قوة التيار الديموقراطي المعارض سوف لن تزول بين ليلة وضحاها، هذا ان صح الاعتقاد بان الوقت يضعف حماس وان التيار الديموقراطي الفتي سيتراجع. ان كل المؤشرات تؤكد العكس تماما، فهل يا ترى حكومة الوحدة الوطنية هروب للامام وكسب للوقت؟.
ثالثا- اكثر ما اخافه انه في الايام القليلة القادمة سيصبح مصطلح "مجلس تشريعي فلسطيني" غير قابل للحياة، ولن يكون في متناول اليد ولن يعبر عن ذاته في الحياة السياسية الفلسطينية. واخاف ان يكون اعادة الانتشار في غزة هو الخطوة الاولى فقط من مسلسل القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ومجلسها التشريعي الموقر. اذ ان غزة قد تكون النموذج لما قد يحصل في باقي اجزاء الضفة. اما الخطوة الثانية فهي سلخ الاغوار عن الضفة وتعميرها للمستوطنين القادمين من غزة او مستقدمين من غيرها، ومن لا يصدق فليطارد الحقائق على الارض من جدار في الاغوار وحواجز وتحديد الاقامة وسد الطرق وطلب تصاريح التنقل هناك، اضافة لهدم بيوت الفلسطينيين وردم الابار وسياسة الترحيل المنظمة هناك من جهة، وتشجيع الاستيطان بتقديم الاراضي (الفلسطينية) ومنح القروض والاعفاءات الضريبية وتسهيل العيش والمواصلات والاتصالات للمستوطنين من الجهة الاخرى. اما الخطوة الثالثة فهي قطع الشمال عن وسطه بمستعمرة ارئيل ليكون وحدة منفصلة، وفصل الوسط عن جنوبه بتمدد مستوطنة التلة الفرنسية لتتوحد مع معالي افرايم ، ليصبح الوطن 4 قطع. واما الخطوة الرابعة ان يُصور لنا ان انتخاب 4 حكام لكل كنتون ( غزة، شمال ووسط وجنوب الضفة) هي مهمة وطنية عليا للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، نختار حاكمنا نحن وبارادتنا ولنسميه امبراطورا ان شئنا.
رابعا - الان وبرايي اصبحت الانتخابات مطلب للحفاظ على المجلس التشريعي وللابقاء على وحدة النظام السياسي الذي بدوره مساءل عن الوحدة الجغرافية لهذا الوطن. المسالة اكبر بكثير مِن مَن سيفوز، والمسؤولية اعظم من ان يقوم بها لون واحد والمؤامرة عامة وطامة. حقيقة لقد ان الاوان لهذا الشعب ان يرى قيادته موحدة جامعة للاطياف السياسية كلها من غير استثناء، ممثلة تمثيلا حقيقيا لوجودها في الشارع لا لتسهيل تنفيذ مهمات بعينها، بل لرسم سياسات الصراع والتفاوض (ان بقي هناك حاجة للتفاوض) ووضع استراتيجيات العمل المستقبلي، ولكن مرة والى الابد من داخل وعبر وعلى الصندوق الانتخابي تماما مثل المانيا واليابان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق