11.2.09

فلسفة الوحدة

فلسفة الوحدة .....!
22/2/03
بقلم د خالد السيفي

المثل القائل أكلت يوم أكل الثور الأبيض, يتجسد يوما بعد يوم فامس فلسطين واليوم العراق وغدا سوريا أو مصر أو ....والاجماع ما زال امنية والموقف يحتاج الى اكثر من قمم.
لسنا في معرض سرد لمقومات الوحدة العربية الجغرافية ولا السياسية ولا الاقتصادية, ولا وحدة اللغة ولا الدين ولا التاريخ ولا المصير ولا المصيبة، فمكتباتنا مشبعة .

ما يهمني هو فلسفة الوحدة, هل هو شعار حقيقي أم زائف؟ وهل فيه قوة مانعة وشافية لحالة الضعف والعجز, أم هو مجرد كلام هنا وهناك لبعض المنظرين أو الحالمين. والشأن ذاته في فهم العلاقات الإنسانية ردها إلى أصولها في العلاقات الطبيعية.

فهمت من المزارعين, وراعني شرحهم وحكمتهم عندما قالوا إننا نجعل مسافة معينة بين الاشتال بحيث تكون قريبة من بعضها البعض, هذه المسافة تعطي الجذور حريتها في التمدد اولا, وتساعد جذور جاراتها في تفتيت التربة وتنعيمها للاستفادة العامة ثانيا. وهنا تكامل ووحدة مع المحافظة على هامش الخصوصية.

أما في علم التطور فقالوا أنه لا يمكن أن يكون هناك خلق إلا إذا توفر تكامل بين الذكر والأنثى أي الاتحاد, وصلاح الحياة الجديدة ( الطفل ) مرهونة بنوعية العلاقة بين الام والاب من جهة والاخوان من جهة اخرى والكل ببعضهم البعض من جهة ثالثة وليس لهذا علاقة بالمال او بالجاه.

اما في علم الفيزياء فالسفن تحمل أضعافاً مضاعفة من الأثقال تفوق مجموع قدرة حمولة أجزائها منفردة, وهذا تطبيق لقانون ان طاقة الكل اكبر من المجموع الحسابي لطاقة الاجزاء.
وللتبسيط, لو أن لوحا من الخشب يستطيع أن يحمل دون أن ينقلب 100 كيلو غرام من الاثقال, قسمته إلى نصفين لكان متوقعا أن حمولة كل نصف هي 50 كيلو، لكن الحقيقة هي أن كل نصف سيحمل 40 فقط, وهذا يعني أن القطعتين منفردتين ستحملان ما مجموعه 80 كيلو غرام فقط. ولو أنت قسمت النصف إلى نصفين فان كل منهما سيحمل فقط 10 كغم وبذلك يكون مجموع حمولة الأرباع معا 40 كغم فقط، وتُفقد قدرة حمولة 60 كغم. هذا يعني ان عدم تلاحم الارباع الاربعة الى بعضها اضعفها وافقدها قدرة حمولة 60 كغم. اذا السر في الاتحاد والروابط.

وهذا ما يحدث في جسمك بالضبط, فجسمك لا يعترف بالتفاح او اللحم, بل يتعامل معها كعناصر طبيعية مجموعة الى بعضها بروابط كيماوية, هذه الروابط هي التي تعطي الطاقة اللازمة لاستمرار حياتك.

كفاك أن تعرف أن الأشياء تُخلق غير كاملة وهي في مسيرتها يجب أن تدخل في علاقات مع محيطها لتصل الاكتمال الذاتي اولا, الذي سرعان ما يكتشف صاحبه, أنه مجبر مرة أخرى على الدخول في علاقات الجماعة ثانيا, للمحافظة على نفسه ثالثا. بعدها يكتشف صاحبنا الشيء, ان لكل مستوى من الوجود ما يناسبه من العلاقات والروابط مع المحيط التي يكمن فيها سر التطور. فان لم يعها ويف بها, أي العلاقات ومستحقاتها, في حينه يبدأ هذا الشيء في القصور، وآثار القصور في العلاقات مع الأشياء المحيطة تبان على الشيء لوحده في البداية حتى يعم الكل في النهاية.

وهم عندما قالوا في الاتحاد قوة, لم يقصدوا الجمع الحسابي لمجموع قدرة الأفراد, بل اشاروا الى "الكل" الذي تترابط فيه مع بعضها البعض بروابط فكرية، عاطفية، روحية، اجتماعية وحتى فيزيائية لتوليد حالة جديدة نوعية في القدرات والوعي الذاتي والجماعي.

إذا فالشعار حقيقي، ومُجرب في الماضي, مرئي في الحاضر( للاسف ليس عندنا), ودعى إليه الرسل والحكماء ودعمتهم الطبيعة.

فأين المشكلة يا ترى، ولماذا شعار الأمة العربية غير قائم وصعب المنال؟؟

وهذا ما حاول أحدهم أن يفسره لي ، فالقضية عندما تكون في الطبيعة أو العلوم المجردة يسهل فهمها والتعاطي معها. أما في علم المجتمع فهو علم معقد , وفي علم الاقتصاد هو أكثر تعقيدا, وعندما يأتي الحديث عن السياسة فهذا ما لا يمكن استيعابه, لأنه لا يخضع لقوانين الطبيعة او المنطق أو العلم, بل منطقها ودافعها هو المصلحة الذاتية الضيقة المبنية على السيطرة والقوة وحب التملك, فاللغة هنا هجومية تشككية اتهامية انانية .

نقول وبعيدا عن لوم الاخر, لكي تتكامل يجب أن ترتقي في مفاهيمك، لأن التكامل هو أرقى أشكال العلاقات قاطبة، فيه تُمتحن المفاهيم الأساسية كجملة المثل والقيم ، وعي الذات، الرؤية والاحلام، وأخيرا الإرادة.

ولا يمكن أن تتكامل مع الآخر إلا إذا كنت حرا ومستقلا، وإلا فلن يُسمى تكاملا بل إما مسيطرا أو مسيطرا عليك .

ويأتي بعد ذلك أن يكون هناك مصارحة وثقة ورعاية للعلاقة, بحيث نحافظ على كرامة وكيان الطرف الآخر. فيها يتم تشخيص نقاط الالتقاء والاختلاف والتنوع، فالإيجابي يُقوى والسلبي نعوض عنه ونساعده, اما التنوع فهو تميز وتعددية وقوة, ولو كانت الاشياء متطابقة لفقدت مبرر وجودها.

ولا تُحرق المراحل بل تُعطى وقتها, لان الوقت يوفر فرصة بيان الخلافات في مهدها, ويعطي هامشا للمشاركة ومساعدة الاخرين في حل مشاكلهم وكسب ثقتهم ورعاية العلاقة معهم.

وعملية الاتحاد أو التكامل أو الوحدة، سمها كما شئت, هي عملية ضخمة وعظيمة وكبيرة جدا, تحتاج إلى طول نفس وقدرة عالية من التحمل, والعمل في ظروف عدم الوضوح خاصة في البداية عندما تكون النهاية ضبابية وغير مضمونة, تحتاج إلى انفتاح في العقل والقلب، فيها مواجهة لاحتمالات وخيارات ومنعطفات جديدة, هنا يبرز القادة الحقيقيين، هنا تُصقل الصفات, فيها يكون التطور والتعلم لجميع المشاركين، فيها تذوب الفردية والمصلحة الذاتية لحساب الكل.

فالداخل في مشروع كهذا يحتاج إلى قدر كبير من الاطمئنان الداخلي اولا والثقة بالنفس ثانيا، ونفسية المستكشف وحب الجديد وروح الخلق ثالثا، والحكمة رابعا, والارادة خامسا, ووضوح الاتجاهات سادسا.

ولكي ننهي حديثنا أتذكر الشيخ الذي دعا أولاده وأعطاهم حزمة من العيدان لكسرها، فلما لم يستطيعوا أعطى لكل عودا فكسره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق