13.2.09

الجدار المرئي والافكار المخفية

الجدار المرئي والافكارالمخفية
آذار 2006
بقلم د خالد السيفي
بادرني الجدار متشفيا: ها قد تم لي ما كنت اصبو اليه، فقد قاربت على الالتقاء بطرفي الاخر، وبذلك اكون قد اكتملت.
فقلت والغيظ يقتلني: للاسف نعم، رغم ما بذله البعض من غالي ورخيص في سبيل الحد من نموك ولمّ شملك، ومع ذلك تبقى ظاهر لباطن ومرئي لخفي
قال: وما قصدك
قلت: يحكى ان احدهم تاه في الصحراء، وقد اصابه من الجوع والعطش والتعب ما اصابه، فاسلم امره لافكاره وخياله، فترآى له بستان مكتوب على بوابته واحة التمنيات، فدخلها وهو يفكر في شربة ماء، وما هي لحظة الا وجرة ماء بارد تتمثل امامه، فشرب وارتوى، فنازعته نفسه الى طبق طعام فاذا بمائدة بما لذ وطاب من الانواع فاكل حتى شبع، ثم تنبه ان هذا غير معقول فلربما كان هذا المكان مسكونا بالعفاريت وفعلا انتصب امامه مارد عملاق اثار الرعب في كيانه، فجرى خوفا من ان يقتله، وهذا ما كان بالفعل.
قال الجدار: لم افهم وما علاقة هذا بذاك ومالي وللعفاريت
فقلت: ان هذه القصة تجسد المقولة: ان الاشياء تخلق مرتين مرة في الدماغ كفكرة ومرة على ارض الواقع
فقال: واين المرئي والمخفي
قلت: انك ترى الاغصان والاوراق والثمر فوق الارض وهذا المرئي، ولا تبان لك الجذور وهذا المخفي. ولو امعنت الفكر قليلا لوافقتني ان الظاهر من الاوراق والثمر ما هو الا تعبير وتجسيد للمخفي أي الجذور. وباسهاب اكثر فان حالة الجذور من تهوية وتغذية وسقي تظهر في نضارة الأوراق والثمر، ونشاط الجذور وحيوتها لها دالتها من الثمر الوافر الطيب والاوراق الخضراء اليانعة، فالجذور اولا والثمر ثانيا او هما وجهين كينونة واحدة، وحتمية الثاني مرهونة بوجود الاول.
قال الجدار: لعلني اجد صعوبة في ربط المغزى من هذا كله
فقلت: مع ان المعنى اصبح واضحا، الا انه لا باس من المماثلة على ما جرى في علاقتنا لغاية الان. انت بمظهرك البشع وشكلك المؤذي وكيانك الاسمنتي تقابل الثمر او النتيجة، التي ما هي الا مظهر وتكثيف لمنهجية تفكير لا عقلاني فلسطيني ومن وراءه عربي اسلامي شامل، وهذه المنهجية تقابلها الجذور في مثالنا السالف
قال: ما زلت غير فاهم
قلت: لولا مفاهيمنا المغلوطة عن المفاوضات وقيمنا المنحرفة في التحالفات ومعتقداتنا الدخيلة عن التنازلات وعلومنا المتخلفة بأساليب النضال ومعارفنا المشوهة عن الوحدة الوطنية وتغليبنا للاني على الاستراتيجي ومصداقيتنا المفقودة امام الاخوان والاصحاب وفكرنا المشوش بين المصلحة الذاتية الدنيا والوطنية العليا وعبادتنا للذات الشخصية، اقول لولا هذا كله لما قامت قائمة لا لك ولا لامثالك
قال الجدار: لم انظر للامور من هذه الزاوية
قلت: لكن لا تفرح فأنت ما زلت في نظري وهم وتخلف وجهالة وقصور تكثف لدرجة الصلابة، ستتلاشى في اي لحظة يستدرك فيها قومي ذاتهم ويردموا الهوة بين ما كان وما يجب ان يكون في الماضي، فتزول كسراب الصحراء كأن شيئا لم يكون في الحاضر القريب والمستقبل الاتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق