13.2.09

الاقتتال وفلسفة الماضي والمستقبل

الاقتتال وفلسفة الماضي والمستقبل
كانون اول 2005
بقلم د خالد السيفي

شاهدنا وسمعنا واستذكرنا كيف يذبح الفلسطيني اخاه الفلسطيني، حذَّرنا وناشدنا وتفلسفنا ولا حياة لمن تنادي. سال الدم وانفجرت الآهات وتنادى القوم للفزعة. ما زال الاصبع على الزناد والشك سيد الموقف والمتربص يرقص طربا، كيف لا والذريعة وُفرت والفتحة لحصان طروادة جُهزت. اصبح جلي وواضح ان البديهيات غير مفهومة والمبادئ غير مهضومة والمحرمات غير مصونة. اين الوعي؟.

تخيل ان شخصا ولسبب ما اخطأ الحاوية ورمى كيس القمامة امام منزلك، ماذا سيحصل؟. اعتقد ان الدنيا ستقوم من غير ان تقعد. لكنك تقر وتعترف انك تسمح وبرضى خاطرك ان يقذفوا كل يوم اطنان من القمامة في دماغك سواء من التلفزيون او من المذياع او عن طريق المجلات او بقصص من افواه الاصدقاء وما لف لفهم، بل وتستمتع بها من اخبار واغاني وإثارة وافلام ومسلسلات.

هل تعرف لماذا لا نحقق ما الذي نريد أن نحققه (وطن حر وحياة كريمة)؟، وهل تعرف لماذا سنبقى كذلك لزمن طويل رغم كل تضحياتنا؟، وهل تعرف لماذا غيرنا من الشعوب استطاع النهوض؟. اليابان مثلا ضربت بقنبلتين نوويتين واستسلمت من غير شروط، وألمانيا دمرت بالكامل، ولم يبق حجر على أخيه، ورغم ذلك نهضوا واعادوا البناء، وأنت تعرف ألمانيا المحرك الأساسي لأوروبا وتعرف اليابان وريادتها لأسيا.

الخوف يا صاحبي هو السبب، الذي يجعلك عبدا للآخرين، وذليلا لكسب رضاهم، وضعيفا امام المغريات والمستهلكات، وإمَّعة للمرآة السياسية المليئة بثقافة المصلحة الحزبية الضيقة والفصائلية المفرقة والحركية المشتتة، تماما كمن تهيمن عليهم المرآة المجتمعية ليعبدوا الوجبات السريعة والفيديو كليب. والخوف هو المحرك للكسب السريع والغير شريف، وهو المولد لضعفك والآمر لخضوعك وموافقتك ان تبقى ذليلا محتلا.

هناك من قال ان احدا لا يستطيع سلبك حريتك (ارادتك) الا بموافقتك. على أي حال، خوفك هو نفسه الذي يدفعك لكي تستعبد الآخرين وتوقع الفتنة بينهم أو حتى تحاربهم، وهو نفسه ما يدعوك لقمع الآخرين أو الكذب عليهم أو الالتفاف على ما هو ليس لك إن كان ماديا أو فكريا أو سياسيا. خوفك على مركزك وموقعك سواء في الحزب أو الوظيفة او البيت يجعلك أن لا تكون صادقا مع نفسك أولا وغير صادق مع الآخرين ثانيا، في الحالتين خوفك هو المصدر.

هناك كلمتين تعودنا قولهما ولكن كنا غير مدققين لمضامينهما المصداقية والأمانة، الأولى تعني عمل القول والثانية قول العمل. أي الأولى تعني أن تنفذ وتعمل ما تلفظت به من وعود، والثانية أن تعكس قولا دون زيادة أو نقصان ما نفذته أو عملته. ولماذا نطرح هذه الهرطقة؟؟. لان من اتفق وتوافق في القاهرة او في غزة اخل بالمصداقية وخان الامانة، الم نتفق على هدنة؟ الم نتفق على الاحتكام لصندوق الاقتراع؟ الم نتفق ان الدم الفلسطيني محرم؟ الم يتوافق عليا القوم وقادتهم؟.

لماذا لا تقوم بتمرين ذهني، أن تلتقط من الذين حولك من هو الأمين ومن هو المصداق. نعم نحن اليوم أحوج من أي يوم آخر لهذه المفاهيم البسيطة التي قد نتذاكرها بعض الوقت مع بعض الناس. لقد حلت الميكيافيلية والكذب والفهلوة والخداع والتكتيك مكان العهد والاخوة والمبدأ والذكاء والمعرفة والعلم. وما يدعو للسخرية أننا عودنا أنفسنا على هذا، واصبحنا نتفنن في اقناع أنفسنا والأخريين ونجد المصطلحات العصرية التبريرية من نوع المصلحة والتجارة والمشروع والمنافسة والدعاية والمحافظة على النفس والعائلة والحرص على تعليم الأولاد في الحياة العامة، اما في السياسة فيقابلها المصلحة الوطنية العليا والخطر الخارجي الداهم ومصير الأُمة والشراكة والظروف والجدار والضغوطات الخارجية وتفاهمات الشرم والقرم.
أنا لست متشائما، ولا نكدا، بل على العكس من يعرفني في الحياة العادية أنا أكثر الناس تفاؤلا وأكثرهم مرحا. ولكنك تقر بينك وبين نفسك أنني أصبت ما نسبته 99% من أفراد المجتمع الذين يغطون خوفهم بمصطلحات من القائمة التي ذكرت. ولو لم أكن مصيبا لكان الحال غير الحال والوضع غير الوضع.

ولو سألتني عن مصدر الخوف لقلت لك الدماغ (العقل)، لان العقل هو رجل الأعمال وهو الذي يقوم بالحسابات ووزن الأمور ومنطقتها وتعليلها والبحث عن المعلومات لتدعيمها وإيجاد ما يبررها. وهل تعرف لماذا العقل هو مصدر الخوف، لان العقل جاهل، والجهل هو مصدر الخوف. فالعقل دائما جاهل لانه يعتمد على المعلومات التي يحصل عليها، والمعلومة تصف شيئا حدث في الماضي، وأي شئ حدث في الماضي هو ليس الحاضر، والحاضر بالأكيد ليس المستقبل. وأنت تحاكم الحاضر وتخطط للمستقبل بمعلومات عن الماضي وبذلك تكون جاهلا وهذا سبب خوفك. ولكي تتخلص من خوفك تحاول أن تستبق الاحداث بخطوات وقائية مبنية على الماضي ومعلومات الماضي، لكن فيها يكمن مقتلك او مقتل غيرك.

الشجاع هو الذي يضع نصب عينيه المستقبل، والمستقبل لا توجد عنه معلومات لأنه لو وُجد لما سميناه مستقبلا، والعقل لا يستطيع التعامل مع المستقبل لعدم وجود المعلومات. ولك الخيار إما أن تكون شجاعا أو جبانا.

الجبان يمضغ الماضي ويقف عند الأطلال ويجتر الأمجاد ويعيش فيه فيقتل الأمل والطموح والتجديد. أي بذرة تحمل في جنينها الحياة والمستقبل. لو كان لها عقل لفكرت بأطنان التراب والصرار وآلاف الاحتمالات من الدهس والهرس والطحن من حيوان وإنسان وريح وشمس وعواصف تهدد حياتها. والحمد لله ان ليس لها عقل. لأنها لو ملكته لفضلت البقاء في الدفء والأمان، تماما كما قرر الكثير البقاء تحت الاحتلال فهو أكثر أمانا واسلم للحياة واحفظ للوظيفة والكرسي والمشروع والسلطة والجاه والزعامة والقيادة، حتى أنهم قرروا توريثه للأجيال مع جدار أو بدونه.

ولان العقل لا يستطيع التعامل مع المستقبل هناك عضو آخر صمم لهذه الوظيفة، ألا وهو القلب، القلب ليس بيت العاطفة فقط، فهو أيضا بيت الفكر وتخزين المعلومة. هل تعرف لماذا عندما يصفون الشجاع يشيرون إلى قلبه؟. عند مواجهة الأخطار يُشل العقل من فعل الخوف، ويعمل القلب وهذا سبب ازدياد خفقانه، والا لماذا يصف الناس حالتهم بغياب عقلهم عند الشدائد وتدفق الدم في عروقهم وتصببهم للعرق ، عندها يأخذ القلب ناصية الأمرلغياب العقل!!!.

الجبن من العقل والشجاعة من القلب. أنت تخاف أن يضحك عليك الناس لو تجرأت التفكير بهذه الطريقة، عندها سأقول لك انك من 99% من هؤلاء الناس الذين يخافون، وأنت تخاف أن تظهر بمظهر المضحوك عليه باتجاهين الأول الساذج والثاني الغبي. ولو استشرت الناس، ربما لن ينعتوك لا بالساذج ولا بالغبي وإنما سيكونوا أكثر مني دبلوماسية وأفضل كياسة ويصفوك بعدم تحمل المسؤولية. ولكن برهة لو سمحت، اتنعتني بعدم تحمل المسؤولية؟ أرجوك أن تنظر أمامك وحولك وتسال من الذي لا يتحمل المسؤولية.

العقل مشغول، العقل يركض، العقل مسحور ومضغوط تحت الوقت والمال والجهد، إما بإيجار البيت، او بقص الشعر والجيم او بآخر أغنية، وبعضهم يستدين ليذهب إلى منتجع. وهناك صنف اخر يلهثون وراء السلطة والغنائم والثروة والشركات والمشاريع والنفوذ، كم شركة أسست وستُأسس على وهم المساعدات (3 مليارات) وكم خطة رسمت للاستيلاء على الاراضي المستردة في السجن، 3 مليارات ان صح ذلك هي كانتين ومخصصات المساجين . هذا وذاك سيان من حيث أنهم يركضون ولكن في مستويات مختلفة أولا، وثانيا أنهم يركضون طوال الوقت، وثالثا هم يتنقلون بين المستويين، المهم أنهم مشغولون مثقلون ولا احد مستعد لا لتحمل المسؤولية ولا التفكير في المسؤولية، أنا أتحدث عن مسؤولية التحضير لهذا القادم، لمنع الاقتتال واختراق الخطوط الحمراء وحقن الدم الفلسطيني وصون المشروع الوطني (ان بقي) والتخلص من جنون الاستئثار بالسلطة والصراع على الكراسي والغاء الاتتخابات والاستهتار بالقيم الانسانية والوطنية والفلسطينية.

أتحداك أن تقضي النهار كله بحثا عن شخص أو مجموعة تستطيع أن تعطيك رؤية أو أمل أو إلهام ،لن تجد. العقل سيهز كتفه ويؤشر إنها ليست مسؤوليته، هي من مسؤولية آخرين، وأنا أسالك من هم الآخرون؟. كلهم خائفون على الامتيازات، الوظيفة، السيارة، المدرسة الخاصة، الممتلكات، الأولاد السفريات، وبعضهم الاصحاب واخرين جلسة اللعب في الورق والنرجيلة، لكل واحد منهم شيئ يخاف عليه، اتاوات ورشوات وتابعين وامتيازات وزعامة وإعلام.

هل تعلم لماذا هم خائفون؟، لأنهم يعيشون في الماضي هم أسرى معلوماتهم، وأي معلومات اقصد؟، انه سيأتي احد مثل صلاح الدين ليحررهم، ومعلومة أن اخا وسيطا او دولة شقيقة ستتقدم لتفض الخلاف، وما كان كأنه لم يكن، وما سياتي كانه لن ياتي. هم اسرى معلومة أن لهم دين وتراث ولغة وحضارة ستحميهم مهما طال الزمان، هم ينتظرون المهدي ليخلصهم ، هم لا يستطيعوا ان يعيشوا في المستقبل بدون "احتلال"، هم لا يستطيعوا ان يتصوروا العيش بدون "الاحتلال"، لانهم لم يجربوا هذا النوع من العيش، هم ولدوا تحت الاحتلال، ولا اقصد بالاحتلال فقط للاراضي، وإنما اعني ايضا الاغتراب الفكري والحضاري والتراثي والثقافي والمعنوي والسياسي والانساني والمبدئي ، ولا يجرؤون التفكير او لا يعرفون، لانه ليس لديهم معلومات في الذاكرة، هم لم يجربوا العيش بدون الاحتلال، لا يوجد خبرة ومعلومة عن الحرية، فهم خائفون.

على أي حال الإلهام يأتي من القلب، هو يأتي من حيث يوجد الإيمان والتحدي، وهناك تجد الإرادة. ولكي تتحمل المسؤوليات الكبيرة يجب أن تكون صاحب قلب كبير. لاحظ أن الذين لعبوا أدوارا في التاريخ لم يكونوا عباقرة علم، بل كانوا أصحاب مهن عادية وشهادات متواضعة، لكنهم كانوا أصحاب قلوب كبيرة. المستقبل غير معروف ومجهول ولا يوجد عنه معلومات يبقى محيرا ومخيفا، واتجرأ واشير عليك ان تترك عقلك وتعتمد قلبك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق