13.2.09

سياسة حية ام ميتة

سياسة حية ام ميتة
حزيران 2007
بقلم د خالد السيفي
يبدو أن هناك قوة طاردة مركزية تُلقي بكل ما هو أخلاقي وقيمي ووطني إلى الأطراف بعيدا عن متناول حياة أفراد هذا المجتمع ، وفي نفس الوقت توجد ثقوب سوداء ذات قوة مغناطيسية هائلة وجاذبة لكل ما يمكن أن يسبب الفتنة والتشرذم والتبعية.وإن هدأت عاصفة اغتصاب الاقصى, فالاعمال ما زالت مستمرة كالنار تحت الرماد، فهو (الاقصى) والفلسطيني ينزفان، فهذا من انفاقه وهذا من شرايينه واعناقه. وقوى الحفر والهدم في رحاب المسجد هي نفسها التي ما فتأت تصدِّع جسم السياسة الفلسطينية، الفارق ان الفاعل في الحالة الاولى واضح للعيان والايدي اسرائيلية، اما في الثانية فهو (الفاعل) مغطى بقشة وان كثرت الشواهد عليه. فبقدر ما تتعثر حكومة الوحدة، بنفس المقدار سياتي التخريب في الاساسات والسياسات.
لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، هذه فيزياء وقوانين المادة غير العاقلة. اما بالنسبة للعاقل فالقانون هو: ان بين الفعل ورد الفعل هناك فسحة من الزمان والمكان، في هذه الفسحة يكمن المستقبل، ويستطيع الفلسطيني فيها ان يختار لا ان يكون رد فعل كالجماد، بل يختار التفاعل مع الحدث للتأثير فيه وتغييره.
وان بدا ظاهريا ان اتخاذ القرار بين تبنّي رد الفعل او التفاعل، يتأثر بثلاث عوامل: الموروث الثقافي والبيئة المحيطة وطبيعة القوى المتصارعة على الساحة. الا انه في الجوهر يبقى المقرر الأول والأخير في هذه اللعبة الخطيرة هي الإرادة والعزيمة. نعم قد يكون الماضي فرض الحاضر علينا، فماذا نحن صانعون من اجل المستقبل؟، لنا أن نختار وبأيدينا أن نكون أحياء عاقلين أو جمادا ميتين.
نكون عاقلين عندما نُحَكِّم الراي ونجمع المعلومات وندرس المعطيات ومن ثم نقراها صح وبتأنٍّ لتبصُّر النتائج، بهدف ان يسيطر العقل على المقال والفعال . ونصبح ميتين عندما نغلِّب عصبيتنا ونطلق العنان لغرائزنا الانتقامية ونرد بوحشية على اخطاء الجهلة منا، فلا نستوعب مشاعر الغضب ولانقاوم اغراءات القوة لننجر للاشتباك.
باختصار يمكن توصيف ما يجري كالآتي:
اولا- أن هناك رأسين كبيريين في الساحة الفلسطينية يتناطحان والمطلوب من الجمهور الولاء اما لزيد او لعمرو. ومع اشتداد التأيُّن يزداد التنافر وبالتالي التوتر، فيخسر الطرفان تأييد الشارع. وهذا يقود إلى اختلال الأمن والأمان. الذي بدوره يُنتج تفتت اجتماعي وتجزئة شاملة بين قبائل وعائلات وأجهزة.
ثانيا- أن هناك عدم استقلال في القرار الفلسطيني، وانه يستحيل إرضاء جميع أصحاب المصالح داخليا وخارجيا. وان استمرار الحال على هذا المنوال لن يقود البلد الا الى الدمار، وإذا استمرت الحكمة مجافية لقياداتنا فالويل لنا الويل لعقود قاتمة قادمة.
ثالثا-أن التسلط وممارسة الأبوية على الحقيقة أصبح جليا وواضحا للعيان، فالطرفان يدعيان امتلاكها وان بيد كل منهما مفاتيح الأرض والسماء، وكلٌّ يتوهم انه ممثل المطلق على البسيطة.
وعجبا لقاموس السياسة الفلسطيني الذي تشبَّع بالمصطلحات الوطنية المفرغة من المعنى والمحتوى، وعجبا لقاعات التدريب التي أُتْخمت من ورش العمل التي تجتر التسامح، الاعتراف بالطرف الاخر، والديموقراطية والحرية والنظام والمجتمع المدني وحقوق الانسان، فن المفاوضات، وانما المؤمنون اخوة ونحن كالجسد الواحد.الظاهر ان احدا لا يعني ما يقول، كل هذه المرادفات مبنية على مفهوم واحد وبسيط، انه هناك ثمة من هو غيرك يعيش معك على هذه الارض فلتتشارك واياه. والحاصل، أن الغوغاء لا الإصغاء هي سيدة الموقف، والحديث هو خراريف، والحضور طرشان، والرؤية خالية من البصر البصيرة، والخطة دون رسالة او هدف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق